من يرد الامتحان يراسلني ليأخذ نسخته، وهي ليست نسخة مجانية.

هذا مثال لإعلان حقيقي يتداوله الطلاب في مجموعات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي فيما بينهم، الشيء المؤسف أنها ليست إعلانات وهمية، والأكثر أسفًا أن الإقبال عليها من الطلاب جنوني، ليس الأمر ببعيد عنك وعن أبنائك، فهناك دراسات بأرقام مخيفة عن نسبة الغش في الامتحانات، هذه النسب تصل في بعض الدراسات إلى 97% من الطلاب قد أقروا أنهم مارسوا الغش بإحدى صوره!

إذا كان ابنك قد تعرض يومًا لموقف صعب وواجه مشكلة بسبب الغش، وتعتقد أنه قد تعلم الدرس، فذلك ليس ضروريًا أن يكون ما حدث، فقد يكون فقط أصبح أكثر مهارة في الغش، وبذل المزيد من الجهد حتى لا يمسك به مرة أخرى، ونجح في ذلك!

الغش في الامتحانات في زمنك كان بشكل تقليدي، النظر في ورقة زميلك كانت هي الوسيلة الأشهر، وأقصى الطرق تهورًا وتطرفًا في تلك الأيام هي كتابة ملاحظات بخط صغير في ورقة أو على جزء مخفي من جسدك، صدق أو لا تصدق زمن «البرشام» قد انتهى أو لنقل إنه تطور لصور أخرى أسهل بكثير وأقل خطرًا ولفتًا للأنظار، إذا كان في زمنك الغش صعبًا، ففي زمن أبنائك مقاومة كل هذه الطرق السهلة المتوفرة للغش هو الأمر الأصعب، فبشكل ما أصبح الغش هو الأمر المعتاد، ومن يترفع عنه هو الشاذ بينهم.

هناك هواتف ذكية مع غالبية الطلاب، خصوصًا من الفئة العمرية فوق 10 سنوات، تلك الهواتف ممكن تزويدها بتطبيقات لحل المعادلات الرياضية في لحظات، ممكن حفظ ملاحظات عليه والاستماع إليها مرارًا وتكرارًا بسماعات مخبئة، ممكن تبادل رسائل عليها ولا يتطلب الأمر إلا ثانية واحدة يغفل فيها المراقب لالتقاط صورة ورقة الامتحان كاملة، استخدام مواقع التواصل الاجتماعي أيضًا إحدى هذه الطرق، بل إن الأمر أسهل بكثير مما تتصور حيث وجود هاتف ذكي مع الطالب يوفر له الحصول على عدد لا نهائي من طرق الغش ليختار منها بصور لا تخطر ببال!


لماذا يغش الطلاب؟

دائمًا السعي في حل المشكلات يجب أن يبدأ من السبب وراءها.. لماذا يغش الطلاب؟

يبدأ الأمر في مرحلة مبكرة للغاية في الطفولة، هل أمسكت بطفلك يومًا ما وهو ما زال بعد يرتدي حفاضته يرتكب خطأ ما وهو يتلفت حوله خوفًا من أن يمسك به، في هذه المرحلة هو يعرف أنه يفعل خطأ ما من وجهة نظرك ولكنه لا يهتم بهذا، لا يستطيع طفلك إدراك خطأ الغش بشكل كامل إلا عند عمر 8 سنوات تقريبًا كما يقول لورانس بالتر Lawrence Balter الحاصل على دكتوراه في طب نفس الأطفال، فإذا استمر الطفل بعد هذا العمر في هذا السلوك، فإن هذا يشير إما إلى شعوره بعدم الكفاءة وانعدام الثقة في قدراته، أو أنه يقع تحت ضغط تنافسي كبير يدفعه للسعي وراء الناتج بغض النظر عن الوسيلة.


