أفضل إنجاز أن تكون الشخص الذي تريد في عالم يحاول جعلك الشخص الذي يريد.

هذه مقولة لـ «رالف إيمرسون»، وفي الحقيقة إن الضغط على الأطفال لتغيير شخصياتهم هو الأكثر على الإطلاق في هذا العالم، من منطلق أنه طفل، وأن هذا هو الضروري، وهو جزء لا يتجزأ من تعديل سلوكه، والآباء لا يعرفون أن السلوكيات يمكن تعديلها، لكن أنماط الشخصيات يجب معرفة كيفية التعامل معها، وليس تغييرها.

من الصعب تغيير نمط طفلك بعكس السلوك، حيث إن هناك عوامل جينية يرثها الطفل من الأبوين وتولد معه وتتحكم في طباعه، وهي لا تمثل أكثر من 40% من مجمل سلوكياته، ورغم ذلك يمكن ترويضها وتهذيبها، أما باقي الـ 60% فهي سلوكيات يكتسبها الطفل من البيئة المحيطة به، وعلى رأسها الأبوان.

هذا دليل على أن جميع سلوكيات الإنسان تعتمد بشكل أساسي على طريقة تربيته وتنشئته، وبالتالي يمكن إصلاحها ويمكن تعديلها، لكن شخصية الطفل ذاتها يجب تقبلها كما هي مع التعامل السليم معه.


العوامل المؤثرة على أنماط الشخصية

هناك 3 عوامل من الأكثر تأثيرًا على شخصية طفلك، بل شخصية كل إنسان، وهي:

1. العوامل البيولوجية

وتشمل العوامل الوراثية والمظهر الجسدي واللياقة البدنية ومعدل النضج، حيث يؤثر التركيب الوراثي بشكل غير مباشر في تكوين شخصية طفلك، أما أي نقص في المظهر الجسدي أو اللياقة البدنية فهي تؤثر أيضًا على الشخصية، حيث إنها تؤثر في الثقة بالنفس وحركة الطفل ونشاطه، وأيضًا تؤثر في حساسيته، أما معدل النضج فيتسبب في اختلافات ملفتة للنظر مع اختلاف الأعمار، فهناك اختلافات في سلوك المراهقين خاصةً، لتجد تصرف الناضجين وغير الناضجين في نفس العمر.

2. العوامل الاجتماعية (الثقافة)

الثقافة تنظم حياتنا وتؤثر على تطور الشخصية عند كل منعطف، حيث إن الآباء من الطبقة الوسطى – بشكل عام – يؤكدون التحمل بقوة، لكن الآباء من الطبقة الدنيا لا يفعلون ذلك، كما أن الأطفال من الطبقة الدنيا يولدون بقدرة ضئيلة على «تأخير الإشباع»، لأن المستقبل غير مؤكد بالنسبة لهم، ولذلك فإن التباين في الطبقات الاجتماعية يؤدي إلى تحديد مجموعة متنوعة من الأهداف والوسائل والطرق، وبالتالي تغيير الشخصية والسلوك.

3. تأثير الأسرة

للأسرة تأثير كبير جدًا في شخصية الطفل، فهي تعتبر أول مجتمع بيئي يتعامل معه ويتأثر به، وتعتبر تجاربه الأولى مع أسرته -وخاصة الأم- حاسمة في تحديد موقفه تجاه الأفراد الآخرين، فتظل الأم أكثر أهمية بالنسبة له؛ لأنها ترضي احتياجاته الأساسية، فيتعلم الرضيع سريعًا البحث عن والدته عندما يكون جائعًا أو يشعر بأي شعور سيئ، وبذلك تصبح الأم الأساس في تنمية ثقة الطفل أو انعدامها في العالم المحيط به، فاستجابتها له وتفاعلها مع شعوره يؤثر على توقعاته تجاه الآخرين.

