إذا كنت من مجانين كرة القدم فربما أنت الآن تراهن هل سيقدم لك هذا الموضوع أفلامًا جديدة عن محبوبتك لم ترَها من قبل؟ حسنًا الرهان مقبول، فلتجتز إذن تلك المقدمة الطويلة وتشرع في التعرف على تلك الأفلام ولتخبرنا إذا أردت من فاز منا بالرهان.

أما إذا لم تصب بهوس كرة القدم بعد وكنت من محبي السينما أو مهتمًا بفكرة علاقة كرة القدم بالسينما فلنبدأ سويًا التفكير في الأمر.

ما هو وجه الشبه بين كرة القدم والإله؟ إنه الورع الذي يبديه كثيرون من المؤمنين والريبة التي يبديها كثيرون من المثقفين.
الكاتب الأوروجواني إدواردو جالياني.

ربما كلمات جالياني تلك هي الأكثر صدقًا في وصف الجدل الدائر حول ما إذا كانت تستحق كرة القدم بالفعل كل تلك الضجة المثارة حولها، يكفي القول إن المباراة النهائية لكأس العالم روسيا شاهدها ما يقارب من نصف عدد سكان العالم. باختصار لا يمكنك أن تحتفظ برأي محايد تجاه كرة القدم أبدًا؛ فإما أن تكون من دراويش تلك اللعبة المجنونة، أو تعتبر الأمر تافهًا إلى حد الجنون وتتبنى وجهة النظر التي تعتبر كرة القدم هي الأفيون الجديد للجماهير.

إذا كنت من محبي كرة القدم فأنت بالطبع على استعداد تام أن تشاهد فيلمًا سينمائيًا عن كرة القدم، بل إنك لن تقاوم مشاهدة ذلك الفيلم إذا ما علمت أنه يحتوي على خط درامي يرتبط بفريقك المفضل على سبيل المثال، وذلك سواء كنت من محبي فن السينما أو لا.

لكن السؤال الأهم هنا إذا عكسنا الأمر وكنت من محبي السينما، فهل تهتم بمشاهدة فيلم عن كرة القدم؟ هل تحمل كرة القدم الدراما الكافية لصنع فيلم جيد؟

الناقد الفني لجريدة الجارديان مايكل بيلينجتون قدم إجابة رائعة على هذا السؤال في مقال تم نشره قبل عشر سنوات من الآن، إذ قررت صحيفة الجارديان أن يقوم النقاد الفنيون والمراسلون الرياضيون بعملية تبادل وظائف على سبيل التجربة، وهي التجربة التي أثنى عليها بيلينجتون وعنونها بأن الفرق الأساسي بين الرياضة والفن يكمن في عدم اليقين من النتيجة وهو ما تقدمه الرياضة دومًا بالطبع.

يقول بيلينجتون إن كل الرياضات هي شكل من أشكال الدراما الذي يمكن أن ينتج تجارب مدهشة تمامًا، بل إنه تحدي أي شخص يستمتع بمشاهدة الأفلام والمسرحيات أو محب للخيال ألا يستمتع بمباراة كرة قدم مثيرة، ثم أنهى بيلينجتون بتساؤل مثير:

إذا كنا نعلم جميعًا أنه هناك الكثير من الدراما في الرياضة، فلماذا إذن لا نرى الكثير من الرياضة في الدراما؟ ينتهي حديث بيلنجتون هنا، ولكنه يتركنا في حالة تفكير منطقية للغاية، ماذا تحتاج لكي تقدم فيلمًا جيدًا؟

الإجابة المعتادة تقول إن الأمر يبدأ بنص جيد. وكرة القدم تقدم لك نصوصًا عبقرية حد الخيال ولا يقتصر الأمر على تيمة اللاعب الفقير الذي تحقق كرة القدم أحلامه أو الفريق الذي ينتصر في اللحظة الأخيرة. كرة القدم هي مرآة تعكس شكل المجتمع وقادرة على إنتاج آلاف الأفكار التي ترتبط بشكل مباشر بأدق تفاصيل المجتمع ومعاناته ومشاكله.

سنحاول أن نتحدث عن ثلاثة أفلام من ثلاث دول مختلفة عن كرة القدم، لكنها تتحدث في مضمونها عن التاريخ والوطنية والأمل والحرية والسياسة أيضًا، بعيدًا عن تيمة كرة القدم المستهلكة.


1. مونتفيديو، فليحفظك الرب

يتحدث الفيلم عن مشاركة يوغوسلافيا في فعاليات أول كأس عالم عام 1930، والذي تم إقامته في الأورجواي تحديدًا في العاصمة مونتفيديو. ومن المعروف أن أول كأس للعالم تمت المشاركة فيه عن طريق دعوة من قبل الفيفا للمنتخبات لا عن طريق التصفيات المؤهلة، لكن تلك النسخة لم تكن محط اهتمام الأوروبيين نظرًا لبعد المسافة والتشكك في جدوى أهمية المسابقة ورفض الأندية أيضًا ومن هنا تبدأ أحداث الفيلم.

