عندما نتحدث عن تاريخ المملكة العربية السعودية، فنحن نتحدث بالضرورة عن الحقبة التاريخية الحديثة والمعاصرة، حيث لم تتمتع الرقعة الجغرافية الكائنة عليها المملكة في الوقت الراهن بسردية تاريخية موحدة بعد عصر صدر الإسلام، نظرًا للغياب الطويل للوحدة السياسية على أرضها، وانقسامها تحت حكم تابعيات ومشيحات وإمارات عدة.

بين السردية الرسمية وروايات الخصوم السياسيين والدينيين ودراسات المستشرقين والباحثين الغربيين، تناولت العديد من المؤلفات التاريخية تاريخ المملكة العربية السعودية، من بين كل هذه الكتابات والسرديات المختلفة قد يصعب على القارئ والباحث العربي أن يحدد أفضل المصادر التاريخية التي تتناول التاريخ الحديث والمعاصر للعربية السعودية بشكل موضوعي وموثق، وهذه محاولة منا لترشيح أهم وأفضل المصادر في هذا الإطار.


1. كتاب «تاريخ نجد» لابن غنام

يتكون كتاب «تاريخ نجد» لحسين بن أبي بكر بن غنام المتوفى سنة 1225هـ من جزءين، الجزء الأول يحمل عنوان: روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام، أما الجزء الثاني، فهو بعنوان: كتاب الغزوات البيانية والفتوحات الربانية.

يعد كتاب ابن غنام بمثابة رواية مباشرة للأحداث التي عاصرها المؤلف الذي تتلمذ على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولذلك فهو يعد من أهم المصادر التي تؤرخ للدولة السعودية الأولى التي تأسست من خلال التحالف الذي انعقد بين محمد بن سعود أمير الدرعية والشيخ محمد بن عبد الوهاب مؤسس الدعوة الوهابية.

ولد حسين بن غنام في المبرز في الأحساء، ويقول عنه المؤرخ السوري خير الدين الزركلي في ترجمته عنه في كتابه «الأعلام»: «حسين بن غنام، أو ابن أبي بكر بن غنام، النجدي الأحسائي: مؤرخ. مالكي المذهب، شاعر فحل كان عالم الأحساء في عصره، وأقام بالدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى وتوفي بها. له مصنفات، منها (العقد الثمين في شرح أصول الدين)»، وقد توفي بن غنام ودفن في الدرعية في عام 1225هـ عن عمر ناهز 73 عامًا.

يتناول الجزء الأول من مؤلف ابن غنام الواقع الديني والعقائدي في الجزيرة العربية، والممارسات السائدة في ذلك الوقت قبل انطلاق دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي واجهت كل ذلك لاحقًا، ويتضمن ذلك الجزء أيضًا تأريخ لسيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحياته، أورد خلاله العديد من رسائله ومكاتباته، وبعض فتاويه الفقهية وتفسيره لسور وآيات من القرآن الكريم.

ويتناول الجزء الثاني التاريخ العسكري و الأحداث السياسية الهامة خلال الفترة التي عاصرها من حكم الدولة السعودية الأولى، وانتهج في هذا الجزء منهج كتاب الحوليات في تدوينهم للوقائع والأحداث.


2. كتاب «عنوان المجد في تاريخ نجد» لعثمان بن بشر

الكتاب الثاني في هذا السياق، هو رواية مباشرة أيضًا للأحداث للمؤرخ والأديب عثمان بن بشر الذي عاصر الدولة السعودية الأولى والثانية، والذي تتلمذ على يد الشيخ إبراهيم بن محمد بن عبد الوهاب، وجملة علماء آخرين في مدينة الدرعية التي سافر إليها لطلب العلم الشرعي.

