الصحافة هي حياة لمن يمارسها، تتجلى فيها مبادئ الفرد في الدفاع عن حقوق العامة، بينما يستغلها آخرون لتحقيق مجد مزيف في مسيرة لا تمت لأخلاقيات المهنة بصلة. سُجن البعض وانتُهك آخرون في سبيل إعلاء كلمة الحق على منبري الورقة والموقع. ومع التطورات المتلاحقة فإن الصحافة كان لها الحظ الأكبر من ذلك التطور التكنولوجي الهائل، فطورت الدوريات الورقية ودخلت الصحافة منعطفًا جديدًا كان من أهم ملامحه المواقع والمدونات والصورة والفيديو.


تاريخ الصحافة المصرية

عرفت مصر المطبعة في أحداث الحملة الفرنسية على يد نابليون بونابرت والتي زودها بحروف فرنسية وعربية وأُلحقت بها فيما بعد الحروف اليونانية، وكانت تُستعمل لإذاعة ما يصدره الجيش والإدارة من أوامر وبلاغات.

ولم تعرف مصر الصحافة إلا عن طريق الحملة الفرنسية التي كانت تصدر جريدتين الأولى تحت عنوان Le Courrier de l’Égypte، وكانت تصدر كل خمسة أيام باللغة الفرنسية فقط، وكانت تعمل على إيصال أخبار الجنود لفرنسا وإيصال أخبار فرنسا للجنود.

أما الثانية فأطلق عليها La Décade Egyptienne، وكانت تصدر كل عشرة أيام وخُصصت للمسائل الفنية والأدبية والعلمية.

فكان ذلك أول عهد مصر بالمطبعة ومعها الدوريات، فكانت مطبعة المحتل ودورياته التي ما لبثت إلا أنها انتهت برحيله وخروج الجيش الفرنسي من مصر.

الصحيفة تُستعمل للدلالة على الدوريات العامة، والجريدة تدل على الدوريات اليومية، والمجلة تدل على الدوريات المتباعدة أسبوعية كانت أو شهرية أو نصفية.

وجاء بعد ذلك عهد محمد علي وجاءت معه المطبعة فأُنشأت مطبعة بولاق في سنة 1821 وزُودت بالحروف العربية والتركية واليونانية وأضيفت لها أصناف الورق المختلفة. وكان بجانب مطبعة بولاق مطابع أخرى صغيرة كمطبعة مدرسة الفرسان بالجيزة، والطب بأبي زعبل والمدفعية بطره، وكان اختصاص هذه المدارس الثلاثة طباعة ما تحتاجه المدارس التابع لها المطبعة.

واختصت مطبعة القلعة بطبع (جرنال الخديوي) والذي يعتبر أول الدوريات المصرية المطبوعة، وصدر أول عدد في 1827 والذي كان يُطبع منه مئة نسخة يوميًا باللغتين العربية والتركية وكان يختص بقراءتها رجال الحكومة ومأموريها.

وجاءت (الوقائع المصرية) جريدة عامة بعدما أصدر محمد علي أمرًا بإصدارها، فكانت تحوي المقالات والبحوث في المسائل المالية والصحية والأخبار الخاصة بجانب الأنباء الرسمية والبيانات المستقاة من تقارير الأقاليم، وصدر العدد الأول منها في الثالث من ديسمبر/كانون الأول سنة 1828.

وقام محمد علي بفرض قراءتها عن طريق اشتراك إجباري يدفعه كل ضابط وموظف بلغ مرتبه ألف قرش، وكانت تصدر ثلاث مرات في الأسبوع وهناك أوقات لم تكن تظهر إلا مرة واحدة كل أسبوع.

وكانت للوقائع المصرية ديوان خاص منفصل عن ديوان جرنال الخديوي، وكان يشرف على تحرير الوقائع الشيخ حسن العطار، وأيضًا كان مشرفًا على تحريرها أوائل ظهورها رفاعة الطهطاوي.

وبعد ذلك أُصدرت صحيفة برجيس باريس باللغة العربية بالعاصمة الفرنسية عام 1858 لصاحبها رشيد الدحداح، وكان أول من يستخدم لفظ «صحيفة» ويترك التعبيرين التقليدين (جرنال وغازته).

وانتشر لفظ الصحيفة بإقرار الأدباء والكتاب له في مصر ولبنان، وانتقل اللفظ للاستعمال الرسمي في عام 1879 ومن ثَم أُدخل في التشريع المصري الأول الخاص بالمطبوعات الصادر في 1881.

وجاء أحمد فارس الشدياق منافسًا للدحداح، باحثًا عن اسم منافس للصحيفة فما لبث إلا أن وجد اسم الجريدة فأطلق على دوريته اسم الجريدة. ونجح هذا ابتداءً وبعدها تساوى اللفظان في المنافسة وانتشرا سويًا.

