إذا طلبت من أي مشجع إسباني إخبارك بأول أربعة أسماء تتصدر قائمة هدافي منتخب إسبانيا عبر تاريخه، سيقولون دي ستيفانو، أو راءول، أو بالطبع توريس وفيا، لكنهم لا يعلمون أن دافيد سيلفا هو الرابع.
الصحفي الإسباني «جيليم بالاجي»

بعد أن تذهب للتأكد من صحة المعلومة، ستجده رابعًا بالفعل برصيد 35 هدفًا، خلف فيا ثم راءول ثم توريس. وإذا كان هذا حال الإسبان، فما بالك بالبقية؟ مشجعو البريميرليج مثلاً ما زالوا عالقين في مشاجرة «لامبارد أم جيرارد؟». حتى عندما انتهى العقد فجأة بنهاية 2019، كان اسم «دافيد سيلفا» منسيًا.

قد يكون «سيلفا» مساهمًا بنفسه في ذلك، لكن في الأخير هو يستحق مزيدًا من التقدير. ولأنه عضو رئيسي في الجيل الذهبي لإسبانيا ومانشستر سيتي، فلن نحاول إبراز جودته، وسنركز على الأهم، أسباب هذا البرود الذي يلقاه من الجماهير.

السبب الأول: لأنك لا تعرفه

ببساطة، لا يمكن أن نحب لاعبًا ونحن لا نعرف عنه شيئًا. فـ«دافيد سيلفا» شخص هادئ أكثر من اللازم خارج الملعب. لا يحب الظهور في الإعلانات، أو اللقاءات التلفزيونية. حتى عندما عرض عليه الصحفي الإسباني «جيليم بالاجي» تسجيل سيرته الذاتية في كتاب، سأله «سيلفا» مستغربًا: لماذا؟

وكما يجعل «سيلفا» الأمور بسيطة داخل الملعب، يجعلها كذلك خارجه، لكن لهذا أثرًا سلبيًا على الجماهير، لأنك كلاعب تفقد اتصالك بهم تدريجيًا، وهو ما لا يتفق مع زمن السوشيال ميديا الحالي. فهنالك لاعبون يستخدمون حساباتهم لعرض أرقامهم، وطرق احتفالاتهم، وتفاصيل أخرى من حياتهم، للتكسب من ناحية، وزيادة الرابط بينهم وبين جماهيرهم من ناحية أخرى.

حتى إن كنت من محبي «دافيد سيلفا»، فإنك لا تعلم لماذا يمتلك عيونًا تشبه الصينيين؟ من مثله الأعلى؟ لماذا يقبل ساعده الأيسر عقب إحراز الأهداف؟ وغيرها وغيرها من التفاصيل.

ولأوضح لك إلى مدى فُقد ذلك الاتصال، دعنا نعد بالذاكرة إلى موسم 2017/2018، حينما بدأ اللاعب الإسباني يغيب عن بعض مباريات مانشستر سيتي دون سبب واضح. ثم تفاجأت الجماهير بأنه حلق شعره بالكامل، ليبدأ حينها الربط بين غيابه وبين إصابته بمرض خبيث، ثم زاد لاعبو مانشستر سيتي الأمر التباسًا، بعد احتفالهم داخل غرفة خلع الملابس برفع قميص اللاعب رقم 21.

كان «سيلفا» يترك المباريات للذهاب إلى إسبانيا، حيث المستشفى الموجود بها ابنه الصغير «ماتيو»، الذي وُلِد بعد خمسة أشهر فقط، وكان يكافح يومًا بيوم للبقاء على قيد الحياة. على حد قوله، لم يكن أي شيء قادرًا على تهيئته لما قد يحدث مع ابنه، حتى تجربته الأليمة مع ابنة عمته، التي توفيت في سن الخامسة جراء السرطان، وكان يحيي ذكراها مع كل هدف بتقبيل ساعده الأيسر.

لكن لحسن حظه، انتهت الأزمة نهاية سعيدة، ونجا «ماتيو» ليشهد على إتمام والده عقدًا كاملاً بالبريميرليج رفقة مانشستر سيتي، لكنه على الأرجح لن يشهد لعب والده لفريقه المفضل.

السبب الثاني: لم يلعب للريال أو برشلونة

لنخمن الفريق المفضل لـ«دافيد سيلفا»، علينا أن نعرف أولاً مثله الأعلى. فالطفل المولود بجزيرة كاناريا الكبرى «Gran Canaria» لأم يابانية، كان متيمًا منذ صغره بكرة القدم، وبعد أن أصبحت اللعبة جزءًا معبرًا عن شخصيته، انتقل من مشاهدة والده الذي كان يلعب كهاوٍ مع الفريق المحلي، إلى التعلق بالدانماركي الأنيق «مايكل لاودروب».

