مر عام كروي سريع، وانتهت الحقبة التي تتزين فيها الأرقام العشرية الأولى بجانب العام 2000، وحل عام 2020 الذي كنا نظن في طفولتنا أنه من المستحيلات.

لم نتمكن من اكتشاف طائرات تصلح للاستخدام والانتقال الشخصي بعد، أي أنها لم تستبدل بالسيارات العادية، ولم يصبح التواصل بين البشر عن طريق الأفكار لا الكلمات، ورحلة القمر لم يتم تسعيرها لكل مواطني العالم، لكننا على الأقل اكتشفنا أن «ليونيل ميسي» يستطيع التفوق على الفضائيين في أحيانٍ كثيرة.

خلال ذلك العام طرأ العديد من الأحداث المثيرة، والتي كان يجب أن تُشكل عامًا كرويًّا مثمرًا من الشغف والمُتعة وكل تلك المُصطلحات الرنانة، لكن العجيب أنه في ختام أشهره زُينت فيه الأخبار بفرضية «فقدان كرة القدم لشغفها وشعبيتها»، فكيف ذلك؟

1. أسد الدوري الإنجليزي يتحول إلى ليفربول

في ختام العام الماضي، كان أحد أبرز الأحداث في كرة القدم الإنجليزية: هو قيام فريق ليفربول ومُدربه، «يُورجن كلوب»، بإيقاف قطار فريق مانشستر سيتي المحلي، والذي كان يسير نحو اللقب بدون أي هزيمة، حيث تمكن رفاق المصري «محمد صلاح» من إلحاق الفريق السماوي بالخسارة الأولى، والتي كانت على ملعب أنفيلد، في ظل صحوة غير طبيعية لـ«سيتيزنس»، كُللت في الختام بلقبي دوري إنجليزي متتاليين.

تم الاحتفال بآخر ألقاب مان سيتي في آيار/مايو من العام 2019، لكن في الشهور الأخيرة من نفس العام، انعكست الآية، وأصبح القطار المُنطلق نحو اللقب وبلا تراجع، هو قطار الـ«ريدز»، لكن هذه المرة لم يكن للركن الأزرق من مدينة مانشستر فرصة إيقاف ذلك القطار.

لعب أبناء المُدرب الألماني قرابة 20 لقاءً خلال النصف الأخير من عام 2019، لم يعرفوا في أي منهم طعم الهزيمة، وتمكنوا من تكرار إنجاز العام الماضي: في التفوق على رجال «جوارديولا»، بثلاثة أهداف مقابل هدف وحيد، في لقاء الدور الأول من موسم 2019/20، لتتجه كل الإشارات في اتجاه واحد فقط: أن لقب الدوري الإنجليزي بنظامه الحديث، آن أوانه أن يزور ملعب أنفيلد، وأن تتراقص أشرطة الكأس الخالدة على أنغام الأنشودة الخالدة لجماهير الريدز: «لن تسير وحدك أبدًا».

لا يتبقى إلا هاجس واحد فقط يُخيف الجماهير على ضفة نهر «ميرسيسايد» هُناك، أنه، ومنذ عام 2008، لم يُنهِ فريق إنجليزي السنة الميلادية وهو في قمة الترتيب المحلي، إلا واحتفظ باللقب في نهاية الموسم نفسه، عدا ثلاث مرات فقط، كل المرات الثلاث كانت من نصيب ليفربول!

2. هل يكون هو عام نهاية أسطورة «جوارديولا» التدريبية؟

في ختام موسم 2018/19، تسابقت الألسنة والأقلام في مدح ما قام به فريق ليفربول في مواجهة القوة الخارقة لفريق مانشستر سيتي، حيث نجح الأخير في الظفر باللقب الثاني على التوالي من أمام فريق تمكن من تحقيق 96 نقطة من أصل 114 متاحين، وبفارق نقطة واحدة فقط.

الأكيد أن انقسام الآراء حينها كان بين قوة عناصر مانشستر سيتي أنفسهم، وبين الهاجس النفسي الذي تسبب في تعطل ليفربول في بعض الأحيان، لكنه كان نادرًا أن تظهر آراء تنتقص من عمل «بيب»، وسواء كان ذلك النجاح منقطع النظير -محليًّا- يعود إلى قوة عقله التكتيكي أم لقوة نظام فريقه، فله فضل يصعب نكرانه في كل ذلك النجاح.

الآن، ونحن نودع عام 2019، يتساءل كثيرون حول ذلك العقل الذي يملكه المُدرب الإسباني. يمكن الاعتقاد أنه قد تاه في مرض «التفكير الزائد» وما يجب أن يقدمه فريقه بشكل مُعقد ومختلف عن البقية، ويمكن كذلك اتهامه وفريقه بالتشبع، أو انعدام الرغبة، لكن الأكيد أن الرحلة داخل مدينة مانشستر لن تطول أكثر من شهور بسيطة.

