من آن لآخر علينا أن نتذكر هذه الحقيقة، حتى لا نستغرب تصرفات الطفل التي تبدو مختلفةً عن تصرفاتنا، وعن بقية الأطفال في مثل عمره. عادةً يتقبل الآباء اختلاف طفلهم الأول بصعوبة، وحين يمرون بالتجربة، يظنون أن الأمر أصبح سهلًا وأنهم قد حصلوا على سر التربية، ثم عند قدوم الطفل الثاني، تكتشف أن عليك البدء من الصفر، لأنك أمام إنسان (آخر) مختلف تمامًا.

تسألني إحدى الأمهات، لماذا لا يقص عليّ ولدي ماذا حدث في الفصل؟ مثلما تفعل ابنة زميلتي، الطفلان يقضيان اليوم معي في الفصل وكلاهما يرون نفس الأحداث، لكن الفتاة تعود إلى والدتها محمّلةً بالكثير والكثير من الحواديت، وتبدأ بقص ما حدث بالتفصيل، وتمثيل ماذا حدث أثناء اليوم الدراسي، مع عرائسها وألعابها.

الطفل الآخر تسأله والدته: ماذا حدث في المدرسة؟ فيصمت!

يشعر الآباء بالإحباط لأن الطفل لا يتحدث ويخبر بما حدث، خاصةً حين تكون لديك تجارب سابقة مع أطفال متحدثين يخبرونك بما حدث قبل أن تطرح السؤال، بعض الأحيان عليك أن تفكر مرةً أخرى، ماذا لو كان سؤالك هو المشكلة؟ الأسئلة التي تتضمن تفاصيل واهتمامًا بطفلك ستجعله يتحدث، ويعرف ما الذي يريد أن يتحدث عنه.

فكر حين يسألك أحدهم ماذا فعلت في مقابلة العمل اليوم؟، أو حين يسألك أحدهم ماذا ارتديت؟، كيف كان شعورك؟، ما هي الأسئلة التي طرحت عليك؟، ما أكثر سؤال وجدته مميزًا/ مجحفًا؟، وتخيل كيف تنتهي المحادثة الأولى وكيف تنتهي المحادثة الثانية.


كيف يمكن أن تجعل طفلك يتحدث إليك؟

قد تعتقد –بناءً على أسئلة الطفل التي لا تتوقف- أن طفلك ينتظر منك الإجابات معظم الوقت، ما تغفل عنه هو أن طفلك ينتظر منك الأسئلة المناسبة التي تساعده على تحليل الموقف وتحليل مشاعره الخاصة.

هل هناك سؤال مناسب وآخر غير مناسب ؟

بالطبع، الأسئلة المباشرة/ الإجابات المباشرة ستكون مفيدة للطفل لحظيًا، الأسئلة التي تضمن مراحل تفكير أكثر تعقيدًا ستمنح الطفل فرصة للتفكير وإعادة النظر، وتكوين جمل مناسبة لما يشعر به، وإسقاط طريقة التفكير هذه فيما بعد على مواقفه المقبلة.


كيف تكون معلمًا متميزًا لطفلك؟

عليك أن تتعلم كيف تطرح الأسئلة.

الموقف الأول: اليوم الدراسي

السؤال المطروح: كيف كان يومك في المدرسة؟

إجابة طفلك: جيد

قد تتوقف كل يوم أمام إجابة طفلك، وتتساءل لماذا لا يخبرني بما حدث؟، هل حدث شيء ما سيئ؟، لكن هل فكرت أن تغير من طريقة سؤالك؟

نماذج لأسئلة يمكنك أن تسألها لطفلك:

  • ماهو أكثر شيء أعجبك اليوم في المدرسة؟
  • ما اسم الطفل الذي كان يجلس بجوارك؟
  • ما الألعاب التي كانت موجودة في ساحة اللعب؟
  • ما اللعبة التي اخترت أن تلعبها؟
  • مالذي أخبرك به المعلم ووجدته مثيرًا للاهتمام؟
  • هل كان هناك شيء تتمنى وجوده في المدرسة ولم تجده؟

طفلك يريد أن يتحدث إليك، وأن يخبرك بكل ما يحدث، لكنه في الغالب لا يملك المفاتيح التي تؤهله لهذا الحديث، حين توفر له الألفاظ المناسبة التي يمكنه التعبير من خلالها، عبر سؤالك المميز، ستجد أن محادثتكما تطول كما ترغب.

