محتوى مترجم
المصدر
foreignaffairs
التاريخ
2015/08/11
الكاتب
أندرو جيه. تابلر

تركيا ليست وحدها التي تبذل جهودًا لاقتطاع مناطق صديقة في فوضى الحرب السورية. لما يزيد عن عامين الآن، عَمِل حزب العمال الكردستاني؛ والذي يتمركز في جنوب شرق تركيا، وشمال العراق مع الجماعة المحلية التابعة له لإقامة «روج آفا»؛ وهي المنطقة الغربية من كردستان.

تواصلت الأردن، والتي ظلت وكالات استخباراتها ناشطة في جنوب سوريا لسنوات، مع المقتالين المحليين ورجال العشائر في محاولةٍ لإبقاء الدولة الإسلامية (داعش) بعيدة.

ويدرس البعض في إسرائيل العمل مع مجتمع دروز سوريا، والذي يسكن جزءٌ منه حدود الجولان. على نطاق إقليمي، تدعم السعودية وقطر أيضًا مجموعاتٍ في شمال وجنوب سوريا. كما ترسل إيران أعدادً قياسية من رجال الميليشيات المنتمين لـ«حزب الله» وجماعاتٍ شيعية، ومليارات الدولارات سنويًا لمساعدة «نظام بشار الأسد» في غرب سوريا.

بينما وقف معظم العالم مكتوفًا يشاهد تفكك سوريا، كانت القوى الإقليمية منشغلة بتشكيل مجالات نفوذ في البلاد تحت دعوى الأمن والمساعدة الإنسانية. شيئًا فشيئًا، يعيد جيران سوريا رسم خريطة البلاد، وتوازن القوى في الشرق الأوسط، والسياسة الخارجية الأمريكية.


نصيب تركيا

ربما تكون أبرز دولة تخطط لاقتطاع منطقة نفوذ في سوريا هي تركيا. وصلت تركيا مؤخرًا إلى اتفاقٍ مبدئي مع الولايات المتحدة على إقامة «منطقة خالية من تنظيم الدولة الإسلامية». المنطقة التي سوف تمتد بطول 100 كيلومتر، من مدينة «إعزاز» شمالي سوريا غربًا إلى «جرابلس» المطلة على نهر الفرات شرقًا، مصممة لعزل تركيا عن داعش وإغلاق الحدود السورية التركية.

كان المحفز تفجيرًا ضخمًا في أواخر يوليو/ تموز حين أعلنت داعش مسؤوليتها عنه. أسفر التفجير عن مقتل 32 شخصًا، وإصابة 100 آخرين في مدينة «سروج» التركية. نظريًا سيقوم متمردون سوريون -مدعومين بالمدفعية التركية وربما محميين من قِبَل غطاءٍ جوي تركي وأمريكي- بتأمين المنطقة.

يأتي الاتفاق تتويجًا لأعوامٍ من الاقتراحات التركية لإقامة منطقة حظر طيران شمالي سوريا؛ تخدم كمنطقة تجهيز للمتمردين الساعين إلى الإطاحة بـ«بشار الأسد». تشير التقارير الأولية إلى أن القوات التركية لن تدخل المنطقة. لكن المنطقة تتطابق تقريبًا مع أكبر جيب سوري للتركمان، لذا فإن تركيا قد تكون تخطط للاعتماد عليهم كقاعدة دعم محلية.

التركمان -الذين يبلغ عددهم 300 ألف فقط في سوريا- هم مختلفون عرقيًا عن السوريين العرب السنة الذين يمثلون حوالي 65% من السكان في سوريا، ويشكلون نصيب الأسد من المعارضة المسلحة.


ارتباط كردي

على الحدود الشمالية لسوريا أيضًا، يتنافس حزب العمال الكردستاني على النفوذ. قبل عامين، أسس حزب الاتحاد الديمقراطي -وهو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، والمجلس الوطني الكردي- الهيئة الكردية العليا، والتي أعلنت منطقة «روج آفا» ذاتية الحكم.

