كان هجوم يوم الجمعة (26 يونيو) المروع الثاني من نوعه هذا العام. في مارس، قُتِل حوالي عشرين سائحا بمتحف باردو. ورغم أن ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية (المعروف بالعربية باسم داعش) ادعى وقوفه خلف كلا المذبحتين، فإن قوات الأمن التونسية تراهما من عمل متشددين شمال أفريقيين محليين.

هجوم باردو
هجوم باردو

إذا أحصيت كل شيء متعلق بالسياحة، من تذاكر الطيران الى إقامات الفنادق الى التسوق في الأسواق المحلية، فيمكن أن يصل ذلك إلى 15 بالمئة من الاقتصاد التونسي. إذن الهدف من هذه العمليات الإرهابية هو الإخلال بالاقتصاد والإضرار بعوائد الحكومة، مما يجعل الدولة هدفا أسهل للإسقاط العنيف. اتبعت ما تدعى بالجماعة الإسلامية استراتيجية مماثلة في مصر في التسعينيات، لكنها أدت إلى نتائج عكسية عندما جفف النفور الشعبي التحاق المتطوعين بالمتشددين ولجأت الحكومة إلى اعتقالاتٍ واسعة، حيث سجنت ما يقدر بـ 40 ألف شخص، معظمهم بسبب جرائم فكر. تخلت الجماعة الإسلامية عن العنف بعد ذلك.

شعار الجماعة الاسلامية في مصر
شعار الجماعة الاسلامية في مصر

ينحدر مرتكب المذبحة، سيف الدين الرزقي، من قرية قعفور الفقيرة (عدد سكانها 9 آلاف شخص) في ريف سليانة، جنوب غرب العاصمة. ويبدو أنه قد تم تجنيده بواسطة إحدى جماعات العنف المتطرفة عندما ذهب لدراسة الهندسة في جامعة القيروان الإقليمية (وهي مدينة جنوبية صحراوية تعرف بكونها معقلا لليمين الديني).

احتوت دائرته مجنِّدين لما يرونه حرب مقدسة في سوريا، ودافع الرزقي ذاته عن الحرب المقدسة على صفحته على موقع الفيسبوك. وقد رفض، مثل العديدين في اليمين الديني المتطرف، انتخابات الخريف الماضي البرلمانية باعتبار أنه قد تم التلاعب بها. وكان أيضا نشطا منذ مايو الماضي في مظاهراتٍ واحتجاجات للحملة الشعبية “وين البترول؟” والتي تغذيها نظرية مؤامرة أن تونس لديها الكثير من آبار النفط المحتملة لكن الحكومة إما تفتقر للكفاءة أو لا تستغلها عن عمد. مؤخرا تحولت المظاهرات إلى اشتباكاتٍ عنيفة مع الشرطة.

سيف الدين الرزقي
سيف الدين الرزقي

يخشى الليبراليون واليساريون التونسيون أن الجهاديين يوفرون ذخيرة للسلطويين في حكومة الباجي قائد السبسي العلمانية المنتخبة، والتي تتبع حزب نداء تونس (يُصدِّق مركز كارتر على أن الحكومة فازت بشكلٍ عادل في انتخاباتٍ حرة وشفافة). يشمل نداء تونس الطبقات الوسطى المدينية والغنية، والتي تخشى الأصولية الإسلامية. ارتبطت بعض الفصائل المكونة له بالدكتاتور المعزول زين العابدين بن علي أو أبلت بلاءً حسنا فترة حكمه، ويرى منتقدي الحزب أنه يحتال للتراجع عن بعض الحريات الجديدة التي تم تحقيقها في السنوات الأربع الماضية.

قدم الحزب الحاكم، على سبيل المثال، تشريعا يمنع الاعتداءات على الشرطة وقوات الأمن والذي يتضمن “تشويه السمعة” كنوعٍ من الهجوم. ويفرض أيضا عقوباتٍ باهظة على كاشفو الفساد الذين يكشفون “أسرار الدولة”، والتي سوف تشمل كما يبدو التصرفات السيئة للشرطة. في صيف عام 2013، تم مقاضاة مغني الراب ولد ال15 بسبب كلمات أغنية يصر المدعي العام أنها حرضت على العنف ضد الدولة. وقد تم تبرئته في النهاية، لكن النتيجة كان من الممكن ألا تكون سعيدة بوجود القانون الجديد.

حركة نداء تونس
حركة نداء تونس

من ضمن ردود فعل حكومة رئيس الوزراء الحبيب الصيد الفورية لمذبحة الشاطيء كان إغلاق حوالي 80 مسجدا في أنحاء البلاد، حيث لم تكن الخطب مصدقا عليها من قبل الحكومة كما تُتهم بنشر قيم الكراهية. (قيل إن مطلق النار في سوسة كان يرى المنتجع الشاطئي كوكرٍ للخطيئة، وهي وجهة نظر بيوراتنية معتادة لدى الطائفة السلفية المتشددة).

كما قال إن المنظمات التي تعارض دستور 2014 الجديد سوف يتم تحذيرها ثم إغلاقها إذا استمرت في التحريض ضده. (من المفارقات أن القانون يضمن حرية الضمير). وهو ينوي ايضا أن يجلب الجيش ليساعد الشرطة في التعامل مع المتطرفين العنيفين. كما تحدث عن إعلان بعض المناطق الجبلية الغربية حيث تنشط جماعات حروب العصابات الإسلامية المتطرفة “مناطق عسكرية” محظورة.

ينحدر الكثير من المتطرفين من القرى الفقيرة في غرب وجنوب البلاد، والتي أبدت النخب التونسية اهتماما قليلا بازدهارها، أو من حي التضامن الشعبي بتونس العاصمة. في مقاطعات الطبقة العاملة والمناطق الفقيرة في العاصمة، تلعب السلفية البيوراتنية دورا شبيها بذلك الذي تلعبه المسيحية الإنجيلية في أحياء ريو دي جانيرو الفقيرة.

لهذا السبب، دعى حزب الجبهة الشعبية اليساري الصغير، والذي اغتيل اثنين من قادته من قِبل مسلمين متطرفين في عام 2013، إلى مؤتمرٍ وطني حول كيفية معالجة الإرهاب في جميع أبعاده الاجتماعية والاقتصادية. صرح المتحدث باسم الحزب والناشط العمالي البارز حمة الهمامي لصحيفة لوموند أن “استراتيجية حقيقية ضد الإرهاب يجب أن تتضمن ايضا النواحي الاجتماعية والاقتصادية والإقليمية والثقافية والدينية، وليس الأمنية فقط”.

الخطر هو أن باريس وواشنطن ايضا سوف تريان تونس فقط من خلال عدسات الأمن والإرهاب. سوف تتلقى البلاد ضربةً ضخمة لقطاع السياحة الحيوي هذا العام. إنها تحتاج استثماراتٍ ومساعدات أجنبية مدنية، لا معداتٍ عسكرية.

المصدر

*ترجمة فريق موقع راقب