لا أريد أن أخترع أي شيء لا يُحقق مبيعات، المبيعات هي الدليل على المنفعة، والمنفعة هي النجاح.
توماس إديسون.

من المفترض أن يكون العلم في خدمة البشرية، ولكن التاريخ أثبت أنه أيضًا ربما يكون في خدمة الاقتصاد وثروات الأفراد.

في هذا المقال نستعرض سيرة بعض العلماء، والذين تمكّنوا من خلال اختراعاتهم أن يُحققوا ثروات، والتي فتحت –بدورها- أبواب المزيد من الاختراعات وخدمة البشرية.

توماس إديسون: من بائع متجول إلى مليونير

ولد «توماس ألفا إديسون» في فبراير/شباط عام 1847 في ولاية أوهايو بالولايات المتحدة الأمريكية. لم يظفر الطفل إديسون بالكثير من التعليم الأكاديمي، إذ لم يتردد على المدرسة سوى عدة شهور، بعد ذلك تولّت والدته تعليمه القراءة والكتابة وعلم الحساب، ولكنه كان يتميز بالفضول ومواصلة تعليم نفسه بنفسه، وهاتان الصفتان ساهمتا في ازدهار مسيرته العلمية فيما بعد.

فَقَدَ إديسون سمعه بشكل شبه كامل عندما كان عمره 12 عامًا، ولاحقًا اعتبر هذه نعمة، لأنه أصبح أكثر قدرة على التركيز. وعندما بلغ إديسون عمر الـ 13 بدأ عمله كبائع صحف وشموع. وعندما بلغ 16 عامًا أصبح ماهرًا في التعامل مع التليغراف (جهاز اتصال كان يُستخدم لإرسال النصوص في القرن التاسع عشر).

كان إديسون مُخترعًا موهوبًا، إذ كان عمره 22 عامًا فقط حين سجل أول براءة اختراع له، وكانت آلة تصويت لتساعد المُشرِّعين في الاستفتاءات والتصويتات.

 انتقل إديسون –المفُلس تمامًا وقتها- إلى مدينة نيويورك ليعمل في إحدى الشركات كمهندس ومُصلِح للآلات. استغل إديسون عمله في تصليح الأجهزة في فهمها بشكل أعمق بل وتطويرها، ثم باع النسخة المعدلة من الآلة لتُقدَّر مبيعاتها بحوالي نصف مليون دولار.

بعد ذلك أنشأ إديسون معمله الخاص ليُخرِج منه اختراعات ثورية، مثل جهاز التسجيل، وجهاز الفونوجراف (أو الجرامافون)، والذي قُدرِت مبيعاته بما يعادل 20 مليون دولار وقتها أو 260 مليون دولار في عصرنا الحالي. وتوالت اختراعات إديسون.

وقد كان اختراع المصباح الكهربي –حينئذ- تحديًا اقتصاديًا وعلميًا، إذ توجب عليهم صنع فتيل زهيد التكلفة مع تحمله لمرور تيار كهربي لفترة طويلة دون أن يحترق. استغرق الأمر من إديسون شهورًا لصنع فتيل بالمواصفات المطلوبة، ولكنه تمكّن أخيرًا من تصنيع مصباح مفرغ من الهواء وفتيل من نبات الخيزران قادر على الصمود لمدة 1200 ساعة. هذا فضلًا عن اختراعه لكاميرا الصور المتحركة وغيرها.

حتى وإن اعتبرنا أن إديسون كان رائد أعمال يسعى وراء الثروة، فلن نستطيع أن نُجادل في أن عقليته الرأسمالية قد أثرت حياة البشرية حتى أنه امتلك نحو 1093 براءة اختراع، وثروات تُقدَّر حاليًا بحوالي 170 مليون دولار.

تسلا: عبقرية استثنائية ورأسمالية غائبة

فيزيائي ومهندس كهرباء صربي-أمريكي الأصول، ولد تسلا عام 1856 في النمسا، وكان عبقريًا لدرجة أنه أنهى دراسته الثانوية في ثلاث سنوات بدلًا من أربع، والتحق بجامعة جراتس النمساوية، ثم عمل لدى شركة تليغراف كمُصمِّم. سافر تسلا إلى باريس ليعمل لدى شركة تابعة للمخترع إديسون بأجر بلغ وقتها 18 دولارًا فقط.

