لا أحد يستطيع إنكار حقيقة اجتياح الصين للأسواق الاقتصادية في مختلف دول العالم، ولكن هل تساءلنا من قبل هل يبدو الأمر في الواقع كما هو في الصحف؟ هل حقًا لا بديل للسلع الصينية زهيدة الثمن؟

هذا ما دفع الكاتبة والصحفية الأمريكية «سارة بونجورني» لخوض هذه التجربة وتوثيقها في كتاب «365 يومًا بدون صنع في الصين»، وما تتوصل إليه الكاتبة في نهاية المقاطعة حتى لو كان منطقيًا وبديهيًا فهو يحمل في طياته الكثير من التساؤلات.

لا لعب أطفال صينية، لا أجهزة إلكترونية صينية، لا ملابس صينية، لا كتب صينية، لا تليفزيون صينيًا؛ لا شيء صينيًا لمدة سنة واحدة؛ لمعرفة هل يمكن القيام بذلك. يمكن أن يكون هذا قرارنا في السنة الجديدة.

هذه الكلمات رددتها بونجورني على زوجها كيفن في بداية محاولاتها لإقناعه بقرار المقاطعة، ولكنه استمر بتجاهلها واستمرت هي في محاولاتها، وأثارت لديه روح تحدي الأمور التقليدية، فقبل الأمر على مضض متيقنًا بأن هذه التجربة ستنتهي بكارثة كبيرة.

بدأت بونجورني في إخراج الصين من بيتها؛ بدايةً من ألعاب أطفالها حتى شموع عيد الميلاد والخطاطيف المعدنية الصغيرة. لم يمض القليل حتى بدأت التساؤلات تتوغل داخل مخيلة الكاتبة، فتخيلت حوارًا مع والدتها التي تهتم بكل مخلوق على وجه الأرض، توصلت إلى أنها لا تخوض هذه التجربة من أجل العمال الأمريكيين الذين فقدوا وظائفهم، ولا من أجل العمالة الصينية زهيدة الثمن، فهي تريد أن تقاطع المنتجات الصينية بغرض التجربة لا لأغراض سياسية.


مواجهة الأصدقاء

لم تكن بونجورني تطيق الانتظار حتى تخبر المقربين منها بشأن قرارها، أحيانًا كانت تتلقى دعمًا كثيرًا، وأحيانًا تُرمَق بنظرات ازدراء، ولكن ما كان صادمًا حقًا، انتقاد صديقتها الأمريكية المقربة -التي تعيش بفرنسا- لها بشكل لاذع حيث قالت:

سوف تصبحين عارية ومفلسة. إنك تحلمين إذا كنت تعتقدين أن بإمكانك تلبية احتياجاتك اليومية بالأشياء المصنوعة في أمريكا. هذا شيء من الماضي. إن الأساس الكامل للاقتصاد الأمريكي هو أشخاص يشترون حفنة من الأشياء، والصين سهّلت ذلك بالنسبة إليهم بجعلها أرخص؛ فالناس يشترون بنهم كل شيء تصنعه الصين.

كانت تتوقع دعمًا غير مشروط من صديقتها هذه لكنها لم تجد غير جملة «لن تنجحوا أبدا»، ولكن لم يكن الأمر على هذا النحو دائمًا، فقد تلقت من الجيران والأصدقاء دعمًا يفوق محاولات الإحباط هذه، لدرجة أنهم في الحفلة التي أعلنت فيها عن نواياها للعام الجديد قاموا بفحص كل شيء حولهم وقد كان المنزل مليئًا بعبارة «صنع في الصين».


البدائل الإيطالية مرتفعة الثمن

أصاب بونجورني الذعر عندما اكتشفت أن قدم ويس (ابنها) قد كبرت وهذا يعني أنه يحتاج إلى حذاء جديد، لم يكن ذلك في الحسبان خاصة في بداية المقاطعة، وكان هذا من أهم التحديات التي بدأت أن تواجهها وهو البحث عن حذاء رياضي غير صيني، توجهت إلى مركز تسوق ولكن بلا جدوى فكل الأحذية صينية بسعر 9 دولارات -سعر زهيد بالطبع- ولكنها لا تستطيع خيانة المقاطعة، وبعد البحث والتنقيب توصلت إلى حذاءٍ إيطالي مقابل 68 دولارًا، ترددت كثيرًا حتى تقوم بطلب هذا الحذاء، ولكنها حسمت القرار وقامت بشرائه.

هذا ما قالته والدة بونجورني لها عندما كانت تشكو من أن شراء نظارة شمسية غير صينية سيكلفها الكثير. فكيفن (زوجها) فقد نظارته الإيطالية، وبعد أن شعر بالاكتئاب لعدة أيام، منحه صديقه في العمل «نصيحة فلسفية» وأخبره أن الناس لا يفقدون نظاراتهم الشمسية، بل يضعونها في حقيبة مجازية للأشياء الضائعة تمتد في جميع أنحاء العالم، وأن كيفن بذلك لم يفقد نظارته الشمسية الإيطالية، ولكنه ببساطة تبرع بها للحقيبة، وأنه سوف تظهر نظارة أخرى، تبرع بها شخص آخر، يجب ألا يتردد كيفن في أخذها. ونتيجة هذا «التفكير المشبوه»، قام بسرقة نظارة من «سلة المفقودات» في مدرسة الأطفال التمهيدية، رغم صغر حجمها وعدم ملاءمتها له.

