شهدت الساحة السياسية التركية في السنوات الأخيرة موجات من المد والجزر، كان أبرزها وأشدها تأثيرًا ليلة الخامس عشر من يوليو/ تموز 2016، التي شهدت محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة على حكومة العدالة والتنمية.

كان لهذه الموجات أن تترك أثرًا بالغًا في هيكل المشهد السياسي التركي الداخلي والخارجي، وإعادة ترتيب بنيته وأسسه المكونة، وقد تداخلت هذه الموجات بين بعضها وتبادلت تأثيراتها وانعكاساتها ومدلولاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وتجسدت هذه الموجات في زيادة حدة الاستقطاب الداخلي بأشكاله المتداخلة أيديولوجيًا وسوسيولجيًا، وما نتج عن ذلك من تغير تركيبة التحالفات السياسية والانتخابية بين أجزاء المشهد المختلفة التي شهدت هي الأخرى إعادة تموضع وتشكيل لمكوناتها الداخلية، فضلًا عن تغير بنية النظام السياسي كليةً وتحوله من النظام البرلماني للرئاسي، وما لازم ذلك من تصاعد موجات التسلط والتضييق والعنف السياسي إجرائيًا وخطابيًا، ولم تكن السياسة الخارجية التركية بمنأى عن سياقات التحولات والتغيرات الداخلية، حيث شهدت مساراتها تحولًا ملحوظًا في أسسها وتفاعلاتها طوال السنوات الماضية، متأثرةً بالتحولات الإقليمية والعالمية المتسارعة والمضطربة.

في هذا التقرير نقدم بعض الكتب والأبحاث التي تناولت المسألة السياسية التركية وأسسها ومحدداتها الديناميكية والمركبة، لكل مهتم لا يعرف من أين يبدأ دراسة التجربة التركية وما آلت إليه.


1. السيف والهلال: تركيا من أتاتورك إلى أربكان

يعد كتاب السيف الهلال الصادر عن دار الشروق عام 1999 للكاتب والصحفي المصري رضا هلال من أبرز وأشهر الكتب التي تناولت الحياة السياسية في تركيا الحديثة، عبر وجهة نظر الصراع بين المؤسسة العسكرية الحاكمة وجماعات الإسلام السياسي.

ويناقش الكتاب مراحل هذا الصراع في 7 فصول بدءًا من تأسيس الجمهورية التركية على يد أتاتورك مرورًا بالانقلابات العسكرية في 1960 و 1971 و 1981 ثم صعود الإسلام السياسي مرة أخرى بقيادة نجم الدين أربكان وتجربة حزب الرفاه حتى انقلاب 1997 التي ينتهي الكاتب عندها.

لم يتطرق الكتاب لتجربة حزب العدالة والتنمية، الذي نشأ بعد صدور الكتاب بعامين، لكن الكتاب يعد مدخلًا جيدًا لمن يريد البدء في التعرف على تاريخ تركيا الحديثة في القرن الماضي.


2. العمق الإستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية

يعد هذا الكتاب هو الأشهر والأكثر تواجدًا في قوائم القراءة عن تركيا، نظرًا لما يتمتع به مؤلف الكتاب من أهمية ومكانة كبيرة في الحياة السياسية التركية، فأستاذ العلوم السياسية الذي قدم أفكاره وتنظيره في ذلك الكتاب الذي صدر عام 2001 قبل صعود العدالة والتنمية للسلطة، صار بعد ذلك واحدًا من أهم رجال الحزب ومنظريه ووزيرًا للخارجية ثم رئيسًا للحكومة، وهو ما أضاف أبعادًا أخرى للكتاب، كجدليات العلاقة بين الفكر كمطلق وحقيقة والفعل السياسي كممكن ومتاح.

يطرح أوغلو أفكاره منطلقًا من رؤيته بأن تراجع الدور التركي عالميًا في القرن العشرين يعود لسياسات القطيعة التي انتهجتها الجمهورية الكمالية مع الإرث العثماني وعمقه الإستراتيجي تاريخيًا وجغرافيًا، وهو ما أدى لنشأة صراعات الهوية بين الإسلاميين والعلمانيين، وجعل تركيا دولة ممزقة.

يجادل أوغلو بأنه رغم ما تعيشه تركيا من فوضى سياسية وأزمات سياسية طاحنة (الكتاب صدر 2001) فإنها تمتلك عمقًا إستراتيجيًا يؤهلها لأن تكون فاعلًا سياسيًا مؤثرًا وصاحبة مركز ثقل إقليمي وعالمي، ويقصد أوغلو بالعمق الإستراتيجي:

1. الأهمية التاريخية (الزمان) لتركيا كوريث للإمبراطورية العثمانية التي حكمت جزءًا كبيرًا من العالم لفترة طويلة، ويشكل هذا الإرث مكونًا ثقافيًا وهوياتيًا هامًا في علاقة تركيا بمحيطها العربي والإسلامي.

