لفترة ما اعتقدت أن المبدع الإنجليزي «كريستوفار نولان» قد أخرج من عباءة الأبطال الخارقين Super Heroes أكثر ما يمكن إخراجه من فلسفة وأفكار وألعاب عقلية عبر ثلاثيته فارس الظلام Dark Knight، والتي بلغت ذروتها في الجزء الأوسط مع الإبداع غير المسبوق للراحل «هيث ليدجر» في دور «الجوكر» والذي مثل في صراعه مع «باتمان» جدلًا فلسفيًا ساطعًا حول طبيعة الخير والشر، وإعادة وضع مفهوم «الشر» نفسه داخل الإنسان وداخل المجتمع تحت المسائلة العميقة.

هذا الاعتقاد انهار بالنسبة لي بعد مشاهدتي لفيلم «Batman v Superman» للمخرج الأمريكي «زاك سنايدر» العام الماضي، حيث أخذ سنايدر الجدال لمنطقة جديدة تمامًا، قام فيها بتفكيك عالم الأبطال/ الأشرار الخارقين كما عهدته ثقافة البوب «Pop Culture» منذ عقود وأعاد تركيبه بشكل مختلف تمامًا قدم فيها كل عنصر بشكل جديد وطازج وجرئ للغاية، بداية من «جيمي أولسن» مصور الديلي بلانت الذي عهدناه شابًا صغيرًا أحمق ذا شعر برتقالي ووجه مليء بالنمش، والذي أصبح عميلًا لـ CIA في نسخة «سنايدر» وقتله في أول خمس دقائق من الفيلم، مرورًا بـ «ألفريد» الذي أصبح أبعد ما يكون عن صورة الخادم الإنجليزي الأرستقراطي وأصبح نصف «مرتزق» بملابس الميليشيات التي يرتديها، ونصف «سيد» فنجد أن «بروس وين» هو من يصنع له القهوة وليس العكس، وليس انتهاءً بـ«بات مان» الذي ظهر بصورة وزي وطريقة حديث غير التي عهدناها على الإطلاق، ولا بـ «ليكس لوثر»، الذي ظهر كـ«مارك زوكربرج» في هيئة أبعد ما تكون عن ليكس الضخم الأصلع تايكون «متروبوليس» الشهير.

كل ذلك ليخدم جدلية جديدة تدور حول علاقة «الإنسان» بـ«الإله»، الأول، الذي يجسده سليل البشر «باتمان» والثاني، الذي يرمز إليه ذلك المطلق، كلي القدرة، القادم من السماء «سوبرمان».

ولذلك كانت لديّ توقعات عالية للغاية من الجزء الثالث من نسخة سنايدر –بعد Man of Steel، وBatman v Superman- وهي التي خابت بشدة بعد مشاهدتي Justice League، وخصوصًا أن سنايدر لديه رصيد قوي من الأفلام الفلسفية العميقة التي يوظف فيها بشكل ذكي للغاية مفردات الثقافة الشعبية في خدمة قضايا فكرية مهمة، وربما أبرزها بالنسبة لي فيلمي 300 (عام 2007) وWatchmen (عام 2009).

ما شاهدته كان فيلما أكشن لطيفا للغاية جمع مجموعة واسعة من الأبطال الخارقين في قصة مكررة، يجمع فيها «باتمان» باقي الأبطال «المرأة الخارقة، فلاش، أكوا مان، سايبورج» لمواجهة شر فضائي مستطير «يجسده ستيبن وولف في شكل تقليدي للغاية»، ويسعى فيه لإعادة إحياء سوبرمان الذي مات في الجزء السابق من أجل مساندته في مسعاه، كل ذلك في غياب تام لأي أفكار فلسفية عميقة، ودون اللمسة الذهبية لـ«كريستوفر نولان» –كمنتج تنفيذي مثل الحال في الجزء السابق – وأيضًا بدون الموسيقى الملحمية العظيمة لـ«هانز زيمر» الذي افتقدتها بفداحة أثناء تواجدي في صالة العرض.

فعلى الرغم من المساحات الجدلية الواسعة في القصة والتي كنت أنتظر وجهة نظر سنايدر فيها بنهم شديد، ومنها تفسيره لرغبة الإنسان عموما في إعادة إحياء «الإله» دومًا، وميل البشر عمومًا إلى الانتحار الجماعي والتدمير الجمعي إثر انسياقهم لرغبات فردية وسلطوية تقودها حفنة نخبوية منهم، وأيضًا فكرة «البطل المختبئ تحت الأرض وخارج إطار الزمن» ليعيد التوازن دوما للأرض بعد مغامرات النخبة التدميرية «المرأة الخارقة – حضارة الأمزونيات، أكوامان- حضارة أتلانتيس)، إلا أن أيًا من ذلك لم يقترب منه سنايدر مما شكل بالنسبة لي علامة استفهام ضخمة للغاية، والتي ربما أرجع الإجابة عليها إلى ضغوط قد مارستها عليه أستوديوهات الإنتاج العملاقة من أجل الخروج بعمل مثير وخفيف مناسب للتيار الجمعي الاستهلاكي، بعيدًا عن فلسلفة أو سفسطة أو جدل مثل ذلك الذي صاحب عمله الأثير إلى قلبي BvS.

