«محمد صلاح» مع مصر، «ساديو ماني» يقود السنغال، وبالتأكيد «رياض محرز» يتولي دفة محاربي الصحراء. تلك هي الأسماء الأبرز التي ستسلط عليها الأضواء خلال كأس الأمم الإفريقية، طبعًا أنت لست بحاجة لمعرفة مدى أهمية بطولة قارية بهذا الحجم في ذلك التوقيت بالنسبة لمسيرة كل منهم. ربما يفوز أحدهم بالبطولة، فيدور الحديث عن جائزة أفضل لاعب في القارة أو حتى في العالم، وربما يفشلون جميعًا في الصعود لمنصة التتويج، فتنهال عليهم الضغوط والانتقادات.في ظل هؤلاء النجوم، يشارك أيضًا بعض الأسماء الواعدة التي تستحق المتابعة، خصوصًا هؤلاء الذين ينشطون في الدوريات الأوروبية، ومرشحين للانتقال لأندية أقوى خلال هذا الصيف أو الذي يليه. في هذا التقرير، نستعرض مميزات وعيوب وأدوار 5 من هؤلاء اللاعبين كما أدوارهم في الملعب، ووجهتهم الاحترافية المقبلة.


نيكولا بيبي: عملاق في الطريق

بالطبع هناك احتمالية كبيرة في أن تكون قد سمعت هذا الاسم من قبل، ذلك لأن «نيكولا بيبي» هو أحد أهم الأسماء المتداولة خلال الميركاتو الصيفي. وينال لاعب ساحل العاج اهتمام عدد من أكبر أندية أوروبا كليفربول، بايرن ميونخ، ومانشستر يونايتد، والسر في ذلك هو ما قدمه خلال هذا الموسم رفقة ناديه الفرنسي: ليل.إذ نجح نيكولا في تسجيل 22 هدفًا وصناعة 11 آخرين، ليكون قد ساهم بذلك في نصف ما سجله فريق ليل بأكمله خلال 38 مباراة. كما حل ثانيًا في سباق هدافي الدوري الفرنسي، متفوقًا على أسماء بحجم «نيمار، كافاني، وفالكاو». فكيف انفجر بيبي بهذا الشكل؟ يلعب نيكولا في مركزين أساسيين؛ الأول هو الجناح عكسي، والثاني هو المهاجم. والحق أنه يمتلك عدة مميزات أهلته لتلك الأدوار؛ فبيبي لاعب سريع جدًا، يجيد الاختراق مستغلًا قدرته على المراوغة، ويستطيع إنهاء الهجمات بكفاءة. تقول الإحصائيات إنه يكمل 2.7 مراوغة ناجحة/المباراة، كما يحظى بدقة تصويب جاوزت نسبة 64%، وهنا يبدو بوضوح عمل مدرب ليل «كريستوف غالتييه» في تطوير فاعليته الهجومية. وقد أدرك غالتييه طبيعة لاعبه منذ وفد إلى ليل قبل موسمين. نيكولا لاعب مبادر، لا يخاف من طلب الكرة أو يخشى الخصوم، وهو لا يتقيد بجانب الملعب، بل يحب التحرك بحرية في الثلث الهجومي منطلقًا إلى العمق، سواء بهدف التسديد على المرمي أو استقبال عرضيات زملائه، لذا يستخدمه أحيانًا كمهاجم ليربك خطوط الدفاع بتحركاته المزعجة . في مقابل كل تلك المميزات، يعيب بيبي أمران؛ الأول هو الاحتفاظ الزائد بالكرة، والثاني فقدانه أحيانًا الإحساس بمركزه. لكن لا بأس، فتلك العيوب يمكن إصلاحها، ولن تمنع مدربي البريمرليج من الاهتمام بخدماته على أي حال، أمام نيكولا فرصة ليثبت جدارته وقوة شخصيته خلال بطولة كأس الأمم الحالية، خصوصًا أن مدرب المنتخب العاجي «إبراهيم كامارا» يعول عليه كثيرًا رفقة زميله «زاها».


