رجلٌ قصير القامة كثيف اللحية حليق الشارب أغلق مدينة صيدا اللبنانية لأسابيع وجمع حوله مئات الشباب لإرغام الحكومة اللبنانية على نزع السلاح من مقاتلي حزب الله.. كان هذا فى النصف الثاني من العام 2012. لمع نجمه قبل ذلك فى 2011 مع اندلاع الثورة السورية، فكان من أوائل الداعمين لفصائل الثورة وقاتل في مواجهة الجيش اللبناني مؤخراً فصدرت ضده مذكرة توقيف لم تعرف طريق التنفيذ طيلة سنتين حتى كانت ليلة سقوط الأسير.

نشأته وحياته..

أحمد الأسير الحسيني، ولد في الثالث عشر من أكتوبر 1968 بمدينة صيدا اللبنانية لأب سنّي وأم شيعية من بلدة (صور)، وهو البكر فى أسرة تضم ولدين وثلاث بنات، جدّه هو يوسف بن عبد القادر بن محمد الحسيني. أما لقب الأسير، فاشتهرت به عائلته لأن أحد أجداده أسره الفرنسيون بمالطة ولما عاد الى صيدا عُرف بين مواطنيه بلقب “الأسير”.

هو أبٌ لثلاث شباب تتراوح أعمارهم بين ال17 وال21 عاماً وهو زوج لامرأتين.

التحق بصفوف الجماعة الإسلامية عام 1985 حتى 1988، وشارك في مقاومة العدو الصهيوني وعملائه في لبنان. ثم تعرف على عمل جماعة التبليغ والدعوة سنة 1989 حيث أسس لها في مدينة صيدا والجنوب، تابع دراسته الشرعية في كلية الشريعة التابعة لدار الفتوى في بيروت، بدأ بتحضير رسالة ماجستير ولم يكملها. في العام 1997 أسس مع “إخوانه” مسجد بلال بن رباح في عبرا، ومن ثم انفصل عن جماعة الدعوة والتبليغ واشتغل إماماً للمسجد لفترات طويلة.

ظهوره الإعلامي..

قدم الأسير نفسه على أنه غير طائفي وحرص دائما على رسم صورة معتدله له في الشارع اللبناني لكسب الأنصار والداعمين لاسيما وأن حديثه عن نزع سلاح حزب الله لم يكن جديد الطرح في الشارع اللبناني بغض النظر عن الطريقة التي انتهجها.

وكان اللافت في خطابات الأسير توجهه للمسيحيين باستمرار لطمأنتهم وحثهم على البقاء بالجنوب اللبناني، مستنداً أنه يسكن في منطقة الشواليق مع عائلته، وهي منطقة مسيحية، وأنه لا يكنّ أي نزعة كراهية للآخر.

أحمد الأسير
(الأسير يتجول أثناء الإعتصام راكباً دراجة)
أحمد الأسير
(الأسير يتجول فى السوق بعد فض الإعتصام ويعتذر للباعة عما لحقهم من ركود جراء الاعتصام الذي دعا إليه)

استمر الأسير في مخاطبة مؤيديه حتى بعد عملية عبرا العسكرية من خلال بعض التسجيلات الصوتية التي بثها، وكذلك من خلال حسابه الرسمي على تويتر الذي يشرف عليه بعض أنصاره، ولا يُعلم إن كان يشرف عليه شخصياً أو لا. (حساب أحمد الأسير على تويتر).

اعتصام صيدا 2012

يمثل الاعتصام الذي دعا إليه الأسير أهم وأبرز المحطات التي لمع على إثرها نجمه وأثار جدلا كبيرا وتباينا في الآراء في الشارع اللبناني بين رافض للتحرك ومشكك بأهدافه ومراميه، وبين آخر متفهم لمطالبه لكن مع الاختلاف في النهج المتبع للتعبير.

وكان الأسير قد دعا لاعتصام مفتوح على الطريق المؤدي للجنوب اللبناني مطالبا بتسليم سلاح حزب الله للدولة اللبنانية ومصرحا أثناء الاعتصام أن طريق صيدا لن يفتح “ولو اجتمع مجلس الأمن”، مشددا على أنه يقطع الطريق على “حزب المقاومة و حركة أمل المهيمنين على البلد” بحسب قوله، مشددا على أن “لا فتنة سنية شيعية وهذا تهويل علينا” وصدّر نفسه إعلاميا على أنه غير طائفي وأن مطالبه ليست طائفية بقدر ما هي مطالب وطنية تسعى لفرض سيادة الدولة اللبنانية. ومن أشهر تصريحاته وقت الاعتصام: “وأقسم بالله يا حسن نصر الله ونبيه بري سندفعكما الثمن سلميا وفي جعبتنا الكثير”.