تتكون المنطقة ذاتية الحكم الجديدة من 3 كانتونات في «عفرين، وكوباني والحسكة». رغم أن الهيئة العليا وجناحها المسلح -قوات حماية الشعب- يصران على أنهم ليسوا حزب العمال الكردستاني. فقد أغلقت تركيا حدودها مع «روج آفا» وسط مخاوف من أن الوحدات ليست سوى ورقة تين للحزب.

تكره أنقرة -جنبًا إلى جنب مع فصائل كردية أخرى- علنًا الدعم الذي يتلقاه حزب الاتحاد الديمقراطي من إيران، وتسامحها وتسامحه مع قوات نظام «الأسد» في الحسكة.

في الشهر الماضي، شنت الولايات المتحدة ضرباتٍ جوية ضد داعش دعمًا لوحدات حماية الشعب، وقامت بعملية للاستيلاء على منطقة تل أبيض الحدودية من أيدي داعش. وحَّد ذلك النصر المحوري في ساحة المعركة «كانتوني كوباني والحسكة» اللذان ظلا طويلا منفصلين، معطيًا المجال الكردي ربما أكثر وحدة أراضٍ في سوريا بخلاف مناطق نظام «الأسد».

يؤيد البعض في وحدات حماية الشعب الآن التقدم غربًا إلى «عفرين» لتشكيل حزام كردي؛ يمتد عبر الحدود الشمالية لسوريا. ردًا على ذلك، وافقت تركيا والولايات المتحدة على إبقاء وحدات حماية الشعب خارج المنطقة الآمنة التي اقترحتها تركيا.


منطقة الأردن

على الحدود الجنوبية الغربية لسوريا، تعد الأردن أيضًا لاقتطاع منطقة نفوذ. تتبعت المخابرات الأردنية، التي تنسق عن قرب مع الولايات المتحدة، لأعوام وعملت بفعالية مع المتمردين في جنوب سوريا. بينما كان الصراع يصبح أسوأ، وجد المسؤولون الأردنيون أنفسهم في موقفٍ خاسر في الحالتين على نحوٍ متزايد.

إذا استولى المتمردون على دمشق، فإن المزيد من الفوضى على بعد 100 كليومتر من الحدود الأردنية؛ هو شيءٌ شبه مؤكد. أما إذا انتصر «الأسد» وحاول استعادة الجنوب، فإن آلاف اللاجئين سوف يتدفقون على الأردن.

ونظرا لأن نظام «الأسد» يفتقد القوة البشرية؛ فإن سوريا سوف تظل غير مستقرة بشدة. إذا استمر التقسيم الفوضوي للبلاد، فإن استمرار استخدام النظام للأسلحة الكيماوية، والاعتماد على إيران سوف يدفع متمردو سوريا أكثر إلى أيدي الجهاديين الراديكاليين مثل داعش، وهي مشكلة لا تريدها أي دولة بالجوار.

يشير تقريرٌ لصحيفة «فايننشال تايمز» صدر في الـ29 من يونيو/ حزيران وتصادف مع الإعلان التركي عن منطقةٍ آمنةٍ محتملة، إلى أن الأردن تخطط لإقامة منطقة عازلة إنسانية خاصة بها داخل سوريا، في استجابةٍ لخسائر نظام «الأسد» في ساحة المعركة، وبسبب الخوف من توسع داعش إلى جنوب سوريا.

لكن تظل التفاصيل الدقيقة للخطة غامضة. في الـ14 من يونيو/ حزيران تعهد الملك الأردني «عبد الله» بدعم عشائر جنوب سوريا وغرب العراق لحماية الأردن من داعش. الأمر الذي تم تفسيره على نطاقٍ واسع بأنه سوف يسلحهم. لكن فقط في الـ30 من يوليو/ تموز أصدرت الحكومة الأردنية بيانًا صحفيًا يقول إن تعليقات الملك قد أُسيء تفسيرها!.

أيا كان الأمر، فإن الإعلان أعقب نقاشًا في الصحافة الأردنية حول المصالح الهاشمية في جنوب سوريا، والتي يرجع تاريخها إلى الثورة العربية فيما بين عامي 1916 و1918. تقليديًا تتطابق منطقة نفوذ الأردن تقريبًا مع حوران، الهضبة البركانية جنوب دمشق والتي تغطي الحدود السورية الأردنية.

