لا يكاد كأس العالم يبدأ، حتى تنطلق الترشيحات والتحليلات بشأن الفرق التي يتوقع لها أن تصل لنهائي البطولة، وبمجرد أن ينتهي دور المجموعات، يكون المشجع قد كوّن فكرة واضحة عن المنتخبات صاحبة الأداء الأقوى في أول ثلاث مباريات، والتي يبني عليها المتابع عادةً توقعه لهوية البطل أو على الأقل طرفي النهائي. والسؤال هنا، هل يشكل دور المجموعات مؤشرًا مضمونًا نستطيع أن نعرف من خلاله الفرق التي ستتقدم في البطولة؟


إيطاليا «روسي» تهزم سحرة البرازيل

تحت قيادة مدرب يعرف الهوية البرازيلية جيدًا، يدخل منتخب السامبا مونديال 1982، طامحًا لإعادة أمجاد بيليه، الذي كان آخر من قادهم للقب البطولة الأغلى مطلع السبعينيات. لدى «تيلي سانتانا»، تشكيلة مرعبة بحق، والسؤال الآن هل ينجح في إيجاد التوليفة التي تجعل هؤلاء السحرة كما لقبوا وقتها، يرفعون كأس العالم؟

زيكو وسقراط وفالكاو وإيدو، والأهم طريقة لعب هجومية يفضلها سانتانا، يبدو أن البرازيل هو الفريق الأقرب –نظريًا- لحصد البطولة. فوز متأخر بهدفين لهدف على الاتحاد السوفيتي، ثم رباعيتان في مرمى أسكتلندا ونيوزيلندا على التوالي. نتائج جعلت المنتخب البرازيلي أكثر الفرق إمتاعًا في البطولة، وصنفته كمرشح أول للقب.

أنهى راقصو السامبا دور المجموعات محققين العلامة الكاملة، ومسجلين أكبر عدد من الأهداف من بين الفرق المتأهلة لدور المجموعات التالي(كان دور الـ 16 يقام بنظام 3 فرق في المجموعة)، الذين تفوقوا فيه على الأرجنتين بثلاثية مقابل هدف، في المقابل فازت إيطاليا بدورها على الأرجنتين 2-1، لتكون مواجهة الأتزوري والسامبا هي المحددة لهوية المتأهل لدور نصف النهائي.

تاريخيًا شكلت البرازيل عقدة لإيطاليا، وفي مونديال 1978، نجحوا في الفوز عليهم بمباراة تحديد المركز الثالث، لم يكن هذا كل ما في الأمر، فالمنتخب الإيطالي قد تأهل بشق الأنفس من دور المجموعات الأول، ودون تحقيق فوز واحد، بعدما اكتفى بتعادل سلبي مع بولندا وتعادلين بنتيجة 1-1 مع بيرو والكاميرون على التوالي.

لكن الطليان وعلى عكس كل التوقعات، ومؤشرات دور المجموعات تمكنوا من هزيمة المنتخب التاريخي للبرازيل بنتيجة 3-2، بعد هاتريك للاعب كان في السجن قبيل أشهر قليلة من بدء المونديال،باولو روسي، الذي سجل ثنائية منتخب بلاده ضد بولندا، في نصف النهائي، قبل أن يحرز هدف التقدم في النهائي الذي انتهى بفوز إيطاليا على ألمانيا الغربية 3-1.


فرنسا 2006: مشوار بدأ وانتهى بمعاناة

قبل بدء مونديال ألمانيا كانت معظم الأنظار مسلطة على منتخب البرازيل المدجج بنجوم من طراز رونالدو ورونالدينيو وكارلوس وكاكا وأدريانو ولوسيو، وألمانيا صاحبة الأرض التي امتلكت مواهب أفضل من اللاعبين الذين أوصلوها نهائي المونديال السابق، والأرجنتين التي امتلكت جيلًا قويًا، وبدرجة أقل ربما إنجلترا وإيطاليا.

كان المنتخب الفرنسي عبارة عن مجموعة من اللاعبين الكبار في السن نسبيًا على أعتاب نهاية مسيرتهم الكروية، بقيادة زين الدين زيدان الذي أعلن أنه ينوي الاعتزال نهائيًا بعد كأس العالم. رغم سهولة المباريات الثلاث لفرنسا، فإن الفريق لم يتأهل إلا بفوز يتيم، جاء في الجولة الأخيرة على توجو وسبقه تعادلان أمام سويسرا وكوريا الجنوبية، ليتأهل الفريق ثانيًا.

عدم ترشيح فرنسا للوصول للدور النهائي تأكد بعد أدائها الهزيل في مباريات دور المجموعات، لكن منتخب الديوك تحوّل بمجرد الوصول لدور الـ 16، ثلاثية في مرمى كاسياس جاءت بعد هدف تقدم إسباني، أمنت العبور لرفقاء زيزو، لكن الأمر لم يكن كافيًا لإقناع الجميع أن فرنسا ستمضي بعيدًا في هذا المونديال، وستلمس أصابع لاعبيها أطراف الكأس الغالية دون أن يظفروا به. المباراة التالية أمام نجوم البرازيل، أبطال العالم، والذين يتفوقون فرديًا بشكل واضح على لاعبي فرنسا، فقط إذا لم يكن زيدان قد قرر أن يواجههم بنفس سلاحهم، السحر الكروي. هدف سجله هنري بصناعة زيزو، كانت دلالته أن المغامرة الفرنسية مستمرة، وأنها صارت أخطر من أي وقت مضى.