تأسيس الطالب على الأمانة

ولتحل مشكلة الغش لا يمكن أن تتبنى أسلوب المراقب؛ لأن هذا قد يزيد الأمر سوءًا مع أبنائك لأنهم دائمًا سيجدون طريقًا ما ليفعلوا ما يريدون ما لم تكن الأمانة نابعة من داخلهم بدافع ذاتي، فكيف تساعدهم على هذا؟

1. كن قدوة

فإن الأطفال يفعلون ما يرونه وليس ما يملى عليهم، إذا كنت في حياتك تستخدم المعارف والوسائط أو تدفع الأموال لتحصل على شيء ما ليس من حقك، إذا كنت تغش في عدادات منزلك لتدفع فواتير أقل، إذا كنت تكذب في عمر طفلك لتعفى من دفع أموال أزيد في الرحلات، إذا كان هذا أسلوب تعاملك في حياتك اليومية، فلا تتوقع إلا طفلًا يتبع مبدأ الغاية تبرر الوسيلة ويسير على نفس النهج الذي رآه وعايشه.

2. تواصل مع أبنائك

نحن نعيش في مجتمعات تنافسية ضاغطة، تأكد أنهم يعرفون أن الأمانة تعني لك أكثر من المكسب، العديد من الأطفال والمراهقين يظنون أن والديهم لا يعنيهما إلا درجاتهم النهائية، ولن ينالوا القبول أو الحب إلا بحصولهم عليها، وفي ظل كل هذا التنافس قد لا يجدون طريقًا لإرضائهم وتجنب العقاب إلا الغش.

3. ابحث عن السبب

ما السبب الذي يدفع أبناءك للغش فقد يكون وراء هذا السلوك خلل نفسي أو شعور بالدونية، وهنا لن تجدي كل محاضرات الأخلاقيات نفعًا، وفي حالات أخرى يمارس الطلاب الغش تحت مفهوم التعاون و(الجدعنة) فيبحث عن القبول بين زملائه به ولا يتصور أن فعله هذا خاطئ ومؤذ له هو والمتلقي معًا، وأحيانًا يكون الغش هروبًا من العمل الكثير وسعيًا للراحة، معرفة السبب سيساعدك لتعرف ماذا يحتاج ابنك أن تقدمه له لتساعده على التغلب على هذا السلوك.

4. علمهم قول لا

علم أبناءك من طفولتهم المبكرة أن يقولوا (لا)، فالطفل الذي يستطيع قول (لا) يستطيع أن يختار، ولا يجبر على فعل ما لا يريد تحت ضغط السلوك الجمعي، كلمة لا تستحق التشجيع وليس التوبيخ.

5. تحمل العواقب

اسمح لأبنائك بتحمل عواقب أخطائهم إن مارسوا الغش، لا تتدخل دفاعًا عنهم إذا عوقبوا بخصم درجات منهم أو حرمانهم من الاختبار، طالما أن هذه العواقب في إطار يحترم كرامتهم ولا يوجد به إهانات لفظية أو بدنية، أن يخسر الطالب بضع درجات أو امتحانًا كاملًا خير من أن يخسر أمانته طوال حياته فيضطر لتحمل عواقب أفجع كطرده من عمله أو السجن.

6. قبول الخسارة

مرن أبناءك على تقبل الخسارة وكيف يتعاملون معها لتدفعهم للأمام بدلًا من أن تقضي على طموحهم، إنهم يحتاجون لفهم ألا يوجد رابح طول الوقت، ولكن الحياة مزيج من ربح وخسارة.

7. المجهود وليست النتيجة

امدح مجهود أبنائك وليس نتيجتهم، قد لا يكون هذا سهلًا، فالآباء حقًا يسعدون ويفخرون بأبنائهم إذا حصلوا على درجات عالية، ولكن مدحك للنتائج بدلًا من الجهد قد يصل رسالة خاطئة بأن الهدف هو النتيجة وليس التعلم!


لا جدال أن الغش يعد انحرافًا في السلوك، ولكن دائمًا هناك مجال لجبر هذا الانحراف، فقط يحتاج الأمر لوعي وبحث وتقديم المساعدة بشكل صحيح.