محتوى مترجم
المصدر
تشاثام هاوس
التاريخ
2015/08/05
الكاتب
د. روبن نبلت

حسنًا؛ ما مدى سوء الوضع؟ الإجابة هي أن الصعوبة لا تكمن بشكلٍ كبير في حجم أي من الأزمات الحالية فحسب؛ بل في حقيقة أنها وصلت إلى متناول قادة الاتحاد في ذات الوقت. نجد هنا مشكلات مثل؛ الخروج المحتمل لليونان من منطقة اليورو، والصراع مع روسيا في أوكرانيا، والهجرة العشوائية من أفريقيا والشرق الأوسط.

إن أخذنا كل من هذه المشكلات على حدة؛ سنجدها هائلة، لكن يمكن السيطرة عليها. نجح تعامل الاتحاد الأوروبي مع أول أزمة يونانية عام 2012، في فترة كان يمكن لانهيار الإقتصاد اليوناني أن يزعزع استقرار منطقة اليورو بالكامل، على خلاف الوضع اليوم. كما نجح الرئيس الفرنسي السابق «نيكولا ساركوزي» وقادة آخرين بالاتحاد الأوروبي في التفاوض حتى تحقيق وقف لإطلاق النار بعد الاجتياح الروسي لجورجيا عام 2008.

اليوم، يضطر القادة للتعامل مع جميع أزمات الإتحاد الأوروبي في ذات الوقت، مع إدراكهم أن أيا من تلك المشكلات لا يرجح أن تحل قريبًا.

ماذا تخبرنا طريقة تكشف الأزمة اليونانية عن العلاقات بين ألمانيا وفرنسا، وعن حالة مشروع الاتحاد الأوروبي على نطاق أوسع؟

يعكس النقاش داخل الاتحاد الأوروبي عن كيفية معالجة الأزمة اليونانية في اتجاه أعمق. فبعد ضغوط أزمة الديون المالية والسيادية، يتحول الآن اتحاد منطقة اليورو المالي إلى اتحاد سياسي. فبينما يستطيع الأول أن يخفي الفروق الجذرية في النهج السياسي الوطني؛ لا يستطيع الأخير فعل ذلك.

يرى المنظور الفرنسي أن دول الاتحاد الأوروبي يجب أن تتجمع في اتحاد مالي واقتصادي مدفوع سياسيًا سيوجه على أساس التضامن، حيث تساعد الدول الأغنى الدول الأفقر، ويتخذ القرار النهائي على أساس الإجماع السياسي.

بينما تتطلع ألمانيا إلى اتحاد سياسي واقتصادي ومالي قائم على مبدأ المسؤولية المشتركة، حيث تكون جميع الدول ملزمة قانونيًا بتجنب العجز في الميزانيات. وإن واجهت عجزًا مفرطًا في الميزانيات، فهي ملزمة بإجراء إصلاحات هيكلية وخفض الإنفاق حتى تحصل على دعم مالي مركزي، مثلما حدث في حالة اليونان.

بشكلٍ عام، تبدو أغلب حكومات منطقة اليورو؛ من سلوفاكيا وفنلدنا إلى إسبانيا والبرتغال؛ متحيزة لألمانيا. فقد أجرى العديد منها إصلاحات مؤلمة، وقدموا اليوروهات إلى حزم الدعم المالي. يتوقع المصوتون بها أن يشهدوا عودة أموالهم. ولكن إيطاليا متشككة بشكل اعتيادي في القيادة الاقتصادية الألمانية، وتدعم موقف الرئيس الفرنسي. بينما لا يريد القادة الألمان القطيعة مع فرنسا.


لماذا الإحباط تجاه القادة؟

المصوتون ليسوا محبطين بشكلٍ جماعي من قادتهم، لكن ذلك الاتجاه متصاعد. تحظى المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل»، ووزير المالية «فولفجانج شويبله» بشعبية كبيرة في ألمانيا، مثل شعبية «ماتيو رينزي» في إيطاليا، و«إيندا كيني» في أيرلاندا؛ لكن على نطاق أكبر.

يعتبر هؤلاء قادة في المعسكرين الأوروبيين، معسكري المقرضين والمقترضين. وعلى النقيض، شهد «هولاند» والحزب الشعبي الخاص بـ«ماريانو روجوي» في إسبانيا -على سبيل المثال- تراجعات شديدة للدعم الشعبي لهم، وصعود لمنافسين شعبيين ذوي مصداقية «الجبهة الوطنية»، ثم حزب «بوديموس»، على التوالي.

يقدم ذلك صورة مختلطة لرئيس الوزراء البريطاني «ديفيد كاميرون» في المفاوضات التي سبقت الاستفتاء. يحتاج «كاميرون، والمستشار جورج أوزبورن» إلى نظراء أقوياء في الاتحاد الأوروبي.

