أصدرت المحكمة العليا في أمريكا قرارها المتوقع بإلغاء اعتبار الحق في الإجهاض حقا دستوريا، متراجعة عن قرار المحكمة نفسها الشهير في 1973 الذي كفل الحق في الإجهاض وإزالة المعوقات أمامه ومنع كثيرًا من الولايات المحافظة من منع الإجهاض وصعّب الالتفاف على الإلزام الفيدرالي به من خلال قيود تشريعية في التفاصيل كما حاولت تكساس السنة الماضية.

الحكم الجديد دفع الجمهوريين نحو رفع شعار «الحياة تنتصر»، وهو رد على شعار «الحب ينتصر» الذي رُفع قبل سبع سنوات عندما أصدرت المحكمة نفسها بأغلبيتها الديمقراطية آنذاك حكما أقر بحق الزواج للمتشابهين في الجنس، وأجبرت المحكمة الولايات المحافظة على إقرار زواج المثليين والسماح به. كأن الجمهوريين اليوم يقولون للديمقراطيين: رددنا الصفعة لكم في نفس الشهر وأمام نفس المحكمة.

الحكم ليس مجرد حكم عادي لأنه يشعل معركة استقطابية كبيرة إذ يفتح الباب أمام مراجعة قرار زواج المتشابهين في الجنس والعودة عنه، خاصة أن قاضيا محافظا في المحكمة لمح بذلك اليوم وكان قد صرح به في أكثر من مناسبة قبل ذلك.

قرار تعديل الحكم السابق أو التراجع عنه استند إلى أن مسألة الإجهاض ليست مقرة في الدستور نفسه، وبالتالي يمكن التراجع عنها وإعطاء الولايات حق التشريع فيها، بحكم أن المواطنين من حقهم تقرير ما يناسبهم في مجتمعاتهم، خاصة مع وضع المبدأ الفيدرالي في الاعتبار، حيث كل ولاية لها قانون ودستور ومحاكم.

بالتالي، فإن القرار لم يمنع الإجهاض وإنما ترك حرية التشريع فيه لكل ولاية، ويعني هذا أن نصف أمريكا تقريبا يمكن أن تقيّد تلك الممارسة، وهو ما يمكن أن يتكرر في موضوع زواج المثليين.

الإشكالية الكبيرة هي أن الديمقراطيين يفكرون في الضغط على بايدن من أجل زيادة عدد القضاة في المحكمة العليا بحيث يبقى العدد الأكبر للتقدميين. زيادة عدد القضاة في المحكمة العليا حق للرئيس الأمريكي حيث أن هؤلاء القضاة لا يمكن عزلهم بعد ذلك ولا يغادرون مناصبهم إلا بالإستقالة أو الموت. لكن تلك خطوة ليست سهلة بالتأكيد إذ من الممكن أن تفجر صراعا سياسيا وجدلا كبيرا ربما لا تتمكن أمريكا من الخروج منه.

بالإضافة إلى ذلك، تقول المؤشرات أن الجمهوريين سيكتسحون الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي، خاصة بعد نتايج نوفمبر الماضي في الانتخابات المكملة لبعض المقاعد في الولايات ولحكام الولايات، والتي انتصر فيها الجمهوريون بوضوح.

لكن الديمقراطيين يعولون على أن هذا الحكم وإعلان الرغبة في إلغاء الحق الدستوري لجواز المتشابهين في الجنس سيدفع التقدميين للمشاركة بأعداد غفيرة واعتبار معركة الانتخابات مسألة حياة أو موت كما جرى في انتخابات الرئاسة ضد دونالد ترامب. ويتمنى الديمقراطيون أن يحدث ذلك مفاجأة ضد التوقعات، وأن يحافظوا على الأقل على تفوقهم في مجلس النواب حتى حال خسروا الشيوخ، خاصة أنهم متفوقون بالصوت المرجح لنائب الرئيس، كاملا هاريس.

تبدو أمريكا مقبلة على تصاعد لحالة الاستقطاب رغم أن الكونجرس مرر تشريعا لمسألة السلاح من يومين ويتبقى توقيع بايدن عليه، وهو ما قد يحل إحدى المسائل الخلافية الكبيرة. لكن قرار المحكمة العليا وما سيتبعه وما يشكله من سابقة تاريخية سيجعلنا ندخل صيفا مشتعلا وخريفا حارا يضع أمريكا، بجانب التضخم وارتفاع الأسعار، أمام تحديات غير مسبوقة.