يقول المتفائلون إنه بعد الانتخابات الأخيرة التي أحدثت انتكاسة في مساعي الرئيس رجب طيب أردوغان لتعزيز سلطته، أصبح المناخ السياسي التركي جاهز أخيرا للتعددية التي كانت طويلا هدفا لجيل جديد قارب على سن الرشد. ولكن ذلك لا يشير إلى ربيع سياسي تركي. بل يبدو أننا على وشك دخول شتاء طويل من السخط.

نظريا وعمليا، تستطيع تركيا، ويجب، أن تكون منارة للتعددية الدينية ونموذجا للتعايش السلمي في منطقة غارقة في الإكراه الديني، والقتل الجماعي، والتطهير العرقي. أنتجت احتجاجات “جيزي بارك” في يونيو 2013، وهي أول تحدي واسع النطاق لحكم إردوغان الاستبدادي، مشاهد شهيرة للغاية للتعددية، مثل: نساء محجبات تحتشدن إلى جانب نشطاء حقوق المثليين، وماركسيين يقفون لحماية “المسلمين المناهضين للرأسمالية” أثناء صلاتهم، وملحدون ومسلمون يفطرون سويا في تجمعات الموائد المفتوحة.

احتجاجات جيزي بارك
إلا أن تلك الاحتفالات بالتعددية تفشل في إخفاء فداحة الطائفية والاستقطاب في تركيا حاليا.

ففي ظل 12 عاما من حكم حزب إردوغان، حزب العدالة والتنمية، حظيت البلاد بوجبة مستمرة من الكراهية، والأحكام المسبقة، وعدم التسامح من قبل كبار المسؤولين الحكوميين. كذلك سمحت الثقافة السياسية التركية لمرتكبي جرائم الكراهية، وناشري خطابات الكراهية،بالهرب من العدالة، بل وبالتمتع بالإشادة والترقيات. أنتج ذلك المناخ، حسبما يظهر المؤشر العالمي لمعاداة السامية الذي تصدره مؤسسة مكافحة تشويه السمعة، تركيا معادية للسامية أكثر من إيران نفسها. ووفق إحصائية لعام 2015، هناك نسبة مخيفة من المواطنين الأتراك، 71 بالمئة، يحملون اتجاهات معادية للسامية.

ما يزيد الأمور سوء أن البرلمان التركي الجديد، المحتفى به من قبل كثير من المحللين لتمثيل الأقليات فيه، به خط تماس قد يؤدي إلى زيادة حدة التوترات الطائفية التركية. حيث يتشكل اثنين من الأحزاب الأربعة الممثلة في البرلمان التركي- حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية وحزب الحركة القومية القومي اليميني – بالكامل من نواب مسلمين سنة، باستثناء النائبين الأرمانيين المنتخبين رمزيا على قائمة حزب العدالة والتنمية.

علاوة على ذلك، رغم أن العلويين – وهم المنتمين لأحد أفرع الإسلام الشيعي ويشكلون ما بين 10 إلى 15 بالمئة من السكان – قد أعطوا الحزبين 7 بالمئة من أصواتهم، إلا أن الحزبين قررا أن يقصيا غير السنة بالكامل من صفوفهما. وإن أدت المحادثات الائتلافية الحالية إلى شراكة بين الحزبين، سيقصي الائتلاف الحاكم ومجلس وزراءه الأقليات الدينية من المشاركة.

توزيع الأديان في تركيا
توزيع الأديان في تركيا

إن تجسد ذلك الائتلاف بين الحزبين، ستزداد معاناة التنوع الإثني. حصل حزب الشعوب الديمقراطي وحزب الشعب الجمهوري مجتمعين على 64 بالمئة من الأصوات الكردية. ولكن تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية سيترك أغلبية كبيرة من الأكراد خارج المعادلة. ما سيتسبب بمشكلات لعملية السلام الكردي المتزعزعة والعلاقات المتوترة مع الكيانات الكردية في أنحاء المنطقة.

تعتبر تلك السياسات الاقصائية مفضلة لدى الرئيس إردوغان. فقد حدث تحت قيادة إردوغان أن حول حزبه العلويون والأقليات غير المسلمة إلى كبش فداء. فبعد أن كان للحزب ثلاثة نواب علويين عام 2007، هبط العدد إلى نائب واحد عام 2011، ووصل العدد إلى صفر عام 2015. صاحب ذلك زيادة في خطاب الكراهية الذي يستهدف العلويين من جانب أردوغان، خصوصا بعد انتخاب شخصية علوية كقائد لحزب الشعب الجمهوري المعارض العلماني عام 2010. لم يتردد التابعون الموالون لإردوغان في حزب العدالة والتنمية وبين الموظفين الحكوميين في أن يحذو حذوه.

أصبح المناخ السياسي السام معديا. فهناك مؤشرات على أن حزب الحركة القومية قد ينضم إلى سياسات الكراهية الطائفية الخاصة بإردوغان كجزء من محاولاته للتودد إلى حزب العدالة والتنمية من أجل شراكة ائتلافية محتملة. أعلن المسؤول عن الانضباط الحزبي بحزب الحركة القومية مؤخرا أن حزبه اختار عدم التصويت لمرشح حزب الشعب الجمهوري لرئاسة البرلمان، لأن ذلك سيعتبر تصويتا لحزب “دون دين ولا إيمان”، وهو ادعاء منتشر ينال من الأفراد العلويين والعلمانيين في تركيا.

مع تعلق تشكيل الحكومة التركية القادمة على تحقيق التوازن، من غير الواضح إن كان حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية يمكنهما بسهولة بناء ائتلاف متجانس يلبي المشاعر الإقصائية التركية والسنية.

ستمثل تلك الشراكة 57 بالمئة من الأصوات الشعبية وأكثر من ثلاثة أخماس المقاعد البرلمانية الضرورية لتعديل الدستور من جانب واحد لتمكين إردوغان من الحصول على صلاحيات رئاسية أكبر. إلا أن ذلك التحالف القوي والمستقر ظاهريا سيأتي على حساب ديمقراطية وتعددية تركيا المتوترة بالفعل.

نتائج الانتخابات التركية
نتائج الانتخابات التركية

صمدت تركيا أمام جولتين من ائتلافات الجبهة القومية عام 1975 وعام 1977، واللتان ضمتا قوميين يمينيين وإسلاميين. يتذكر الأتراك الذين عاصروا تلك الفترة بوضوح الأيام المظلمة التي شهدت القمع والقتل الجماعي. أدى الانقسام والتصعيد الناتج إلى قتل 5000 شخص على طرفي المشهد السياسي خلال أقل من خمس سنوات، ومهد الطريق لاشتباكات طائفية ومذابح ضد العلويين.

إن اختارت تركيا طريق الانقسام الطائفي والعرقي مجددا، فلن يمر وقت طويل قبل أن يتحول الربيع التركي الكاذب إلى شتاء التعصب.

أيكان إرديمير عضو سابق بالبرلمان التركي وزميل غير مقيم بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات. تابعه على تويتر.

المصدر

*ترجمة فريق موقع راقب