اعتصام صيدا
(اعتصام صيدا)
اعتصام صيدا
(اعتصام صيدا)

كما أسلفنا، فالاعتصام كانت له ردود أفعال متباينة، وكان له أنصارا ومناهضين. فقد أثار غضب عدد من سكان المدينة الذين نفذوا اعتصاما مضادا، وقطعوا الطرق بالإطارات المشتعلة، ورفع بعضهم لافتات تحمل عبارات تندد بتحرك الأسير وتدعو أجهزة الدولة الأمنية لمواجهته. أبرز اللافتات التي رفعها مناهضو الأسير: “الفتنة أشد من القتل” و “لا أسير ولا أمير ولا بطل تحرير بسكروا شارع صيدا” و “شوارع صيدا تستباح والدولة غائبة”. وحدث في هذا الوقت مناوشات عدة بين أنصاره ومناهضوه واندلعت بينهم مواجهات لكن كلا الطرفين ظل بعيدا عن التسلح.

معركة عبرا والحسم العسكري..

ضلعت جماعة الأسير في أعمال عنف هزت شوارع صيدا أثناء اعتصامهم بها وحتى بعد فك الإعتصام. ففي الحادي عشر من أغسطس 2012 سقط ثلاثة قتلى و4 مصابين في اشتباكات نشأت بين أنصار الأسير وأنصار حزب الله في الجنوب اللبناني بصيدا. وعقب هذه الحادثة صرح الأسير بأن لدينا رصيدا من الدم لتسوية الأمر مع حزب الله إذا كان الأمر لن يسوى بغير الدم، وكانت هذه إشارة من الأسير إلى السير في طريق الاحتراب اللبناني الداخلي.

حاصر الأسير وأنصاره أيضاً شققا سكنية بدعوى أنها مقار لحزب الله إلا أن مصادر متابعة للشأن الداخلي اللبناني أكدت وجود هذه البنايات في المنطقة منذ عام 1985 واستخدامها كأقسام داخلية للطلاب من الجنوب. وبدأت الأمور في الخروج عن السيطرة شيئا فشيئا.

آلت الأمور بعد ذلك لما هو أشبه بالهدنة بالاتفاق الذي تم معه من قبل وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل من أجل إنهاء الاعتصام، حيث تم السماح له بإنشاء مربع أمني في محيط مقره في عبرا، ومن ثم بدأت المعلومات تتوارد عن تحركات مشبوهة يقوم بها الأسير في مربعه الأمني. وانبرت الأوساط الإعلامية المحلية تشير إلى أن الأسير بدأ بعد ذلك بالقيام بالكثير من التجاوزات القانونية، وعدد من الاعتداءات على أبناء صيدا. وتذكر بما قام به نجله مع دورية من قوى الأمن الداخلي التي حاولت توقيفه كما نقلت بعض وسائل الإعلام المحلية.

فى الثالث والعشرين من يونيه 2013 كان الحسم بقرار الجيش اللبناني لتقليم أظافر الأسير ورد أنصاره إلى جعبة الدولة بدعم من حزب الله ألد أعداء الأسير كما نقلت جريدة التايمز البريطانية. لم يصمد رجال الأسير طويلاً رغم الخسائر التي ألحقوها بالجيش اللبناني وراح ضحية الحادثة قرابة الخمسين قتيل، 17 من الجنود النظاميين في الجيش اللبناني بحسب تصريح وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل، وقرابة الـ 30 من أنصار الأسير، و4 مقاتلين من حزب الله، واثنين من المدنيين.

اختفى الأسير بعد الحادثة ولم يُعلم مكان اختبائه ولا كيف هرب من المعركة، وتداولت وسائل الإعلام شائعات تتحدث عن احتمال لجوئه إلى مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا القريبة، أو إلى مدينة طرابلس في شمال لبنان بعد أن تنكر في زي امرأة، أو إلى سوريا. ولم يظهر الأسير بعدها تقريباً إلا من خلال هذا التسجيل المصور وبعض التسجيلات الصوتية.

ليلة سقوط الأسير

هكذا ظهر الأسير بعد اختفاء دام لعامين هربا من الملاحقات الأمنية، بعد أن كان قد صدرت ضده مذكرة توقيف بعد الأحداث الدامية بين أنصاره والجيش اللبناني في يونيو/حزيران 2013.

أحمد الأسير
(الصورة نقلا عن صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب الله)

يواجه الأسير تهما بالإقدام على تأليف مجموعات عسكرية تعرضت لمؤسسة الدولة المتمثلة بالجيش وقتل ضباط وأفراد منه، واقتناء مواد متفجرة وأسلحة خفيفة وثقيلة استعملت ضد الجيش اللبناني على إثر معركة عبرا. كما أصدر قاضي التحقيق العسكري قراراً اتهاميا في فبراير 2014 طلب فيه تنفيذ عقوبة الإعدام بحق أربعة وخمسين شخصا بينهم الأسير فيما يتعلق بأحداث عبرا.

انطوت صفحة الأسير باعتقاله ليلة أمس، الخامس عشر من أغسطس 2015. وبحسب تصريحات صدرت عن الأمن العام اللبناني فإنه قُبض على الأسير في مطار بيروت الدولي بينما كان متوجها للمغادرة برفقة شخص آخر نحو نيجيريا عبر العاصمة المصرية القاهرة. ورغم انطواء صفحته فإن خبر اعتقاله يثير تباينا في الشارع اللبناني، فهو بالنسبة للبعض يعكس جدية الدولة فى فرض هيمنتها على الجميع، ويراه آخرون نكأ في جراح اندملت على مدار العامين الماضيين.