محتوى مترجم
المصدر
artchive
التاريخ
2017/05/03
الكاتب
يفيجينيا سيديلانيكوفا

1. كان فان جوخ يتقن في حياته 4 لغات

في لندن، مايو/ آيار من عام 1873، حطت السفينة التي تقل على متنها فنان المستقبل، فان جوخ، الخبير في بيع اللوحات الفنية والذي كان قد تمت ترقيته ونقله إلى الفرع المحلي لمؤسسة جوبيل آند كو المتخصصة في تجارة التحف واللوحات الفنية. خلال عدة أسابيع كان قد قرأ بالفعل العديد من المؤلفات الإنجليزية بلغتها الأصلية، مانحًا جل إعجابه لمؤلفات ديكنز على وجه التحديد. استطاع فان جوخ فيما بعد إجادة لغتين أوروبيتين على الأقل بنفس السهولة. بعد إقالته من المعرض الفني، حصل فان جوخ على وظيفة في مدرسة لندن للبنين، حيث قام بتدريس الكتابة والحساب لطلاب فصله، بالإضافة إلى الفرنسية والألمانية.

في الفترة القصيرة التي صاحبته فيها أفكار التديّن والاهتمام بالدين، تمكن فينسنت من العمل ككاهن مساعد. وكانت عظته الأولى والمحفوظ نصها حتى وقتنا هذا قد كتبت وتُليت كاملة بلغة إنجليزية سليمة. في عام 1877، وبينما حلم بممارسة أنشطة الاعمال التبشيرية، اضطر للعمل في مكتبة في دوردريخت، وجاهد إحباطه مستمتعًا بقراءة ترجمات الكتاب المقدس إلى أربع لغات في آن واحد – الهولندية والألمانية والفرنسية والإنجليزية. كانت اللغتان اليونانية واللاتينية هما فقط ما احتاج الفنان المستقبلي لإتقانهما بهدف الالتحاق بجامعة أمستردام.


2. كَرِه المؤسسات التعليمية التي درّست الفن

لم يعجبه حقًا أن يتعلم ويفعل شيئًا بناء على أوامر من الآخرين. كان لديه منهج دراسي خاص به ونماذج مفضلة. في إحدى الرسائل إلى أخيه ثيو فينسنت، كتب فان جوخ:

إنه لأمر مزعج أن تضطر في الأكاديميات إلى تعلّم رسم لويس الخامس عشر أو أي من النماذج العربية، بدلًا من رسم النساجين، الفلاحين أو صانعي الثياب.

يمكن القول، إن فينسنت دخل أكاديمية أنتويرب لأسباب اقتصادية: استطاع هناك الحصول على نماذج ليرسمها بقدر ما أراد. في ذلك الوقت، لم تتوفر للفنان القدرة على الاستعانة بنماذج نسائية، بالنظر لرغبات الفنانين في تعلم رسم الأجساد، والتي اعتبرت آنذاك رغبات منحلّة، لذلك اضطر الفنانون لدفع المزيد من الأموال للمومسات للقيام بهذا الدور.

في الأكاديمية، ارتدى فينسنت دائمًا سترة زرقاء تقليدية منحت طابعًا أنيقًا لقبعة الفرو فوق رأسه، وغالبًا ما شهدت أيامه هناك جدالًا مع المعلمين. وقد ذكر أحد زملائه الطلاب كيف صوّر فان جوخ شخصية فينوس دي ميلو، وكان يصورها بردفين منتفخين «بشكل مبالغ». أمسك الأستاذ الرسم منه مرتعبًا من خطئه وبدأ في تصحيح ثمرة خياله الفاحش. خاطب فينسنت المعلم بنبرة غاضبة: «أنت بالتأكيد لا تعرف كيف يجب أن تبدو المرأة الشابة! يجب أن يكون لديها وركان ومؤخرة، وإلا فلن تكون قادرة على حمل الأجنة!».

في الأكاديمية، درس فان جوخ لمدة أقل من شهرين، وبعد ذلك ترك الدراسة دون إخطار أي شخص، وغادر إلى باريس، وحمل إلى الأبد موهبة تعليم نفسه بنفسه.
في الأكاديمية، درس فان جوخ لمدة أقل من شهرين، وبعد ذلك ترك الدراسة دون إخطار أي شخص، وغادر إلى باريس، وحمل إلى الأبد موهبة تعليم نفسه بنفسه.