وفي يوم آخر رأته صديقة صاحبة النظارة الحقيقية واتهمته بسرقتها، ودخلا في نزاع حتى كُسِرت النظارة. وتجنبًا للنظارات الصينية، حاولت سكرتيرة كيفن إنقاذ الموقف وقامت بشراء نظارتين صينيتين له، حيث كان مقبولاً تلقي الهدايا الصينية ما داموا لم يقوموا بشرائها بأنفسهم، وبعد بحث ومماطلة قامت بونجورني بشراء نظارة إيطالية بمبلغ 150 دولارًا.


حرب الألعاب الصينية والتحايل على المقاطعة

كان لمواجهة الألعاب الصينية الحظ الأكبر من المقاطعة، فمن الصعوبة أن تبلغ طفلاً لا يتعدى الأربع سنوات بأنه لا يستطيع شراء اللعب التي لطالما حلم بها، فقط لأنك تقاطع الدولة المصنعة لهذه اللعبة.

إذ بدأ ويس في التذمر بشأن الألعاب الصينية ومطالبة أمه بها، بدءًا من لعبة التمساح والسيف حتى قائمة سانتا التي كانت صينية بالكامل، وكان التحدي يزداد عندما يكون هناك عيد ميلاد لطفل من أصدقائهم، فيتجولون في الممر المليء بالألعاب الصينية، ويزدادون تذمرًا وحنقًا تجاه المقاطعة.

لقد حالفهم الحظ في قسم لألعاب ليجو الدنماركية، ولكن لم يستمر الأمر حتى أصبحت ليجو شركة تصنع ألعابها في الصين، وهذا ما تنبأت به الكاتبة، ولم يمر على رأيها فترة وجيزة حتى قامت الشركة بنقل مصانعها إلى الصين لاستغلال العمالة الرخيصة.

وبعد ذلك، لم تستطع بونجورني التخلص من تذمر وإلحاح زوجها وابنها ويس حول أمر حوض السباحة الصيني القابل للنفخ، وقررت التحايل حول المقاطعة حتى لا ينسحب هو والأطفال من هذه التجربة، فطلبت من أخت زوجها أن تحضر له هذا الحوض في عيد ميلاده بما أن الهدايا لا تدخل ضمن المقاطعة. ثم واجهت مشكلة في شموع عيد الميلاد الخاصة بكيفن، فطلبت منها أيضًا أن تحضر لها شموعًا كهدية.

كانت بونجورني على وشك الاستسلام قبل عيد الهالوين أمام ابنها ويس، عندما أراد شراء اليقطينة البلاستيكية الصينية، في تلك اللحظة كانت ستضرب بقرار المقاطعة عرض الحائط وتشتري له هذه اليقطينة، ولكنها توصلت إلى اتفاق معه بأن يشتري هذه اليقطينة من نقوده الخاصة في حصالته.


ما بعد المقاطعة

ماذا كنت تتوقعين؟ لا يمكنك توقع أشياء مجانية في هذا العالم، خصوصًا إذا لم يعد عالمك يشمل الصين بعد الآن.

جلست بونجورني بعد الكريسماس لتحلل نتائج هذه المقاطعة، لتصل إلى نسبة البضائع الصينية من بين السلع التي حصلت عليها الأسرة خلال هذا العام، وجاءت النتيجة 11 للصين مقابل 42 لبقية العالم، وكانت كل الأشياء «صينية الصنع» قد حصلوا عليها كهدايا، و60% من هذه الهدايا كانت من والدتها. وعند تفحصها لأرقام العام السابق لقرار المقاطعة؛ وجدت 25 سلعة صينية مقابل 14 من بقية أنحاء العالم.

بونجورني لم تكن متأكدة من أهمية هذا الرقم، حيث رأت أن المقاطعة كان يمكن أن تكون كاملة، لكن استثناء الهدايا من قرار المقاطعة حال دون ذلك.

اقترح كيفن الإبقاء على المقاطعة، فقد رأى أنها جعلتهم أكثر عمقًا في التفكير حول كيفية إنفاق الأموال، وكانت بونجورني تتفق معه في ذلك، فلم يعد المنزل مليئًا بأشياء لا يحتاجونها لمجرد أن أسعارها زهيدة، لكنها لم تستطع اتخاذ القرار بشأن هذا الأمر، فهي ليست متأكدة من فكرة مقاطعة الصين طوال الحياة.

في نهاية الأمر قررت بونجورني وزوجها إنهاء المقاطعة وشراء المنتجات الصينية، فهم لا يستطيعون العيش بدون الهاتف أو التليفزيون، ولكن المقاطعة جعلت رحلاتهم إلى الأسواق والمتاجر ذات مغزى، برغم أن النفقات المالية كانت متعادلة، ولكن الفرق أنها أصبحت تُنفق بين عددٍ كبير من المتنافسين، وليست محتكرة على منافس واحد وهي الصين. كما توصلوا في نهاية الأمر إلى البحث عن بدائل للسلع الصينية، وسيقومون بشرائها عندما تكون الخيار الوحيد.

ما كان مثيرًا للتساؤلات حول جدية الكاتبة وحدود تجربتها، هو راحتها النفسية عندما عادت لشراء السلع الصينية، فهناك دماء صينية تسري في عروقها وعروق أبنائها، نتيجة الجذور الصينية لعائلة آل بونجورني، وشعرت أن منع الصين من حياتها إلى الأبد يبدو كإغلاق الباب في وجه جدها الصيني «السيد تشانج»، الذي أحبته للغاية.

ولكنها من وقت إلى آخر تشعر أنها تفتقد المقاطعة، خاصة أنه بعد 10 أعوام من الآن لا تعلم إن كانت قادرة على تكرار التجربة أم لا، فهي لا تعلم مدى ازدياد صعوبة الحياة دون البضائع الصينية في المستقبل.