بدايةً .. كل رمضان وأنتم بخير وصحة وسلامة. صائمينَ نهاره، وقائمين ليلَه في البيوت والمساجد، بعيدون كل البعد عن المشافي وأقسام الطواريء ! … وهذا الجزء الأخير من الدعاء هدف مركزيٌّ لنا اليوم.

بالطبع سيكون من الصعوبة بمكان الإحاطة بكافة ما يتعلق بالصحة في رمضان، لكن ما لا يُدرَك كلُّه .. لا يُترَكْ جُلُّهْ.

والأمر يستحق من الجميع الاهتمام والتحضير الجيد. فمن المنظور الطبي البحت، ليس عاديًا أبدًا – حتى للشخص السليم – الانقطاع التام عن الطعام والشراب لأكثر من 15 ساعة، خاصة في موسم بداية الصيف وارتفاع الحرارة. فما بالنا بالملايين من أنفسنا وأهلنا من المصابين بواحد على الأقل من الأمراض المزمنة التي قد يضعها مثل هذا الصيام الشاق على شفا جُرفٍ هارٍ.

ولذا سنبدأ بنبذة قصيرة جدًا عن أهم التغيرات التي تحدث في الجسم مع هذا الصيام الطويل، ثم توجيهات عامةً للكل، ثم تركيز على أهم الأمراض المزمنة والتعامل معها في الصيام.


ماذا يحدث بجسمي وأنا صائم؟

لايُدخل صيام رمضان -الذي يُقطع يوميًا بوجبتيْن على الأقل- الجسم في حالة المجاعة starvation المرضية، وما يصاحبها من تغيراتٍ خطيرة في نشاط خلايا الجسم.

يمكن لطعام السحور أن يغطي احتياجات الجسم حتى 6-8 ساعات من النهار، بعدها يبدأ الجسم في أخذ احتياجاته من الجلوكوز – مصدر طاقته الرئيس – من الجزء المخزَّن في الكبد والعضلات «الجليكوجين». والذي ينفد خلال سويعات، خاصة مع بذل المجهود، ثم يلجأ الجسم لاستخدام الدهون المخزنة قرب نهاية النهار.

على مدى اليوم كذلك يفقد الجسم كمتوسط حوالي لتر – لترين من السوائل خاصة في البيئات الحارة. فتقلل الكلى كمية البول للحفاظ على قدرٍ كافٍ من سوائل الجسم، وتجنب الجفاف الخطير.


قواعد عامة للأصحاء وسواهم

ينطبق بشدة على رمضان حقيقة أن الطعام هو الداء والدواء .. ولذا فتعليمات بسيطة أغلبها متعلق بالطعام، تحدث فارقًا جوهريًا ..

1. بتأخير السحور، والتعجيل بالإفطار، والاعتدال في كمية الطعام والسوائل، والنشاط البدني المتزن، وتجنب التعرض لحرارة الشمس .. لن تحدث بالجسم تغيرات حادة خطيرة حتى لكثيرٍ من المصابين بالأمراض المزمنة. بل يصبح للصيام إضافة صحية حقيقية.

2. المجهود الرياضي المعتدل في آخر ساعتين من النهار مع انكسار الشمس، وكذلك بعد الإفطار مباشرة، يزيد حرق الدهون، ويساعد في إنقاص الوزن.

ينطبق بشدة على رمضان حقيقة أن الطعام هو الداء والدواء .. ولذا فتعليمات بسيطة أغلبها متعلق بالطعام، تحدث فارقًا جوهريًا ..

3. تجنب الوجبات الثقيلة خاصة الإفطار. فالأفضل تجزئة الطعام في عدة وجبات صغيرة، لرفع معدلات الأيض الخلوي – معدلات الحرق مجازًا -، فنتجنب زيادة الوزن، والشعور الحاد بالتخمة والكسل.

4. التركيز في السحور على الوجبات المُشبعة الغنية بالقيمة الغذائية،كالخضروات، والفواكه، والفول، والعدس، والشوفان .. .

5.الإفطار على مراحل، بالبدء أولًا بـ 3 تمرات وكمية جيدة من الماء. ثم تناول الوجبة الرئيسية والتي يفضل أن تعتمد على اللحوم المشوية، أو الأسماك، أو الدجاج المخلي، مع الحبوب الكاملة – كالأرز البني، الخبز السن … الخ – الغنية بالطاقة والألياف. والإكثار من الخضروات والفواكه.

6.الإكثار من شرب السوائل خاصة الماء -لترين على الأقل- ما بين الإفطار والسحور لتعويض الجفاف النهاري.

7. تجنب القيام بأي مجهود تحت أشعة الشمس، فالصيام والجفاف يزيدان خطورة الصدمات الحرارية وضربات الشمس heat stroke، والتي قد تؤدي لتضرر المخ، والفشل الكلوي، والوفاة.


