الصدام بين كلا المرشحين لخلافة الرئيس الأمريكي باراك أوباما يحتدم في ساعاته الأخيرة قبيل التوجه لصناديق الاقتراع في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني، وتتوجه أعين المراقبين في الولايات المتحدة والعالم إلى هناك حيث النقطة الأكثر مركزية في خريطة العالم السياسية. تُرى من هو الأجدر بحسم الصراع؟


الآلية الانتخابية الأكثر تعقيدًا

http://gty.im/513187996

تُعد الآلية المُتبعة لحسم الصراع الرئاسي في الولايات المتحدة واحدة من أكثر العمليات الانتخابية تعقيدًا، وتعتمد في جوهرها على سياسة (الكُل أو لا شيء) لحسم أصوات الولايات المختلفة، فالمرشح الحاصل على أعلى أصوات الولاية المباشرة هو الأحق بأصوات مجمعاتها الانتخابية كلها.من خلال النظام المُتبع، فإن لكل ولاية من الولايات الـ50، إضافة للعاصمة الفيدرالية أو قطاع كولومبيا، عدد محدد من المجمعات الانتخابية (نواب الحزب الداعم للمرشح) بقدر عدد نوابها في الكونجرس، ويكون في الغالب متوافقًا مع كثافتها السكانية. الاستثناء الوحيد من قاعدة (الكل أو لاشيء)، هما ولايتا مين ونبراسكا. إذن فنحن لدينا إجمالي عدد المجمعات/الأصوات الانتخابية 538 صوت، يحتاج منها المرشح 270 صوتًا ليكون رئيسًا لولايات المتحدة الأمريكية.في ولاية (مين) الشمالية صاحبة المجمعات الانتخابية الأربعة، يمكن لكلا المرشحين اقتسام الأصوات، كما يمكن للخاسر في المجموع الكلي لأصوات الولاية أن يفوز بأحد مقاعدها الأربعة. نبراسكا لها هي الأخرى (5) أصوات انتخابية لأن لها خمسة أعضاء بالكونجرس، ويمكن أيضًا لكلا المرشحين تقاسمهما خارج إطار القاعدة العامة للانتخابات الأمريكية. (في انتخابات عام 2008م، استطاع الرئيس الحالي أوباما اقتناص صوت انتخابي من ولاية نبراسكا الحمراء رغم خسارته عموم الأصوات فيها).جرت العادة على تقسيم الولايات الأمريكية لولايات حمراء، معروفة بولائها الانتخابي للحزب الجمهوري، وأخرى زرقاء داعمة للديموقراطيين وبنفسجية بين هذا وذاك. بعض الولايات لديها القدرة على التأرجح بين اللونين الأحمر والأزرق وتنعقد عليها آمال كبيرة لحسم المنافسة الانتخابية، أمثال ولايات كولورادو (9) وفلوريدا (29) وكارولاينا الشمالية (15) وأوهايو (18) وفرجينيا (13).جرت العادة كذلك أن يبدأ الماراثون الانتخابي في الثلاثاء الواقع بين 2-8 نوفمبر/تشرين الثاني. الأصل التاريخي لاختيار الثلاثاء كنقطة للبدء تعود للقرن الثامن عشر الميلادي، حيث وسائل المواصلات البدائية التي تنقل المزارعين الأمريكيين من مقاطعاتهم للعاصمة الاثنين بعد أدائهم صلاة الأحد.تواجه آلية الانتخاب هذه الكثير من النقد، والذي يتركز أغلبه حول فكرة المجمعات الانتخابية التي تفرض (الكل أو لا شيء) كطريقة لحسم أصوات الولايات، فالحاصل على العدد الأكبر من أصوات الناخبين المباشرة ولو بفارق ضئيل بمقدوره الحصول على أصوات الولاية جميعها دون اعتبار للنسبة الأقل نسبيًا التي رفضت ترشحه. ظهر هذا الأمر جليًّا في انتخابات الرئاسة عام 2000م، جورج بوش الابن عن المعسكر الجمهوري وآل جور عن المعسكر الديموقراطي. تفوّق آل جور بـ 266 صوتًا انتخابيًا (من المجمعات) بينما كان جورج بوش يليه بـ 246 صوتًا، وتبقّت أصوات فلوريدا الـ29 لتحديد الرئيس الأمريكي الـ43، والتي حسمها بوش فقط بفارق أصوات 537 صوتًا، ما نسبته من جملة الناخبين الأمريكيين 0.0092%!.


