كعادة الأحلام الجميلة واللحظات السعيدة، تنتهي قبل حتى أن تدرك أنها قد بدأت. رحل المنتخب المصري عن نهائيات كأس العالم عبر الطائرة الأولى التي تشد الرحال من الأراضي الروسية. هزيمتان كانتا كافيتين جدًا من أجل أن تنهيا كل الآمال المصرية -إكلينيكيًا- في إكمال المشوار الحُلم، لكنهما كذلك كافيتان من أجل كشف الستار وكسر الهالة الصحفية والإعلامية، وحتى الجماهيرية، التي وُضعت قهرًا حول المدير الفني الأرجنتيني للفراعنة، «هيكتور كوبر».

8 لقاءات، بين ودية ورسمية، خاضها «محمد صلاح» ورفاقه منذ أن نجح الأول في قيادة بلاده إلى المونديال، لم يتذوقوا في أي منهم طعم الفوز وتمكنوا فقط من إحراز 4 أهداف خلالهم. خلال تلك المدة، تهافت كل المعجبين بالفكر الـ«كُوبَرِيّ» -نسبة لهيكتور كوبر- في مدح الطريقة التي يدير بها الأرجنتيني زمام الأمور، مؤكدين أنه ينجح إجمالًا في كل المطلوب منه: بالوصول إلى الكان ثم العودة إلى كأس العالم بعد غياب حوالي 3 عقود. لذا، وبكل الفخر، نقدم لكم تلك الإجابات البديهية، التي يفشل دائمًا المدير الفني للمنتخب الوطني المصري في تقديم أي منها بشكل سليم.


قنوات التمرير المشفرة

خلال أول لقائين في المونديال، تمكن المنتخب المصري من امتلاك الكرة في أغلب فترات كليهما. أكثر من 1200 لمسة لكل لاعبي الفريق وحوالي 1000 تمريرة في مجمل اللقاءين، إذن ظاهريًا وعلى الورق، المنتخب نجح في ألا يكون لقمة سائغة بالنسبة للخصم، أو هكذا حاول أن يُصور المؤمنون بما يقدمه المنتخب المصري حاليًا في ظل ولاية الأرجنتيني، لكن واقعيًا المنتخب فاشل جدًا حتى في امتلاك الكرة.

مجمل اللقاءين يظهر 22 تصويبة للمنتخب المصري 4 فقط على المرمى وسُجل خلالها هدف وحيد من ركلة جزاء. واذا حاولنا الدخول في تفاصيل أكثر عمقًا، حاول أن تعود بالذاكرة قليلًا إلى الأجيال السابقة، تلك العودة قاسية جدًا نفسيًا على كل مصري، لكنها ضرورية.

المنتخب قديمًا كان لا يملك عناصر هجومية ذات بريق عالمي وصيت عالٍ، لكنه كان بأي نوع ممكن من العناصر يستطيع الوصول إلى المرمى، فمثلًا خلال البطولات الثلاث التي فاز بها الفراعنة خلال ولاية المصري «حسن شحاتة»، تبدلت العناصر الهجومية كثيرًا، بين «زيدان» و«ميدو» و«متعب» وحتى «محمد ناجي» الشهير بـ«جدو» الذي انضم فقط خلال نسخة البطولة في 2010، وأظهر أداءً لافتًا لكافة الأنظار بالرغم من أنه كان يعتبر دخيلًا على هذه التشكيلة.

كانت قوة الفريق في المنظومة، هنا يمكن القول إن جملاً قليلة محفوظة ومكررة تمكنك من خلق خطورة بأي عنصر كان، أفضل كثيرًا من وضع عناصر وأسماء ضخمة بدون أي جملة يعرفونها حتى. يمكن الآن أن نعلن تحديًا واضحًا للجميع في أن يحضر جملة مكررة يتم تنفيذها من خط الدفاع إلى خط الهجوم في تسلسل سليم. اللهم إلا التمريرة الطولية التي تعتمد على سرعة صلاح ومفاجأته للدفاع.

بمجرد أن تقع الكرة بين قدمي أحد اللاعبين، تجده يرفع رأسه مرة ثم أخرى ثم أخرى وفي النهاية تمريرة نسب نجاحها لا تتخطى الـ60%، ذلك لأن الفريق لا يعرف فعلًا ما يجب فعله في فترات الاستحواذ. الوضع يبدو كما لو أتينا بفريق عازفين ماهر جدًا وسلبناه من كل النوتات الموسيقية، تركنا الأمر برمته تحت إمرة إبداعهم الشخصي، فإن نجحوا نجحنا والعكس.


خدعوك فقالوا إن الخطة دفاعية

«نفس الشيء ولكنكم تُحبون إيطاليا»، تلك الجملة الهزلية التي كانت في البداية تنتشر على سبيل الدعابة. حاول البعض تقديمها على أنها الواقع ذاته. المنطق والأرقام والرؤية البسيطة لأي مشاهد ومتابع عادي تظهر المنتخب المصري بلا أي حماية دفاعية أو حتى تمركز دفاعي سليم في أسهل اللقطات، لكن أولئك لا يرغبون في رؤية ذلك، ويحاولون وضع الصورة على أن الفريق ينفذ ما تنفذه منتخبات أخرى مثل إيطاليا مثلًا والتي بنت كل مجدها من خلال المنظومة الدفاعية.

