هزة كبيرة أحدثتها جمعية القلب الأمريكية، والتي تعد – مع جمعية القلب الأوروبية – ثانية اثنيْن هما أهم المرجعيات الطبية العالمية في طب القلب، بإعلانها الأخير عن تحديث الخطوط العلاجية لمرض ارتفاع الضغط.

طبقًا للتحديث الجديد، سيهبط الخط الأحمر لتشخيص ارتفاع الضغط Hypertension إلى 130/80 بدلًا من 140/90. فماذا يعني هذا ؟!

بلا أي قدر من المبالغة، سيُلحق هذا التعديل عشرات بل مئات الملايين من البشر بقائمة طويلة من المصابين بارتفاع الضغط. فمثلًا سيصبح أكثر من نصف الأمريكيين السود مصابين بالضغط.

أي أن جمعية القلب الأمريكية تعلن بهذا على مسئوليتها، أن ملايين إضافية من البشر – كنا نعتبرهم حتى أول أمس أصحاء – إن لم يبدأ علاجهم من ارتفاع الضغط تبعًا لتعليماتها، سيصبحون عرضةً مع الوقت لمضاعفاته الجسيمة؛ كجلطات المخ، وقصور شرايين القلب، والفشل الكلوي، وتضرر شبكية العين….. إلخ.

تاريخيًا، في معظم التوصيات الأمريكية والأوروبية السابقة، كان هناك شبه إجماع على رقم 140/90 كحد أقصى للضغط الطبيعي. لكن سبق في 2003، أن أوصت الجمعية الأمريكية برقم 130/80 لمرضى السكر، لخطورة اجتماع المرضين معًا، للمضاعفات الخطيرة المشتركة بينهما كجلطات القلب والمخ مثلًا. لكنها الآن توصي بـ 130/80 للكل، على اختلاف الأعمار والظروف.

والآن، مجموعة من الأسئلة والأجوبة لتسليط الأضواء على بعض جوانب هذا الأمر.


١. ما معنى الضغط؟!

تخبرنا الفيزياء المبسطة للغاية أنه لكي يمر سائل في أنابيب، لابد من ضغط يدفعه. يزيد الضغط بزيادة كمية السائل، وقوة دفع المضخة، ونقص قطر الأنبوبة، ويقل بزيادة قطرها. لنطبق المثال البسيط على أجسامنا.

ينقبض القلب، فيدفع الدم في شرايين الجسم. في الأوضاع الطبيعية لدى الأصحاء، لا يحدث تغيرات جوهرية في أي من المتغيرات السابقة، فيظل الضغط في معدلاته الطبيعية في معظم الأوقات.


٢. كيف نقرأ ضغط الدم؟!

قياس الضغط، الضغط، السكر، القلب، ارتفاع الصغط، انخفاض الضغط
هناك رقمان، مثلًا ١٣٠/٩٠، البسط ١٣٠ هو الضغط الانقباضي الذي يقاس أثناء انقباض عضلة القلب، والمقام ٩٠ أثناء انبساطها.

لايمكن أن يظل ضغط الدم ثابتًا على قراءة واحدة طوال اليوم. فأنت أحيانًا نائم أو هادئ، وأحيانًا أخرى منفعل، أو تبذل مجهودًا .. إلخ. ولذا فالضغط الطبيعي ليس رقمًا واحدًا، إنما يتراوح بين 90/60 و 140/90…. أو 130/80 طبقًا للتعديل الأخير.

ولا يُعتَمد في الحكم بارتفاع الضغط على قراءة واحدة فقط تتجاوز الحد الأعلى الطبيعي، إنما لا بد من قراءتيْن على الأقل صباحًا، ومثلهما مساءً، في يومين منفصلين بحدٍ أدنى. ومن مجمل القراءات، نكوّن صورة أدق عن حالة الضغط.

وحبذا أن تكون القياسات في أماكن مختلفة. فبعض الناس عندهم ما يسمى بمتلازمة الرداء الأبيض، إذ يصابون بتوتر حاد في عيادات الأطباء، فتأتي قراءات ضغطهم مرتفعة على عكسها في المنزل مثلًا. وآخرون لديهم حالة معاكسة تسمى الضغط الخفي، إذ قد تكون قراءة الضغط جيدة أمام الطبيب، في حين أنه مرتفع جدًا في الواقع!.

ولابد أن يكون المريض مستلقيًا أو جالسًا في وضعية مريحة لدقائق قبل القياس. ويفضل وضع جهاز الضغط العادي في مستوى قلب المريض. واليوم هناك أجهزة إلكترونية رقمية تقيس الضغط بدقة، لكن ما زال بعض أطباء القلب يفضلون الجهاز الزئبقي المعتاد.