عبر الاعتماد على مقاتلين ورجال عشائر يتمركزون في حوران، والذين تجمعهم بالأردنيين صلة قرابة، أبقت الأردن داعش بنجاح خارج جنوب سوريا (حتى الآن) وأبقت النصرة، والتي تنحدر قيادتها الجنوبية أيضًا من منطقة حوران، تحت المراقبة. بل إن بعض الأردنيين يصرون على أن قادة النصرة المحليين يمكن سلخهم إلى كتائب أكثر اعتدالًا.


المنطقة الإسرائيلية

تتطابق منطقة نفوذ الأردن في سوريا جزئيًا مع تلك الخاصة بإسرائيل، والتي تصبح أكثر تخوفا بشأن الفراغ السياسي والعسكري إلى الشرق من تخوم الجولان. لسنوات، تواصلت إسرائيل بهدوء مع المجموعات المتمردة في جنوب سوريا، ووفرت دعمًا طبيًا مكثفا لهؤلاء الهاربين من القتال، وتسامحت مع قوات نظام الأسد الموهنة في الجولان الشمالي.

تتشارك إسرائيل والأردن أهدافًا مشتركة في جنوب سوريا، وتحديدًا إبقاء داعش وإيران خارج حوران والقنيطرة. لكن خيارات إسرائيل تقيدها حقيقتان صعبتين:

الأولى؛ هي أن وحدات المتمردين الأكثر فعالية في جنوب سوريا هي لجهاديين، والذين يعادون دولة إسرائيل بصورةٍ جذرية.

الثانية؛ هي أن الطريقة الوحيدة التي يستطيع من خلالها نظام «الأسد»، والذي تسامحت إسرائيل معه بشكلٍ عام، هي بمساعدةٍ مباشرة من إيران، عدو إسرائيل الإستراتيجي الرئيسي.

يرى بعض الإسرائيليين مسارًا محتملًا من خلال الدروز، وهم أقلية عرقية تقطن كلا من سوريا وإسرائيل ويُعتبرون تاريخيا قريبين دينيًا من نظام «الأسد». خلال العام الماضي، أشار عدة مسؤولين إسرائيليين بهدوء إلى أنهم مدينين للدروز لخدمتهم في القوات المسلحة الإسرائيلية.

التواصل مع الدروز تعقِّده حقيقة أن بعض الدروز منخرطون بفعالية في هجمات العبوات الناسفة عبر سياج الجولان بإيحاءٍ من «حزب الله». لكن هناك تقارير تورد أن سلسلةً من انسحابات نظام «الأسد» من مناطق الدروز خلال الأشهر القليلة الأخيرة، جعلت بعض الدروز يبحثون عن خياراتٍ للدفاع عن أنفسهم ضد الجهاديين.


لعبة إيران

اقتطعت محاولة إيران متعددة الطبقات لتعزيز نظام «الأسد» ما يمكن اعتبارها أكبر منطقة نفوذ في سوريا. تنشط ميليشيا «حزب الله» المدعومة من إيران والقادمة من لبنان في منطقة القلمون الحدودية وفي حملات نظام «الأسد» الشمالية والجنوبية.

تنخرط ميليشيات شيعية عراقية، وإيرانية استوردتها طهران بفعالية في نفس الحملات. ربما أتى أبرز مثال للنفوذ الإيراني عبر أنشطة الحرس الثوري و«فيلق القدس» لتطوير القوات السورية شبه العسكرية، والتي توازي حجم الجيش الآن حسب بعض التقديرات.

يأتي هذا بالإضافة إلى ما يقدر بـ6 مليارات دولار سنويًا على هيئة مساعداتٍ اقتصادية، ودعم طاقة من طهران والتي ساعدت في دعم ما تبقى من نظام «الأسد». دوافع إيران إلى ما تعتبره معظم التقديرات أكبر تدخل أجنبي في سوريا؛ هي ضمان ممرٍ آمن للأسلحة إلى حزب الله في لبنان، والإبقاء على وجودٍ في مرتفعات الجولان لمهاجمة إسرائيل.

