دائمًا ما يتساءل مشجع كرة القدم عن مكمن متعة تلك اللعبة؛ هل تكمن المتعة في النهاية أم في الأحداث والتفاصيل التي تقودك إليها؟

المباراة أقرب إلى عرض مسرحي، يأتيه الجمهور من كل حدب وصوب للاستمتاع بتفاصيله أولاً ثم الاحتفال بفوز بطلهم ثانيًا. فكان عام 2018 مثيرًا في أحداثه، صادمًا في نهاياته، لأن ذلك المشجع الباحث عن المتعة لم يجد من ينصفه.

انتهت البطولات الكبرى في هذا العام بفوز ريال مدريد بدوري الأبطال، وأتلتيكو مدريد باليوروباليج، وفرنسا بكأس العالم، وجميعهم كان يلهث فقط وراء الفوز حتى لو جاء قبيحًا. حتى على مستوى الإنصاف في جوائز الأفضل، قرر الفيفا تجاهل الأفضل حتى وصل بهم الهزل لاختيار تشكيلة العام دون ثالث أفضل لاعبي العالم، محمد صلاح.

وعلى الرغم من كل ما سبق، إلا أن تفاصيل عام 2018 شهدت كثيرًا من التحولات التكتيكية التي تستحق تسليط الضوء عليها آملين أن يكون العام الجديد منصفًا لبعضهم.


1. الظهير المقلوب أم الكلاسيكي؟

أنفق مانشستر سيتي أمواله في صيف العام الماضي لتدعيم خط دفاعه، وتحديدًا مركز الظهير. فتعاقد مع «كايل والكر»، و«بينجامين ميندي»، و«دانيلو» من أجل دكة الاحتياط. ثم باغتهم «ميندي» بإصابة طويلة المدى وضعت الجانب الأيسر في مأزق، فقرر جوارديولا الدفع بلاعب الوسط «فابيان ديلف» في هذا المركز ولكن بتعليمات جديدة.

كان «ديلف» أقرب إلى الظهير الوهمي، لأنه لم يكن متواجدًا على الخط الجانبي طوال الوقت. كان اللاعب الإنجليزي يتحرك إلى الداخل لينضم إلى وسط الملعب – بجوار فيرناندينيو – في حالة الاستحواذ. ليمنح فريقه خيارًا إضافيًا للتمرير في عمق الملعب، وتاركًا الخط الجانبي لزميله «ليروي ساني». حتى «والكر» على الجانب الآخر كان ينضم إلى عمق الملعب أيضًا، وكان السبب هو أن يشكل مع «ديلف» حائط الصد الأول لحماية فريقه من المرتدات، لأن جوارديولا لم يكن مهووسًا فقط بخلق المساحات، بل والسيطرة عليها أيضًا.

استمر الانبهار بالظهير المقلوب حتى النصف الأول من العام، حتى حضر الظهير الأيسر لليفربول «أندي روبيرتسون» بأدائه الكلاسيكي. الإسكتلندي لا يتوقف عن الركض أبدًا، يحرس الجانب الأيسر ذهابًا وإيابًا دون الحاجة للتواجد في عمق الملعب، يجيد التصرف بالكرة، يصعد كثيرًا لعمل الـ«Overlap» وإرسال العرضيات، والأهم من ذلك هو رتمه العالي في الضغط، لذلك استحق لاعب هال سيتي السابق خطف الأضواء نهاية العام.


2. البحث عن مساحات جديدة

اعتاد متابعو اللعبة على سماع مصطلح «Zone 14»، والذي يُقصَد به تلك المساحة أمام منطقة الجزاء بين لاعب الارتكاز وقلبي الدفاع. واعتبرها كثير من المدربين الأخطر، والسيطرة عليها تعادل السيطرة على المباراة، لكن في عام 2018 قرر بيب جوارديولا تحويل الخطورة إلى منطقة أخرى.

اعتمد مانشستر سيتي على تمديد الملعب بالعرض بتثبيت جناحيه «ستيرلنج» و«ساني» على الأطراف لسحب ظهيري الخصم، بينما يتكفل «أجويرو» بحجز قلبي الدفاع. وبذلك يتم خلق الفراغ بين الظهير وقلب الدفاع. تحديدًا في تلك المنطقة الطولية بين خط منطقة الـ18 وخط منطقة الـ6 ياردات، وعلى امتداد 10 ياردات خارج منطقة الـ18، والتي أصبحت تسمى «Cross-Way zone»، وقد سبق لـ تشيلسي استغلالها في العام السابق.

الفارق أن تشيلسي كان يستغلها باستخدام أجنحته الهجومية «هازارد وبيدرو»، أما جوارديولا فاستغلها باستخدام ثنائي الوسط «دافيد سيلفا» و«كيفين دي بروين». حيث تحول هذا الثنائي من صناعة اللعب في المركز 10 إلى ما أطلق عليه «free no.8». كان المركز الجديد أقرب إلى الشمول، حيث شارك كلا اللاعبين في مهام البناء الهجومي من الثلث الأوسط إلى التحكم في رتم اللعب، وصناعة اللعب المباشر في ثلث ملعب الخصم، وأيضًا التسديد وإنهاء الهجمات، نهايةً بالضغط بمجرد فقد الكرة. ما قام به جوارديولا رفقة نجميه الإسباني والبلجيكي كان يستحق مزيدًا من الإنصاف في هذا العام.