رمضان والأمراض المزمنة

للأمر جناحان لا يغني أحدهما عن الآخر ..الأول هو الوعي الطبي لدى المريض وذويه ، والثاني هو التقييم الجيد من الطبيب المعالج لكل حالة، وتقدير خصوصياتها.

أولًا: هؤلاء الأفضل لهم عدم الصيام ابتداء

(لا أملك قرار المنع التام أو السماح التام لهم بالصيام، فهذا يحتاج بحثًا طبيًا وشرعيًا لظروف كل حالة).

  • مرضى السكري DM إجمالًا، خاصة النوع الأول المعتمد كليًا على الأنسولين.
  • المصابون بـ تليف كبدي متقدم.
  • المصابون بـ فشل كلوي متقدم. وأصحاب الكلى المستزرعة.
  • المصابون بالأورام الخبيثة المتقدمة، خاصة المصابين بالهزال cancer cachexia.
  • المصابون بالصداع النصفي migraine الشديد، عندما يكون الجوع من محفزات النوبات.
  • المحجوزون بالرعايات المركزة أيًا كان السبب.

ثانيًا: مرضى القلب

يمكن لمرضى أمراض شرايين القلب التاجية المزمنة SCAD الصيام بشكل آمن في رمضان، بتجنب ما يمكن أن يسبب حدوث الجلطات الحادة .. فرمضان الحار قد يصبح موسمًا لحدوث الجلطات. وهذه أهم التعليمات الخاصة بهم:

  • تجنب الجفاف أخطر ما يحمله الصيام لهؤلاء المرضى، وذلك بشرب كمية جيدة من الماء بين الأفطار والسحور( لترين على الأقل)، وتجنب العرق الذي يهدر سوائل الجسم والدم، فيزيد من لزوجة الدم، فتحدث الجلطات.
  • المواظبة على الأدوية في رمضان، وتوزيعها على الإفطار والسحور. وأغلبها لحسن الحظ تؤخذ مرة واحدة يوميًا.
  • تجنب الوجبات الثقيلة – كمًا ودهونا – بشكل تام، إذ قد تؤدي إلى حدوث الجلطات الحادة. حيث تسحب جانبًا كبيرًا من الدورة الدموية إلى الجهاز الهضمي لهضم وامتصاص كميات الطعام الكبيرة، فتنقص التغذية الدموية لباقي الجسم، ويتفاقم القصور الموجودة في دورة القلب الدموية التاجية، وتتباطأ حركة الدم فيها، فيصبح أكثر قابلية للتجلط.
  • تقليل الطعام كثيف الدهون والسكريات قدر المستطاع، لخطورتها على القلب وشرايينه.
  • قطع الصيام فورًا عند حدوث آلام الصدر المميزة للذبحة الصدرية، وتعاطي أقراص النيترات تحت اللسان، والتوجه لأقرب خدمة طوارئ عند استمرار الألم.
  • الأفضل عدم الصيام في الأسابيع التالية للإصابة بجلطة في القلب، فأية اختلالات في أملاح الدم نتيجة الصيام، قد تُحدِث اضطرابات كهربية بالقلب Arrhythmia.
  • بالنسبة للمصابين بضعف عضلة القلب، فعليهم التوازن في شرب السوائل ( لتر ونصف إلى لترين )، فالزيادة مضرة. والأهم تجنب الأكل المالح قدر الإمكان لتجنب حدوث التورم، والارتشاح الرئوي.

ثالثًا: مرضى السمنة

السمنة، خاصة المفرطة، مرض مزمن خطير. ويضاعف خطورة الأمراض الأخرى. ورمضان سلاحٌ ذو حدين فيما يتعلق بالوزن ..

  • إذا اعتمدت على الوجبات الثقيلة، والأطعمة كثيفة الدهون والسكريات، وما يصاحبها من كسل وخمول. سيزيد الوزن بمعدل يفوق خارج رمضان. فالصيام غير الصحي يقلل معدلات الحرق، فيفاقم تخزين الدهون.
  • أما بتنفيذ التعليمات الغذائية التي ذكرناها في النصائح العامة بالأعلى، خاصة تفتيت الوجبات، وتقليل الدهون، والاعتماد على الخضروات والفواكه والبروتينات، وآداء تمارينَ سهلةٍ كالمشي السريع في آخر ساعات الصيام، فإن معدلات الحرق ستزيد، خاصة من الدهون المخزنة.

رابعًا: مرضى الضغط

يمكنهم بسهولة تجنب ارتفاع الضغط بتعليمات بسيطة:

  • المواظبة على أدوية الضغط. ومعظمها يؤخذ مرة واحدة يوميًا فقط.
  • تجنب الأكل المالح، خاصة الجبنة القديمة، والمخللات .. الخ.
  • تجنب الوجبات الثقيلة كثيفة الدهون.
  • تجنب الجفاف، الذي يفاقم احتمالات حدوث الجلطات.
  • التمارين الرياضية المعتدلة كالمشي السريع.
  • قياس الضغط صباحًا ومساء.