إسماعيلا سار: لأن 30 مليونًا لا تكفي

قبل أسبوع، نشرت صحيفة «ليكيب» الفرنسية تقريرًا يؤكد أن نادي رين رفض عرضًا من واتفورد الإنجليزي للتخلي عن الجناح «إسماعيلا سار». كان عرضًا كبيرًا، وقد بلغت قيمته 30 مليون يورو، لكن رغم ذلك رفضت الإدارة فكرة الاستغناء عنه بأقل من 40 مليونًا. بالطبع لم يكن نادي رين سيرفض ذلك العرض لو تلقاه قبل بدء الموسم المنقضي، لكن بعد نهايته فإن النظرة لصاحب ال21 عامًا قد اختلفت.فخلال الموسم، تمكن سار من تسجيل 8 أهداف وصناعة 7 آخرين بالدوري. أما في المنافسات الأوروبية، فقد ساهم في 7 أهداف خلال 9 لقاءات خاضها رين باليورباليج. وهذا ما يجعله أفضل مواسمه على الإطلاق، حيث برزت بوضوح قدرات إسماعيلا البدنية في الركض السريع، والضغط على الخصم، كما تطورت دقة لمسته كثيرًا فوصلت لنسبة 74% بعدما كانت 65%. يمتلك إسماعيلا قدمًا يمنى قوية، تجعله مناسبًا للغاية للعب دور الجناح الأيمن الذي ينطلق بامتداد الخط ليوزع الكرات العرضية. وحين تكون الكرة في الجهة اليسرى المقابلة، يتحوَّل لمهاجم ثانٍ داخل منطقة الجزاء ليستقبل هو عرضيات زملائه، ومن ثم يسدد بالقدم والرأس. وهذا الدور مهم جدًا لمنتخب السنغال، حيث سيلعب ساديو ماني كجناج أيسر عكسي، ويتحرك بحرية لعمق الملعب وداخل منطقة الجزاء. وهنا سيكون على إسماعيلا خلق المساحة له، ومحاولة تفريغ العمق بصناعة جبهة يمنى قوية، بالإضافة لتنفيذ العرضيات التي يحتاجها ماني والمهاجم «نيانج». وبالرغم من صغر سنه، يمتلك سار خبرة لا بأس بها كونه يشارك للموسم الثالث على التوالي بصفة أساسية مع ناديه. والآن يعيش حالة من النضج، على المدرب «أليو سيسيه» أن يستثمرها جيدًا خلال البطولة الإفريقية، ويعالج مشاكل إسماعيلا التي تتلخص في فقدان الاستحواذ، وخسارة الكرات الهوائية بالرغم من طول قامة اللاعب السنغالي الواعد.


يوسف عطال: كانسيلو العرب

في السنوات الأخيرة، لم يتميز بلد إفريقي بانتشار مواهبه في ملاعب أوروبا كما فعل الجزائر. يمكن إحصاء أكثر من قائمتين كاملتين للاعبين من أصول جزائرية خاضوا تجارب احتراف في القارة العجوز، بعضهم نجح في إثبات جدارته، وآخرون فشلوا. وأحد هؤلاء الذين فرضوا اسمهم على تشكيل الخضر الأساسي هو الظهير «يوسف عطال».قصة يوسف ملهمة جدًا، إذ تكوَّن اللاعب الشاب في أكاديمية JMG التي تتعاون مع نادي بارادو الجزائري، ومنها انضم للنادي الذي كان يصارع في دوري الدرجة الثانية آنذاك، ليفاجئ عطال الجميع صيف 2017 بتمثيل المنتخب الوطني وهو لايزال لاعبًا في الدرجة الثانية! كانت تلك هي بداية يوسف فقط، فبعد أيام من استدعائه للمنتخب، كان يطير نحو بلجيكا ليخوض تجربته الأولى مع نادي كورتريك. وهناك لفت انتباه كشافين الأندية الفرنسية، ففتحوا خطوط تفاوض معه، وتمكن نادي نيس من الحصول عليه الصيف الماضي برغبة من مدرب الفريق «باتريك فييرا».يلعب يوسف كظهير أيمن، ولكن بمواصفات هجومية بحتة. هو أقرب ما يكون لجناح خلفي wing back، منه لظهير دفاعي full back. إذ ينطلق من وسط الملعب وحتى منطقة جزاء الخصوم، مستغلًا سرعته وقدرته على التحكم بالكرة، ومن ثم يصنع الفرص أو يطلق تسديداته التي سجل منها هذا الموسم 6 أهداف في 29 مشاركة. أما على صعيد صناعة الفرص، فيمتلك عطال معدل جيد من التمريرات المفتاحية key-passes بنسبة تصل لـ1.1 تمريرة/المباراة. لا يعني ذلك أن عطال ضعيف على الصعيد الدفاعي، ولكنه ليس مميزًا بنفس الدرجة كما هو الحال هجوميًا، ويحتاج لتطوير فاعليته على مستوى العرقلات الناجحة، هذا بالإضافة للكرات الهوائية التي لا يفوز بأكثر من 49% منها بسبب ضعف بنيته الجسمانية. عمومًا، لايزال أمام صاحب ال23 عامًا الوقت الكافي لتحسين إحصائياته، خاصة أنه يحظى بثقة كبيرة من قائد المنتخب الفرنسي السابق فييرا. يشبه يوسف في مواصفاته بعض الشيء الظهير البرتغالي «جواو كانسيلو»، مع الفارق بالتأكيد في الفاعلية والخبرة، وأمام كانسيلو الجزائر مسئولية كبيرة خلال البطولة في صناعة جبهة هجومية رفقة النجم «رياض محرز»، تُرى إلى أي مدى يمكن لهما أن يصلا سويًا؟