3. كلنا «مسعود أوزيل»

لعل أبرز ما شهدته 2018 هو ازدياد الهوس نحو أساليب اللعب الهجومية، وفي المقابل لم تعد الكرة الدفاعية تلقى نفس الشعبية التي اعتادتها. ففي إنجلترا ولأول مرة، تمر أعياد الميلاد والمدربون: سام ألارديس، وألان باردو، ومارك هيوز، ودافيد مويس، وستيف بروس يتواجدون في منازلهم بلا عمل. حتى جوزيه مورينيو أقيل من منصبه في مانشستر يونايتد.

لكن يظل التحول الأبرز هو نادي تشيلسي، الذي قرر الخروج من عباءة الكرة الدفاعية التي عرف بها منذ أن اشتراه الروسي «رومان أبراموفيتش» – والتحول إلى فلسفة «ساري» الهجومية. يعد ساري واحدًا من المتأثرين بأفكار «مارسيلو بييلسا» على غرار جوارديولا، وهؤلاء جميعًا أصابهم الهوس بصناعة اللعب حتى لو كلفوا قاطع الكرات أو حارس المرمى بتلك المهمة.

عدل «ساري» من مركز «نجولو كانتي»، ليلعب مائلاً لليمين تاركًا عمق الملعب لـ«جورجينيو» أحد أفضل الممررين في أوروبا. في تقرير لـ صحيفة التليجراف البريطانية، أظهرت الإحصائيات انخفاضًا في معدلات اللاعب الفرنسي على مستوى العرقلة، وقطع الكرات، وفي المقابل زاد معدل صناعته للفرص، والتسديد، والكرات التي يلمسها داخل منطقة الـ18. كافأ «كانتي» مدربه بتأقلمه تدريجيًا على الدور الجديد، وأحرز هدفًا مهمًا في مرمى مانشستر سيتي ليمنح ساري فوزه الأول على جوارديولا.

إحصائيات «نجولو كانتي» (لكل مباراة) تحت قيادة ساري

أما جوارديولا، فقد سبق ساري بعمل أمر مماثل، عندما أشرك حارسه البرازيلي «إيديرسون» في البناء من الخلف، والتخلص من الضغط العالي بتمريراته الطولية المتقنة. وكانت النهاية بصناعة حارس بنفيكا الأسبق لهدف في مباراة فريقه أمام هادرسفيلد تاون، ليبدأ المحللون بالتركيز على ذلك التغير في مهام حراسة المرمى.

اقرأ أيضًا: حراسة المرمى: صناعة اللعب طريقك للتخلص من ملل الوحدة.

4. كلوب يستمع إلى كارمن

كرة القدم, 2018, نجولو كانتي, كرة القدم العالمية
كرة القدم, 2018, نجولو كانتي, كرة القدم العالمية

بنهاية العام يبدو «يورجن كلوب» هو أكثر المدربين سعادة، لأن فريقه بات الأكثر توهجًا في الوقت الحالي. يتربع الريدز على صدارة البريميرليج بفارق مريح عن أقرب منافسيهم برصيد خالٍ من الهزائم. في بداية العام، كان ليفربول أشبه بمجموعة من الكلاب البوليسية، تركض كالمجانين خلف الكرة. المدرب الألماني لم يكن يرى أمامه سوى الضغط العالي.

في مباراة الدور الثاني ضد مانشستر سيتي، كان ليفربول مهيمنًا على اللقاء ومتقدمًا بأربعة أهداف مقابل هدف. ومن دون سابق إنذار، انخفض رتم ليفربول في العشر دقائق الأخيرة، ليفسح المجال أمام لاعبي السيتي لتقليص النتيجة بل وتضييع فرصة التعادل. الرتم العالي المتواصل كان يستنزف لاعبيه، فبدأ بإدراك الأمر في مباراتيه ضد نفس الفريق في دوري أبطال أوروبا، ورأينا ليفربول يتراجع إلى الوراء ويدافع من مناطقه.

قد يكون «كلوب» أدرك ذلك الشيء الذي يدفع المتزحلقين على الجليد لأداء عروضهم على أنغام «كارمن». وفقًا لـ«هوجو شوينار» مصمم المقطوعات الموسيقية من أجل التزحلق – فإن كارمن تمنح المتزحلق إيقاعًا متنوعًا. تبدأ بإيقاع سريع، ثم بطيء كي يرتاح قليلاً ويعد نفسه للختام، حيث تمنحك إيقاعًا سريعًا مرة أخرى لإنهاء العرض بقوة، وهذا تحديدًا ما كان يفتقده مدرب دورتموند السابق.

اليوم تشاهد كلوب يلعب بضغط متوسط «mid. block» وينوع بينه وبين الضغط العالي كي لا ينهار لاعبوه. أيضًا يغير بين 4-3-3 و 4-2-3-1 التي صنع بها مجده السابق في بروسيا دورتموند. والآن وبفضل هذا التحول، بات ليفربول مرشحًا فوق العادة للفوز بالدرع الذهبي، ومن يدري ماذا سيحدث إذا تجاوز بايرن ميونيخ في دوري الأبطال؟