مساء الأربعاء فاز أتليتكو مدريد بالسوبر الأوروبي الثالث في تاريخه على حساب ريال مدريد، حيث نجح رفاق «دييجو كوستا» في قلب النتيجة من الهزيمة 2/1 إلى الفوز 4/2. يُعد هذا الفوز هو الأول للأتليتي على الميرنجي في آخر 15 شهرًا مضت. جاء الفوز في ظروف استثنائية، فهذه هي المباراة الرسمية الأولى التي يخوضها الريال بعد رحيل «كرستيانو رونالدو» ومن قبله «زين الدين زيدان»، كما أنها المباراة الأولى أيضًا في حقبة المدرب الوافد «جوليان لوبيتيجي».

من المبكر للغاية الحكم على تجربة لوبيتيجي الآن، حتى بعدما تعثرت خطواته الأولى في مشواره مع ريال مدريد بهذا الشكل الغريب وأمام الخصم اللدود، وحتى لو كان ذلك التعثر في بطولة ضمن الفريق الملكي الفوز بها مع زيدان عبر الموسمين الماضيين.

لكن في الوقت ذاته،اعترف لوبيتيجي في المؤتمر الصحفي بعد نهاية المباراة أن فريقه بحاجة ماسة لتحسين أدائه في كل النواحي. والملحوظ هنا هو أن جوليان لم يحب أن يرجع الخسارة لأمر واحد محدد، ولكن ترك المجال مفتوحًا. يقودنا تصريح لوبيتيجي لتأمل تلك التحديات التي تنتظره على كل ناحية، سواء كانت تحديات نفسية أو فنية أو بدنية، فثمة عمل يحتاج مدرب ريال مدريد لإنجازه قبل بدء جولات الليجا ودوري الأبطال.

في هذا التقرير، نستعرض بعض التحديات الرئيسية التي قد تعرقل لوبيتيجي في موسمه الأول مع الريال، ونطرح التساؤل: هل بإمكان مدرب إسبانيا السابق تجاوز تلك التحديات وبدء حقبة ناجحة مع الأبيض، أم يستمر هذا التعثر الذي رافق الفريق في مواجهة السوبر الأوروبي؟


صفحة من التاريخ

قبل استعراض تلك التحديات، ينبغي التأكيد على أمرين؛ الأول هو أن ريال مدريد مر بفترة غير اعتيادية مع زيدان، ليس بسبب حصد البطولات الأوروبية وحسب، ولكن لأن مستوى أغلب عناصر الفريق الإسباني لم يصل لهذه الدرجة من التألق الفني والبدني إلا تحت ولايته. فقد قدم الفرنسي أحد أقوى نسخ الريال وأكثرها تماسكًا تحديدًا في موسمه الثاني، وبات الفريق قادرًا على هزيمة الجميع بشخصيته الكبيرة. هذه الفترة من الصعب أن تتكرر، أو بتوصيف أكثر دقة: من الصعب أن تتكرر الآن.

أما الأمر الثاني فهو تأمل ماذا تحصد الأندية بعد نهاية أي حقبة ذهبية في تاريخها، فمثلًا فاز ميلان مع العبقري «أريجو ساكي» ببطولتي أوروبا موسمي 1989 و1990، لكنه خرج في الموسم التالي خالي الوفاض. الإنتر هو الآخر لم يسلم من تلك اللعنة بعد رحيل «جوزيه مورينيو» صاحب الثلاثية التاريخية، إذ فشل النيراتزوري في الدفاع عن لقبي الكالشيو والشامبيونزليج، واكتفى بالكأس والسوبر المحلية، ثم دخل رفاق «زانيتي» في الموسم التالي بدوامة لم يسلموا منها إلى الآن.