يقول جوهان غوته:

لو قبلتك كما أنت فقد تصبح أسوأ، لكنني سأعاملك بالشكل الذي تستطيع أن تكون عليه لأجعلك أفضل.

لذلك يجب معرفة نمط شخصية طفلك ومعرفة التعامل معه حتى يصبح إنسانًا أفضل في سلوكياته وأفعاله وعدم إجباره على التغيير؛ لأن هذا الإجبار يحدث صدامًا بينك وبين طفلك، ويجعله يسيء السلوك أكثر، ولا يجعله يتقدم أبدًا.


5 أنماط لشخصية الطفل

1. الطفل الحساس:

صفاته: مرهف الحس – خجول – يقدر مشاعر الآخرين – ودود – يحتاج وقتًا طويلًا لإنجاز المهام – يجد صعوبة في تكوين صداقات جديدة.

طريقة التعامل معه:

1. ساعده في اختيار الأصدقاء وكن صديقًا له قبل أن تصبح مربيًا.

2. احذر أن تحاول إسعاده وقت الشكوى لأن هذا سيجعله يرفض ويتمسك بمشاعره السلبية.

3. احذر أيضًا من إشعاره أن الأمر لا يستحق، فهذا يجعله يضخم المشكلة أكبر حتى يكسب التعاطف منك.

4. استخدام تعريف المشاعر معه كقول: “أنا اشعر بك”، “لو كنت مكانك كنت سأشعر بما تشعر به الآن”، فقط استمع له وادعمه.

5ـ. لا تنهره بعنف مهما كبر خطؤه، ولا ترغمه على التجمعات الكبيرة فجأة، بل مهد له وابدأ معه بالتجمعات الصغيرة المحببة له أولًا، واحرص على زيادة ثقته بنفسه وتشجيعه خصوصًا أمام الغرباء.

2. الطفل النشيط

صفاته: يهتم بالعمل – متحفز – الأكثر تعاونًا – قيادي – ذكي – يُعتمد عليه – يحترم النظام – يسهل عليه تكوين أصدقاء – اجتماعي.

طريقة التعامل معه:

1. يحتاج للتشجيع الدائم والتركيز على إنجازاته حتى لا يصاب بالإحباط.

2. يجب تكليفه بمهام حركيه حتى نوظف هذه الحركة بطريقة إيجابية.

3. الاعتماد عليه في بعض الوظائف في المنزل حسب مرحلته العمرية.

4. الصفح عنه عند الخطأ وعدم إرهابه، فهو طفل يتعلم من أخطائه.

5ـ. ضع له روتينًا وخطة منسقة حتى لا يتسبب لك في الفوضى.

3. الطفل السلبي

صفاته: لا يحركه الحافز – يشعر الآخرون أن لديه لا مبالاة – ينعزل عن المحيطين به – لا يبدي رأيه بما يحدث حوله – يصعب عليه التحدث بما يشعر.

طريقة التعامل معه:

1. اطلب منه المشاركة برأيه في كل شيء يخصه ويخص المنزل.

2. لا تجبره على التحدث بما في داخله، بل صاحبه وطور علاقتك به حتى يتحدث معك بعفوية.

3. احذر مقارنته أو معاقبته بعنف أو حرمانه مما يحب، بل ابحث عن السبب الحقيقي وراء سلبيته.

4. وفر له وسائل جديدة لم يعرفها من قبل واعرض عليه بعض الأفكار واسمع منه البعض الآخر.

5ـ. اشترك له في رحلات استكشافية ممتعة، ووفر له قصصًا شيقة وشجعه على ممارسة الرياضة.

4. الطفل الأناني

صفاته: يحب الاستحواذ على كل شيء – صعب عليه التواصل مع من حوله – يصعب عليه تكوين صداقات – يحب ذاته بشكل ملحوظ ومبالغ فيه.