وجاء في 1865 نوع جديد من الدوريات وهو دوريات متباعدة في مواعيد الصدور وأول دورية متباعدة في الصدور كانت تحت اسم «يعسوب الطب»، وكانت تحت إشراف الحكومة المصرية ويرأس تحريرها محمد علي باشا الحكيم رئيس الأطباء المصريين وساعده في إخراجها إبراهيم الدسوقي الأديب المصري. وكانت تختص بالمباحث الطبية والفوائد الصحية وأطلق على الدوريات المتباعدة لفظ المجلة.[1]

فأصبح التفريق بين الصحيفة والجريدة والمجلة مهمًا:

فالأولى تستعمل للدلالة على الدوريات العامة، والثانية تدل على الدوريات اليومية، والثالثة تدل على الدوريات المتباعدة أسبوعية كانت أو شهرية أو نصفية.

وجاء لفظ الصحافة للدلالة على إصدار الصحف، وأقر ذلك رجال دار العلوم ومشاهير الكتاب في مصر والشام. وأول من استعمل لفظ الصحافة في مقالاته الصحفية هو الشيخ نجيب الحداد الذي أنشأ جريدة لسان الحال بالإسكندرية. وتطور لفظ الصحافة من معنى الصناعة لمعنى مجموعة الصحف لمعنى الفن الصحفي ذاته.[1]


الصحافة.. ما هي؟

الصحافة ليست مهنة فقط بل هي حياة أيضًا.
سلامة موسى

مع تسارع التطور الحديث لمهنة الصحافة غاب مفهومها، وحلت الصحافة الرقمية محل الورقية وأُنشأ صراع بينهم كاد أن يودي بالورقية وتدخلت الحكومات فوجهت وأفسدت كلاً منهما.

الصحافة هواية قبل كل شيء كما يخبرنا بذلك سلامة موسى، فهي كالشعر والأدب والفنون عمومًا. أما لو أردنا تعريفًا للصحافة فقد نعتبرها عبارة عن «توجيه الرأي العام عن طريق نشر الأفكار والمعلومات الخيرة والناضجة معممة ومناسبة إلى مشاعر القراء خلال صحف دورية».[1]

والرأي العام في مخيلة الصحافة على ثلاث طوائف:

الأولى: الرأي العام النابه وهو أكثر الناس ثقافة، والثاني رأي عام قارئ ويقصد به المتعلمين على عمومهم، أما الثالث فرأي عام منساق وهم العامة أصحاب الكثرة العددية والتي يختلف المستوى الإدراكي لها بمدى انتشار العلم والثقافة في أوساطها.

وتستهدف الصحابة الرأي العام القارئ، فهي تريد توجيهه ورسم طرق قد رسمتها له عن طريقها، ومن هنا تسود فكرة التفاعل بين القارئ والصحافة، فتقوم الصحافة بجذبه وتصحيح مساره وقد يواجهه الرأي العام ذلك وقد تنجح الصحافة في توجيهه أو تفشل. وتستخدم في ذلك الإذاعة أي النشر والإعلام وذلك عن طريق الصحف الدورية، فتقوم بنشر المعلومات على عموميتها وذلك بشمولها كافة جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفنية والدينية.


الصحافي

بينما تخاطب الصحافة الرأي العام وخاصةً الرأي العام القارئ يأتي دور الصحافي الذي يضع المعلومات الأخبار في الدوريات اليومية أو الأسبوعية أو غيرها.

فالصحافي، كما صوره سلامة موسى في كُتيب الصحافة حرفة ورسالة، أنه يجب أن يكون مشتبكًا مع مجتمعه، وأنه لن ينجح النجاح الإنساني الشريف إلا إذا اشترك مع مجتمعه في كفاح الخير والشرف والإنسانية والعدل والاستقلال.[2]

ومع صعوبة الوقوف على تعريف واضح ومجمع عليه للصحافي كما هو معروف للمهن الأخرى كالطبيب والمحامي، فقد نستعين بالقواميس الإنجليزية أو الفرنسية والتي تعتبر الصحافي بأنه «هو الشخص الذي يحترف الكتابة في الصحف» أو أنه «هو الكاتب الذي يعمل عادة في تحرير صحيفة».

فكل تلك التعبيرات تحوم حول مفهوم الكتابة والتحرير والنشر في الصحف.

وكما أن الصحافة تعتبر من المهن التي لا تشترط الحصول على إجازة علمية كالليسانس للعمل فيها، فجرت العادة على أن الصحافي هو كل شخص يحسن العمل في الصحافة أو تتوافر فيه ملكات الإنتاج الصحفي.

وبالرغم من تلك الصعوبات في تحديد لفظ الصحفي إلا أن القانون المصري في إبريل/نيسان 1941 قد حدد من يستحق هذا اللقب «وهم أعضاء النقابة وحدهم من يحق لهم حمل لقب الصحافي» وحدد لهم شروطًا يستطيع من خلالها الشخص أن يلتحق بالنقابة ابتداءً من الاشتراط بأن يكون مصريًا مرورًا بتمتعه بالأهلية المدنية انتهاءً بأن تكون الصحافة مهنته الأساسية وأن يكون عنده ما يؤهله للاحترام الواجب للمهنة.

وبما أن الصحافة موهبة على قول سلامة موسى فإن الصحافي لابد له من تربية وتعليم وإثقال لموهبته حتى يمهر ويحذق. كما يحتاج لظروف مواتية في البيئة والجمهور والمجتمع المحيط به. ويكون إثقالها بتعلم لغة أو أكثر، والسفر للدول الأخرى ودراسة مؤسساتها.