كيف لفريق دفاعي أن يعاني من 26 تصويبة على مرماه، ثلثهم تقريبًا من داخل منطقة الجزاء، في غضون 180 دقيقة فقط؟ كيف يمكن أن يستقبل فريق يعتمد على دفاع متأخر إلى أقصى نقطة في الملعب، 12 هدفًا في 8 مباريات فقط -بمعدل 1.5 هدف لكل لقاء؟ أضف إلى ذلك كم الفرص التي توأد بتشتيتات دفاعية وتبدأ من اختراقات من العمق وأطراف الملعب بمنتهى السهولة. وأخيرًا، كم مهاجم تمكن من استلام الكرة ونقلها أو تصويبها من بين قلبي الدفاع؟

الحقيقة أن سياسة كوبر الدائمة هي التقهقر الدفاعي: فقط تواجد دفاعي في مناطق متأخرة من الملعب دون تمركز أو تنظيم، ناهيك عن أن ذلك يتم دون النظر إلى مستوى الخصم وقوته أو سياسة لعبه. فقط أوامر بتأخير خط الضغط إلى ما قبل منطقة الـ18 بخطوات بسيطة، تراجع الأجنحة والأظهرة وصناع اللعب إلى الـ20 مترًا الأخيرة من الملعب، ولا يهم أي شيء آخر، حتى لو تلقينا وابلاً من التصويبات والهجمات. منتخب بوركينا فاسو وحده تمكن من تصويب أكثر من 20 مرة على مرمى الفريق في النسخة الأخيرة من كأس الأمم، لكن لم يهتم أحد لذلك، كالعادة لأن النتيجة النهائية كانت الصعود للدور التالي.

حتى التابلوه الذي عانينا تكراره والذي يخص ضرب دفاعاتنا من كرات ثابتة في الدقائق الأخيرة، بكل أسف يقع عاتقه على المدرب؛ لأن التمركز الدفاعي والسياسة المتبعة في ظل كرات من هذا القبيل، يجب أن يتم وضعها عن طريق المدرب ولا يمكن الاعتماد فيها على ذكاء اللاعبين لأنهم لن يتمكنوا من قراءة الملعب وقراءة تحركات زملائهم والخصم في آن واحد وفي ظل ذلك الزحام الشديد.


الموت خيرٌ من العلاج

لن تحتاج إلى البحث وإضاعة الكثير من الوقت في إيجاد إجابة لهذا السؤال: كم مرة نجح هيكتور كوبر في العودة إلى المباراة بعد التأخر بهدف؟ يسعدني أن أخبرك بأنه أحد أكثر المقتنعين بأن الموت خير من العلاج وألا داعي للوقوف أمام ما قد قدره الله.

الجيل الحالي من منتخب مصر تحت ولاية الأرجنتيني يقدم واحدًا من أسوء ردود الفعل في تاريخ المنتخب المصري تقريبًا. الدقائق الأولى من الشوط الثاني في مواجهة المنتخب الروسي هي أفضل مثال على ذلك. استقبلت شباك الحارس «محمد الشناوي» هدفًا في الدقيقة الثانية من الشوط الثاني عن طريق الخطأ، فقط 17 دقيقة أخرى كانوا كافين من أجل وأد 100 مليون حلم كانوا في طور النمو. صورة كاملة للانهيار التام والاستسلام، تغييرات سلبية وغير مفهومة، مركز بمركز أو تحويلات ضعيفة جدًا داخل أرض الملعب -جائزة خاصة لمن يعرف السبب في الدفع برمضان صبحي.

حتى في اختياراته للاعبين، كوبر يؤمن بأن اللاعب الذي لا يمكنه التكيف وحده مع النظام الموضوع في المنتخب فالأفضل أن يرحل، خيار التطوير والتهيئة الخاصة لكل لاعب غير متاح تمامًا. الموت أفضل، ولذلك نجد أن عدد العناصر التي دخلت وخرجت من المنتخب في فترات قصيرة جدًا لا يمكن حصره، لكل منهم إمكانياته وظهوره المحلي، لكنه لا يعتمد على نفسه ويتكيف!


وماذا بعد؟

السؤال الآن الذي يدور في أذهان الجماهير المصرية هو ماذا بعد حقبة هيكتور كوبر؟ هل يستعين هاني أبوريدة ومجلسه بمدرب أجنبي يخوضون معه مغامرة أُخرى من البداية، أم أنهم سيذهبون للخيار المصري لتفادي قطع مسافة كبيرة من التواصل وتقييم اللاعبين التي غالبًا ما يحتاجها المدرب الأجنبي.

في حالة المدرب الأجنبي فإن الخيارات المتاحة ستكون لا نهائية، فالوكلاء لا يتوقفون عن إرسال سيفيهات عملائهم لاتحادات الكرة على مدار الموسم. أما في حالة المصري فالخيارات لن تخرج عن ثلاثة مدربين؛ أولهم حسن شحاتة الذي لا يتوقف المصريون عن الحنين لأيامه وكرته الجميلة، الخيار الثاني سيكون حسام حسن الذي لا تتوقف الأصوات الداعمة لتوليه المهمة منذ ثلاثة أعوام تقريبًا، أما الخيار الأخير فهو حسام البدري المدرب المُقال حديثًا من تدريب النادي الأهلي المصري والذي ارتبط اسمه بتركي آل الشيخ في الفترة الأخيرة مما قد يضعف من احتمالات توليه زمام الأمور إذا قرر تفضيل أموال المستشار السعودي عن ضغوطات المنتخب.