2. الأهمية الجغرافية (المكان) نظرًا لموقع تركيا المميز بين قارات العالم الثالث، وإطلالها على البحار والمضائق الهامة في طرق عبور التجارة والنفط، وهو ما يشكل مكونًا إستراتيجيًا هامًا في علاقة تركيا بأوروبا والعالم، مما يؤهلها لأن تكون فاعلًا سياسيًا مؤثرًا وصاحبة مركز ثقل إقليمي وعالمي.

يقع الكتاب في 644 صفحة وينقسم لثلاثة أبواب رئيسة؛ يناقش الباب الأول «الإطار المفاهيمي والتاريخي» مبادئ القوة والتخطيط الإستراتيجي وعناصر قوة الدولة التركية وأوجه القصور في تخطيطها الإستراتيجي.

وفي الباب الثاني «الإطار النظري» يحلل أوغلو نظريات الجيوسياسية العالمية بعد نهاية الحرب الباردة ومحددات القوة الإستراتيجية لتركيا التي تؤهلها لملء الفراغات الجيوسياسية في محيطها الإقليمي والعالمي.

وفي الباب الثالث «مجالات التطبيق»، يعرض أوغلو السياسات والوسائل والأدوات التي ستحقق من خلالها تركيا مكانتها العالمية، ويشرح العلاقات التاريخية لتركيا بجيرانها، ويؤكد أن دور تركيا الأوروبي والعالمي يبدأ عبر إثبات دورها وفاعليتها في محيطها الإقليمي فيما سماه نظرية القوس والسهم.


3. صعود الإسلام السياسي في تركيا

على الرغم من مرور 10 سنوات على إصدار هذا الكتاب من قبل مؤسسة راند الأمريكية للأبحاث السياسية والإستراتيجية، فإنه يظل أحد المراجع الهامة في تحليل ودراسة جماعات الإسلام السياسي في تركيا، حيث قدم الباحثان راباسا ولارابي دراسة تحليلية للسياقات الاجتماعية والاقتصادية التي نشأ فيها الإسلام السياسي التركي ورحلة تطوره حتى وصول العدالة والتنمية للسلطة ونجاحه في إدارة صراع السلطة وتغيير موازين القوى السياسية بين الإسلاميين والعلمانيين.

رأى الباحثان أن التجربة الكمالية في نسختها المعادية للدين كانت تحمل من المتناقضات الداخلية التي تحتم تراجعها وسقوطها، فالتجربة أشبه بعمليات الهندسة الاجتماعية كالتي قام بها ستالين وماو، قام بها نخبة عسكرية وبيروقراطية صغيرة في مجتمع تقليدي مقاوم لهذه التغيرات.

وكان التناقض الأكبر هو مركزية التجربة الكمالية التي اقتصرت على الحضر والمدن الكبرى، بينما ظل الريف والهوامش منعزلين، وهو المجال الذي نشطت فيه الجماعات الدينية كالطريقة النقشبندية وغيرها من الجماعات التي أصبحت حاضنات أيديولوجية لسكان الريف الذين استبعدتهم النخب الكمالية.

ويُرجع الباحثان تطور وانتشار جماعات الإسلام السياسي لعمليات اللبرلة السياسية والاقتصادية التي حدثت في السبعينيات والثمانينيات، وهو ما أدى إلى ظهور «سوق دينية» بحسب تعبير الباحثين انتشرت فيها الجمعيات والمدارس الدينية التي خرجت من رحمها الأحزاب الإسلامية.

قدم الكتاب عرضًا مفصلًا لعملية الجدول العقائدي والسياسي التي حدثت داخل أوساط الإسلاميين بعد إغلاق حزب الفضيلة في 2001، وما نتج عن ذلك من انشقاق أردوغان ومجموعته وتأسيس العدالة والتنمية.

في نهاية الكتاب يطرح الباحثان 4 سيناريوهات لاستشراف مصير تجربة العدالة والتنمية، ويرجحان سيناريو نجاح التجربة واستمرارها في سياستها الخارجية المعتدلة نحو الاتحاد الأوروبي والداخلية التي تعزز فيها من قبضتها على السلطة عبر سياسات ليبرالية تسمح بحرية العمل الديني المحافظ وتحافظ على معدلات النمو الاقتصادي الكبيرة، وهو ما حدث بعد ذلك فعلًا.

الكتاب تمت ترجمته للعربية في العام 2015 عن طريق مركز نماء للأبحاث والدراسات ويمكن اقتناؤه من خلالهم.


4. أمة غاضبة «تركيا منذ 1989»

قام البروفيسور التركي كرم أوكتم، الباحث بمركز الدراسات الأوروبية وكلية سان أنتوني بجامعة أكسفورد، بإصدار كتابه «تركيا أمة غاضبة» باللغة الإنجليزية عام 2010 ضمن سلسلة ZED Books لتاريخ العالم الحديث، وقام المترجم المصري مصطفى مجدي بترجمته إلى العربية لدار سطور الجديدة للنشر عام 2012.

ناقش الباحث اليساري والمهتم بشئون الأقليات قضية «الدولة الحارسة» بوصفها الفاعل الأهم والأكبر في التاريخ السياسي لتركيا الحديثة، ويقصد أوكتم بمصطلح الدولة الحارسة مؤسسات الجيش والقضاء والبيروقراطية والنخبة السياسية الكمالية، حيث يرى الباحث أن تلك المؤسسات هي التي شكلت وصاغت شكل السياسة والمجتمع التركي في القرن الماضي.

