المونديال الأغلى في التاريخ. هذا ما سمعته كثيرًا ربما خلال الفترة الماضية. سمعت بالتأكيد أيضًا عن رقم «220 مليار دولار» الذي أنفقته قطر من أجل كأس العالم. ذهلت ربما لهذا الرقم الذي يعادل ميزانيات عشرات الدول مجتمعة.

220 مليار دولار أنفقتها قطر لبناء دولة جديدة متكاملة انطلقت شرارتها حين حصلت البلاد على حق تنظيم كأس العالم في 2010، منها أقل من 10 مليارات دولار مشروعات مباشرة مرتبطة بكأس العالم سواء ملاعب أو تجهيزات بعثات أو لوجستيات مختلفة، لكن باقي الرقم المرعب الذي يتناقله العالم الآن خصص لبناء «قطر جديدة».

وقياسًا لمشروعات البنى التحتية الشبيهة في البلدان التي سبق أن استضافت المونديال، ستعرف أن الرقم الذي أنفقته الدوحة ضخم للغاية، مضاعف لأكثر من 10 مرات من أعلى إنفاق سابق على مشروعات كأس العالم في النسخ السابقة.

نحن هنا نتحدث عن فارق يقارب 15 ضعفًا عن أعلى النسخ إنفاقًا في التاريخ قبل قطر وهي نسخة البرازيل 2014، مع فوارق المساحة وتدابير السفر واتساع الملاعب والقرب الجماهيري من الدول اللاتينية في الحالة البرازيلية، لذلك فإن الفارق بين المونديال القطري وغيره شديد الضخامة لدرجة لا يمكن تجاهلها.

دولة جديدة

هل كانت قطر تحتاج لبناء «دولة جديدة» من أجل استضافة الحدث العالمي الأبرز؟

بداية لابد أن نطرح مجموعة إشكاليات أساسية كان لزامًا على قطر أن تتغلب عليها كي يأتي هذا اليوم الذي تستضيف في المونديال. كأس العالم ستقام في أصغر دولة نظم فيها من قبل من حيث المساحة، نحن نرى النسخة الأكثر «تكدسًا» ربما، لذلك توسعت قطر في تأسيس شبكات الطرق مع توسعة الطرق الرئيسة، ثم أطلقت المشروع الأضخم على مستوى النقل في البلاد وهو مترو الدوحة الذي ربط البلاد بحق، وبمنتهى السهولة، وارتكز على الوصول بين الملاعب الثمانية التي أعدت للبطولة في المقام الأول.

مترو الدوحة الذي يغطي 76 كيلومترًا و11 مدينة في 37 محطة، أنفقت قطر عليه 36 مليار دولار في مشروع عملاق، يحتسب ضمن التكلفة التي احتملتها مشروعات كأس العالم، ولكنه بعد كأس العالم سيكون استثمارًا طويل الأمد يفيد قطر في المستقبل.

كذلك أنفقت قطر 16 مليار دولار على عمليات تجديد وتوسعة مطار حمد الدولي الرئيسي في البلاد ليصبح منذ 2014 جاهزًا لاستيعاب 60 مليون شخص، الرقم الذي أنفقته قطر على تطوير مطار حمد يعادل أكثر من 5 أضعاف ما أنفقته البرازيل على مطاراتها كلها لدى استضافتها مونديال 2014 (3 مليارات دولار).

كما توسعت قطر في مشروعات البنية التحتية الخاصة بالتحدي الأبرز وهو الإقامات الفندقية لأكبر حشد يدخل البلاد في التاريخ، فقطر تتوقع وصول مليون ونصف زائر خلال شهر كأس العالم وهو المعدل الأعلى للزائرين في تاريخ البلاد.

كما سبق ذكره، قطر أنفقت تلك الأموال لبناء دولة جديدة متكاملة، مدن جديدة صممت خصيصًا من أجل المونديال، دشنت ورأت النور خلال آخر 10 أعوام وأبرزها مدينة لوسيل التي باتت قبلة المستثمرين في قطر من شتى أنحاء العالم، وستستضيف نهائي المونديال في ملعبها الجديد المختلف كليًا، الذي تكلف إنشاؤه 700 مليون دولار، ليضاف إلى تكلفة تأسيس المدينة بالكامل، التي تصل إلى 45 مليار دولار كاملة.

ملعب «البيت» الذي اختارته قطر لاستضافة مباراة الافتتاح تكلف إنشاؤه 3 مليارات دولار كاملة، وهو الأكثر تكلفة على الإطلاق بين ملاعب مونديال قطر.