في نصف النهائي لم تعانِ الديوك أمام البرتغال، وسجل زيدان هدف التأهل مبكرًا، لتضرب موعدًا مع إيطاليا في النهائي. قد يكون مشوار فرنسا في تلك البطولة، يرتبط أشد الارتباط بزيدان؛ نظرًا لإسهامه المباشر في قيادة الفريق للنهائي، ولأنه كان بطل لقطة النطحة الشهيرة، التي أضاعت ربما الكأس عليهم، لكن المشوار شهد أيضًا معاناة شديدة في دور المجموعات، تشبه بعض الشيء ما حدث مع إيطاليا في مونديال 1982 السالف ذكره، ولولا أن الفريقين قد وصلا للنهائي في البطولتين، لكان خبر مشاركتهما بهذين النسختين ضعيفًا للغاية.


إسبانيا 2010: البداية الخجولة قبل التتويج

هذه المرة كانت الأضواء مسلطة على النموذج الذي نذكره، المنتخب الإسباني دخل مونديال جنوب أفريقيا وهو المرشح الأول، متمتعًا بكل الإمكانيات المتاحة لتحقيق لقب لم يفز به الإسبان أبدًا، جيل برشلونة الذهبي ومدرب مخضرم اسمه لويس أراجونيس، وبطولة يورو 2008، كلها عوامل تجعل الثيران الأقرب لتحقيق أمنية شعبهم، خاصة أن طريقة لعب المنتخب المشتقة من أسلوب برشلونة، كانت في أوج فاعليتها، ولم يكن العالم قد ابتدع بعد طرقًا لإيقاف طوفان التمريرات والحركية الشديدة لنجوم إسبانيا.

هذه الأمنية لم تلبث أن تحولت لشكوك عند كثيرين، حول قدرة هؤلاء النجوم على تحقيقها، بعد أداء مخجل أمام سويسرا انتهى بهزيمة بهدف مقابل لا شيء. وفي المباراة الثانية فازت إسبانيا على هندوراس 2-0، التي شاركت للمرة الثانية في كئوس العالم وقتها، بعد مونديال إسبانيا 1982.

نجح أبناء أراجونيس بعد ذلك في الفوز على تشيلي 2-1، دون إشارات إيجابية تتوافق مع حجم الآمال والتوقعات المعقودة عليهم، خصوصًا أن الفرصة هذه المرة كانت متاحة أكثر من أي وقت مضى؛ بسبب تخبط إيطاليا التي ودعت من دور المجموعات، وضعف جيل المنتخب البرازيلي الذي كان أبرز نجم فيه هو روبينيو نظرًا لأن كاكا شارك وهو مصاب، ولأن المنتخبات الأخرى المرشحة كانت أقل بوضوح من حيث الأسماء مثل ألمانيا وهولندا، أو منتخب تعود الاختفاء في البطولات الكبرى مثل إنجلترا، أو منتخب مثل الأرجنتين، مرعب الأسماء بما فيها مدربه، لكن الأخير كان يقود الفريق بفكر ساذج أقرب ما يكون للبلايستيشن.

في النهاية وبعد التأهل لدور الـ 16، اكتفى الإسبان بهدف واحد في مشوارهم، محافظين على نظافة شباكهم، حتى توجوا بالمونديال مسجلين انتصارات على البرتغال، ثم باراجواي، ثم ألمانيا، قبل أن يصعقوا الطواحين الهولندية، ويكلفوهم الخسارة الثالثة بنهائيات كئوس العالم. مسار كان من الممكن أن يتغير، لو لم تخسر إسبانيا مباراتها الأولى وتدرك أن التعالي على الكرة لن يجعلها تفوز، هو درس لم يستفد منه ربما يواخيم لوف الذي أظهر هو ولاعبوه قدرًا مستفزًا من الثقة بأن “الهدف سيأتي” مهما كانت مجريات اللقاء.

لدور المجموعات أهمية واضحة في المونديال، فهو يمثل مشوارًا كاملًا للمنتخبات التي لا تلعب إلا للتمثيل المشرف، قبل أن تودع البطولة، لكنه للمنتخبات الكبرى لا يكون فقط مؤشرًا على قوة الفريق أو تخبطه، ففي بعض الأحيان، تكمن أهميته في أن يتأهل الفريق منه فقط، حتى لو مر بصعوبات أو قدم أداءً سيئًا، لأن خلال الأدواء الإقصائية، يحدث كثيرًا أن نرى هذا الفريق الذي يعاني صار مرعبًا وصعب المراس، وأحيانًا ينتهي به الأمر في نهائي كأس العالم، أو حتى بطلًا له.