كل شيء مختلف مع منتخب إنجلترا. هي وظيفة تجعلك أشبه بالرهينة، لا يمكنك أن تستقيل، فقط عليك الانتظار حتى تحين اللحظة ليفرجوا عنك، ورغم ذلك ما زلت أعتقد أنها أكثر وظائف كرة القدم رونقًا.
«سفين جوران إريكسون» مدرب منتخب إنجلترا السابق بين عامي 2001 و2006.

رغم مرور ثمانية أعوام على تركه وظيفة تدريب المنتخب الإنجليزي، إلا أن المدرب السويدي «سفين جوران إريكسون» كان لا يزال واقعًا تحت تأثير الهالة المحيطة بنجوم الفريق وقتها، فحمل توصيفه لذلك المنصب قدرًا كبيرًا من المبالغة.

ولا عجب في ذلك، فنحن نتحدث عن سكولز، بيكهام، لامبارد، جيرارد، تيري، فيرديناند، روني، أوين، وكان بديهيًا أن يلقب ذلك المنتخب بالجيل الذهبي، وإن كان يوجد ما هو أثمن من الذهب لأُطلق عليهم. أول الغيث كان فوزًا ساحقًا على المنتخب الألماني في ميونيخ، بخمسة أهداف مقابل هدف، ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2002.

لكن كما قال «إريكسون» «كل شيء مختلف مع منتخب إنجلترا»، حيث فشل الجيل الذهبي في تجاوز الدور ربع النهائي في أي بطولة كبرى، وانتهى بهم الحال في الإستديوهات التحليلية يشاهدون هيندرسون، وديلي آلي، ولينجارد، والبقية يصلون إلى نصف النهائي بمونديال روسيا 2018، وبالتأكيد نحن بحاجة لمعرفة كيف حدث هذا.

1. الانتماء الزائد عن الحد

في لقاء تلفزيوني، اجتمع الثلاثي ريو فيرديناند، وفرانك لامبارد، وستيفن جيرارد بقناة «BT Sport»، وكأنهم جلسوا على كرسي الحقيقة، ليقرروا الاعتراف بأهم أسباب فشل جيلهم، والذي تمثل في عدم قدرتهم على تنحية منافستهم على مستوى الأندية جانبًا، لدرجة أنهم كانوا يتجنبون الجلوس بجوار بعضهم، وكان لكل مجموعة طاولتها الخاصة.

كان الاتصال بيننا مقطوعًا، فلم أكن أريد أن أتحدث بدون قصد عن شيء يخص فريقي، قد يستفيد منه لامبارد في تشيلسي. وبالمثل لم أكن أحبذ الجلوس بجوار جيرارد أو أستمع لأي شيء يخص ليفربول. وكنت متأكدًا أنهم يشعرون بالمثل تجاهي، حتى تحول الأمر إلى تصرف تلقائي، نرتكبه جميعًا بلا وعي.
ريو فيردناند على قناة BT sport
كان كل واحد منا شغوفًا بناديه، وكان من الصعب أن تتحول المنافسة بيننا إلى ود. لعل هذه هي ضريبة المنافسة المحلية بيننا، على عكس المنتخبات الأخرى التي كانت تملك لاعبين من كل دوريات العالم، لم يكن بينهم نفس القدر من المنافسة.
فرانك لامبارد على قناة BT sport
بالفعل كنت أكره لاعبي مانشستر يونايتد، لكن في المنتخب، كنت مضطرًا للتظاهر بعكس ذلك.
ستيفن جيرارد لصحيفة The Independent

ووفقًا لما قاله «فيرديناند»، فإن أبرز محاولة قام بها مدربوهم لرأب ذلك الصدع، هو تجميعهم على طاولة واحدة أثناء تناول الوجبات.

لكن حتى تلك المحاولات لم تفلح، وظل منتخب الأسود الثلاثة مفتقدًا لكل ما يتعلق بروح الفريق والعمل الجماعي، الذي تعتمد عليهم المنتخبات بصورة أكبر نظرًا لقصر فترات تجمع اللاعبين، وصعوبة تطبيق أفكار تكتيكية كما يحدث في الأندية.

2. غياب الفلسفة

تمثل الفلسفة في كرة القدم الإطار الذي يرسمه النادي أو المدرب، والذي يضم أفكار وأسلوب اللعب. ووجود مثل هذا الإطار يسهل على المسئولين عملية التخطيط، خاصةً على المدى البعيد. وفي الوقت الذي كانت فرنسا وألمانيا وإسبانيا تبدأ خططها من مرحلة الناشئين لخدمة منتخباتها، كانت إنجلترا تزهو بالبريميرليج، وما أنتجه من مواهب دون تخطيط مسبق.

لقد لعبت على المستوى الدولي رفقة المنتخب الإنجليزي، وفي كثير من المباريات كنا أقل من الخصم فنيًا. واجهنا العديد من الفِرق التي تفوقنا مهارة وقدرة على الاحتفاظ بالكرة. نعم، لدينا العديد من اللاعبين الكبار، مثل: بول جاسكوين وروني وسكولز، لكنهم ليسوا نتاج تخطيط قطاع الناشئين.
«جاريث ساوثجيت»، في عام 2011 عندما كان مديرًا لتنمية المواهب الإنجليزية

لم يتسبب ذلك الفكر العقيم فقط في تعطيل خط إنتاج المواهب، لكن جعلهم يبحثون عن أقصر الطرق للاستفادة من المواهب المتاحة (الجيل الذهبي)، حتى هداهم فكرهم إلى ما يشبه طريقة «فلورنتينو بيريز» والجلاكتيكوس.