يوسف عطال مع باتريك فييرا


حكيم زيَّاش: فرصة العمر

كان هذا موسمًا مذهلًا للاعبي نادي أياكس أمستردام، أما بالنسبة لـ«حكيم زيَّاش» فقد كان استثنائيًا. والسبب ليس فقط لأن المغربي فاز بجائزة أفضل لاعب بالدوري الهولندي، ولكن لحجم مساهمته في هذا الإنجاز المحلي والأوروبي الذي حققه ناديه. شارك حكيم هذا الموسم في 49 مباراة بين مختلف المسابقات، وتمكن من المساهمة في 45 هدفًا بين التسجيل والصناعة، وهذا معدل مذهل لأي صانع ألعاب في العالم. حكيم حظي باهتمام خاص من المدرب «إيريك تان هاج». هذا المدرب الذي عمل على تطوير فاعليته الهجومية، خصوصًا فيما يتعلق بإنهاء الهجمات والتسديد من داخل وخارج منطقة الجزاء بحيث تمكن من تسجيل 21 هدفًا، وهو المعدل الأعلى في مسيرة زيَّاش كلها. لا يتوقف الأمر على الشق الهجومي فقط، بل أيضًا في الجوانب البدنية حيث أصبح حكيم أكثر قدرة على تنفيذ الضغط واستخلاص الكرة، ووصلت إحصائياته لأكثر من استخلاص ناجح/المباراة. بعد هذا الأداء المتميز لزيَّاش، أعلن نادي أياكس أنه لن يقف أمام رحيله لو وصل العرض المناسب. ومنذ ذلك الإعلان، لم تتوقف الصحافة عن نشر تقارير تفيد اهتمام أندية كبايرن ميونخ، أرسنال، وإنترميلان بالحصول على خدمات المغربي هذا الصيف. عمومًا، على حكيم التركيز خلال هذه الأسابيع قبل اتخاذ أي قرار. هذه البطولة بالنسبة لزيَّاش في غاية الأهمية. فهو يدخلها وهو أفضل لاعبي المغرب وتنعقد عليه آمال كبيرة، ويلعب تحت قيادة “هيرفي رونار”: أفضل مدرب داخل إفريقيا، ومعه مجموعة جيدة تستطيع أن تذهب بعيدًا في البطولة لو تحلت بالانسجام والجماعية ولعبت في إطار منظومة قوية، وهذا ما كان ينقص المغرب في السنوات الماضية. لذلك لو تمكن زيَّاش من قيادة أسود أطلس لمنصة التتويج، فإن هذا سيضاعف من أسهمه وسيحجز لاسمه مركزًا بين نجوم القارة السمراء. كل تلك الظروف قد لا تتوفر مجددًا لحكيم زياش، هذه فرصة عمره، وعليه أن يغتنمها.


أندريه أونانا: هل يكون توماس نكونو الجديد؟

الجزائر، فرنسا، كأس الأمم الإفريقية، المنتخب الجزائري
الجزائر، فرنسا، كأس الأمم الإفريقية، المنتخب الجزائري
للكاميرون مدرسة متميزة على مستوى حراسة المرمى، يأتي على رأس خريجيها الثنائي «توماس نكونو» و«جوزيف أنطوان بيل» بكل تأكيد. واليوم يبدو أن اسمًا آخر يشق طريقه بقوة مع الأسود، اسمه «أندريه أونانا» وهو اللاعب الذي حرس عرين أياكس أمستردام خلال هذا الموسم. لا يبلغ أونانا من العمر سوى 23 عامًا، إلا أنه يتمتع بموهبة كبيرة، قد تجعله أفضل حارس في إفريقيا بوقت قصير للغاية. تكوَّن أندريه داخل أكاديمية «صامويل إيتو» في الكاميرون، ثم طار إلى إسبانيا ليبدأ مشواره مع الفئات الشبابية لنادي برشلونة. وهناك برزت قدراته بوضوح، فتم تصعيده سريعًا من فريق تحت 17 لفريق تحت 19 عامًا، قبل أن ينجح أياكس في خطفه من فريق الشباب. يتميز الكاميروني بثلاثة أمور أساسية؛ الأولى هي ردّة فعله السريعة والقوية، وهي ما تجعله يتصدى بسهولة لتسديدات قريبة للغاية منه، أو ينجح في تشتيت كرات غيرت اتجاهها أكثر من مرة قبل أن تصل إليه. أما الثانية فهي التمركز الصحيح، وهذه النقطة ما جعلته قادرًا على الوصول لمعدل تصديات 3.3 تصدٍ ناجح/بالمباراة خلال دوري الأبطال، إذ يتحرك أونانا بخطوات قصيرة بامتداد المرمى فيما يجعل تركيزه على الكرة، وهنا يقرر كيف يتمركز بالشكل المناسب. والنقطة الأخيرة هي أنه يجيد اللعب بالقدم والخروج من المرمى، وهذه الصفة مهمة لحارس المرمى في عالم كرة القدم اليوم يخوض أونانا منافسات أمم إفريقيا للمرة الأولى في التشكيل الأساسي، وهو ما يجعله مفتقدًا لخبرة هذه المواجهات، إلا أن الشخصية القوية التي ظهر بها أندريه خلال هذا الموسم تدفعنا لمتابعة مستواه خلال البطولة. من يدري؟ لعله يكون نكونو القادم!