ينتمي بن بشر إلى قبيلة بني زيد النجدية، انتقلت أسرته قديماً من (شقراء) إلى (عودة سدير) ثم انتقلوا إلى قرية (جلاجل)،حيث ولد بن بشر على أرضها سنة 1210 هـ، ثم انتقل إلى الدرعية سنة 1224 هـ، ليتلقى العلم على يد علمائها. قبل أن يعود مسقط رأسه مرة ثانية حيث توفي هناك في عام 1290هـ. ألف ابن بشر العديد من المؤلفات الأخرى بجانب كتابه الشهير عن تاريخ نجد ومنها:

1. كتاب عن الخيل اسمه (سهيل فيما جاء في ذكر الخيل) ألفه ابن بشر بطلب من الإمام فيصل بن تركي أحد حكام الدولة السعودية الثانية.

2. الإشارة في معرفة منازل السبع السيارة، وهو أول مصنف متخصص في علم الفلك ألّف في نجد.

3. بغية الحاسب.

4. رسالة صغيرة عن سيرة يوسف بن عبد المحسن البدري الوائلي أحد أعيان الكويت.

5. فهرس طبقات الحنابلة لابن رجب على حروف المعجم.

6. مرشد الخصائص ومبدأ النقائص في الطفيليين والثقلاء.

يؤرخ كتاب «عنوان المجد في تاريخ نجد» للفترة من عام 1157 وينتهي بعام 1267هـ، وينقسم إلى جزأين ، ويعتمد بشكل كبير على الروايات الشفهية، والمشاهدات والمواقف التي عايشها المؤلف بنفسه، ويتميز بطابعه الذي يتجاوز السرد إلى تحليل الوقائع والأحداث، كما يعطينا مؤلف ابن بشر وصفًا مفصًلا للعلاقات بين الدولة وجوارها الإقليمي في شبه الجزيرة العربية ولاسيما في عمان واليمن، ويقدم لنا تدوينًا تاريخيًا مهمًا لحركة القرصنة في الخليج العربي خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.


3. كتاب «تاريخ نجد الحديث وملحقاته» لأمين الريحاني

يعد هذا الكتاب هو السيرة الرسمية تقريبًا لنشأة الدولة السعودية وتاريخ آل سعود وآل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، حيث يعتمد سرده للأحداث بشكل مباشر على ما رواه الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة بلسانه للأديب والمؤرخ أمين الريحاني، الذي ألف هذا الكتاب في عام 1927م.

أمين الريحاني هو من مواليد بلدة الفريجة في جنوب لبنان في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1876 م لأسرة مسيحية مارونية ، وهو كاتب ألمعي متعدد المواهب حيث كان رحالة ومؤرخًا ورسام كاريكاتير وأديبًا وشاعرًا ومفكرًا ورجل سياسة.

بدأ الريحاني في عام 1922 رحلته للجزيرة العربية التي قابل خلالها شريف مكة الحسين بن علي والإمام يحيى حميد الدين إمام اليمن وعبد العزيز آل سعود سلطان نجد وملحقاتها في ذلك الوقت، وشيوخ الكويت والبحرين. على إثر تلك الرحلة ألف الريحاني كتاب ملوك العرب عام 1924، وفي عام 1927 أصدر كتاب تاريخ نجد الحديث.

يتألف كتاب «تاريخ نجد الحديث وملحقاته»، من ثلاثة أقسام رئيسية، يتناول القسم الأول جغرافية نجد وعرض لبلداتها وقراها ومدنها، ويتناول القسم الثاني، سيرة مؤسس الدعوة الوهابية الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومسيرته ومسيرة دعوته، ويتناول أخيرًا في القسم الثالث سيرة آل سعود وتاريخهم السياسي، ويتضمن جداول مفصلة بأسماء أمراء آل سعود.


4. كتاب «المملكة من الداخل: تاريخ السعودية الحديث» لروبرت ليسي

بشهادة الكثير ممن قرءوه يعد هذا الكتاب من أفضل الكتب التي تناولت التاريخ المعاصر للمملكة العربية السعودية، حيث استطاع مؤلفه الصحفي والمؤرخ البريطاني روبرت ليسي أن يجمع تفاصيل دقيقة عن الداخل السعودي جعلته يرسم في كتابه صورة متقنة عن العلاقات والتقاليد الاجتماعية ودوائر صناعة القرار والمكونات المختلفة الثقافية والدينية والسياسية للمجتمع هناك.

