منذ متى وأصبح تصدر جدول البريميرليج غير كافٍ لاستعادة الثقة؟ يتصدر ليفربول المشهد منذ فترة ليست بالقصيرة، ومع ذلك تجد التوقعات تشير بأفضلية مانشستر سيتي للتتويج باللقب. التوقعات بموقع Five Thirty Eight مثلاً تشير إلى ذلك، السيتي يتقدم بـ 53%، والليفر بـ 47%. حسنًا، المسافة ليست بالبعيدة، لكنها تشير إلى شيء ما.

لا أحد يريد التصديق أن وصيف دوري الأبطال، ومتصدر الدوري الإنجليزي قد استفاق من غيبوبة دامت ما يزيد عن العقدين، أو أن المشكلة ليست في ليفربول بقدر ما هي في مدربه، الألماني يورجن كلوب. مدرب ماينز السابق وجد نفسه في وضع غير مألوف، وقد تكون موسيقى الـ Heavy Metal سببًا إضافيًا لمعاناته.


لماذا الضوضاء؟

بإمكان الموسيقى أن تؤثر على طريقة إحساسك، تفكيرك، ومن ثم أدائك. تقول دراسة نشرتها مجلة Social Psychological and Personality Science عام 2014، إن سماع أغانٍ معينة بإمكانه إكسابك مزيدًا من القوة.

وكما حكى الكاتب الأمريكي مارك توين في إحدى قصصه الخيالية القصيرة عن شرير سيطر على مدينة كاملة بواسطة لحن منتظم، فإن الرجل الذي عرف نفسه باسم The Normal One عادة ما يفعل ذلك أيضًا لكن بضوضاء منظمة. كلوب لا يمل من سماع تلك الأغاني، فقد أشرف على تدريب ناديين بروسيا، دورتموند سابقًا وليفربول حاليًا، وهما صاحبا الجماهير الأكثر صخبًا في أوروبا. عندما تنظر إليه، تجده يستمتع بذلك الصخب، ويدفع لاعبيه نحو المزيد والمزيد من الضغط.

الألماني أبعد ما يكون عن صفة الهدوء. فقط راقبه كيف ينفعل مع الكرات الضائعة، الأهداف، حتى تحية الجماهير ومصافحة اللاعبين. لاعب ماينز السابق نشأ في منطقة الغابة السوداء بجنوب ألمانيا، وهي منطقة سياحية تتميز بجمال طبيعتها. ومن قلب هذه الطبيعة الهادئة، خرج كلوب بأسلوب لعب يكرهه الجميع، يشبهه البعض بموسيقى الـ Heavy Metal؛ لأن كليهما يشترك في الرتم المزعج.

لاعب بايرن ليفر كوزن السابق توربين هوفمان يحدثنا عن طبيعة كلوب اللاعب والتي أثرت بشكل كبير على أسلوبه كمدرب؛ الكرة الهجومية، الاندفاع، الضغط. ويوضح هوفمان أن تلك العقلية ساهمت في تغيير دورتموند بالكامل، لقد كان المدرب المناسب في الزمان والمكان المناسبين، فتوِج النادي الأصفر والأسود بلقبين للبونديزليجا، والكل يعلم مدى صعوبة منافسة بايرن ميونيخ هناك. إذن لمَ قد لا يسير ليفربول على نفس النهج؟ دعنا نستكشف ثلاثة أسباب قد تدفع يورجن إلى المركز الثاني مع ليفربول هذا الموسم.


1. المرشح الأضعف «Underdog»

في ألمانيا كان الأمر مختلفًا، فهناك مرشح واحد فقط للفوز، أما البقية فيمكن أن نسميهم جميعًا «Underdog». ذلك المصطلح الذي ظهر في القرن التاسع عشر بإنجلترا، حيث مسابقات القتال بين الكلاب. عندما يتقاتل كلبان، يسمى الفائز بـ «top dog»، أما الخاسر فيطلق عليه «underdog». وتم استخدام هذا المصطلح في المجال الرياضي، للإشارة إلى الطرف الأضعف، أو صاحب الحظوظ الأقل للفوز.

البعد عن دائرة الترشيحات جعل كلوب يعمل في هدوء بعيدًا عن ضغط المنافسة. وكان فريق بروسيا دورتموند نموذجًا في اختيار اللاعبين أو ما يعرف بالـ Scouting. فـ استقدم: «روبيرت ليفاندوسكي» من الدوري البولندي، «تشينجي كاجاوا» من الدوري الياباني، «إيفان بيريسيتش» من كلوب بروج البلجيكي، «إلكاي جندوجان» من نورمبيرج، «لوكاس بيزتشيك» من هيرتا برلين، «ماريو جوتزه» و«مارسيل شميلزر» من الأكاديمية، وبقية الفريق كانت على نفس الشاكلة.