أوجز أوكتم في مقدمة الكتاب وفصله الأول نشأة الجمهورية التركية الحديثة بعد سقوط الدولة العثمانية ونشأة مؤسسات الدولة الحارسة التي تبلورت عن الصراعات الناجمة عن أيديولوجية الجمهورية وأفكارها الخاصة عن المواطنة والانتماء.

ثم ركز أوكتم في الفصول الأربعة المتبقية على فترة الدراسة منذ عام 1980 إلى 2010 والتي بدأ بالصراع بين تورجوت أوزال وتلك المؤسسات ثم فترة التخبط السياسي الكبير في التسعينيات بعد وفاة أوزال، ثم صعود حزب العدالة والتنمية ويفرد مساحة كبيرة للحديث عن انفتاح السياسة الخارجية التركية على العالم وعملية الإصلاح السياسي والاقتصادي التي انتهجها الحزب.

تتبع أوكتم مسألة الأقليات بشكل مستفيض وتحدث عن السياسات الاستبدادية والقمعية التي انتهجتها الجمهورية التركية الحديثة بحق الأكراد والعلويين والأرمن.


5. الأصول السياسية للتنمية

أبرزت الأزمة التركية الأمريكية الأخيرة وانخفاض قيمة الليرة التركية مسألة الاقتصاد التركي ونموذج التنمية التركي، الذي كان حلمًا وهدفًا لكثير من البرامج السياسية العربية، فيقدم الدكتور عمرو العادلي، الباحث المصري في الاقتصاد السياسي ودراسات التنمية، مقارنة بين نموذجي التنمية المصري والتركي اللذين بدءا في ثمانينيات القرن الماضي وسط ظروف تكاد تكون مشابهة من حيث عدد السكان وحجم الاقتصاد والدخل القومي.

ويفسر الباحث نجاح النموذج التركي كنتيجة لعملية الإصلاح السياسي والمؤسساتي الذي تبنته النخب التركية، والذي نجح في إعادة هيكلة الصادرات بعيدًا عن المواد الخام والأولية مقابل التوسع في إنشاء قاعدة صناعية موجهة للتصدير بجانب قاعدة خدمية (السياحة وتحويلات العاملين في أوروبا)، مما ساهم في تحقيق قفزات هائلة في معدلات النمو وزيادة الصادرات التركية من 9 مليارات دولار في 1980 لـ107 مليارات دولار في 2007.

ويسرد الكاتب الآليات التي اتبعتها حكومة العدالة والتنمية لتوسيع قاعدتها التصديرية الصناعية بعد أزمة الانهيار المالي في 2001؛ مثل تخفيض الحواجز الجمركية وتحرير حركة رؤوس الأموال وخصخصة القطاع العام، لكن كغيرها من الدول حديثة التصنيع متوسطة الدخل فإن التوسع الكبير في الصادرات قابله توسع مماثل في قيمة الواردات اللازمة كمدخلات للصادرات الصناعية والخدمية.

وفي المقابل لم تنجح تركيا في تعميق قواعدها التكنولوجية وتوطين صناعات ذات قيمة مضافة أكبر بما يخفض من الاعتماد على الواردات، وهو ما أدى لزيادة قيمة الاقتراض الخارجي لتغطية العجز في الميزان التجاري الناتج عن زيادة قيمة الواردات.

الكتاب صدر عام 2013 عن دار صفصافة للنشر والتوزيع ويقع في 336 صفحة من القطع الكبيرة، يقدم عرضا شيقًا لنموذج التنمية والتصنيع التركي حتى عام 2011.


6. الجمهورية التركية في المنظور السياسي الإسرائيلي – مجموعة من الباحثين

لطالما كانت العلاقات الإسرائيلية التركية موضوعًا للجدل وورقة تستخدمها الأنظمة العربية المعادية لأنقرة كثيرًا في حملاتها الدعائية الشعبوية ضد تركيا وحلفائها الإسلاميين، لذلك يُعد هذا الكتاب الذي أصدره مركز رؤية الفلسطيني للتنمية السياسية في 2017 مرجعًا هامًا لدراسة العلاقات بين تركيا وإسرائيل، عبر وجهة النظر الإسرائيلية لهذه العلاقة.

يقع الكتاب في سبعة فصول تناقش مراحل العلاقات التركية الإسرائيلية وأبرز محطاتها والرؤية الجيوسياسية الإسرائيلية التركية ووجهة نظر النخب والأحزاب الإسرائيلية وخطابها الإعلامي للعلاقات مع تركيا، ويعالج الكتاب الرؤية الإسرائيلية للعديد من الملفات المشتركة ذات الأهمية السياسية والإستراتيجية، كملف القضية الكردية والعلاقات التركية القبرصية، ويناقش الفصل الأخير من الكتاب العلاقات الاقتصادية التركية الإسرائيلية وحجم الاستثمارات والصفقات العسكرية بينهما.