3. ربطته مع والده علاقة مريعة

لطالما ربطت فينسنت فان جوخ علاقة مريعة بوالده. كان من غير المحتمل أن يكون القس ثيودور الذي كرس حياته كلها لله وطائفته ورعيته الدينية سعيدًا بابنه البكر المشاكس، الذي أراد التخلي دائمًا عن مسؤولياته والذي كان على استعداد مستمر لترك وظيفته في أي لحظة هاربًا ومستمعًا لنداءات روحه. وقد شهدت العلاقة بين فينسنت ووالده تطورًا شحيحًا في الفترة التي قرر فيها فنان المستقبل أن يصبح كاهنًا. حتى أن القس ثيودور كفل لابنه مكانًا في كلية اللاهوت بجامعة أمستردام، لكنه لم يكن لديه الكثير من الأمل في أن أي شيء جيّد قد ينتج عن هذه المبادرة.

تصاعد الصراع عندما تم إبلاغ رجل الدين التقي بعلاقة تربط ابنه بإحدى البغايا. أخفى الفنان علاقته مع «سين» عن جميع أفراد العائلة، باستثناء أخيه ثيو، ولكن زملاء فينسنت السابقين كشفوا سرّه. وللحفاظ على شرف العائلة، لم يستطع القس ثيودور ارتجال سبب أنسب من إعلان أن ابنه مجنون. حتى أنه كان ينوي وضع فينسنت في مستشفى للأمراض النفسية، ولكن المسألة، لحسن الحظ، لم تصل إلى ذلك الحد. حقيقة أن فان جوخ سرعان ما انفصل عن سين لم تصحح الوضع بينهما. بدافع من الصعوبات المالية، أُجبر الفنان على العيش مرة أخرى في منزل والديه في بلدة نونين، حيث انتشرت الشائعات بالفعل عن علاقته الشائنة السابقة. كتب فينسنت إلى أخيه أنه يشعر أن والديه قبلوه كما لو كان «كلبًا كبيرًا ذا مخالب قذرة».

في مارس 1885، توفي القس ثيودور. تدهورت علاقته بابنه كثيرًا قبيل وفاته لدرجة أنهم توقفوا تمامًا عن تبادل الحديث. وبعد الوفاة، سرت شائعات بأن فينسنت كان له يد في وفاة والده. أثار الحدث المأساوي غضب فان جوخ، ولكن في الوقت نفسه، زعم أنه قد ارتاح كونه تخلّص أخيرًا من الاضطهاد الأبوي. بعد أيام قليلة من وفاة القس ثيودور بدأ فينسنت العمل على أول تخفه الفنية – لوحة «آكلو البطاطس».

رسم، فينسنت فان جوخ، فن تشكيلي
لوحة «آكلو البطاطا/ البطاطس»، إحدى أهم لوحات فان جوخ

4. كان فان جوخ مولعًا بعلم الفرينولوجيا

الآن، حتى الناس العاديون ربما يسخرون من فرضيات هذا العلم الزائف المضحك، معتبرين أنه ثمرة أخرى لخيال العلماء البريطانيين. ولكن في النصف الأول من القرن التاسع عشر، كان علم الفرينولوجيا شائعًا جدًا في مختلف الدوائر. وقد ظهر إلى النور بفضل نظرية الطبيب النمساوي فرانز جوزيف غال، الذي ربط بين الخصائص النفسية والشخصية للإنسان وشكل الجمجمة.

على الرغم من النقد القاسي الموجه لهذه الفرضيات، كان لعلم الفرينولوجيا العديد من المعجبين. وقد جاء ذكره مرارًا وتكرارًا في الأدب، على وجه الخصوص، في «بطل من هذا الزمان» ليرمنتوف و«يوميات شرلوك هولمز» لكونان دويل، وبالطبع كان للرسامين حظ من الإعجاب بهذا العلم. ناهيك عن اهتمام العديد من الأمريكيين من مالكي العبيد الأفارقة بعلم الفرينولوجيا وقد أجروا تجارب لا تعرف الرحمة على عبيدهم. ومن الجدير بالذكر في هذا الشأن، أمر النازيين في الثلاثينيات من القرن العشرين، حين حاولوا إحياء مثل هذه العلوم الزائفة لتأكيد نظرية التفوق الآري العنصري.