الأمر ذاته نجده في برشلونة بعد رحيل الفذ «بيب جوارديولا» وتعيين مساعده «تيتو فيلانوفا» الذي فاز بالدوري فقط، ثم رحل هو الآخر ليدخل البلوجرانا موسمًا شبه صفري جنى فيه السوبر الإسباني فقط. صحيح أن أسباب انهيار كل فريق قد تختلف عن الآخر، لكن تبقى النتيجة النهائية واحدة.

الجدير بالإشارة هنا أن قدرة كل نادٍ على التعافي بعد ذلك الانهيار ارتبطت دومًا بشخصية المدرب الوافد. ذلك المدرب الذي يجيد قراءة ظروف وتحديات فريقه الجديدة وينجح في تجاوزها. في حالة ميلان سنجد أن «فابيو كابيلو» قام بتلك المهمة على أكمل وجه بعد أن حل مكان ساكي، أما في برشلونة فقد تم إسناد المهمة لـ«لويس إنريكي» بعد ذلك الموسم الكارثي المذكور لينجح في محو آثاره في أسرع وقت.

بالمقياس نفسه، فإن مهمة لوبيتيجي الرئيسية حاليًا ليست تقديم موسم استثنائي، بل تفادي أي احتمالية قائمة لانهيار الفريق، وهذه المهمة تبدأ بالتعامل الأفضل مع التحديات التي طرأت على الكتيبة الإسبانية، وقد تعرقل مسيرتها هذا الموسم.


1. غياب عامل الحسم

في ريال مدريد، ليس غريبًا أن ترحل الأساطير دون أن تنال التقدير الكافي. هكذا رحل «راؤول»، ثم «كاسياس»، وقبل أسابيع بسيطة رحل كرستيانو رونالدو بدون أي ضجة تتناسب مع حجمه كلاعب أو حجم ما قدمه للملكي. عمومًا الحديث الآن لا يدور حول التقدير بقدر ما يدور حول التعويض، فلوبيتيجي لم يفقد أحد أفضل مهاجمي العالم وحسب، بل فقد عامل الحسم الأول الذي لعب دورًا محوريًا في كل التتويجات الميرنجي خلال السنوات السابقة.

يراهن البعض على أمرين لا ثالث لهما لتعويض الدون؛ الأول هو قدرة منظومة لوبيتيجي على معادلة القوة التهديفية للبرتغالي، والثاني هو نجاح أسماء كـ ـ«جاريث بيل، بنزيما» في ملء الفراغ الذي خلفه رحيل حامل الكرة الذهبية.

والحقيقة أنه مهما بلغت جماعية أي منظومة فهي بحاجة لعامل حسم قادر على ترجمة جهودها إلى فاعلية هجومية، هذه المهمة كان يتكفل بها رونالدو بنجاح، لهذا يقر أحد أهم مهندسي منظومة الميرنجي «توني كروس» بصعوبة تعويض الخمسين هدفًا التي يسجلها الدون. ليس بسبب عددهم الكبير وحسب، ولكن لأن البرتغالي كان متمكنًا أكثر من أي لاعب مدريدي آخر في الحضور في المواعيد الكبرى والأدوار الإقصائية الصعبة أمام أي خط دفاع.

أما فكرة أن يقوم أحد لاعبي الميرنجي بتعويض البرتغالي فهي بحاجة للمراجعة، صحيح أن إمكانياتهم لا غبار عليها، لكنها أبدًا لن ترقى لقدرات رونالدو التهديفية. فمثلًا بنزيما الذي يتم تحضيره لقيادة هجوم الأبيض كان قد تبدل مركزه في المواسم الماضية لمهاجم وهمي مساند، وهو ما أثر سلبًا بشدة على قدراته التهديفية، يكفي فقط معرفة أنه سجل خمسة أهداف فقط بالليجا الموسم الماضي، وهي نفس الحصيلة التهديفية للاعب الارتكاز كاسيميرو.

طُرح أيضًا اسم بيل بقوة، فالجناح الويلزي يمتلك كل شيء حتى يصبح نجم الفريق الأول، لكن شبح الإصابات الذي يلاحقه يقف حيال تلك الفكرة، حيث تعرض جاريث الموسم الماضي لثلاث إصابات متتالية بين سبتمبر وحتى ديسمبر غاب على إثرها 68 يومًا و14 مباراة.

