أرسين من أجل أرسنال، مكتوبة في السماء ولابد من أن تحدث يومًا ما.

«دافيد دين»، نائب رئيس نادي أرسنال في التسعينيات، يحكي عما دار بخلده في لقائه الأول بـ«أرسين فينجر»

تشعر وأنها جملة من داخل فيلم من أفلام الأساطير، تلك القصص الملحمية التي يبدأ فيها البطل كل شيء بالصدفة ليروي التاريخ ما حدث بعد ذلك من إنجازات وبطولات، ولكن هل هكذا تُدار كرة القدم والأندية الكُبرى؟ بداية القصة كانت تدل بقدر كبير على ما سيحدث بالنهاية. في عالم لم تصبح فيه الرومانسية هي الحاكم الأول، لم يكن من الطبيعي أن يكتب فينجر قصة جميلة من البداية للنهاية مع أرسنال، بالطبع لا أقصد التلميح بأن اختيار أرسين كان اختيارًا خاطئًا، ولكن بالتأكيد استمراره هو ما كان كذلك.

أرسين فينجر دائمًا موضع جدل، هل هو مدير فني كبير أم لا؟ وهل مسيرته مع أرسنال ناجحة أم فاشلة؟ الكرة والحياة عمومًا أخبرتنا أن هناك لونًا رماديًا بين هذا وذلك دائمًا، ولكن بالرجوع للوراء قليلًا والنظر من بعيد يمكننا أن نسأل سؤالًا آخر: هل حقًا أرسنال نادٍ كبير؟


1. بيروقراطية كروينكي

لقد جلست مع المشجعين المعترضين، لا أخاف من المحادثات مع الأشخاص، نحن واضحون. لا شك أن الغياب عن دوري الأبطال يمثل عبئًا اقتصاديًا علينا، ولكن هذا لا يعني أنني أو والدي تحدثنا بخصوص تقليص ميزانية الانتقالات الصيفية.

جوش كروينكي ابن «ستان كروينكي» بتاريخ 16 يوليو/ تموز 2019 بعد بيان جماهير أرسنال بيوم واحد

يملك ستان كروينكي رجل الأعمال الأمريكي مؤسسة اقتصادية ضخمة، تمتلك أسهم مؤسسات رياضية مختلفة أكبرها نادي أرسنال لكرة القدم تقريبًا منذ 12 عامًا، تلك السنوات التي لم يحقق بها النادي أي إنجازات على المستوى الرياضي، مما أثار غضب المشجعين على الإدارة في الفترة الأخيرة.

لافتة كبيرة في ملعب الإمارات مكتوب عليها: «نحب أرسنال، نكره كروينكي»، وبيان مجمع من 14 رابطة من مشجعي أرسنال اتهم فيه الموقعون الإدارة بأنهم يرون أرسنال بمثابة «شاحنة استثمار» لهم دون الاهتمام بالجانب الرياضي، بيان طويل من مشجعي النادي كان أهم ما فيه هو انتقاد طريقة الإدارة التي ينتهجها آل كروينكي ألا وهي الملكية المجهولة «passive ownership»، والتي تعني عدم دخول المالك أو الرئيس في التفاصيل اليومية للعمل، مما يؤدي إلى تكوين مؤسسة أشبه بترس يدور دون توقف، كل جزء بها يعلم دوره دون الحاجة لأوامر جديدة.

يرى الجمهور أن تلك الطريقة في الإدارة غير مجدية؛ لأنها تصنع بيروقراطية داخل النادي، وتجعل التطوير أصعب لأنه يحتاج لقرارات ثورية من شخصيات قيادية وهو ما لا يتوفر.


2. المكسب أولًا

على الجانب الآخر، تفكر الشركات الكبرى بتلك الطريقة «passive ownership» في الإدارة، فمن الأسهل على المالك الاعتماد على النظام دون تدخله الشخصي مما يتيح له الوقت لمباشرة أعماله الأخرى. سبب آخر يجعل رجال الأعمال يميلون لتلك الطريقة، وهو إغراء الآخرين لشراء تلك المؤسسة التي لا تحتاج مجهودًا لبنائها فهي بالفعل تعمل!

ورغم أن ذلك النظام بالإدارة في الغالب يؤدي لزيادة العوائد المالية، إلا أن أرسنال قد انخفضت عائداته من 424 مليون في مايو/آيار 2018 إسترليني إلى 403 مليون إسترليني في مايو/آيار 2019؛ بسبب توالي غياب أرسنال عن دوري أبطال أوروبا!