3. «رونالدو» يودع سباق الحذاء الذهبي للأبد؟

يعاني الأرجنتيني «ميسي» من أجل الحصول على القمة في سباق الحذاء الذهبي للعام 2019/20، وفي الغالب سينتهي المطاف بخسارة جديدة للقب فردي مُفضل لليو، وما سيجعلها خسارة صعبة أنه يبعد عن تلك الصدارة بحوالي 12 نقطة أي ستة أهداف كاملة، لصالح المُهاجم البولندي «ليفاندوفيسكي»، لكن ما يجعل الصراع مميزًا لهذا العام، هو احتلال «كريستيانو رونالدو» للمركز الـ 19 في ترتيب ذلك السباق.

في بداية الشهر الأخير من عام 2019، أصدرت شبكة «Fox sport» تقريرًا يُشير إلى كارثية تواجد رونالدو في الترتيب رقم 143 لهدافي العالم، نجح البرتغالي في آخر الشهر نفسه في دخول المراكز الـ 20 الأولى، لكن ألا تظل هناك كارثية في الأمر؟

يتفوق على رونالدو أسماء كثيرة مجهولة للأغلب مثل «جونيور مورايس» من شاختار الأوكراني و«باستون داكا» من ساليزبرج النمساوي، بالرغم من وجود فارق في طريقة حساب نقاط كل منهم، حيث يتم ضرب عدد أهداف رونالدو x2، لإيجاد مجموع نقاطه، بينما أهداف كلا الاسمين المذكورين تحسب بضرب عدد الأهداف x1.5 فقط، ومع ذلك يتفوقان على ماكينة الأهداف البرتغالية.

وأيًّا كانت نتيجة ذلك السباق في نهاية المطاف، لكن الأكيد أنها تعتبر إشارة ضخمة لانتهاء أسطورة رونالدو التهديفية بما لا يدع مجالًا للشك، حتى وإن كان ما زال قادرًا على إحراز أهداف بطريقة خرافية، لكنها لم تعد بالكثرة ذاتها.

4. لايبزيج يعلن السيطرة على ألمانيا

واستمرارًا في الحديث عن النهاية، فإن الوافد حديثًا إلى الدوري الألماني، فريق لايبزيج، قد تمكن من إنهاء سيطرة على قمة الدوري الألماني في فترات الأعياد، كانت قد استمرت حوالي 10 سنوات. فمنذ عام 2010، لم ينجح فريق في إنهاء العام الميلادي وهو مُتصدر للترتيب المحلي عدا قوتي العصر الحديث في ألمانيا: بايرن ميونخ وبوروسيا دورتموند.

كان التفوق الأخير لفريق باير ليفركوزن في صدارة موسم 2009/10، وهو موسم انتهى بفوز بايرن ميونخ باللقب، كالعادة. لكن منذ تلك المرة، قاد عملاق بافاريا القمة المحلية في فترة عيد الميلاد في سبعة مواسم، بينما كان لفريق دورتموند حق الصدارة مرتين فقط في 2010/11 و2018/19.

هل يستمر ذلك التفوق لنهاية الموسم لنرى بطلًا جديدًا يكسر النمطية المعتادة في ألمانيا؟ أم سيعود بايرن ميونخ، كأي بطل خارق في أفلام هوليود، ليحقق لقبه المُفضل من جديد؟

5. شغف الكرة الضائع

لا يمكن اعتبار ذلك حدثًا بالقدر الذي يمكن اعتباره به نتيجة لعدة أحداث تمت لهذه اللعبة خلال السنين الأخيرة، ربما العقد الأخير تحديدًا، كان ذروة تلك الأحداث. قبل انتهاء عام 2019 بشهرين، في تشرين الأول/أكتوبر، تحدث «أندريا أنييلي»، رئيس نادي يوفنتوس الإيطالي، عن خطورة ما تُهدد مصير اللعبة الأكثر شعبية في العالم، وهي خسارة تلك الشعبية مقابل أشياء أخرى أقل معرفة وجماهيرية أخرى، كألعاب الفيديو مثل «فورتنايت».

لم يؤخذ حديث أنييلي باعتباره تهديدًا من رئيس أحد أندية القمة في العالم، بل لأنه رئيس رابطة الأندية الأوروبية، والذي يُطالب بتفعيل بطولة جديدة تجذب مزيدًا من المشاهدين من أجل اللحاق بتلك الأزمة التي تُهدد صناعة كرة القدم، وليس كرة القدم كلعبة.

منذ مدة ليست بالبسيطة تحولت اللعبة التي قامت على المشاعر كعامل أول إلى صناعة أرقام وأموال، اهتمت بشكل كبير بعدد المشاهدات وقيمة ما يعود من تلك المشاهدات، ودون الخوض في أسباب ذلك، يجب الاعتراف بأنها حقيقة نراها يوميًّا ومع كل دقيقة نشاهد فيها تلك اللعبة.

يملك الدوري الإنجليزي عقدًا حاليًّا لبث مباريات الدوري الممتاز بقيمة تتخطى 5 مليارات باوند إنجليزي، عقد يعتمد بالكامل على عدد المشاهدين فقط! ونسبة تسويق ما يُعرض على الشاشة، حتى لو كانت قيمة كرة القدم في ذلك ضعيفة بعض الشيء، أو غير موجودة أصلًا.

بطبيعة ذلك الحال، تحولت كرة القدم من مجرد لعبة، إلى صناعة، وعليه يأتي تهديد أنييلي لهذه الصناعة من صناعات أخرى.