كان تسلا مؤمنًا بالتيار المُتردِّد، ويحلم بصنع محرك كهربي يعمل بالتيار المتردد. وفي عام 1887 أسس تسلا شركته «تسلا إليكترك»، ليسجل وفي شهور معدودة واحدًا من أعظم اختراعاته «محرك التيار المتردد»، ثم تعاقد تسلا عام 1888 مع شركة «وستنجهاوس إلكتريك» على براءات اختراعاته بحوالي 60 ألف دولار بالإضافة إلى نسبة من المبيعات.

لاحقًا، وفي خلال عام واحد، تخطت ثروة تسلا الملايين. وتوالت اختراعاته حتى بلغت نحو 300 براءة اختراع، وفي عام 1907 قُدرت اختراعاته بما يُعادل 300 مليون دولار.

ولكن بسبب النزاعات الدائرة بين وستنجهاوس وغريمه إديسون، وجد الأول نفسه مَدينًا للبنوك بما يعادل 10 ملايين دولار حينها، طلب وستنجهاوس من تسلا أن يُمهله بعض الوقت دون المطالبة بمستحقاته المالية ليتسنى للشركة تسديد ديونها، لم يمهل تسلا وستنجهاوس الوقت، بل مزّق العقد الذي كان بينهما؛ كان تسلا مُمتنًا لوستنجهاوس الذي آمن به حين لم يفعل الجميع، ولولا تمزيق ذاك العقد لأصبح تسلا أحد أكثر المخترعين ثراءً.

ألفريد نوبل: صاحب «الديناميت» و350 براءة اختراع

ولد الكيميائي «ألفريد نوبل» في السويد عام 1838. وفي عام 1850 سافر إلى فرنسا ثم إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليعمل برفقة «جون إريكسون» المسئول عن بناء السفن الحربية المدرعة حينئذ، ثم عمل في مصنع أبيه المشتغل بصناعة المعدات الحربية أثناء حرب القرم، والذي أشهر إفلاسه عقب انتهاء الحرب.

وفي معمل تابع لأبيه، بدأ نوبل يُجري اختبارات على المواد المتفجرة، في تلك الأيام كان «المسحوق الأسود» هو المادة المتفجرة المستخدمة في المناجم، وهو عبارة عن خليط من نترات البوتاسيوم والكبريتات والفحم، ثم جاء اكتشاف مادة «النتروجليسرين» كمادة متفجرة أكثر كفاءة من «المسحوق الأسود»، ولكن كان يصعب التعامل معها نظرًا لخطورتها الشديدة.

شيّد نوبل عام 1862 مصنعًا صغيرًا عكف فيه على وضع «النتروجليسرين» في صورة أكثر أمانًا، كان الأمر خطيرًا حقًا حتى أن المصنع انفجر عام 1864، وكان من بين الضحايا شقيق نوبل نفسه.

وعلى الرغم أن هذا لم يكن الانفجار الوحيد لمصنع نوبل، إلا أنه شيّد مصنعًا جديدًا، حتى توصّل في نهاية الأمر إلى أن استخدام مسحوق بعض الصخور مع «النيتروجليسرين» قد جعله أكثر أمانًا، وأسمى اكتشافه هذا «الديناميت».

لم يكتف نوبل بهذا، ولكنه تابع في السنوات التالية تكثيف جهوده لتطوير هذا الاختراع والحصول على براءات اختراع على إضافاته وتحسيناته، حتى وصلت براءات الاختراع المُسجَّلة باسم نوبل إلى 350 براءة اختراع.

لم يُبطِن نوبل النية في هذا الاختراع ليكون أداة للقتل، بل لتسهيل عملية التعدين، ولكن سرعان ما فطن المنخرطون في الحروب وغيرهم بقدرة ذلك الاختراع على الإبادة.

على الرغم من الثروات الطائلة التي حصدها نوبل من اختراعاته، والتي تخطت عوائدها أكثر من 200 مليون دولار، إلا أن الشعور بالذنب تجاه قتلى الديناميت نغّص عليه حياته، ودفعه أخيرًا إلى إنشاء مؤسسة تحمل اسمه، ووضع بها 94% من ممتلكاته، والتي تمنح جوائز نوبل المعروفة.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.