٣. لماذا قد يرتفع ضغط الدم؟!

عندما يحدث تغير سلبي في المتغيرات المذكورة في إجابة السؤال الأول، وأشهرها تغيرات جدران الأوعية الدموية.

عند الأصحاء، تحتفظ الجدران بمرونتها الفطرية. فإذا حدث انفعال مثلاً، وأدى لزيادة قوة ومعدل ضربات القلب، فإن مرونة الأوعية تستوعب الزيادة في كمية وضغط الدم الوارد، فلا يحدث ارتفاع جوهري في ضغط الدم.

لكن بزيادة السن، وبالتعرض المزمن لعوامل الخطر كالتدخين، والسمنة، ومرض السكر، وارتفاع الضغط المستمر، وزيادة دهون الدم خاصة الكولسترول الضار LDL .. إلخ، يحدث تصلب الشرايين؛ إذ تتراكم الدهون بجدران الأوعية، مُسبِّبةً التهابات شديدة، تزيد نمو الخلايا العضلية والليفية، فتزداد سماكة الجدران، وتفقد مرونتها، ويضيق تجويفها، فيرتفع الضغط بشدة لأقل زيادة في كمية الدم وتدفقه.


٤. هل هناك مرض لارتفاع الضغط وآخر لانخفاضه؟!

لا .. إذا قلنا فلان مصاب بالضغط، فالمقصود مرض ارتفاع الضغط. ليس هناك مرض معين يسمى مرض انخفاض الضغط، فهو مجرد عرَض لمجموعة من الأمراض، وليس مرضًا قائمًا بذاته. ولعلاجه، لابد من علاج أسبابه.


٥. ما أسباب الإصابة بمرض ارتفاع الضغط؟!

هناك نوعان؛ نوعٌ له سبب محدد، كاختلال الكلى، أو ارتفاع وظائف بعض الغدد الصماء كفوق الكلوية أو الدرقية .. إلخ، فتسبب هرموناتها الزائدة ارتفاعًا مباشرًا في ضغط الدم. وبمجرد علاج السبب، يختفي ارتفاع الضغط. يمثل هذا النوع أقل من ١٠٪ من المصابين الضغط.

النوع الثاني الأكثر شيوعًا هو الضغط الأولي. وهو بلا سبب محدد نعالجه، فيزول ارتفاع الضغط. جُل ما توصلنا إليه بخصوصه، هو عوامل الخطر التي تزيد احتمالاته ومضاعفاته، وأهمها العوامل الوراثية، والسن، والتدخين، والسكر، والسمنة، وارتفاع دهون الدم.

كما توصلنا للعديد من الطرق الحياتية والدوائية لخفض ضغط الدم، لكن بمجرد الإهمال فيها سيعود للارتفاع؛ فهي لا تعالجه جذريًا.


٦. ضغطي 135/85 .. هل أبدأ دواء الضغط فورًا بسبب توصية جمعية القلب الأمريكية؟!

لا بالطبع .. فالدواء لا يأتي مبكرًا إلا في حالات محددة. ولفهم هذا سنتحدث عن مستويات ارتفاع الضغط. تقليديًا، وهذا ما تزال جمعية القلب الأوروبية تعتمده .. يقسم الضغط إلى 3 مستويات:
  • الأول: فوق 140/90 حتى 159/99.
  • الثاني: فوق 160/100 حتى 179/109.

  • الثالث وهو الأخطر: 180/110 فأعلى.
في كل الأحوال، يبدأ العلاج بإعطاء الفرصة للتعليمات الحياتية لشهور، لكن يمكن التبكير بالدواء للمجموعة الثانية والثالثة، وللمجموعة الأولى في حالة حدوث مضاعفات كالجلطات مثلًا، أو كثرة عوامل الخطر. ومن أشهر طرق الأطباء لتقدير نسبة الخطر، حساب معامل الخطر المسمى SCORE. كلما زادت الخطورة، وجب التبكير بأدوية الضغط وإنقاص دهون الدم. والتشديد في ترك التدخين، وضبط معدلات السكر لدى مرضى السكر. لكن طبقًا للتعديل الأخير من الجمعية الأمريكية، فالمستوى الأول بين 130/80 و 140/90، والثاني- تصفه بارتفاع الضغط الشديد – 140/90 فأعلى. فطبقًا لهذا، تصبح احتمالات التبكير بالعلاج الدوائي أكبر. أما تجاوز الضغط 180/120، فهذا ارتفاعٌ طارئٌ في الضغط، يستدعي الكشف الطبي الفوري، درءًا للمضاعفات كنزيف المخ .. إلخ.