في الوقت الذي توصّل فيه فينسنت إلى علم الفرينولوجيا، كانت هذه النظريات تعد باطلة تمامًا في كل أوروبا. في الواقع، كانت تلك النظريات مرفوضة حتى قبل ولادة الفنان، لكن فان جوخ كان قليل الاهتمام بها آنذاك. تزامن حماسه لهذا العلم الزائف مع بداية مسيرته الفنية، وبطبيعة الحال، انعكس في أعماله والتي كانت معظمها صور للأشخاص العاديين. وهذا ملحوظ بشكل خاص في سلسلة صور الفلاحين التي رسمها فينسنت في نوينين في شتاء عام 1885. والذين بالطبع لم تنم ملامحهم بالرجوع إلى مبادئ الفرينولوجيا، عن مستوى عال من الذكاء أو التعليم الجيد، لكن الفنان تعمد تطويع معالمهم، وإطالة أنوفهم، وقطع جباههم. كانت ذروة هذه الفترة الفنية من حياته هي صورة أكلة البطاطس، وأبطالها الذين أخبرهم فينسنت أنه أراد أن يجعل ملامحهم قريبة قدر الإمكان من ثمرة البطاطس.

فينسنت فان جوخ، رسم
لوحة رأس امرأة مزارعة ذات غطاء أبيض لفان جوخ

5. لا علاقة لبلدة آرل الحالية بتلك التي صورها فان جوخ في لوحاته

يأتي العديد من محبي الفنان كل عام إلى هذه المدينة الفرنسية الصغيرة على أمل الانغماس في الجو السحري الذي منيتهم به اللوحات الأكثر بريقًا وإشراقًا وسلامًا لـفان جوخ. أولئك الذين لم يزوروا المدينة من قبل يمكنهم أن يتوقعوا واحدة من أكثر خيبات الأمل في الحياة: لم يبق شيء تقريبًا من آرل القديمة. دُمّرت تلك المباني خلال الحرب العالمية الثانية.

ولكن لنكون منصفين، علينا القول إنه حتى في الوقت الذي عاش فيه فينسنت فان جوخ وأنتج فيه لوحاته، لم تكن آرل الحقيقية تشبه على الإطلاق هذا المكان المثالي الذي يمكن أن نراه على لوحاته الأكثر شهرة. كانت المدينة هي المركز الصناعي لفرنسا: أنتجت المصانع هناك القطارات والسيارات. في الرسائل، اشتكى ثيو فينسنت من القذارة المنتشرة في كل مكان. إذا نظرت عن كثب إلى لوحات الفترة الآرلية، يمكنك أن تلاحظ مداخن المصانع المنتشرة في الخلفية. وفيما عدا الخلفية، جاءت لوحات فان جوخ تحمل سمات مدينة آرل التي تعيش في خياله وحده.

لوحة «حقل القمح عند غروب الشمس» في مدينة آرل للفنان فان جوخ

بالمناسبة، كان الخيال هو السبب الرئيسي الذي قاد الفنان إلى هذه المدينة. بتعبير أدق، الشائعات عن وجود أجمل النساء في فرنسا. عندما وصل إلى آرل، اشتكى لأول مرة إلى ثيو من أن الشائعات حول جمال السيدات المحليات كانت مبالغ فيها إلى حد كبير. ومع ذلك، فإن فان جوخ لم يمتنع عن البحث والمحاولة؛ اشتكت النساء من أن مضايقاته قد عذّبتهن حرفيًا. كانت فترة إقامة فينسنت في آرل مؤسفة: بعد وقوع حادث قطعه أذنه، وقّع 30 من السكان المحليين عريضة تطالب بطرد الفنان من المدينة (لا يزال نص العريضة محفوظًا في مكتب رئيس البلدية). خوفًا من غضب المجتمع المتحفّظ، اضطر فان جوخ إلى الفرار إلى عيادة للأمراض النفسية.