جدير بالذكر أن كتاب ليسي قد تعرض للحظر في المملكة، وهو ليس الحظر الأول الذي تتعرض له مؤلفات هذا الكاتب في السعودية، حيث تعرض كتابه المنشور في عام 1982 بعنوان «المملكة» للحظر أيضًا بسبب تعرضه للخلافات التي نشبت بين أبناء الملك عبد العزيز وتحديدًا بين الأميرين والعاهلين السابقين للمملكة ( فيصل وسعود).

بعد أكثر من عقدين من حظر كتابه، عاد ليسي إلى المملكة في عام 2006، حيث استطاع بترتيب من الأمير أحمد بن عبد العزيز نائب وزير الداخلية في ذلك الوقت، أن يحصل على إقامة تحت مهنة مؤلف، وهي ربما المرة الأولى والأخيرة التي يقيم فيها أجنبي داخل المملكة تحت هذا المسمى بحسب ما يشير ليسي.

مكث ليسي داخل المملكة لمدة ثلاث سنوات سافر فيها في مختلف أنحائها، والتقي برموز من مختلف الأطياف الفكرية والمذهبية والاجتماعية هناك، كما قدم وتناول في كتابه العديد من الشخصيات الشهيرة هناك أيضًا من أبرزهم جمال خاشقجي، أسامة بن لادن، فؤاد الفرحان، ومنصور النقيدان.

استطاع ليسي من خلال هذا العمل الميداني أن يقدم في كتابه كمًا هائلًا من التفاصيل الثرية والدقيقة والمثيرة عن الواقع المعاصر للمملكة العربية السعودية، وأن يقدم سردية متقنة وماتعة عن الأحداث والوقائع الشخصيات والتناقضات الاجتماعية والسياسية داخل المملكة .


5. كتاب «السعوديون والحل الإسلامي» لمحمد جلال كشك

رغم ما قد يتبادر إلى ذهن الكثيرين، بسبب عنوان هذا الكتاب، الذي قد يوحي بشيء من الدعاية للنظام السياسي القائم في المملكة العربية السعودية، إلا أن هذا الكتاب هو أحد أهم الكتب والمصادر العربية عن تاريخ الدولة السعودية الأولي والثانية والثالثة.

مؤلف هذا الكتاب هو الكاتب الصحفي المصري المعروف محمد جلال كشك، الذي كان ينتمي في السابق إلى الحزب الشيوعي المصري وكان أحد مؤسسيه، ثم مر بمنعطفات فكرية قادته بنهاية المطاف إلى التحول إلى الفكر الإسلامي.

كشك من مواليد محافظة سوهاج بلدة المراغة عام 1929، وكان والده يعمل قاضيًا في المحاكم الشرعية، تلقى كشك تعليمه في القاهرة، وكان له نشاط سياسي كبير داخل العمل الطلابي في نهاية الأربعينيات ومطلع خمسينات القرن الماضي، وتعرض للاعتقال في تلك الفترة، وقد مارس كشك العمل الصحفي وتعرض خلال الفترة الناصرية للمنع من الكتابة بسبب جرأته في النقد وتجاوزه للخطوط السياسية الحمراء في ذلك الوقت.

النهج الإسلامي الذي ينحاز إليه كشك والذي يتقاطع مع النشأة التاريخية للدولة السعودية الأولي، هو ما يفسر عنوان هذا الكتاب، الذي يتجاوز السرد إلى النقد والتحليل، مع الاعتماد على العديد من المراجع والمصادر المختلفة، وكذلك على عدد وافر من الوثائق والمراسلات والتقارير الرسمية.

جدير بالذكر أن هناك بعض الانتقادات التي وجهت إلى الكاتب بسبب مدحه الزائد للملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة بشكل قد ينأى عن الموضوعية بحسبهم، ولكن رغم ذلك لم يمنع هذا الانتقاد معظم هؤلاء من الثناء على مجمل الكتاب وثراء محتواه.