كما يجب أن يكون للصحافي كفاح وإذا واجهه ظلم أو فساد فعليه أن يكافح حتى لو وصل بكفاحه إلى الدمار والسجن والإفلاس، وذلك لأن شرف المهنة يقتضي ذلك.[2]

كما أن الصحافي لابد أن يختار لهجته وأسلوبه واتجاهه وفكره كون ذلك سينتقل للجمهور عبر كتاباته، فإن كان مكافحًا فإن القارئ سيكون هو أيضًا مكافحًا، أما إذا كان محايدًا فالقارئ سيكون هو الآخر محايدًا.

وخير ما يعين الصحافي في مسيرته، شعوره المتواصل الارتقاء عامًا بعد عام، شعوره بالنمو وازدياد النضج الفكري والإنساني.[2]


الصحافة الإلكترونية

يجب أن يكون للصحافي كفاح وإذا واجهه ظلم أو فساد فعليه أن يكافح حتى لو وصل بكفاحه إلى الدمار والسجن والإفلاس، وذلك لأن شرف المهنة يقتضي ذلك.

ومع تقييد الحريات التعبيرية في المجتمعات السلطوية ومنع تداول المعلومات بين أشخاصها، كان لرواد الصحافة أن يستغلوا التطور التكنولوجي الهائل من أجل نشر الأخبار متعديين في ذلك الحيز الزماني والمكاني لحدوث الخبر بل متعديين في ذلك السلطات التي تكبلهم. فكانت الصحافة الإلكترونية نتاج هذا التدافع القوي بين حرية الصحافة وبين السلطة القامعة لتلك الحرية.

ظهرت الصحافة الإلكترونية في تسعينيات القرن المنقضي، وكان من سماتها نقل الخبر وتناول الأحداث اليومية بأقلام الصحفيين وتحليلاتهم ووجهات نظر الكتاب مثلما يحدث في الصحافة الإلكترونية. وكانت بدايتها من خلال مواقع تنشر مقالات وموضوعات وأطروحات ورؤى بسيطة وتجلت الفكرة في منتديات الحوار.[3]

ويصعب تحديد تاريخ بداية أول صحيفة إلكترونية، ولكن يمكن اعتبار صحيفة «هايلزنبورج» السويدية أول صحيفة إلكترونية في العالم والتي نُشرت إلكترونيًا عام 1990. وبعدها أُطلق أول موقع للصحافة الإلكترونية عم 1993 وكان يحمل اسم بالو ألتو. وتوالى النشر عبر الإنترنت حتى وصل عدد الصحف الإلكترونية في العالم عام 2000 لأربعة آلاف صحيفة إلكترونية، والذي اعتبر البعض أنه يهدد مستقبل الصحافة الورقية.

ومن خلال ذلك يمكن تعريف الصحافة الإلكترونية بأنها «منشور إلكتروني دوري يحتوي على الأحداث الجارية سواء المرتبطة بمعلومات عامة أو خاصة ويتم قراءتها عن طريق أجهزة إلكترونية وغالبًا ما يكون محتواها متواجدًا على الإنترنت»، ويقوم من خلالها بث رسائل إلى جمهور غير محدد جغرافيًا من خلال تقديم الأخبار والتقارير والتحليلات والحقائق بسرعة نقل وتفاعلية وأرشفة الكترونية.

ومرت صحافة الإنترنت بثلاث مراحل ساهمت في تطويرها؛ فبداية من مرحلتها الأولى التي تمثلت في إعادة نشر معظم أو كل محتوى الصحيفة اليومية. لمرحلتها الثانية حيث قام الصحافيون بإعادة إنتاج بعض المحتوى الورقي وتغذيته بالروابط والإشارات المرجعية، إلى مرحلتها الثالثة حيث قام الصحافيون بإنتاج محتوى خاص بالصحيفة الإنترنت يستوعبون فيه تنظيمات النشر الشبكي ويطلقون فيه الأشكال الجديدة للتغيير على الخبر.

بينما تتميز الصحافة الإلكترونية عن المطبوعة بتعدد الوسائط، التفاعل والمشاركة، السرعة والفورية، التحديث المستمر، المرونة، الأرشفة، توفير الوقت والجهد والمال.[3]

إن الصحافة ليست حرفة كسائر الحرف، بل هي أكثر من مهنة وهي غير صناعة بل هي طبيعة من طبائع الموهبة، هي شيء بين الفن والعبادة.
ويكهام ستيد، أحد أعلام الصحافة الإنجليزية.
المراجع
  1. محمود عزمي، "مبادئ الصحافة العامة"، (القاهرة: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2013).
  2. سلامة موسى، "الصحافة حرفة ورسالة"، (القاهرة: سلامة موسى للنشر والتوزيع، 1963).
  3. علي عبد الفتاح كنعان، "الصحافة الالكترونية في ظل الثورة التكنولوجية"، (عمّان: دار اليازوري العلمية للطباعة والنشر، 2014).