الموقف الثاني: مشاهدة فيلم كرتوني

تعرف أن عدد الساعات الكثيرة أمام الأجهزة الإلكترونية مضرة للطفل، لكن كيف تتصرف ومدة الأفلام الكرتونية عادةً تتعدى الساعة. يمكنك اختيار أحد الأفلام القصيرة الكرتونية – بعد مشاهدتها والتأكد من مناسبة المحتوى- عادةً تكون هذه الأفلام من دقيقتين إلى 3 دقائق، وهي مناسبة جدًا لطفل تحت السبع سنوات.

ماذا أفعل بعد انتهاء الفيلم؟

السؤال التقليدي الذي قد تسأله لطفلك هو: هل أعجبك الفيلم؟، وستكون الاجابة عادةً، نعم/ لأ. وتنتهي المحادثة. لكن دعنا نتخيل محادثة أكثر متعة تجعل من تجربة الفيلم تجربة تعليمية متكاملة.

أمثلة على الأسئلة المطروحة:

  • ماذا قد يحدث لو أن (تغيير في حدث القصة).
  • ماذا كنت لتفعل في نفس موقف البطل؟
  • أي من الشخصيات تفضلها؟، ولماذا؟
  • ماذا تتوقع عن مشاعر الشخصية في ذلك الموقف؟
  • أخبرني نهاية مختلفة للقصة.

الأسئلة التي تتضمن مستوى أعلى من التفكير تؤهل طفلك لممارسة هذا النوع من التفكير بشكل تلقائي، حين تعتاد هذا النوع من الأسئلة المتنوعة مع طفلك سيعتاد هو أن ينظر للمواقف عن طريق إجابة الأسئلة.

الموقف الثالث: عند حدوث مشكلة

حين يشتكي طفلك من أمرٍ ما، طفل تعّرض له بأذى/ كسرت لعبته/ تشاجر مع أحد أخوته.

حين يحمل الطفل الموقف إليك، بدلًا من إعطائه الاجابة، ابدأ بسؤاله عن أبعاد الموقف، دعه يكتشف الإجابة بنفسه.

  • لماذا كسرت اللعبة؟
  • هل يمكننا إصلاحها ؟
  • كيف نتصرف في المستقبل للمحافظة على اللعبة التي تعجبنا؟
  • ما الذي يمكن صنعه من بقايا اللعبة المكسورة؟
  • لماذا باعتقادك ضربك الطفل الآخر؟
  • بما شعرت حين ضربك؟
  • كيف تصرفت؟
  • هل كنت تود لو أنك تصرفت بشكل مختلف؟ كيف ذلك؟
  • ماذا تريد أن تفعل المرة المقبلة؟
  • ما سبب شجاركما في اعتقادك؟
  • لماذا لم تترك لأخيك اللعبة؟
  • ما البدائل التي ترى أنها مناسبة، حتى لا تتشاجرا؟
  • هل توافق على اختيار لعبة أخرى؟

ما هي المواقف التي تصلح لطرح الأسئلة؟

طرح الأسئلة يصلح لكل مواقف الطفل، السؤال عن المواقف التي تحدث في الشارع، تقييمه لها بشكل شخصي هل تعجبه أو لا؟، هل يظن أنه من الجيد أن نفعل ذلك أو لا؟ العواقب؟ الأحداث؟، الجماليات؟؛ أي اللوحات الدعائية الأجمل؟، ولماذا؟ لماذا لم تعجبك هذه؟، ماذا كنت لتغير؟

قائمة الأسئلة التي تستطيع أن تعطيها لطفلك تطول وتطول حسب الموقف والمحادثة، والإجابات أيضًا، إجابات طفلك ستكون في الغالب مبهرة، وغير متوقعة، تدفعك لأسئلة أكثر تعقيدًا وتفكيرًا. مع اتخاذك للأسئلة منهجًا للطفل، سيعتاد الطفل أن يحادثك بنفس الطريقة، وأن يتعرف على كل شيء عن طريق طرح الأسئلة، طرح الأسئلة الذي يؤهله فيما بعد لتوقع النتائج، وتقدير مشاعر الآخر، وأسس البحث العلمي، لذلك فكّر في كل مرة ترى فيها طفلك.

ترى ما هو السؤال المناسب الذي يمكنني طرحه الآن؟