الخلاصة أن غياب رونالدو يستدعي من لوبيتيجي إعادة رسم خريطة الفريق مرة أخرى، خصوصًا بعدما أصر فلورنتينو بيريز على عدم التعاقد مع مهاجم قوي كـ«كافاني، إيكاردي، أو مبابي».


2. تراجع بدني متوقع

إبان تولي زيدان قيادة ريال مدريد، نشر موقع «بليتشر ريبورت» تقريرًا أشار فيه لصدمة المدرب الفرنسي من مستويات اللياقة البدنية المنخفضة للاعبيه. وكلاعب كان مهووسًا بالحفاظ على قدرته البدنية، وقدم هذا الأداء المذهل بمونديال 2006 في سن الرابعة والثلاثين، فلم يكن زيزو ليسمح باستمرار هذه الحالة المتردية.

لم يضيع الفرنسي أي وقت، وقام باستدعاء المعد البدني الشهير «أنطونيو بينتوس» للعمل ضمن جهازه الفني، يعرف زيدان قوة المعد الإيطالي منذ كان لاعبًا في صفوف يوفنتوس، وقد كان بينتوس عند حسن ظنه بعدما تحول ريال مدريد تدريجيًا لقوة بدنية خارقة، قوة أكلت الأخضر واليابس وابتلعت الجميع.

لكن اليوم يبدو الوضع مختلفًا؛ فبعد ثلاث سنوات من السفر حول أوروبا لخوض المنافسات الصعبة، والعودة إلى إسبانيا من جديد لمزاحمة برشلونة على لقب الليجا، أصبح الفريق المدريدي منهكًا وقد تتعرض عناصره الأساسية لإصابات عضلية في أي وقت.

لك أن تتخيل مثلًا أن ثنائي وسط الريال: «مودريتش، وتوني كروس» قد اشتركا فيما لا يقل عن 118 مباراة بين الليجا ودوري الأبطال فقط خلال الأعوام الثلاثة. هذا دون حساب مباريات كأس الملك، وكأس العالم للأندية، والسوبر الأوروبي ونظيره الإسباني، ودون مباريات اليورو وكأس العالم على الصعيد الدولي.

لا ينبغي أيضًا نسيان أن متوسط أعمار القوام الأساسي الذي بدأ به زيدان رحلته أقل من ذلك الذي يقوده لوبيتيجي الآن، فالفرنسي تسلم فريقًا يلعب فيه مودريتش صاحب الـ30 عامًا، ومارسيلو ابن الـ27، وراموس وهو يمتلك 29 سنة، ورونالدو بعدما أكمل عامه الـ30، أما الآن فقد تسلم جوليان نفس القوام بعد أن ازدادت أعمارهم بثلاث سنوات كاملة غير أنه فقد رونالدو بالطبع.


3. أزمة في خط الدفاع

مر وقت طويل على آخر مرة شهد فيها أنصار ريال مدريد فريقهم يخسر بطولة بسبب أربعة أخطاء دفاعية قاتلة في مباراة واحدة، كان ذلك قبل ليلة الأربعاء بكل تأكيد. لكن في الوقت ذاته، ليس سرًا أن الميرنجي يعاني على المستوى الدفاعي وقد بدا ذلك واضحًا خلال الموسم الماضي تحديدًا، يكفيك أن تراجع ملخص مباراة الإياب أمام يوفنتوس وبايرن ميونخ لتضع يدك على مواطن الضعف.

مشكلة الريال الأولى هي المساحة الشاسعة التي يخلفها صعود مارسيلو دائمًا لتقديم المساندة الهجومية، كان زيدان يكلف كاسميرو بالتغطية خلف مواطنه، لكن ذلك لم يمنع الخصوم من التغوّل في تلك الثغرة. الكرات العرضية أيضًا تحولت لمصدر قلق بسبب التغطية العكسية السيئة لـ«كارفخال»، خصوصًا إذا تميز مهاجم الخصم بالطول والقوة البدنية تمامًا كما فعل «ماريو مانذوكيتش».