بل يمكنهم الاستفادة من الصيام على المدى البعيد ..

  • إنقاص الوزن كما سبق .. فكل 1 كجم يُفقَد، يقلل الضغط درجة.
  • الاستعانة بالصيام على كبح التدخين، والذي يفاقم ارتفاع الضغط ومضاعفاته.

خامسًا: الجلطات الوريدية المتكررة Venous thrombo-embolism:

كجلطات أوردة الساق DVT، و جلطات الشرايين الرئوية. والتعليمات هنا مشابهة لما ذُكر في جلطات القلب، خاصة نقطة الجفاف – ضع تحتها ألف خط -، ونقطة الوجبات الثقيلة. وبالطبع المواظبة على أدوية السيولة بالجرعة التي يحددها الطبيب، وأكثرها يُعطَى مرة واحدة يوميًا.

سادسًا: جلطات المخ ischaemic stroke

منع تكرارها بنفس تعليمات مرضى جلطات القلب. والجلطات الوريدية. خاصة تجنب الجفاف.

سابعًا: مرضى القصور الكلوي المزمن:

هناك تضارب في قضية المنع أو السماح بالصيام. لكن الأرجح هو المنع، خاصة للمصابين بالسكري، وأصحاب الكلى المستزرعة ( لحساسية الكلى المستزرعة، ولضمان المواظبة على الأدوية الجوهرية التي تقوم بتثبيط رد فعل المناعة ضدها )، وكذلك الخاضعين للغسيل الكلوى الدموي الدائم hemodialysis، بالأخص في أيام الغسيل الثلاثة أسبوعيًا.

لكن إن كانوا لابد صائمين، فالتركيز على تجنب الجفاف الذي قد يؤدي إلى تدهور حاد في وظائف الكلي. وتجنب الوجبات الثقيلة، والمالحة. والتوازن في الماء (لتر ونص – لترين يوميًا) مع عدم التعرض للشمس والعرق.

بالالتزام بالتعليمات يمكن لمرضى الكلى عبور رمضان بسلاسة.

ثامنًا: مرضى التليف الكبدي:

الحالات المتقدمة تتجنب الصيام. فحدوث الجفاف أو أي اختلال في أملاح الدم المذابة قد يؤدي إلى مضاعفات كثيرة أشهرها ما يسمى بالغيبوبة الكبدية Hepatic encephalopathy. كذلك لا يستطيع الكبد المتليف إمداد الجسم بكفاءة بالجلوكوز المخزن ” الجليكوجين ” في ساعات الصيام الأخيرة.

أما إن صاموا، فعليهم الإقلال من البروتين ( 80-100 جم يوميًا على الأكثر)، والإقلال من الأملاح قدر الإمكان. وشرب السوائل بتوازن. ويمكن الزيادة قليلًا (ضع خطًا تحت قليلًا) في السكريات والنشويات لتعويض الحد من البروتين.

تاسعًا مرضى السكري:

قلب طب أمراض مسكنات
الأفضل لهم عدم الصيام، بالأخص الحالات الأكثر خطورة:
  • غير المنتظمين في علاج السكري ( السكر التراكمي = الهيموجلوبين السكري HbA1c% > 8.5 ).
  • الحالات التي تعرضت خلال 3 أشهر من رمضان لهبوط شديد hypoglycemia، أو ارتفاع شديد في السكر ( خاصة غيبوبة التحمض الكيتوني DKA، وغيبوبة ارتفاع السكر وأسموزية الدم HONK).
  • الحوامل.
  • مرضى الغسيل الكلوي المزمن .. الخ.

لكن يمكن لحالات معينة – بعد استشارة الطبيب لتعديل جرعات العلاج بما يناسبها – الصيام مع الالتزام بالآتي:

  • الحذر من الجفاف الذي يزيد احتمال حدوث جلطات القلب والمخ ..، فالسكري من أهم عوامل الخطر.
  • التركيز على وجبة السحور، لتجنب حدوث نقص الجلوكوز hypoglycemia الخطير.
  • قياس السكر العشوائي في حالة الشعور بأعراض غير طبيعية. ويجب كسر الصيام إذا نقص السكر عن 60 مجم% أو زاد عن 300 مجم%..
  • التزام نفس المبادئ العامة للطعام في مرضى السكرى ( تفتيت الطعام إلى وجبات قصيرة متعددة – الاعتماد على الفواكه والخضروات والبروتينات – تقليل السكريات والنشويات – .. ).

ونتمنى لكم في النهاية صوما مقبولا وإفطارا صحيًا.