يتناول الفيلم أيضًا صربيا على وجه الخصوص، فبنهاية الحرب العالمية الأولى انتهى ما يسمى بمملكة صربيا وظهرت يوغوسلافيا، وقد تم توجيه الدعوة إلى يوغوسلافيا وهو الأمر الذي لم يقابل بالترحيب. قرر مسئولو كرة القدم في صربيا أن يشاركوا في كأس العالم بلاعبي صربيا فقط حتى وإن كان تحت علم يوغوسلافيا.

ينتقل الفيلم بعد ذلك للحديث عن مدينة «بلجراد» وعن ولع الناس بكرة القدم وقصص الحب والصداقة والإيمان والأمل، وذلك عن طريق العلاقة الثنائية بين أهم لاعبي الفريق؛ الأول هو ألكساندر ترينانيتش والملقب بـ تريكي، اللاعب الفقير الذي فقد أباه صغيرًا ولكنه يمتاز بمهارة فائقة، وعلى الجانب الآخر هناك ماريانوفيتش والملقب بـ موشا، وهو اللاعب الأشهر في البلاد والذي يغلب عليه الاستهتار أيضًا.

الفيلم من إنتاج صربي عام 2010 ومأخوذ عن رواية فلاديمير ستانكوفيتش والتي تحمل نفس الاسم، كما أن اللاعبين موشا وتريكي هما شخصيتان حقيقيتان في كرة القدم الصربية. للفيلم جزء ثانٍ تم إنتاجه عام 2014 بعنوان «أراك في مونتفيديو».


2. أكثر من مجرد لعبة

يتحدث الفيلم عن فترة الكفاح ضد التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، حيث شهدت جزيرة روبن بجنوب أفريقيا إقامة سجن خاص لعزل كل المطالبين بالمساواة وعدم التمييز ضد أصحاب البشرة السمراء.

يجد المساجين أن كرة القدم هي أكثر نشاط قادر على تخفيف ثقل السجن عليهم، ومع استحالة لعب الكرة داخل مبنى السجن يتفق السجناء أخيرًا على تقديم طلب للسماح لهم بلعب كرة القدم في أوقات محددة، ورغم رفض الأمر في البداية إلا أنه بإلحاح السجناء تتم الموافقة لكي يبدأ المساجين في تنظيم أنفسهم للعب كرة القدم، ثم يتطور الأمر وصولًا لوجود اتحاد لكرة القدم داخل السجن وبوجود دوري منظم يتبع نفس تعليمات الفيفا.

يتناول الفيلم قدرة كرة القدم على توحيد الخلفيات المختلفة والقدرة على مناقشة الأمور بشكل يتسم بالنزاهة، كذلك يصل بنا إلى قيمة الحرية وإلى أن كرة القدم أكثر من مجرد لعبة.

الفيلم من إنتاج جنوب أفريقيا عام 2007 وهو عن قصة حقيقية، والجدير بالذكر أن هذا السجن هو الذي سجن به نيلسون مانديلا وهذا الدوري الذي أشرف عليه السجناء شارك به الرئيس السابق لجنوب أفريقيا جاكوب زوما كحكم ساحة.


3. الدرجة الثالثة

يتحدث الفيلم عن مشجعي الدرجة الثالثة على جانب و«حبايب النادي» كما يطلق عليهم الفيلم أو بصورة أدق المستفيدين من أندية كرة القدم على الجانب الآخر. ربما يُظهر هذا الفيلم أهم ما تحدثنا عنه في البداية، كيف تشكل كرة القدم مرآة للمجتمع بشكله الاجتماعي والسياسي.

يظهر في الفيلم الصراع بين مشجعي كرة القدم الفقراء والذين لا يستطيعون تحمل ثمن مشاهدة فريقهم إلا عن طريق الدرجة الثالثة والتي لا يهتم بها المسئولون عن النادي. تسير الأحداث نحو قرار المسئولين لاختيار شخص من الدرجة الثالثة لكي يتشارك القرار مع الفئة الأولى، ثم تدور الأحداث وتنتهي بتكتل مشجعي الدرجة الثالثة للحفاظ على مدرجاتهم الفقيرة التي لا يملكون غيرها.

الفيلم قد تشاهده كحديث عن كرة القدم وإجابة لسؤال: لمن تنتمي كرة القدم؛ للجماهير أم للوحش الصناعي القائم عليها؟ وقد تراه إسقاطًا سياسيًا ذكيًا حول المستفيدين والمحسوبية والفقراء وحقوقهم وقدرتهم على التغيير، ربما!

الفيلم من إنتاج مصري عام 1988 و إخراج شريف عرفة ومن بطولة أحمد زكي وسعاد حسني، ويذكر أن الفيلم لم يحقق النجاح الجماهيري لأسباب عديدة حينها.