ستكون مهمتم هي الاستعداد لمواجهة محاولات الخصوم السياسيين المحليين؛ لوصم أي مصالحة للمملكة المتحدة؛ بأنها تسوء وضع مصالح بلدهم. بينما يبدو هؤلاء الشركاء متجسدين في «ميراكل ورينزي»، قد لا يجدهم «كاميرون» في «هولاند وراجوي».

حدثت تحولات جذرية في المشهد السياسي في المملكة المتحدة وأماكن أخرى؛ حيث سيحدث المزيد من التكامل داخل منطقة اليورو، لكن من غير المرجح أن يندمج الاتحاد الأوروبي على هيئة نواة صلبة من الدول في المركز، والدول غير المنتمية لمنطقة اليورو على الهوامش.

ستعني الفوارق بين الدول الأعضاء في منطقة اليورو (الكبيرة والصغيرة، والمقرضة والمقترضة، والمنافسة عالميا والمضطربة محليا) أن التصدعات السياسية ستستمر.

يكمن خوف «كاميرون» في أن تبدأ منطقة اليورو في العمل ككتلة متحدة ضد المملكة المتحدة، ولكن من غير المرجح أن يتحقق ذلك بأي طريقة منظمة. ستكون هناك مساحة لإتحاد أوروبي أكثر مرونة. يمكن حينها بناء التحالفات حول مشكلات محددة، مثل الطاقة، والتجارة، أو السوق الموحدة. سيكون في صالح المملكة المتحدة إن قرر الشعب البريطاني أن يظل داخل الاتحاد الأوروبي.


احتمالات متعددة

برغم عدم وجود نمط واضح من المنظور الإقتصادي؛ يبدو أن كفاءة القيادة السياسية الفردية تقدم دعمًا حاسمًا عندما يكون الجمهور محشودًا بشكلٍ متزايد، ومتشكك تجاه قادته في ضوء الضغوط الإقتصادية التي أحدثتها الأزمة المالية!.

في مجالات التجارة، والتغيرات المناخية وسياسة الهجرة؛ يعتبر إحراز التقدم دائمًا أصعب في اتحاد أوروبي مكون من 28 دولة، لكل منها مصالحها ومخاوفها. ستؤدي خسارة الثقة بين دول الاتحاد الأوروبي الناتجة عن أزمة اليورو، ومقدار الوقت الذي يستهكله ذلك من وقت القادة؛ إلى جعل التوصل إلى مواقف مشتركة بصدد تلك المشكلات أكثر صعوبة.

أما عن ما مدى تضرر الاتحاد الأوروبي في عيون اللاعبين الآخرين الكبار على الساحة العالمية، وما العواقب التي قد تنتج عن ذلك؟، فأورد تقرير صدر مؤخرًا عن مؤسسة «تشاتام هاوس»؛ أن أوروبا يجب أن تفكر بشكلٍ أكثر استراتيجية بشأن روسيا.

كما يجب أن تبقي على ردعها لها، وأن توسع جهودها لدعم أوكرانيا. لكن انقسام أوروبا يصب في مصلحة القيادة الروسية، التي تعتقد أنها تستطيع أن تنتظر تلاشي الاتفاق الأوروبي على تطبيق عقوبات، ورغبة أوروبا في دعم أوكرانيا ماليًا.

كذلك تعتبر الانقسامات الأوروبية محبطة للولايات المتحدة. حيث تتطلع إلى وحدة مستمرة في مواجهة روسيا، وقرار سريع بصدد ملحمة اليونان لتجنب خروجها من منطقة اليورو، والذي قد يزعزع استقرار منطقة البلقان. أبرزت أزمة اليورو أيضًا الاختلافات بين النهج الاقتصادي لألمانيا (القائم على الانكماش المالي والإصلاح الهيكلي)، والسياسات الكنيزية الخاصة بإدارة الرئيس الأمريكي «باراك أوباما».

أما الصينيون فهم سعداء بالتعاون مع الاتحاد أوروبي سواءً أكان منقسمًا أو متحدًا. يركز الصينيون على الفرص الضخمة المحتملة لرؤيتهم الخاصة بمبادرة «حزام واحد، طريق واحد»، والتي ستربط كتلة أوراسيا القارية عبر بنية تحتية جديدة وضخمة للنقل – من أجل إقصاء الولايات المتحدة.

يمكنهم أيضًا الاستفادة من التنافس الداخلي في أوروبا، الذي ظهر في تعجل المملكة المتحدة لتكون أول أعضاء الإتحاد الأوروبي انضمامًا إلى بنك البنية التحتية الأسيوي، وخفض ألمانيا لجهود المفوضية الأوروبية في العام 2013 لصد دعم الصين لصناعة الألواح الشمسية الخاصة بها.