أيضًا ضمان أن ما يتبقى من نظام «الأسد» يخضع لأوامر إيران. رغم هزائم «الأسد» الأخيرة في ساحة المعركة؛ فإنه حتى المعتدلين في إيران يقولون إن دعمهم للنظام يستطيع أن يستمر أكثر من ذلك الذي يحصل عليه المتمردون.


أهداف الخليج

رغم افتقاد موطئ قدم على الأرض، أسست الدول العربية الخليجية -التي تحاول بشكل رئيسي مواجهة إيران- نفوذًا في سوريا عبر دعم الجهود التركية والأردنية لتسليح فصائل المتمردين. عندما قرر الرئيس الأمريكي «باراك أوباما»، في صيف عام 2012، عدم تسليح المعارضة السورية المعتدلة.

تدخلت دول الخليج العربية لتمويل المجموعات الإسلامية والمعتدلة في سوريا مباشرةً. ذهبت بعض تلك الأموال إلى أيدي المتطرفين، والذين انتشروا سريعًا في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة من سوريا. متخوفةً من صعود المتطرفين، دعمت الدول الخليجية العربية؛ مثل قطر والسعودية علنًا الجهود الأمريكية والتركية والأردنية عام 2014 لإنهاء الدعم للإسلاميين والجهاديين في سوريا.

لكن منذ ذلك الحين، زادت قطر والسعودية من الأموال التي يرسلونها إلى سوريا. المتلقين بالضبط غير واضحين، لكن يبدو أن دول الخليج تدعم في الأغلب فصائل معتدلة وإسلامية؛ بينما تتسامح مع تنسيق تلك الفصائل مع الجهاديين مثل «أحرار الشام، والنصرة في جيش الفتح». شكلت تلك المجموعة تحديًا كبيرًا لنظام «الأسد» في شمال وجنوب سوريا.


منطقة لم ترسم حدودها

تتغير خريطة سوريا كل يوم. وجلب جيرانها توتراتهم السياسية والعسكرية والطائفية الخاصة إلى الحرب الأهلية هناك، الأمر الذي جعلها أكثر تعقيدًا ودموية. رغم المبادرات الدبلوماسية؛ فإن الاتفاق بين إيران وإسرائيل، والأردن، وقطر والسعودية، وتركيا بشأن ما ينبغي فعله في سوريا يبدو غير مرجح في أي وقتٍ قريب، مثلما هو تليين المواقف المتشددة لكلٍ من نظام «الأسد» والجهاديين مثل «داعش والنصرة».

لكن صنع مناطق نفوذ إقليمية يفتح الباب أمام بعض الاحتمالات للدبلوماسية، وهو الشيء الذي ألمح إليه «باراك أوباما» في تعليقاته عقب إعلان الاتفاق النووي الإيراني؛ فيما يتعلق بالمحادثات مع طهران حول «انتقالٍ سياسي يحافظ على تماسك البلاد ولا يغذي أكثر نمو داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى».

على المدى القصير؛ يمكن أن تستخدم الدول المجاورة والقوى الإقليمية نفوذها لعزل ومعاقبة الجماعات الأكثر تطرفًا في مناطقها. سوف يتطلب هذا أن ينسق البيت الأبيض توازنًا دقيقًا لعقد صفقات سياسية مع الجيران والفاعلين الإقليميين حول تلك القضايا الشائكة كدور «بشار الأسد»، ووسائل مغادرته، وماذا يعني انتقالٌ سياسي في سوريا. وفي حالة الوصول إلى اتفاق، فإن سوف يتم إعطاء كل دولة دورًا رئيسيًا في تنفيذه.

لفتح الباب أمام تلك الاحتمالية، تحتاج الولايات المتحدة أن تعترف أن سوريا هي دولة منهارة لن يتم إصلاحها في أي وقتٍ قريب – وهو شيء ظلت متحفظة بشأنه. لكن الاعتراف بمناطق النفوذ الإقليمية في سوريا، والعمل مع جيران سوريا -بدلًا من روسيا في محاولةٍ أخرى من أعلى إلى أسفل بمحادثات السلام- لتحقيق استقرار كل قطعة من الأحجية (البازل) قد يكون خطوة أولى حيوية في إعادة تجميعها مجددًا.