6. ربما لم ينتحر فينسنت فان جوخ

في عام 2011 ، أصدر كُتّاب السيرة الذاتية لستيفن نايفي وغريغوري وايت سميث – الحاصلين على جائزة بوليتزر عن كتابهما عن حياة جاكسون بولوك – كتابًا جديدًا باسم “فان جوخ: “الحياة”. يدّعي هذا الكتاب، من بين وقائع أخرى، أن فينسنت لم ينتحر، بل أصيب برصاص أطلقه عليه مراهق محلي. وإن لم يعتمد مؤرخو الفن هذه النظرية بعد، ولكن في نوفمبر 2014، نُشر مقال في مجلة فانيتي فير، أشار فيه الخبراء القانونيون إلى عدة تأكيدات لنسخة نايفي وسميث عن حقيقة وفاة فان جوخ. خاصة، وكما ذكرت المقالة أن الفنان لا يمكنه جسديًا حمل السلاح من أجل إلحاق مثل هذا الجرح على نفسه، وأنه إن فعل ذلك فكان لابد وأن تظهر بعض آثار الحروق على يديه.

العديد من الحقائق الغامضة تتحدث أيضًا تأكيدًا لصالح نظرية سميث ونايفي الكاشفة: أولًا، لم يتم العثور على البندقية التي تم إطلاق النار على فان جوخ بواسطتها، ولم يتم العثور أيضًا على حامل اللوحة التي كان من المفترض أنه يعمل عليها في ذلك اليوم في الحقل. بالإضافة إلى ذلك، فإن الطريق الذي عاد منه فينسنت، حسب قوله، إلى المنزل (حوالي ميل ونصف)، لا يمكن أن يتحمل قطعه رجل يعاني من جرح خطير كهذا. يدعي مؤلفو الكتاب أيضًا أن اللوحات التي رسمها الفنان في ذلك الوقت كانت لوحات مُبهجة للغاية لا يتوقع أن يرسمها رجل بائس كان على استعداد لوداع العالم، واقتبسا الكاتبان بعض سطور من عدة رسائل كان فان جوخ يتحدث فيها بحدة مناهضًا فكرة الانتحار.


7. لحق به أخوه بعد رحيله بستة أشهر فقط

رسم، فن تشكيلي، فينسنت فان جوخ
رسم، فن تشكيلي، فينسنت فان جوخ

لحق ثيو بأخيه فينسنت بعد ستة أشهر فقط، وأصبحت سيرة العطف والصداقة بين الأخوين طوال حياتهما حديث المدينة في عالم الفن. ولقد كان لفينسنت وثيو أقارب آخرون (أخ آخر وثلاث أخوات)، لكن لم يأت ذكرهم غالبًا في صدد الحديث عن حياة الأخوين. بفضل شقيقه، نجت مئات الرسائل التي تبادلها الفنان مع ثيو والتي ساعدت على رسم الصورة الأكثر اكتمالًا لحياته. تجدر الإشارة إلى أن خطابات ثيو نفسه حتى يومنا هذا كانت قليلة للغاية، وذلك أن فينسنت لم يهتم بحفظهم. دون الدعم طويل الأمد الذي منحه ثيو لشقيقه، بما في ذلك حفظه تراثه، ما امتلك فان جوخ الفرصة لأن يصبح فنانًا على الإطلاق. كان ثيو مخلصًا لفينسنت ولم يشك أبدًا في موهبته. كان وجه شقيقه آخر ما رآه الفنان قبل موته.

بعد ثلاثة أيام من تشييع فينسنت، سقط ثيو في اكتئاب عميق، وبعد ذلك بدأت حالته العقلية تتدهور. في غضون بضعة أشهر، تحول إلى رجل مجنون بالكليّة؛ عانى من نوبات غضب تتبعها فترات كثيرة من الحديث المسترسل، وتحوّل إلى شخص غامض، ولازمته فترات من الضعف البدني. وقد نُسبت كل هذه الأعراض إلى مرض كبد غامض، ولم تعترف عائلة فان جوخ إلا بعد سنوات عديدة بأن ثيو قد أصبح مجنونًا بسبب تبعات إصابته بمرض الزهري.

قرب النهاية، وافق على الذهاب إلى العيادة للمرضى العقليين، حيث توفي في 25 يناير/ كانون الثاني 1891 عن عمر يناهز 33 عامًا. ودُفن في أوتريخت، ولكن في أبريل 1914 تم نقل رفاته إلى فرنسا، حيث رقد الأخوان بالقرب من المقبرة في أوفير سور واز. كانت أرملة ثيو، جوهانا، قد زرعت اللبلاب بجانب قبورهما كرمز لاتحادهما حتى بعد موتهما. وقد كان نبات اللبلاب بالمناسبة، وليس عباد الشمس البهيج، هو نبات فان جوخ المفضل.

فينسنت فان جوخ
قبر فان جوخ وأخيه ثيو

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.