كان «بيريز» مقتنعًا بأنه طالما تواجد أفضل لاعبي العالم مجتمعين على أرض الملعب، فإن واحدًا منهم على الأقل سيكون قادرًا على صنع الفارق ولو بلحظة ارتجال. وعليه، تتضاءل أهمية المدرب، ويصبح أشبه ببطارية لشحن اللاعبين، وعندما يفرغ الشحن، يتم استبدال البطارية.

وهذا تقريبًا ما حاول «سفين جوران إريكسون» فعله طوال فترته، ولعل أبرز الشواهد كانت مباراة إنجلترا والبرتغال في يورو 2004، حينما لعب 4-4-2، مع تحريك «سكولز» للطرف الأيسر، ليتواجد الجميع في وسط الملعب، لامبارد وجيرارد وبيكهام وسكولز. وعندما سأله «كاراجر» عن ذلك في أحد إستديوهات قنوات «سكاي سبورتس»، أصر المدرب السويدي على أن الرباعي كان أفضل المتاحين.

ومن «إريكسون» إلى «فابيو كابيلو»، كان ثاني أقصر الطرق، بمحاولة بائسة للتعامل مع نرجسية هؤلاء اللاعبين بمدرب معروف بالصرامة التي تصل حد العجرفة، لكن ذلك لم يكن كافيًا.

3. هل كان جيلاً ذهبيًا بحق؟

قد يبدو دربًا من الجنون أن نصف بيكهام ولامبارد وروني وباقي الأسماء بكلمة «Overrated»، أو المبالغ في تقديرهم، لكن «جاري نيفيل» رأى أن لقب الجيل الذهبي كان جزءًا من حملة تسويقية، لم تجلب سوى الصخب والضغط على اللاعبين، وأنهم كانوا بالفعل «Overrated»، وباستثناء يورو 2004 -التي فازت بها اليونان- لم يكن المنتخب الإنجليزي ضمن أفضل 3 منتخبات.

ورغم أن ذلك الرأي قد يتسم بالقسوة لأنه بالأساس مبني على النتيجة النهائية وهي الفشل، إلا أنه قد يحمل قدرًا من الواقعية التي أغفلها الكثيرون في ذلك الوقت. أوضحت دراسة لشركة «Gracenote» للبيانات والتكنولوجيا، علاقة بين تحقيق المنتخب لبطولة، وعدد لاعبي ذلك المنتخب المشاركين بصفة أساسية مع أنديتهم في دوري أبطال أوروبا، في الفترة بين 1999 و2018.

استنتجت الدراسة عبر الأرقام، أن المنتخبات الفائزة بكأس العالم وكأس أمم أوروبا هي دائمًا واحدة من الخمسة الأوائل من حيث عدد المشاركين بصفة أساسية بدوري أبطال أوروبا. وكانت منتخبات البرازيل، وألمانيا، وإسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا، على رأس القائمة، وفازوا مجتمعين بعدد «5» كؤوس عالم، «3» كؤوس أمم أوروبا.

عدد لاعبي كل منتخب المشاركين بصفة أساسية مع أنديتهم في دوري أبطال أوروبا
عدد لاعبي كل منتخب المشاركين بصفة أساسية مع أنديتهم في دوري أبطال أوروبا

بالطبع، أنت الآن تسأل عن اليونان وفوزها بيورو 2004، والمفاجأة أن ذلك الفوز يثبت صحة الدراسة، حيث كانت اليونان في ذلك الموسم، رابع أكثر منتخب شارك لاعبوه بصفة أساسية في دوري الأبطال. حتى البرتغال في يورو 2016، كانت تحتل المركز الخامس.

أما بالنسبة للمنتخب الإنجليزي، فتراوح بين المركزين السابع والعاشر، باستثناء موسم 2004/2005، حين تقدموا للمركز الخامس مشاركةً مع ألمانيا. وبالتالي، يتضح لنا أن رأي «جاري نيفيل» لم يكن قاسيًا، وأن الهالة المحيطة بالجيل الذهبي كانت أكبر من اللازم.

لكن بعد استعراض هذه الأسباب تبقى فقط الإشارة لظروف ما حققه «لينجارد» ورفاقه في مونديال روسيا 2018، والذي كان مدعومًا بالكثير من التوفيق، حيث أحرزت إنجلترا «3» أهداف فقط من لعب مفتوح من أصل «12» هدفًا. إلى جانب وجودهم في الجانب الأسهل من القرعة بعيدًا عن البرازيل، بلجيكا، فرنسا، البرتغال، أوروجواي، الأرجنتين، رغم حصولهم على المركز الثاني في دور المجموعات.

وبحكم المقارنات التي تفترض دائمًا تبادل الظروف بين طرفي المقارنة، كان من الممكن أن يحقق الجيل الذهبي إنجازًا لو توافرت له نفس هذه الظروف. لكن الافتراض لن ينفي أيًا من الأسباب التي ذكرناها بالأعلى، وستظل أسطورة الجيل الذهبي الإنجليزي واحدة من أكثر إخفاقات كرة القدم التي يندم عليها أصحابها.