الأهم من كل ذلك هو مستوى قلوب دفاع ريال مدريد، صحيح أن «فاران» قدم أداءً رائعًا بالمونديال، لكن لا يبدو أن رفيقه راموس يعيش أفضل أيامه. سيرجيو الذي تحصل على أسوء تقييم في سجله عبر موقع سكوكا، ارتكب أخطاءً دفاعية فادحة في الرقابة والتمركز أدت إلى أهداف في مرماه. كتب «آدم جونز» المحرر بموقع Dreamteamfc بعد خسارة مدريد من إسبانيول في فبراير/شباط الماضي واصفًا راموس بـ«الموظف الذي لا يجيد القيام بمهامه الأساسية على أكمل وجه، فيلجأ لتأدية أعمال إضافية أخرى وينسى وظيفته الأساسية».

تبدو المشكلة أكثر تعقيدًا بالنظر إلى مستوى البدلاء في هذا المركز، حيث يتواجد الثنائي «فاييخو، وناتشو» اللذان لم يقدما المردود المطمئن في أغلب المشاركات، وهو ما يؤكد لنا أن ريال مدريد كان بحاجة للتعاقد مع مدافع قوي هذا الموسم، مدافع يمكن الاعتماد عليه في حالة غياب العناصر الأساسية.


4. بين التشبع والدوافع

هل سألت نفسك يومًا:

لماذا يقاتل لاعبو فريق ما ويظهرون أحرص على الفوز من خصومهم؟

حسنًا، هناك بعض الأسباب أولها هو تحقيق المجد المهني تحت قيادة المدرب. هذا المجد الذي يتمثل في الوصول بمستوياتهم إلى أعلى درجة ممكنة ومطاردة البطولات واحدة تلو الأخرى. أما ثاني الأسباب فهو رمزية المدرب في عيون لاعبيه وقدرته على تجديد طاقتهم مع مرور الوقت. بيب جوارديولا يعد مثالًا جيدًا على النموذج الأول، وأليكس فيرجسون خير من يمثل الثاني.

ماذا يحدث بعد تحقيق المجد الخرافي أو بعد رحيل المدرب ذي الرمزية الكبرى؟

تبدأ حالة من التشبع في الانتشار بين صفوف الفريق. تنعكس سريعًا على الأداء داخل وخارج الملعب. وهذا تحديدًا ما جرى مع عناصر الميرنجي في الموسم الثالث والأخير لزيزو، إذ خسرت الكتيبة الإسبانية نقاط بعض مباريات الليجا بسبب الاستهتار واللا مبالاة والأخطاء الغريبة، وكأنهم اكتفوا بما حققوه من إنجازات وانتظروا أن يجدّ أمر قادر على استفزاز إمكانياتهم من جديد، ولم ينجح في ذلك سوى الشحن الذي سبق مباراتهم مع باريس وقادهم للبطولة الثالثة على التوالي.

لوبيتيجي مسئول بشكل مباشر عن تجديد الدوافع في نفوس لاعبيه، ويبدو أن المدرب الإسباني منتبه لهذه النقطة تحديدًا إذ يؤكد في تصريحاته أن لاعبيه لا زالوا جوعى للفوز بالبطولات رغم كل ما حققوه، لكن كلام جوليان يتعارض مع رحيل الدون، وتفكير مودريتش في اللحاق به، وتفضيل كوفاسيتش وثيو هيرنانديز للإعارة على دكة بطل أوروبا.

الأكيد أن لوبيتيجي يقصد الرهان على لاعبين كداني سبايوس، وفينيسيوس جونيور، وأسينسيو إلى جوار الحرس القديم، فهل يفلح رهانه؟