لابد أن يواكب ذلك طفرة فندقية، عملت قطر عليها من خلال مشاريع أنفقت عليها مليارات الدولارات في عموم البلاد، لا تدخل كلها ضمن الرقم الذي نستعرضه، الذي تقدره «بلومبرج» بنحو 300 مليار دولار لا 220 مليارًا فقط!

حرارة رغمًا عن الشتاء

إشكالية أساسية أخرى تتمثل في التعاطي مع فروقات درجات الحرارة، وتقنيات تبريد الملاعب، وتظليل الأماكن العامة ومناطق المشجعين، وعمليات التشجير في كل ربوع قطر بما لا يتداخل مع التوسع في شبكات الطرق والجسور والشوارع والمحاور الرئيسة.

ومع موافقة «فيفا» على إقامة المونديال في شهر نوفمبر لأول مرة في التاريخ حرصت قطر على إتمام هذه الخطوة، التي رغم كل هذا المجهود لا تزال بعض بعثات المنتخبات الأوروبية تتحدث عن درجات حرارة غير مسبوقة لم يتعاملوا معها من قبل، والحديث هنا عن بعثة ويلز على وجه التحديد التي قال أحد لاعبيها إنه «تعرق في فندق الإقامة» واضطر المدرب روبرت بيج لتأجيل حصة تدريبية أساسية كي تقل درجات الحرارة التي تجاوزت بالكاد 30 درجة.

التصريحات الرسمية القطرية تشير دائمًا إلى أن هذه المشروعات هي جزء من إستراتيجية قطر 2030، وأن كأس العالم 2022 لم تكن إلا «وسيلة لتسريع هذه العمليات» وفقًا لخالد علي المولوي نائب المدير العام لشؤون التسويق والاتصال وتجربة البطولة باللجنة العليا للمشاريع والإرث، الجهة المسؤولة عن تنظيم فعاليات مونديال قطر 2022.

وإذا أردت أن أحسب لك حسبة تقريبية لهذه المشروعات، سنجد أن ما أُنفق على مشروعات البنى التحتية في قطر -وفقًا للإعلان الرسمي من الحكومة القطرية- تجاوز نصف مبلغ الـ220 مليار دولار.

هل يستحق المونديال كل هذا الإنفاق؟

تتوقع اللجنة العليا للمشاريع والإرث أن يدر المونديال بشكل مباشر ما مقدراه 9 مليارات دولار من الأرباح المتعلقة بالرحلات والإقامات ومبيعات التذاكر، مع ترجيحات أخرى تفيد بأن المونديال سينعش الاقتصاد القطري بشكل عام بنحو 20 مليار دولار.

لكن هل تستهدف قطر هذه الأرقام التي تبدو ضئيلة قياسًا لما تم إنفاقه على مشروعات المونديال؟

بالتأكيد لا، الاستضافات السياسية والتصريحات المدافعة عن قطر في قلب أوروبا بعد عشرية كيلت لها فيها الاتهامات المختلفة تؤكد لك أن لا. المستوى المختلف من الإشادة رغم وجود قضايا خلافية عالقة يخبرك أن لا، الالتفاف الشعبي العربي حول قطر حامية حمى الإسلام التي ستدخل كل هؤلاء السياح في دين الله أفواجًا يخبرك أن لا، مستوى التغطية الإعلامية للمونديال يخبرك أن لا، نظرة نجوم كرة القدم حول العالم إلى قطر يخبرك أن لا.

توقعات «فيفا» بأن يحقق مونديال قطر 2022 أرباحًا صافية بقيمة 4.7 مليار دولار ونظرته إليها فيما بعد على أنها قاطرة اقتصادية ودولة مربحة لا بد أن تكسبها على طول الخط، لا فقط أن تمرر ما تنفقه.

كل ما قامت به قطر منذ عام 2010 في المجال الرياضي يشير إلى ما تنتظر حصاده بدءًا من نوفمبر وديسمبر 2022 إلى ما شاء الله.

منشآتها الرياضية والأندية التي اشترتها في أوروبا وعلى رأسها باريس سان جيرمان، توسيع التغطية الإعلامية عبر شبكات «بي إن سبورتس» التي باتت أكثر الشبكات تغطية للمسابقات حول العالم على الصعيدين الرياضي وعلى مستوى الامتداد الجغرافي، كل هذا من دولة واحدة.

الصورة الذهنية المتكاملة تقول لك ماذا تستهدف قطر، ولماذا يملك حدث رياضي كل هذا التأثير ولماذا يستحق فعلًا أن ينفق عليه 220 مليار دولار؟!