نحن الآن في منتصف عام 2026، لقد فشل منتخب مصر مجددًا في الوصول إلى كأس العالم. يبدو أننا سننتظر حتى عام 2046 كي نشاهد مصر مجددًا في المونديال حين يكون قد مر 28 عامًا أخرى على آخر وصول إلى كأس العالم في روسيا 2018.

كان فشلًا مريعًا بالمناسبة، ذلك لأنه على عكس كل سيناريو صادم حدث في تصفيات كأس العالم، كان هذه المرة مكللًا بنجاح المصريين في الفوز وتصدر مجموعتهم، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان.

لم تكن هناك فرصة ضائعة كفرصة عمارة أمام الجزائر ولا طارق السعيد أمام المغرب في 2002. لم يهدر بركات كرة أمام المرمى المفتوح كما فعل في 2009، ولم نتلقّ سداسية تاريخية كما حصل أمام غانا، ولم يتم استهلاك رصيد العالم كله من الليزر في ساعتين كما حدث في تصفيات 2022.

لقد تصدرت مصر مجموعتها وتأهلت لملاقاة الجزائر والتي كانت على أعتاب مباراة فارقة ضد مصر على إستاد القاهرة لحسم المتأهل إلى المونديال.

من المهم أن أقول لك إن مدرب منتخب مصر في هذه التصفيات، هو حسام حسن. أظن أن هذا يفسر لك ما سأحكيه من غرائب حتى قبل أن تعلم عنه شيئًا.

وصلت مصر إلى المجموعة النهائية التي يتحدد بناء عليها المتأهل إلى المونديال. مقعد واحد في المجموعة ثم مباراة فاصلة، كان باتريس بوميل المدير الفني قبل حسام حسن قد قاد مصر بنجاح إلى تصدر مجموعتها، ولكن كان الأداء على غير ما يرام، ترديد عبارات مثل: «قماشة المنتخب لا تصلح لتقديم كرة قدم أفضل» بات غير مقبول بالنسبة لتاريخ منتخب مصر وحضارة الـ 7 آلاف عام.

«سر الدعا والسجدة ونية الانتصار»

كان لابد من مدرب يصل بالروح المصرية إلى ذروتها، يلهب حماس لاعبي المنتخب، يمنح سر الدعاء والسجدة قبلة حياة جديدة، وقبل أن تتم قرعة المباريات الفاصلة، تم توجيه الشكر لباتريس بوميل الذي لم يعرف ما الذي عليه أن يفعله ليرضي الأستوديوهات التحليلية كل ليلة، ووصل حسام حسن مدفوعًا بزخم غير اعتيادي إلى المكان الذي لطالما حلم به.

عام كامل يفصل منتخب مصر عن المباراة الفاصلة ضد الجزائر. خلال ذلك العام، طلب حسام حسن 10 مباريات ودية، منها 4 ضد كل فرق شمال إفريقيا (تونس – الجزائر – المغرب – ليبيا).

ورغم امتناع الجزائر عن خوض لقاء ودي ضد مصر؛ كي لا تكشف كل أوراقها، إلا أن حسام أصر على خوض مباراة ضد المنتخب الأولمبي الجزائري لبث الروح المعنوية الهائلة في نفوس اللاعبين حينما يواجهون منتخبًا يحمل نفس الألوان البيضاء والخضراء لمحاربي الصحراء.

كذلك فقد أخطر الاتحاد المصري حسام حسن بأن فترات التوقف الدولي المحددة سلفًا من قبل «فيفا» لن تسمح بخوض المباريات العشرة الودية كلها، وعليه لا بد من تعديل في تلك الخطط، إلا أن حسام خرج واتهمهم علنًا بمحاربته من أجل فرض مدربين آخرين. طالبهم بحل المشكلة أيًا يكن، قلب جدول مسابقة الدوري رأسًا على عقب. أي شيء يهون مقابل الوصول إلى كأس العالم.

عام الحزن

لن أطيل عليك، لقد مر العام، وخاض منتخب مصر ودياته بطريقة ما، وقدم الفراعنة كرة قدم رائعة تحت إمرة حسام حسن، مليئة بالروح والجرينتا والشغف الذي افتقدناه منذ عام 2010، لكن كان واضحًا أن شيئًا ما غريبًا قد حصل للاعبين.