الولايات المتأرجحة بين الأحمر والأزرق

فلوريدا التي قسمت ظهر آل جور

دائمًا ما تكون الولايات المتأرجحة هي الحاسمة إذا حميَ وطيس المعركة الانتخابية، ذكرنا منها ولاية فلوريدا والتي لها وحدها (29) مجمعًا انتخابيًا، 17% من تعدادها السُكاني من المعمرين (كبار السن)، المتجاوزة أعمارهم لسن الـ 65 ربيعًا، بها زيادة مضطردة من الهسبان (اللاتين). تشير استطلاعات الرأي بالولاية أن هيلاري من المرجح أن تفوز بفارق ضئيل جدًا على ترامب، فالهسبان في عمومهم لا يؤيدون ترامب لمواقفه العدائية مع المهاجرين، غير أن كبار السن وهم نسبة كبيرة من سكان الولاية تعجبهم الخطابات اليمينية والقومية الشعبوية التي يسوقها إليهم المرشح الجمهوري دونالد ترامب. في النهاية تبقى الولاية واحدة من أهم بؤر الاشتعال الانتخابي التي من شأنها حسم المعركة لصالح أيٍ من المرشحين.في خمس تجارب انتخابية سابقة، تأرجحت أصوات الولاية بين الأحمر والأزرق، تلونت بالأحمر (الجمهوري) عامي 2000م و2004م، وتلونت بالأزرق (الديموقراطي) أعوام 1996م و2008م و2012م. ويقترن ذكر الولاية في هذا السياق دائمًا بالدور المحوري الذي لعبته في فوز جورج بوش الابن في انتخابات عام 2000م على منافسه آل جور بفارق ضئيل جدًا 537 صوت. جدير بالتنويه أن هيلاري كلينتون إذا ما حسمت هذه الولاية لصالحها سيكون على ترامب أن يحسم باقي ولايات التأرجح، لضخامة كتلتها التصويتية بـ(29) صوتًا انتخابيًا!.

لمعرفة المزيد:الشعبوية: السياسة أفيون الشعوب

أوهايو

سابع أكثر الولايات الأمريكية من حيث عدد السُكان، والأكثر تأرجحًا، ومن المفارقات أن منذ عام 1964م تعطي أصواتها للمرشح الرئاسي الفائز، في المناسبات الخمسة الأخيرة، عام 1996م دعمت الديموقراطي بيل كلينتون، عامي 2000 و2004م دعمت المرشح الجمهوري جورج بوش، أما في المناسبتين الأخيرتين فكانت أصواتها الـ(18) من نصيب المرشح الديموقراطي والرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما.

نورث كارولينا

الولاية المتأرجحة الوحيدة التي سحبت دعمها لباراك أوباما في 2012م، رغم دعمها له في انتخابات 2008م، لها (15) صوتًا انتخابيًا. تشير الاستطلاعات إلى صعوبة التبؤ بمصيرها في الانتخابات الحالية، لكنها على أي الأحوال في خمس مناسبات انتخابية سابقة تلونت في أربعة منها باللون الأحمر (الجمهوري).

ولاية فرجينيا الساحلية

لها (13) صوتًا انتخابيًا ذهبت في عشر مناسبات متتالية للجمهوريين قبل أن يترشح أوباما عن المعسكر الديموقراطي ويأخذ أصواتها لصالحه. فواحد من كل خمسة من سكانها أسود اللون أو ذو أصل أفريقي، ومن المتوقع أن تستفيد كلينتون بدعم أوباما لها لحسم أصوات الولاية.

ولاية كولورادو

الولاية ذات الطابع المكسيكي اللاتيني، لها (9) أصوات انتخابية دعمت بهم أوباما في مناسبتي ترشحه بعد سنوات متعاقبة من السيطرة الجمهورية. واحد من كل 5 من سكانها من أصول لاتينية، ومن المتوقع أن يدفع العداء (الترامبي) للمهاجرين بأصوات الولاية لمنافسته كلينتون.

ولاية الخوخ، هل تكون رهان هيلاري الرابح؟

جورجيا، الولاية الساحلية المشتهرة بتصدير الفاكهة، صاحبة الـ (16) مجمعًا انتخابيًا، الجمهورية المزاج، التي لم تكن يومًا زرقاء. تشهد زيادة مطردة في نسبة سكانها من أصحاب البشرة السوداء أو الأمريكيين من أصول أفريقية، كذلك تشهد أوساط المتعلمين الجامعيين بها معدلات متزايدة، وهي قريبة هذه المرة من اللون الأزرق أكثر من أي وقتٍ مضى. هل يحرف بوصلتها التاريخية خطاب ترامب المليء بالكراهية والدعم اللا محدود من أوباما لهيلاري؟، لو حدث، ستكون صدمة كبيرة.