ربما لم يعمل النظام جيدًا هنا لأن كرة القدم ذات طبيعة خاصة وتقلبات كثيرة ولا تخضع لقوانين ثابتة، لذلك الأولى الاهتمام بالجانب الرياضي لزيادة العوائد المادية وإلا فالدخول في دائرة مفرغة ستنتهي بالفشل الحتمي.

تتحمل الإدارة مسؤولية كبيرة لأنها لا تهتم بفريق الكرة، ولكن كل الاهتمام منصب على جلب العوائد، مثال بسيط على ذلك هو سعر تذكرة ملعب الإمارات الذي يبلغ 126 جنيه إسترليني! وهو الأغلى في الدوري الإنجليزي بأكمله، ولكن هل الإدارة هي المتسبب الوحيد بسعيها المادي في تدهور حال فريق الكرة؟


3. خرافة التوب فور

كرة القدم في إنجلترا مختلفة عن باقي الدول الأوروبية الكبيرة كرويًا، هي نفسها من حيث القوانين والإطار العام، ولكن الإنجليز استطاعوا إضفاء لون من الإثارة على دوريهم ليجعلوه جذابًا أكثر، بداية من التغطية الإعلامية التي لا تضاهى، مرورًا بلعبة الفانتازيا التي جعلت بشرًا لا يعلمون عن الكرة سوى القليل يحفظون أسماء لاعبي نادي كريستال بالاس، نهاية بالخرافة الكبرى الأربعة الكبار «Top Four».

إذا سألت أحد متابعي الكرة في العالم من هو رابع الدوري الألماني؟ ربما لن يعرف، وإذا جعلت السؤال أسهل بمن هو ثاني الدوري الفرنسي؟هناك احتمالية للخطأ ولكنه بالتأكيد سيستطيع إخبارك بأن توتنهام هو رابع الدوري الإنجليزي وربما يستفيض ليعلمك بأن ولفرهامبتون وليستر في المركزين السابع والثامن!

تلك هي إحدى مشكلات أرسنال الكبرى، التفكير من منطلق أنني تواجدت في الأربعة الأوائل إذن فكل شيء على ما يرام هو تقليل للطموح بشكل مبالغ فيه، والحصول على بطولة زائفة لتسكين الجمهور بالمسكن الأشهر وهو التأهل لدوري الأبطال.


4. اللوتاري: هل كان هنري أفضل من جيرو؟

في صيف 1999 وتحديدًا في الثالث من أغسطس/ آب، تعاقد أرسنال بقيادة المدير الفني الفرنسي أرسين فينجر مع الشاب الفرنسي تيري هنري. لم يكن صاحب ال 22 عامًا نجمًا حين وطأت قدماه ملعب الهايبري، بالعكس، لقد وصف بالفشل في إيطاليا أثناء لعبه مع يوفينتوس حيث كان يلعب ظهير هجومي ناحية اليسار في خطة الإيطالي كارلو أنشيلوتي وقتها 3-4-3، مسجلًا 3 أهداف في 11 مباراة!

في الثاني من يوليو/ تموز 2012، أتم أرسنال بقيادة المدير الفني الفرنسي التعاقد مع هداف الدوري الفرنسي مع مونبيليه أوليفير جيرو وسط غضب عارم من «لويس نيكولين» رئيس النادي الفرنسي؛ لأن أرسنال حصل عليه عن طريق دفع الشرط الجزائي البالغ 9.6 مليون جنيه إسترليني فقط!

البكاء على جيل اللا هزيمة التاريخي في أرسنال أنسى جماهيره أن لا فينجر ولا أرسنال تغيرا مقدار شبر واحد، ولكن الكرة هي التي تغيرت.

تستطيع أن تملأ أذنك بعد موسم واحد فقط من تعاقد أرسنال مع جيرو من التحسر على ما كان النادي فيه وما أصبح، وذكر عبارات الرثاء لفريق مرعب أصبح أضحوكة على مواقع التواصل الاجتماعي، أين أيامك يا هنري؟ أين أنت يا بيريز لترى ما يفعله جيرفينيو بنا؟ عبارات يبدأ وينتهي بها جمهور أرسنال كل موسم يتوسطها الدعاء على أرسين فينجر وتمنى خروجه من النادي لأنه لم يعد مثلما كان، ولكن هل يعلمون كيف كان فينجر؟

موراتي رئيس الإنتر لبروس ريوخ مدرب أرسنال وقت تعاقد الجانرز مع بيركامب

جيل أرسنال التاريخي في بداية الألفية الثانية كان أبرز نجومه هم هنري وبيركامب وليونبيرج وكولو توريه وأشلي كول، الآن هم أساطير ونجوم عالميون، ولكن وقتها هنري وبيركامب مطرودان من أقوى دوري بالعالم وليونبيرج مجهول بالدوري السويدي وكولو توريه قادمًا من أسيك ميموزا الإيفواري في حين أشلي كول من ناشئي نادي العاصمة.

