متى نفهم أن من أفسد لا يصلح، وأن استدعاء أشباح الماضي الفاشل والظالم كي يعظ ويقيم هو استدعاء للفشل والظلم ذاتهما، وأن إعادة إنتاج السياسات الظالمة والفاشلة التي نفذها ويبشر بها لا تنتج إلا نفس النتائج التي أدت إليها سابقا. لا أدري من هو الجهبذ الذي قرر استدعاء أسوأ رموز نظام مبارك على الصعيد الاقتصادي ليقدم مواعظه.. مستوى مزرٍ من التفكير البائس.. قليل من الحكمة وقراءة التاريخ والإبداع لا يضر.

بهذه الكلمات عبر الدكتور أحمد السيد النجار، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الصحفية، عن حالة من الغضب المكتوم لدى الكثيرين من أبناء الشعب المصري على ظهور يوسف بطرس غالي وزير المالية المصري في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك في أحد أهم أذرع النظام المصري الإعلامية، وهي قناة dmc مع الإعلامي أسامة كمال، في مشهد أصبح متكررا ومألوفا لدى المصريين الذين اعتادوا ظهور رموز مبارك خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وكأن عقارب الساعة قررت مصرة على العودة إلى الخلف.


الظهور الأول

في مساء الأربعاء 3 مارس/ أذار استضاف الإعلامي أسامة كمال فى برنامج «مساء dmc» على مجموعة قنوات «dmc» واحدا من أهم رموز نظام مبارك، وهو يوسف بطرس غالي وزير المالية الأسبق، وهو الظهور الأول له منذ ثورة 25 يناير 2011، بزعم طرح رؤيته حول الأوضاع الاقتصادية في مصر وما يتم من إجراءات اقتصادية يعتبرها مؤيدو نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي إجراءات إنقاذ وإصلاح اقتصادي، بينما في حقيقتها وهو ما يشعر به المصريون هي إجراءات رفع الدعم وزيادة معاناة الشعب المصري.

وقد بدأت تلك الإجراءات الاقتصادية مع قرار البنك المركزي المصري تحرير سعر صرف الجنيه المصري في 3 نوفمبر / تشرين من العام الماضي وتبعه زيادة أسعار المحروقات فيما وصفه المصريون بقرارات الخميس الأسود، وهي القرارت التي تسببت في ارتفاع كبير في الأسعار بالأسواق المصرية وبعد أكثر من 4 أشهر على تلك القرارت، واستمرارا للدفاع عنها قرر أحد أسامة كمال أحد الإعلاميين المحسوبين على نظام السيسي، استضافة أحد رموز نظام مبارك للدفاع عن تلك القرارات.

تحدث غالي عن أسباب لجوء مصر لصندوق النقد الدولي وتقييمه لفكرة وصول الدعم لمستحقيه وفرص مصر للخروج من الأزمة الاقتصادية.

وبدوره دافع أسامة كمال عن استضافته ليوسف بطرس غالي، حيث أكد أن برنامجه يرحب باستطافة الجميع ويرحب بكل الآراء، مشددا على أن حواره مع بطرس غالي اقتصادي وليس سياسيا كما كان يزعم الآخرون.


من هو يوسف بطرس غالي

يوسف بطرس غالي مواليد محافظة القاهرة 1952، حاصل على بكالوريوس الاقتصاد من جامعة القاهرة عام 1974،وأكمل دراسته العليا، بالولايـات المتحـدة الأمريكية، وحصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT ) في مدينة كمبريدج، بولاية ماساتشوستس الأمريكية فـي عـام ١٩٨١.

في عام ١٩٨٦ عمل غالي مستشاراً اقتصادياً لرئيس وزراء مصر، ولمحافظ البنـك المركـزي المـصري، واستمر في هذا المنصب خلال الفترة بين عامى ١٩٨٦ و ١٩٩٣، وعين غالي كوزير للدولة ووزير للتعاون الدولي خلال الفترة من «1993- 1996».

ثم تولى بعد ذلك مسئولية عدد من الحقائب الوزارية، حيـث أصـبح وزيراً للدولة للشئون الاقتصادية (١٩٩٦-١٩٩٧)،ثم وزيراً للاقتصاد والتجـارة الخارجية (١٩٩٧-٢٠٠١ ) ثم وزيرا للتجارة الخارجية (٢٠٠١-٢٠٠٤ )، وأخيرا وزيرا للمالية منذ 2004 وحتى قيام ثورة 25 يناير ليرحل مع حكومة أحمد نظيف عقب قيام الثورة المصرية.