كيف تسير المنافسة بين هيلاري وترامب؟

المجمعات الانتخابية في الولايات بين اللونين الأحمر والأزرق

كلا المرشحين تعرضا لهزات شعبية عنيفة منذ بدأت حملات الترشح الخاصة بهما، وفقًا لاستطلاعات ميدانية للرأي اعتمدت عليها التليجراف البريطانية في تقريرها الصادر في 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. أبدت المرشحة عن الحزب الديموقراطي تفوقًا ملحوظًا في الشارع الأمريكي على نظيرها الجمهوري دونالد ترامب في مايو/آيار الماضي، وصلت في بعض الحالات لضِعف نتيجته. حتى تآكل الفارق بينهما في لحظةٍ تواتر فيها الحديث عن مشاكل صحية تعانيها كلينتون، و وعكة صحية تعرضّت لها إبان مراسم إحياء أحداث 11 سبتمبر. وبدا أثر ذلك في استطلاع للرأي أُجري 16سبتمبر/أيلول، تفوق فيه ترامب على كلينتون. التفوّق الذي لم يدم طويلًا بسبب تصريحات ترامب العدائية، والمتعلقة باضطهاد النساء، إضافةً لأدائه الهزيل في المناظرات الرئاسية، والتي أسهمت بشكل كبير في تغيير ديموغرافية التصويت.يجدر القول إن استطلاعات الرأي رغم ما تقدمه من نتائج مقاربة لما ستكون عليه الأمر بعد وقت قصير من الآن، إلا أن الأيام قد تكون حُبلى بالمفاجآت، فضائح أخرى لترامب قد تظهر، أزمات صحية قد ترافق هيلاري في أمتار السباق الأخيرة كما حدث مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، أزمة الرسائل الإلكترونية المسربة لكلينتون مؤخرًا، في النهاية لا يمكن الجزم بما هو قادم.

لماذا علينا أن نعتقد في نتائج الاستطلاعات؟

المجمعات الانتخابية في الولايات الأمريكية بين اللونين الأحمر والأزرق
نظام الانتخابات الأمريكية المعتمد على المجمعات الانتخابية والدعم الحزبي الكامل للمرشحين الرئاسيين يقطع حبائل الأمل أمام المستقلين من المرشحين لعمل نتائج -على الأقل- مُرضية، حيث يطغى التواجد الحزبي على التواجد الشخصي للمرشحين. صحيح أن لكل مرشح طابعه الخاص في ترسيخ أقدامه أو خلخلتها كما هو الحال في وضعية ترامب وهيلاري، كلاهما لا يحظى بالشعبية الحقيقية بين عموم الناخبين الأمريكيين أو حتى داخل أروقة حزبيهما. عدد من الشخصيات العامة المحسوبة على المعسكر الجمهوري ترفض الوقوف خلف ترامب، وأكثر من نصف داعي بيرني ساندز -بقليل- فقط قرروا الوقوف خلف كلينتون! (المصدر: استطلاعات يوجوف). مؤخرًا خلُصت استطلاعات للرأي أجرتها صحيفة نيويورك تايمز إلى أن كلا المرشحين شعبيتهما محدودة لانحدار ثقة الناخب الأمريكي في القيم والشعارات التي يتبنونها. 33% فقط من عموم الأمريكان يرون في هيلاري كلينتون الشخص الأمين والجدير بالثقة، 35% يرون الشيء ذاته بخصوص ترامب. نسبة كبيرة من الأمريكيين يرون في كلينتون الشخصية القادرة على تسيير أمور الرئاسة، بينما نسبة أقل يؤيدون ترامب ويرون فيه التغيرات الجذرية التي يطمحون بحدوثها في الولايات المتحدة وأحلام القرن الماضي لا تزال تداعب مخيلاتهم، لذا فأغلبهم من كبار السن.

تشير استطلاعات للرأي أُجريت في واشنطن، إلى أن نسبة 69% من غير البيض، و52% من النساء يقفون خلف المرشحة الديموقراطية هيلاري، بينما 57% من البيض يدعمون ترامب، (هو نتاجٌ طبيعيٌ إذن لتصريحات ترامب غير المنضبطة)

المراجع
  1. US election 2016 polls and odds tracker: How likely is Hillary Clinton to beat Donald Trump, with some polls giving her double-digit lead
  2. Why two congressional districts could be key to this election
  3. Maine & Nebraska
  4. جورج بوش رئيسا للولايات المتحدة بفارق %1