أما اليوم في ليفربول، يجد المدرب الألماني نفسه في وضع مختلف. تراجع تشيلسي وأرسنال ومانشستر يونايتد، ترك ليفربول وحيدًا لمنافسة مانشستر سيتي. فخرج كلوب من عباءة الـ Underdog مجبرًا. ومع إنفاق المزيد من الأموال خاصة في صفقتي المدافع الهولندي فيرجيل فان دايك، والحارس البرازيلي الدولي أليسون، ازداد الضغط عليه كما لم يحدث من قبل.

قد يكون ذلك الضغط شبيهًا بذلك الذي تعرض له بعد أن أصبح الجميع يتعامل مع دورتموند كفريق فائز، قادر على مناطحة البايرن وإقصاء الريال من دوري الأبطال. وبالطبع ذلك الضغط انتهى برحيله عن النادي، والحل يكمن في إضافة بعض النوتات الجديدة.


2. بداية التكيّف

في سبتمبر/أيلول عام 2013 وعلى ملعب «سيجنال إيدونا بارك»، أنهى دورتموند مواجهته أمام هامبورج بالفوز بستة أهداف مقابل هدفين. كانت إحدى ليالي كلوب المميزة هناك، لكن الغريب في الأمر أنه رغم حسم فريقه النتيجة قبل 20 دقيقة من نهاية اللقاء إلا أنهم استمروا بالركض والضغط دون توقف. فبلغ مجموع المسافات التي قطعها لاعبو دورتموند 112 كيلو مترًا. الاندفاع جعل توفير المجهود أمرًا ثانويًا.

تغير كلوب قليلاً، وبدأ التكيف على منافسات إنجلترا الأشد قسوة. لم يعد يجبر لاعبيه على الركض المجنون المتواصل، وبات ليفربول يتراجع عند الحاجة، يدخر مجهوده، ولا مانع من الفوز القبيح في بعض الأحيان.

مرحلة التكيف تلك لا تقتصر على ذلك. في ألمانيا، أجبر المدرب الألماني الجميع على العمل للهروب من الـ «GegenPressing». حتى جوارديولا، رحب به كلوب في ألمانيا بالفوز عليه 4-2. اضطر بيب للتفكير للتوصل إلى حل، فبدأ باستخدام الأظهرة للدخول في عمق الملعب «False Fullback»، لتوفير المزيد من خيارات التمرير في العمق، وهو نفس الأسلوب الذي استمر في استخدامه مع مانشستر سيتي.

بيب لعب بأوراقه، والآن الدور على كلوب ليلعب أوراقًا جديدة تخرج به فائزًا من هذا الصراع الشرس الذي يترقبه العالم.


3. الديناميكية وحدها لا تكفي

أنا أعرفه كلاعب. لقد كان يجيد الهجوم والدفاع بشكل جيد عندما واجهته. لم يكن لاعبًا بتكنيك مميز، لكنه كان مقاتلاً.

يراعي مدرب ماينز السابق دائمًا أن يتمتع لاعبو خط وسط فريقه بحركية عالية، لتطبيق الضغط كما يريد. مع الوقت، أصبح الخصوم يتركون الكرة لليفر، وعليه تزيد الحاجة لمزيد من الإبداع ولو على حساب الديناميكية.

لو قارنا لاعبي المركز 8 في فريقي السيتي والليفر، سنجد أن «كيفين دي بروينه» و«دافيد سيلفا» قد لا يتمتعان بنفس قوة «فينالدوم» و«جيمس ميلنر»، لكن على مستوى صناعة اللعب فالفارق واضح. وغياب مثل هذه النوعية من اللاعبين، يجعل خطة كلوب البديلة Plan B غير مجدية في كثير من الأوقات.

ما سبق قد يفسر معاناة ليفربول الآن. لكن المشكلة الأكبر أن مدربًا بحجم يورجن كلوب سوف يدخل دائرة الشك – في نظر الصحافة – بسبب عدم فوزه بالبطولات مع ليفربول.

لا أحد مسئول عن التاريخ، لكن علينا أن نحظى بوقتنا لكتابة تاريخنا الخاص.

هكذا أخبر كلوب شبكة NBC Sports في لقائهم معه. وقد تبدو هذه حجة منطقية، لكن بالنسبة لمشجع ينتظر لقب البريميرليج منذ 29 عامًا فإن المنطق قد نفد. في نهاية الموسم ومهما كانت النتيجة فإن المدرب الألماني سيظل واحدًا من المجددين في كرة القدم في العقد الأخير، وبالنظر إلى ما يمتلكه من حماس وشغف فإن ليفربول لن يجد شخصية تتطابق مع شخصية النادي مثل شخصية الرجل العادي «يورجن كلوب».