لماذا يحتفل نجوم بحجم تريزيجيه وصلاح والنني ومرموش بالبكاء الشديد عقب تسجيل هدف متأخر في مباراة ودية ضد ليبيا كما لو كانوا لم يلعبوا كرة القدم من قبل؟

لماذا يمكنك أن ترى بوضوح تناول محمد الشناوي أكثر اللاعبين رباطة جأش في هذا الجيل لحبوب مهدئة في مرماه أثناء سير المباراة؟ لماذا يتساقط مدرج الدرجة الثالثة ومشجعوه مغمى عليهم إثر فوز مريح على جيبوتي؟ لماذا يركض إبراهيم وحسام كل هذه المسافة على الخط مع كل هجمة يلعنان فيها تباطؤ رمضان صبحي؟

حتى وسائل الإعلام باتت تذيع أغنية شادية «مشافش الرجال السمر الشداد» مع كل انتصار ودي للفراعنة بمبالغة كبيرة، تنقسم الشاشة إما نصفين لتجلب لك دموع الضيوف وهم يتفرجون على الأهداف، أو توضع وجوههم في علامة مائية وهم يشاهدونها، في الحالتين يبكون! لماذا كل هذا الانفعال يا مصر؟

الغريب أن هذا كله حدث في عام واحد. لكن دعني أخبرك بما تغير في عالم كرة القدم كله منذ وصول حسام حسن إلى تدريب منتخب مصر.

انقطعت العلاقات الرياضية مع 6 دول من أصل 10 خاض ضدها الفراعنة مبارياتهم الودية في ذلك العام المتوتر، رباعي شمال إفريقيا انقطعت العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل معهم، سحبوا سفراءهم جميعًا، فيما خفضت السودان تمثيلها الدبلوماسي لدى القاهرة.

أدرج الاتحاد الدولي لكرة القدم إضافة جديدة في ملحقات الفرق الطبية الخاصة بالفرق والمنتخبات، أقراص مهدئة بمعرفة الجهاز الطبي لكل فريق بات من الواجب أن يتمم عليها حكم اللقاء نظرًا لارتفاع حدة التوتر في هذا العام.

أوصت منظمة الصحة العالمية بإدراج مشاهدة كرة القدم سواء في الملعب أو عبر شاشات التليفزيون كنشاط ينبغي توخي الحذر حين القيام به، وأن يستشار طبيب قبل الإقدام على هذه الخطوة.

انتقادات حقوقية عديدة في مصر والعالم طالت نظام المعسكرات المغلقة لمنتخب الفراعنة، لم يفهم أحد لماذا تنقطع وسائل التواصل عن اللاعبين تمامًا ولا يستطيعون التواصل مع أنديتهم، بعض الفرق باتت ترفض إرسال لاعبيها، عمر مرموش عاد إلى ألمانيا بعد شهر في أحد معسكرات منتخب مصر مع حسام حسن ولا أحد يدري السبب في الاختفاء كل هذه المدة.

فقرة «معلوماتي» تكشف ..

ما استطاعت فقرة «معلوماتي» أن تصل إليه فقط، هو أن حسام قرر أن تكون هناك 4 حصص تدريبية في كل يوم من أيام المعسكرات.

حصة بدنية مدتها ساعة ونصف، وحصة فنية مدتها ساعتان منها ساعة كاملة للتدريب على إنهاء الانفرادات يستأثر فيها حسام بالكرة ويبدأ في إجبار اللاعبين على التصرف مثله، فينتهي التدريب بـ 100 هدف لحسام الذي يشعر برضا داخلي عما حققه، نصف ساعة في حب الوطن، نصف ساعة لتعليم الروح العالية وتمريغ الأنوف في الوحل من أجل قميص منتخب مصر.

كانت فضيحة عالمية حين امتنع ليفربول عن إرسال الملك المصري إلى منتخب بلاده في أحد التوقفات الدولية دون ضمانة مكتوبة يشهد عليها الاتحاد الدولي لكرة القدم بعودة محمد صلاح بعد أسبوع، وأن يتم دفع شرط جزائي مبلغ مليون يورو إذا لم يعد في غضون هذا الأجل، ومليون آخر كتأمين يسترده الاتحاد المصري فور عودة صلاح، ومليون آخر إذا تم إثبات تعرض مخ صلاح لأي كهرباء زائدة أو شحن زائد عن الداعي يؤثر على موسمه مع الريدز.

كل هذا قد حدث في بحر عام واحد فقط. والآن نحن على أعتاب تلك المباراة التي جرى من أجلها كل هذا التوتر.