أحكام بالجملة ومطارادت

وقد وجهت له العديد من الاتهامات والقضايا، منها على سبيل المثال قضية اللوحات المعدنية، والتي شملت بالإضافة ليوسف بطرس غالى كلا من أحمد نظيف آخر رئيس وزراء فى عهد مبارك ووزير داخلية مبارك حبيب العادلي، وتم اتهامهم فى تلك القضية بإهدار المال العام بما يبلغ 92 مليون جنيه مصري، وذلك في يوليو/ تموز 2011.

وقد حكم عليه في تلك القضية بالحبس 10 سنوات، بالإضافة للعديد من القضايا التي قد حكم على بطرس غالي فيها، منها قضية حكم عليه فيها بالسجن 30 عاما لإدانته بتهمة إهدار المال العام بالإضرار العمدي بأموال أصحاب سيارات كانت قيد التحفظ في غدارة الجمارك بمطار القاهرة، وكذلك استغلال النفوذ، وتسخير العاملين في الوزارة لدعايته الانتخابية، وتضمن الحكم إعادة 30 مليون جنيه، ودفع غرامة 30 مليونا أخرى.

كما حكمت جنايات القاهرة بالسجن المؤبد لمدة 25 عاما غيابيا والعزل من الوظيفة على يوسف بطرس غالي، وذلك بعدما انتهت المحكمة إلى إدانته بارتكاب جرائم العدوان على المال العام والإضرار العمدي به بما قيمته نحو 20 مليون جنيه، والتزوير فى محررات رسمية واستعمالها، وبرغم كل هذه الأحكام القضائية لم يتم القبض على يوسف بطرس غالي من قبل الإنتربول الدولي وإعادته إلى مصر لتنفيذها.

وفي أبريل/نيسان 2012، بعد عام وعدة أشهر من ثورة 25 يناير ومع شعور المصريين بأن الثورة في ذلك الوقت كان لها تأثير طارد أحد الشباب المصريين يوسف بطرس غالي بشوارع العاصمة البريطانية لندن، وقال له إنك هربت بأموال المصريين وشاركت في قتلهم وإنك يجب إعادتك لمصر لمحاكمتك، ولم يكن يعلم ذلك الشاب أنه بعد سنوات من ثورة يناير سيعود غالي إلى شاشات الفضائيات مرة أخرى للحديث عن أوضاع الاقتصاد المصري.


التصالح كلمة السر

لم يكن ظهور يوسف بطرس غالى سوى حلقة في سلسلة إجراءات مستمرة معه منذ ما يقارب العام، ففي أبريل/ نيسان من عام 2016،أرسل يوسف بطرس غالي محاميه إلى جهاز الكسب غير المشروع، ليتقدم بطلب للجهاز للتصالح مع الدولة وتسوية أوضاعه في قضية استغلال النفوذ مقابل 4 ملايين و400 ألف جنيه وغرامة مماثلة.

وبعدها بأشهر قليلة في شهر يونيو/حزيران 2016،شكل جهاز الكسب غير المشروع لجنة لفحص طلبه، وقد قيمت اللجنة ثروته بنحو 70 مليون جنيه نتيجة استغلال نفوذه، لترد الأموال مقابل التصالح، وهو الحديث الذي عاد للسطح مرة أخرى في يناير/ كانون الثاني عام 2017، والذي صاحب اقتراب لجنة فحص الأموال من إنهاء عملها والتي ستحدد المبلغ المطلوب من غالي سداده وفقا لتعديلات قانون الإجراءات الجنائية، وهو ما يعني انقضاء الدعاوى القضائية حال إتمام التصالح.

لتكتمل سلسلة عودة ظهور رموز نظام مبارك، وتصدرهم المشهد السياسي في مصر، فما بين المناصب الوزارية والمحافظين إلى نواب البرلمان تظل ثورة 25 يناير، تتلقى الطعنات يوما بعد الآخر ويعد اختيار dmc رسالة أخرى.

فاختيار القناة المرتبط اسمها بنظام السيسي بشكل مباشر تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الهدف ليس فقط الترويج للسياسات الاقتصادية الأخيرة لنظام السيسي، أو حتى فشل رموز نظامه للترويج لها، وإنما المقصود أن الأوضاع عادت إلى ما كانت عليه ولا يوجد ما يمنع رموز نظام مبارك من الظهور والترويج لسياسات السيسي الاقتصادية، وأن صفحة 25 يناير قد طويت أو ربما لم تكن موجودة من الأصل، ولم يتبق منها سوى التخويف للمصريين من الفوضى ومن المظاهرات التي لم تسبب سوى تعطيل عجلة الإنتاج.

ليصبح المشهد في مصر عودة الإخوان وشباب الثورة للسجون وعودة رموز مبارك لمقاعدهم وعودة المصريين للصمت.

المراجع
  1. السيرة الذاتية ليوسف بطرس غالي