كان يجلس لساعات أمام التلفاز، ليشاهد «لاودروب»، مدونًا الملاحظات لمحاولة نسخ تكنيكه المميز، ورؤيته الثاقبة. نجح سيلفا بالفعل في نسخ الأمر على طريقته، لكن هذه لم تكن المشكلة. المشكلة أن «لاودروب» لعب لعملاقيْ إسبانيا، ريال مدريد وبرشلونة، فأي نسخة فضلها الإسباني؟

أُعجب «سيلفا» بنسخة «لاودروب» الملكية، وبات مشجعًا لريال مدريد، لكنه لم يكن محظوظًا كفاية للانضمام إليهم. فقد تنافس ريال مدريد وبرشلونة للحصول على خدماته عندما كان لاعبًا لفالنسيا، لكن فالنسيا حينها كان يخطط للمنافسة والإبقاء على نجومه، فبقي «سيلفا» رفقة «دافيد فيا» لقيادة المشروع.

كانت هذه المحاولة التي يعلم عنها الجميع، أما المحاولة الأولى فحدثت قبل انضمامه إلى فالنسيا. عندما ذهب الطفل ذو الـ 14 عامًا إلى اختبارات ريال مدريد، ليبهر الجميع بمهاراته، حتى وصل صداه إلى مدرب الفريق الأول حينها «فيسنتي ديل بوسكي»، الذي شاهده بنفسه.

لكن ذهب هذا الانبهار أدراج الرياح، بسبب بنيته الضعيفة وحجمه الضئيل، ليتحول مساره إلى فالنسيا. ربما لو كان انضم إلى أحد قطبي إسبانيا، لنال التقدير الذي يستحق، وأكثر بقليل، لكنه لم يكن محظوظًا كفاية، والغريب أن حجة حجمه الضئيل طاردته في البريميرليج أيضًا.

السبب الثالث: أين يلعب؟

لقد أنفقنا 33 مليون يورو في لاعب أعسر صغير الحجم، بطيء، يتحدث قليلاً من الإنجليزية، ولم نكن حتى نعلم مركزه.
حارس مانشستر سيتي الأسبق «جو هارت» عن التعاقد مع «دافيد سيلفا» في صيف 2010

الطريف أن «جو هارت» عاد ليذكر الجميع بنظرتهم إلى فكرة لعب «سيلفا» في دوري قوي بدنيًا كالبريميرليج، بعد أن تخطى الإسباني حاجز الـ400 مباراة مع الفريق السماوي. والأكثر طرافة أن آخر جزء من التصريح هو أحد أسباب البرود تجاه صاحب الرقم 21، في أي مركز يلعب «دافيد سيلفا»؟

تم طرح السؤال نفسه في حديث عن اللاعب الإسباني باستديو «سكاي سبورتس» في ديسمبر 2017، وحينها أجاب «فيل نيفيل» بتعبير رائع: «الإسباني ضاع بين المراكز»، فلا تستطيع تصنيفه كوسط ملعب، أو كرقم 10، أو كجناح، لأنه يلعب في كل هذه المراكز، وبكفاءة منقطعة النظير، لكن عند اختيار الأفضل، فإن الغالبية تفضل المتخصص عن الجوكر.

كان «سيلفا» ضحيةً لتأقلمه الناعم مع متطلبات الكرتين الإسبانية والإنجليزية، والانسجام مع كافة المدراس التدريبية. ففي فالنسيا، لعب كصانع ألعاب رقم 10، أسفل دافيد فيا، على يمينه خواكين، وعلى يساره ماتا. وفي أول مشواره مع مانشستر سيتي، تم إزاحته من العمق إلى الطرف الأيمن رفقة «روبيرتو مانشيني» في 4-2-3-1، وكذلك مع «مانويل بيليجريني» و4-4-2 المفضلة له، مع مراعاة الفارق بين أفكارهما.

وبالطبع في إسبانيا كان يميل للجناح الأيمن، لأن خط الوسط كان حكرًا على الرباعي ألونسو، تشافي، انيستا، بوسكيتس. ثم أتى جوارديولا لمانشستر، ليعيده إلى الوسط من جديد، لكن بأدوار هجومية ودفاعية في المركز 8، فيما أُطلق عليه «Free No.8».

وفي خضم رحلته الهادئة بين المراكز، حصد كل الألقاب تقريبًا، وتربع على عرش البريميرليج بين عامي 2010-2019 كأفضل صانع ألعاب، بصناعته 89 هدفًا، و768 فرصة محققة للتسجيل، صنعها من الطرف، أو من الوسط أو أيًا كان، المهم أنه فعلها دون أن يحظى بالتقدير الكافي. وسواء اقتنعت بهذه الأسباب أم لا، فنحن نأمل أن إجابة سؤال «لامبارد أم جيرارد؟» يمكن أن تكون «دافيد سيلفا».