يا ليل خَلِّي الأسير تَـ يكمل نواحو رايح يفيق الفجر ويرفرف جناحو يتمرجح المشنوق من هبّة رياحو وعيون في الزنازين بالسر ما باحو

ثمانية عقود وأكثر منذ ثورة 1929 مرت على كتابة هذا النشيد الثوري، لكنها أبدًا ما فترت ولا بهُتت معانيها، ظلت تُحاكي الحُلم بالحرية، وتُؤكد على هوان الروح فداءً للوطن، وبعد ثلاثة عقود مثلت هذه الكلمات المداد الثوري لدى الشعراء الفلسطينيين لإبداع المزيد.

ومع بدء الثورة الفلسطينية عام 1965 وما تخللها من محطات متباينة بين السلم والحرب، كانت الأغنية الثورية رديفًا للبندقية، فالكلمة توازي طلقة، واللحن بمثابة تظاهرة، لا تُلهب المشاعر وحسب، وإنما تُحرك القرار باتجاه مُقاومة المحتل ومحاولة إجلائه.

للأسف بقي المحتل وتوارت في فترات التسوية وما بعد أوسلو الأغنية الثورية، وحُوصرت حتى الألفية الثالثة ثم ما لبثت أن عادت تطفو على السطح مع انطلاق الانتفاضة الثانية، وتواجدت بشدة عام 2008 خلال الحرب الإسرائيلية الأولى على قطاع غزة. كانت الأغنية الثورية تشحذ الهمم، وتُعين على اجتياز المذابح بالمزيد من العزم والإصرار على التحدي ومواصلة الطريق حتى النصر.

موقع «إضاءات» ارتأى أن يُسلط الضوء على بعض الأغاني الثورية التي كان لها صدى بين الناس وتفاعلوا معها وبها في كل احتفالات النصر والشهادة على امتداد تاريخ النضال الفلسطيني.


1. يا ليل خلي الأسير تـ يكمل نواحو

يعود هذا النشيد إلى فترة هبت البراق عام 1929، ويُروى أن كاتبها هو «عوض النابلسي» أحد أبطال الثورة الرافض لتوافد المهاجرين اليهود إلى بلاده والذي قام بفضح مُخططات الانتداب البريطاني المتواطئة مع اليهود لإقامة وطن قومي لهم في فلسطين.

وكان مُكلفًا بتصفية الضُباط الإنجليز وملاحقة المتعاونين مع اليهود وقتلهم لخيانتهم الوطن والشعب، فما كان مصيره إلا الزج في غياهب السجن.

وقع النابلسي أسيرًا في قبضة سلطات الانتداب التي أباحت وقتها أنظمة الإعدام بحق الشباب والرجال ممن فطنوا إلى حالة التواطؤ ورفضوا أن يعبر اليهود إلى وطنهم إلا فوق أشلائهم.

وفي ليلة إعدامه لم يجد بُدًا من أن يُعبر عن مكنونات روحه الثائرة بكلمات لم يكتبها بقلمٍ أو على ورق بل حفرها بآلةٍ حادة على جدران سجن عكا الذي أُسر فيه، ومن ثمَّ تناقلها الناس وبقيت خالدة حتى يومنا هذا، غنّاها صالح إبراهيم المعروف بـ (أبي عرب) والكثير من المُنشدين الفلسطينيين بأشكال مهما اختلفت إلا أنها عبرت بصدق عن الروح الثائرة.


2. سجن عكا

من أشهر الأناشيد الثورية التي حفظها الناس وتناقلوها جيلًا بعد جيل حتى يومنا هذا، وتم إعادة إنشادها وتلحينها أكثر من مرة ولأكثر من فنان فلسطيني نظرًا لأنها تحمل قصة الأبطال الثلاثة (محمد جمجوم، وفؤاد حجازي، وعطا الزير).

أولئك الثلاثة الذين تصدوا للمستوطنين اليهود في إحيائهم لذكرى تدمير الهيكل في 14 و15 و16 أغسطس/آب 1929، تصادم هؤلاء الأبطال وعشرات المسلمين الذين رفضوا وصول اليهود إلى حائط البراق تمهيدًا لاستيلائهم عليه، حاولوا بكل ما أوتوا من قوة أن يدفعوا اليهود خارجًا والحفاظ على حائط البراق مسلمًا نقيًا، لكنهم ما لبثوا أن وقعوا فريسة الاعتقال بالإضافة إلى 26 فلسطينيًا آخرين ممن شاركوا في صد اليهود ومنعهم من الوصول إلى البراق، وحدهم هؤلاء الثلاثة من أُعدموا فيما خُففت العقوبة لباقي الأسرى إلى السجن المؤبد.