مقطع من التوصيات الأخيرة لجمعية القلب الأمريكية يظهر تقسيمات مستويات ارتفاع الضغط.


7. بإيجاز .. كيف أعالج نفسي من الضغط؟

لا مفر من التعديلات الحياتية للجميع، سواءً من ضغطه 130/80، ومن ضغطه 210/150. الاختلاف يكون في مدى سرعة وشدة القيام بها، وموعد بدء الأدوية، سواءً أدوية الضغط، أو تقليل الدهون، أو موانع التجلط (يحددها طبيب القلب وفقًا لخصوصية كل حالة).

  • البداية بالطعام. في مقال (طعامك .. الداء والدواء) فصلنا في الطعام المناسب لتقليل الضغط. وخلاصته التقليل من الطعام المالح، والدهون المشبعة كالزبدة والقشدة .. إلخ، والإكثار من الفواكه والخضروات والأسماك، والدواجن المخلية، والألبان قليلة أو منزوعة الدسم.
  • ترك التدخين ولو تدريجيًا. والمجهود الرياضي المعتدل لأكثر من 150 دقيقة أسبوعيًا (الجري – كرة القدم .. أو حتى المشي بخطوة جيدة.)
  • إنقاص الوزن وصولًا للوزن المثالي. وُجِد أن كل كجم زائد يُفقَد، يقلل الضغط درجة. (راجع مقال: دليلك لحمية غذائية غير مؤلمة).

بالنسبة للأدوية، هناك عشرات بل مئات الأنواع، تندرج تحت 7 أو 8 مجموعات دوائية رئيسية. يختار الطبيب منها وفقًا لخصوصية كل حالة. بعضها مادة فعالة مفردة، والبعض يحتوى 3 مواد فعالة في قرص واحد. بعضها أفضل لمرضى السكر، وبعضها للقلب، وبعضها للكلى …إلخ. دورُك الالتزام بالجرعة بحذافيرها يوميًا، وتنبيه طبيبك في حالة ظهور أعراض جديدة.أدوية الضغط يصفها الطبيب، ويعدلها أو يوقفها الطبيب حسب المستجدات. لا يعني أن ضغطك اليوم معتدل ألا تأخذ جرعتك، فتذبذب الضغط من يوم لآخر لعدم انضباط العلاج خطير للغاية، ويسهل حدوث المضاعفات.

8. نظرية المؤامرة: ألا يكون لمافيات الأدوية العالمية علاقة بهذا التعديل الجديد الذي يضيف الملايين كزبائن جدد؟

ارتفاع الضغط، جمعية القلب الأمريكية، AHA، القلب، الضغط، السكر، الجلطات
واضعو الخطوط العلاجية ليسوا ملائكة بالطبع، ولا يمكن استبعاد هذه الشبهة 100%. لكن الأمور إجمالًا لا تُدار بالأهواء .. وهذه إيضاحات ضرورية.
  • لا تُعدَّل توصيات الجمعيات الكبرى طبقًا لدراسة جديدة واحدة، إنما لتراكم من الدراسات المُراجَعَة جيدًا. ومن أهم تفاصيل المراجعة، مدى الابتعاد عن تضارب المصالح. وأساسها الدراسات الموسعة التي تجمع وتحلل نتائج دراسات أصغر، لتضم عشرات آلاف المرضى من أعمارٍ وبلدانٍ مختلفة وبيئات متعددة، ليصلح تعميمها فوق الخصوصيات الاجتماعية والعمرية والإثنية.
  • التعديل الجديد لم تتبناه الجمعية الأوروبية حتى الآن، وهي لا تقل أهمية عن الأمريكية إن لم تكن أوثق.
  • الخطوط العلاجية ليست قرآنًا. نعم لها قوتها، لكنها لا تغني عن النظر في خصوصية كل حالة، وكل بلد.

الخلاصة الأهم، أن هذا التعديل يعتبر فرصةً جيدة ليتبنى قطاعات أكثر من البشر حياة أكثر صحيَة. وقبله كنا نعتبر شريحة ما بين 130/80 و 140/90 تحت مسمى (ما قبل الضغط)، وكنا نطلب منهم أيضًا تعديل نمط الحياة كما ذكرنا سابقُا تجنبًا لتطور الحالة.