طريقة التعامل معه:

1. احذر تدليله؛ لأن الدلال الزائد يجعله طفلًا يحب نفسه فقط ويرى الضوء عليه فقط.

2. احذر أيضًا الشدة والقسوة الزائدة فهذا يزيد من أنانيته حتى يعوض ما لم يجده ممن حوله من اهتمام.

3. عزز ثقته بنفسه وعلمه كيفية حب الناس وأحضر له حيوانًا أليفًا في المنزل حتى يشعر بالغير ويعرف كيف الحب يؤثر على من حوله.

4. علم طفلك معنى العطاء واشترك له في لعبة رياضية جماعية كي يتعلم معنى روح الفريق ويتحد مع أصدقائه.

5. الطفل العنيد

صفاته: صوته مرتفع – عصبي – يكرر كلمة لا كثيرًا – يرفض تنفيذ الأوامر – سهل التعرف عليه.

طريقة التعامل معه:

1. لا تقابل عناده بالعناد ولا بالصوت العالي، بل قابله بهدوئك ليتعلمه منه.

2. لا تكثر كلمة (لا) حتى لا تصبح رده التلقائي على أي طلب تطلبه منه.

3. انظر لعينه وأنت تحدثه وخصص له وقتًا خاصًا تقضيه معه.

4. بعدما يهدأ ويمر موقف العناد، تناقش معه بهدوء وقص له عن ضبط النفس وكيف يدير غضبه وفوائد كظم الغيظ، وكيف وصانا الرسول بهذا السلوك.

5ـ. احترمه وقدره وأعطه اختيارات دومًا حتى يشعر أنه ينفذ ما يختاره، حتى لو كانت الاختيارات قريبة من بعضها كأن تتركه يختار (هل تنام الآن أم بعد 10 دقائق)، فإنه حتمًا سيختار بعد عشر دقائق، لكنه سيصبح قراره هو واختياره وليس إجبارًا عليه.

6. كن واقعيًا في أوامرك، إن أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع، فلا يمكن لطفلك المستغرق في اللعب أن يقوم حالاً للمذاكرة أو أي فعل غير محبب له، بل التدرج شيئًا فشيئًا، والتمهيد له مسبقًا هو الحل.

7. استبدل بالأوامر الأسئلة، فبدلًا من (هيا لتنام حالًا) يمكنك أن تقول له (متى ستنام؟).

8. على الأبوين الحذر من فتح مناقشة بينهما أمام الطفل العنيد، حتى لا يتأثر ويعتقد أن هناك خلافًا قائمًا بينهما.

9. كثرة الدلال تنتج طفلًا عنيدًا، وكذلك شدة القسوة، فكلاهما وجهان لعمله واحدة تنتج طفلًا غير مطيع.

10. لا تسلط الضوء على أخطائه وسلبياته، بل انتقد التصرف الخاطئ فقط وعاقبه على مقدار الخطأ، ولا تقارنه بأخواته وأقرانه حتى لا تشعل نار الغيرة بينهم.

11. أعطه ثقة بنفسه واطلب منه مهام على قدر عمره وامدح التصرف الجيد وشجعه على فعله حتى يشعر أنه طفل جيد ومحبوب من الجميع.

12. لو كان طفلًا صغيرًا، يمكنك تصوير فيديو له وهو يبكي ويصرخ ويفعل أي تصرف سيئ، ثم اعرض عليه الفيديو بعدما يهدأ ليرى نفسه ويقرر ما فعله جيد أم خاطئ وما الخطأ به، واعقد معه الاتفاقات حتى لا يتكرر مثل هذا السلوك.

وأخيرًا لن نستطيع القول إن هناك نمط شخصية أفضل من الآخر بل كل طفل هو إنسان متميز وفريد من نوعه فريد في تصرفاته وفريد في كيفية التعامل معه، فأتقن التعامل مع طفلك وامتلك مفتاح شخصيته والتعامل معه لكي تستطيع تطويرها.