في ذلك الوقت بعد إعدامهم على مقصلة سجن عكا بتاريخ 16 يونيو/حزيران 1930، ثارت عاطفة الشاعر نوح إبراهيم وفاضت كلماته ترثي شجاعة الأبطال الثلاثة الذين تسابقوا لحماية الوطن وتراثه الإسلامي وفضلوا الموت على التنازل عن الحق فقال في مطلع القصيدة:

كانوا ثلاثة رجال يتسابقوا عالموت أقدامهم عليت فوق رقبة الجلاد وصاروا مَثل يا خال وصاروا مَثل يا خال

3. باسم الله باسم الفتح باسم الثورة الشعبية

بعد الثورة الفلسطينية في عام 1965 بات الشعراء يتغنون بالثورة ويستلهمون النصر بعد كل معركة يُجابهون بها المحتل، يواكبون الفعل المقاوم فكلماتهم تكون رديفًا للبندقية وألحانهم سبيلًا لإثراء الحماسة وتغذية الثورة، ومنها «باسم الله باسم الفتح باسم الثورة الشعبية»، التي كتب كلماتها الشاعر صلاح الدين الحسيني (أبو الصادق)، ومثّلت الشارة الخاصة بإذاعة العاصفة، قبل أن يُوحد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات فصائل العمل المقاوم في إطار واحد، هو إطار الكفاح الموحد المسلح، ويقول مطلع النشيد:

باسم الله باسم الفتح باسم الثورة الشعبية باسم الدم باسم الجرح اللي بينزف حرية باسمك باسمك يا فلسطين أعلناها للملايين عاصفة عاصفة عاصفة

4. طل سلاحي

في بداية السبعينيات وبعد أن حُرِّم على وسائل الإعلام أن تهتف باسم فصيل بعينه وخاصة «فتح» مُفجرة الثورة، احتار شاعر الثورة صلاح الدين الحسيني عن ماذا يكتب، لكن حيرته لم تدم طويلًا خاصة بعد أن استفزه «فؤاد ياسين» وقتها بقوله: «خلص بطلت تكتب للفتح».

خمس ساعات تقريبًا تحدى بها الحسيني ياسين وبرفقته الملحن مهدي سردانة، قضوها في إستديو «صوت فلسطين» وكانت النتيجة أن خرجوا بـ «طل سلاحي»؛ ليؤكدوا أنهم لا يُنشدون لفصيل أو زعيم وإنما لقضية وثورة لا تنتهي ولا يُمكن أن تُسرق لأن مدادها الجراح الذي لا يلتئم إلا بالنصر والعودة.

فالتمسك بسلاح الثورة هو الكرامة كما أنه يُمثل عنوان التحرير ومعول هدم الاحتلال ودحره، وقد حقق النشيد انتشارًا واسعًا، كان يُعبر بوحدوية عن سلاح الثورة والمقاومة وكان مطلعه يقول:

طل سلاحي من جراحي يا ثورتنا طل سلاحي ولا يمكن قوة في الدنيا تنزع من إيدي سلاحي طل سلاحي

5. يا جماهير الأرض المحتلة

تحولت هذه الكلمات التي ترنم بها الشاعر الفلسطيني «محمد حسيب القاضي» في السبعينيات إلى نشيد ملحمي يُردده الصغير والكبير؛ كونه يُحرّض الثوار على الاستمرار في التضحية والعطاء من ناحية، ويستنهض الهمم ويقوي العزائم من ناحية أخرى من أجل دحر الاحتلال والنصر والتحرير. لم تخل مناسبة وطنية في ذلك الوقت وحتى في الانتفاضة الأولى من الصدح بالقصيدة التي يقول مطلعها:

يا جماهير الأرض المحتلة ثورتنا انطلقت، قيدي من دمك الشعلة لا إرهاب ولا معتقلات بتضعف عزيمتنا بدمنا وكفاحنا بتزيد وتقوى ثورتنا

6. أنا يا أخي آمنت بالشعب المضيّع والمكبّل

ولد هذا النشيد في أوج الثورة الفلسطينية، وكان أول نشيد وطني يُلحنه حسين نازك وقتها ليدعم المقاومة والخط النضالي الذي انتهجه الفلسطينيون في استرداد حقهم في الأرض، ويقول كاتبها سعيد المزين «أبو هشام» وكان يُلقب بفتى الثورة:

أنا يا أخي آمنتُ بالشعب المضيّع والمكبّــلْ وحملْتُ رشّاشي لتحملَ بعدنا الأجـيال منجلْ وجعلتُ جُرحي والدّما للسهل والوديان جدولْ ديْنٌ عليكَ دماؤنـا والديْنُ حقٌّ لا يؤجلْ

7. حرب الشوارع

يُعرف هذا النشيد بـ «طالع لك يا عدوي طالع»، كتبها محمد حسيب القاضي ولحنها وجيه بدر خان، عبر فيها عن الحالة الراهنة وقتذاك مؤكدًا على أن الكفاح المسلح هو السبيل الأقصر للحرية والعودة إلى أرض الآباء والأجداد باستخدام كافة الوسائل المتاحة، هو يرى أن المقاومة والنضال قرار وليس اختيارا، حيث يقول في قصيدته:

طالـع لك يا عـدوي طالـع من كـل بيت وحارة وشارع بسـلاحـي وإيمانـي طالـع وحـربنـا حـرب الشوارع

8. وعهد الله ما نرحل

جاءت مُعبرة عن القومية الوطنية للشعب الفلسطيني، وإصراره على البقاء والصمود في وجه كل التحديات من أجل استعادة أرضه وقوميته التي سُلبت منه غدرًا. ما زال الشباب الفلسطيني يُردد كلمات هذا النشيد حتى اليوم، يُقسم ألا يعود إلا مُحررًا للأرض التي اُغتصبت، واثقًا بأن الأمل الذي زرعه الأجداد سيُثمر عودة وحرية، ويقول النشيد:

عهد الله نجوع نموت ولا نرحل عهد الثورة والثوار والجماهير ما نرحل واحنا قطعة من هالأرض وعمر الأرض وعهد الله ما بنرحل

9. وصية شهيد

يحاول الشهيد أن يرسم لرفاقه طريق النضال الذي خطه بدماه، فهو لا يكتفي بدوره النضالي في حياته، بل يستكمل دوره في أن يجعل دمه رصاصًا يواصل المسيرة حتى التحرر والنصر – عبر الرفاق -، حيث يقول «سعيد المزين» المُلقب بفتى الثورة في كلمات قصيدته:

اغمس يراعك في دمي واكتب نشيدًا من فمي وارقب شفاهي وهيَ تهتف حازمات

10. أنا صامد

هي من كلمات فتى الثورة، فيما أبدع اللحن صبري محمود، ومن خلالها أرادا حث الجماهير الفلسطينية المتجذرين في الأرض المحتلة على الصمود والتمسك بالأرض، خاصة وأن الأعمال الفدائية التي كان ينفذها المقاومون كانت كُلما أثخنت الاحتلال كلما كان انتقامه أشد وأقسى قتلًا وتشريدًا وهدمًا للبيوت.

لذلك كان الشعراء يحرصون على بث روح الصمود في نفوس الفلسطينيين ليبقوا متمسكين بالحق، رغم كل المؤامرات التي تُحاك ضدهم، كان الشباب والفتية والأطفال يصدحون بهذه الأنشودة بفرح كبير حتى في أحلك الظروف، ويقول مطلعها:

أنا صامد صامد أنا صامد وبأرض بلادي أنا صامد وإن سرقوا زادي أنا صامد وإن قتلوا ولادي أنا صامد وإن هدموا بيتي يا بيتي في ظل حطامك أنا صامد أنا صامد صامد أنا صامد وبنفـس أبية أنـا صامـد

إن الأناشيد الثورية كانت تولد من رحم المعاناة والألم الذي يُعايشه الشاعر، فينفعل به ويتفاعل معه بالبوح الشعري الثوري، ومن ثم ينقله إلى الملحن ليُخرجه نابضًا باسم الكلمة وبصوت المجموعة التي تصدح به، في تناغم وانسجام تامين، لتصل بلا استئذان إلى أذن المتلقي، فُتلهب مشاعره وتقوده مباشرة إلى الفعل المقاوم أو مساندة المُقاومين والفدائيين أو تدفعهم إلى مزيد من التعبئة للمحيط.

المراجع
  1. "أغاني فلسطين بين مبادئ الثورة وحلم السلام"، برنامج تحت المجهر، موقع قناة الجزيرة نت، 16 مارس2010.
  2. "17 يونيو ذكرى استشهاد شهداء ثورة البراق محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير"، موقع أرض كنعان، 17 يونيو 2013.
  3. فتحية صرصور، "قراءة في أغاني شاعر الثورة والدولة محمد حسيب القاضي"، 2 يوليو 2010.
  4. عبد الغني سلامة، "أغاني العاصفة"، موقع جردية الحياة الجديدة.