معسكر منتخب مصر بدأ قبل مباراة الجزائر الفاصلة بثلاثة أسابيع، ودع اللاعبون عائلاتهم باكين وتمنوا لهم أن يروهم في عالم أفضل، اختفوا تمامًا ولم يستطع حتى الثنائي مهيب عبد الهادي وماجد غراب أن يصلا إليهما بعد أن عادا إلى العمل كمراسلين تحت وطأة هذا التعتيم الرهيب الذي أثار سرور وائل جمعة للغاية.

قبل المباراة بثلت ساعة فقط، بات من الضروري أن يجري اللاعبون عمليات الإحماء، فوجئ العالم بـ 11 لاعبًا مصريًا حليق الشعر على طريقة حسام حسن وهم ينزلون أرضية الميدان في ركض عنيف، مع موجة الإغماءات المتتالية في الدرجة الثالثة ووقع هتافات «حسام .. حسام».

أتى شريط الأخبار ليذكر المواطنين بالرقم الساخن حال حدوث أي نوبات قلبية أو جلطات مفاجئة، داعيًا المواطنين إلى أقصى درجات ضبط النفس.

كان منظرًا مثيرًا للضحك حين تخلى محمد صلاح عن قصة شعره التي لازمته طيلة أكثر من 15 عامًا، وكذلك عن لحيته التي باتت علامة عالمية تحمل اسمه، من أجل تلك الشحنة الهائلة التي ضخها حسام حسن فيه وفي باقي اللاعبين.

وبدأت المباراة المشهودة. التعادل يكفي الجزائر للصعود، بينما أي انتصار مصري يعني بدء موجة من الإغماءات المشحونة من فرط السعادة، ففي كل الأحوال كان المصريون يتعرضون للإغماء سعادة أو حزنًا.

مبروك النقطة!

ظل التعادل السلبي مسيطرًا على المشهد، وفي الدقيقة 90 وبعد أن جرحت حنجرة حسام نفسه من كثرة الصراخ في لاعبيه كي يرفعوا روحهم المعنوية ويرتقوا لمستوى الحدث، أتت اللقطة التي انتظرها الملايين، تمريرة من عمرو السولية في ظهر الدفاع إلى صلاح، الذي كسر مصيدة التسلل وانطلق من منتصف الملعب منفردًا بحارس الجزائر أنتوني ماندريا الذي جلبوه من فرنسا ومنعوا تجنيسه.

صلاح وضع في هذا الموقف مئات المرات وسجل مئات الأهداف، والآن عليه فقط أن يهدأ ويفعلها كما فعلها دائمًا، ركلها ركلة قوية كي يدرك المسافة إلى المرمى بسرعته قبل الجميع كعادته، ثم روضها بيسراه ليستقبل الحارس، وهو الآن على وشك تسديد كرة تقود مصر إلى المونديال!

لكن صلاح فوجئ بما لم يكن يحسب له حسابًا، لقد وجد زميلًا له يطالبه بالتمرير باستماتة، لم يكن زميلًا ينفع التمرير له، لقد كان حسام حسن نفسه، لقد انبرى هداف مصر التاريخي متناسيًا دوره كمدرب، وبحس المهاجم كان أمام المرمى مع صلاح في وضع سانح للتسجيل، متأخرًا خطوة واحدة خلفه ضاربًا مصيدة التسلل، وانهال عليه صارخًا: «باصي.. باصي.. باصي يا صلاح!».

لم يستجب صلاح هذه المرة لنداءات «الأخ الأكبر». صوبها بنفسه نحو المرمى وسجل هدف مصر الغالي، وحينما كان يحتفل ويتقبل توبيخ حسام حسن الذي كان حزينًا من عدم تمرير الكرة له، وجد الحكم قد ألغى الهدف بدعوى أن عاملًا خارجيًا أثر على لاعبي المنافس، وهو دخول المدرب إلى أرضية الميدان ما يستوجب إيقاف اللعب.

انتهت المباراة هكذا بالتعادل السلبي، فقدت مصر فرصة جديدة للوصول إلى كأس العالم، وحينما سأل الصحفيون حسام عن هذه اللقطة الغريبة وسر عدم تأهل الفراعنة إلى المونديال، وما إذا كان هو المتسبب في هذا، أجاب: «كالعادة كله بيحاربني.. محدش عايزني أوصل للي أنا عاوزه عشان هما عارفين إني راجل دوغري، وحابب أهني منتخب الجزاير وأقولهم: مبروك .. مبروك النقطة!».