بالنسبة لي انتهى المقال هنا، بخيبة أمل ثقيلة، ولا أعتقد أنني سأدخل Justice League Part Two الذي تم الإعلان عنه ولم يتم الإعلان عن موعده، بنفس الحماس أو سقف التوقعات.

انتهى المقال، وتبقى خمسة هوامش على جانب الفيلم لفتت نظري أثناء المشاهدة، ألخصها هنا على عجل حتى لا أضيع وقت القارئ العزيز.


الهامش الأول: فلاش اليهودي

لفت نظري بالشدة وصف الشاب المراهق المنطوي «باري آلن» لنفسه بالشاب «اليهودي»، وخصوصا بعد تصريحات سابقة للمثل الأمريكي اليهودي «جيسي أيزنبرج» الذي جسد دور «ليكس لوثر» في BvS بأن شخصية «ليكس» تتشارك العديد من الصفات مع الشخصية اليهودية، وأكثرها «الذكاء» وقدرته على «مساءلة الأشياء والأفكار»!

هذا «التفريق العنصري الإيجابي» المدسوس قصرًا على القصة، لا أجد له تفسيرًا سوى مجاملة اللوبي اليهودي بشكل فج لم أستطع استساغته.


الهامش الثاني: معاداة المهاجرين

بعد أن غيب الموت «سوبرمان» نجد الفوضى تندلع مجددًا في المجتمع الأمريكي/الغربي – في تناظر مع الواقع الحالي، مع عناصره الفوضية التي لا تبدأ بالبريكسيت وأزمة اللاجئين ولا تنتهي بعنصرية ترامب وتغريداته وجداره الفاصل مع المكسيك – ونجد النصف الأول من الفيلم وهو يظهر الهجمة العنصرية الوحشية ضد كل ما هو ليس WASP White Anglo-Saxon Protestant، فنرى أسرة مسلمة يتعرض متجرها للتحرش العنيف، الأم المحجبة والابن ذا الملامح الباكستانية.

بعد مجتمعي يبدو رصينا أدخله سنايدر ليضيف لمحة إنسانية للفيلم.


الهامش الثالث: أزمات المناخ

في معرض محاولته لإقناع «أكوا مان» للانضمام لفريقه، يستخدم «بروس وين» أزمة الاحتباس الحراري كحجة لإقناع رجل البحار أنه لن تظل هناك ثلوج كافية في القطبين لتضمن اتزانًا مستمرًا للمحيطات، يرد «أكوا مان» بأن المياه فقط تكفيه، فيرد «وين» بأن الأمر لن يكون ممتعًا إذا ما بدأت تلك المياه «تغلي»، في إشارة للتصاعد المستمر لدرجة حرارة الكوكب إثر التلوث والانبعاثات الحرارية المستمرة.

نقطة أخرى يسجلها سنايدر على قائمة أهداف المسئولية الاجتماعية لعمله الدرامي الجديد.


الهامش الرابع: مأساة تشرنوبل

يدور جزء من قصة الفيلم في محيط مدينة «تشرنوبل» الأوكرانية – جزء من الاتحاد السوفيتي السابق – التي نكبت عام 1986 إثر انفجار المفاعل النووي بها، يشير الفيلم إلى عدم قدرة السلطات إلى تطوير مجتمعات إنسانية منتجة في محيط الانفجار، وتهميش أولئك الذين لا يزالون يعيشون هناك، في إشارة لاستمرار المآسي الإنسانية بعد غياب عدسة الإعلام عنهم، وإبراز التناقض بين رغبة الإنسانية «المزعومة» في النهوض والتطور، وبين قدرتها على هرس المنكوبين دون أدنى رحمة.


الهامش الخامس: تحية إلى تيم برتون

كان لافتًا إشارة بروس وين في حوار مع ألفريد إلى الحنين إلى ذلك الزمن الذي كان أقصى المخاطر التي يواجهونها فيه هو خطر «البطاريق المتفجرة»، في استرجاع لفيلم Batman Returns عام 1992 ضمن سلسلة أفلام باتمان الذي قدمها المخرج ذو الذائقة الاستثنائية «تيم برتون» – رُشح لجائزتي أوسكار – بحسه الذي يجمع السودوية والكوميديا ويسخر من الجميع، أبطالًا أو أشرارًا في سياق كفكاوي عبثي. اعتبرت ذلك تحية لبرتون أتت في عز ما يعيشه العالم من عبثية حقيقة وليست فقط خيالية على شاشات السينما.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.