أرسنال الذي تعاقد مع بيركامب قبل مجيء فينجر هو أرسنال الذي تعاقد مع مروان الشماخ، وأرسين فينجر الذي تعاقد مع هنري وقامر عليه هو من تعاقد مع بينتيندر!

كانت تلك أكبر مشكلات فينجر مع أرسنال، أنه لم يستطع تغيير عقليته ليواكب الزمن الذي يسبقه، حيث الأندية الكبرى تتعاقد مع لاعبين كبار أثبتوا أنفسهم على مدار سنوات وفينجر ما زال يلعب اللوتاري ويقامر فيخسر فلا يملك المال ليقامر مرة أخرى فيخسر وهكذا، فبدأت قيمة النادي تنحدر شيئًا فشيئًا.


5. الطلاق المُبكر كان هو الحل

ستكون محظوظًا إن سجل معك عشرة أهداف.
رسالتي كانت واضحة في اللحظة التي يظن فيها لاعب أنه أكبر من مانشستر يونايتد عليه أن يرحل.
السير «أليكس فيرجسون» عن خلافه مع «ديفيد بيكهام»

أشهر مثالين لعلاقات طويلة بين أندية ولاعبين هم فيرجسون في مانشستر يونايتد، وأرسين فينجر في أرسنال، المقارنة جائزة لأنهما تقريبًا عاشا نفس الفترة الزمنية بنفس الأحكام ولكن النتائج مختلفة.

لا يمتلك فينجر المقومات الشخصية ليسيطر على مجريات الأمور بنادٍ لمدة 20 عامًا في حين كان يمتلكها فيرجسون. السير يجعل بيكهام ونيستلروي يرحلان عن مانشستر يونايتد أو يوحي للناس بأنه من جعلهما يرحلان، لا يهم سأصنع غيرهما بينما يذهب فان بيرسي رغمًا عن الجميع في أرسنال إلى مانشستر يونايتد ليجلب لهم الدوري!

النادي الكبير هو ليس النادي صاحب الشعبية الأكبر ولا التاريخ الأعرق، ولكن هو النادي الذي يتصرف كالأبطال وهو الشيء الذي فقده فينجر مع أرسنال بداية من 2006.

كم من النجوم غادروا أرسنال وتصريحاتهم تملأ الصحف عن الذهاب لهنا وهناك للفوز بالألقاب؟ تجعل أرسنال يهبط درجات ودرجات في التصنيف العالمي لأكبر أندية العالم. هنري، فييرا كانا البداية مرورًا بنصري وفابريجاس وفان بيرسي الذين انتقلوا لأندية منافسة وبأسعار زهيدة والقائمة تطول. يشعر الجميع حينها بأنك مجرد وعاء لتسوية اللاعبين على نار هادئة ليتم قطفهم منك وقتما ينضجون دون أن تقاوم ولو لمرة.

شيء آخر تسبب فيه الارتباط الطويل بين أرسنال وفينجر وهو اعتياد الهزائم الكبيرة بنتائج فاضحة، الخسارة بثمانية من مانشستر يونايتد في 2011 وسداسية من السيتي وأخرى من تشيلسي تتبعهم خماسية من ليفربول في 2014، الأمر وصل للهزيمة من ساوثهامبتون برباعية في 2015!

لا يمر موسم على أرسنال مؤخرًا دون تلقي هزائم ضخمة تعزز الفكرة بأنه أصبح شبحًا لنادٍ كان كبيرًا يومًا ما، كل تلك الأشياء جعلت اللاعبين لا يشعرون بالانتماء لأرسنال إلا القليل.

أخطأ فينجر حينما استمر مع أرسنال بعد خسارة نهائي دوري الأبطال 2006، كان هذا هو سقف ما يستطيع فعله مع ذلك النادي، وكان وقتها هو المناسب للرحيل والزمن أثبت ذلك، ولكنه لم يضر فينجر فقط بينما جعل الناس تسأل: هل أرسنال نادٍ كبير حقًا؟