لقد كان عمري سبع سنوات فقط، لكن هدفيْ زيدان في نهائي كأس العالم كانا علامة مميزة، خاصة أنني شاركت مع العائلة في النشوة الجماعية التي اجتاحت فرنسا.

هكذا تحدث اللاعب الفرنسي جريزمان عن ذكرياته مع كأس العالم المقام بفرنسا عام 1998، استطاع جريزمان أن يحقق كأس العالم بعد 20 عامًا من احتفاله وأسرته في شوارع فرنسا. ومن بين الآلاف الذين غنوا حتى الصباح في ساحات فرنسا احتفالًا بالكأس الجديد، ربما هناك جريزمان جديد سيحتفل بكأس جديد فيما هو قادم من السنين، أو ربما هناك مودريتش جديد حزن للهزيمة في زغرب ولكنه سيحاول أن يحرز الكأس في المستقبل ليعوض إحباطه صغيرًا.

هكذا هي كرة القدم وخاصة كأس العالم، وعي يتشكل عبر السنين، ذكريات مشتركة بين جيل بأكمله؛ فيكفي أن يتحدث أحدهم عن هدف لباجيو مثلًا ليصف له الآخر كيف كان روماريو ينشر سحره في أرض الملعب، أو يقرر أحدهم أن يذكر اسم مارادونا في حديث عابر ليمتد الحديث ويطول بتفاصيل يكمل فيها كل شخص جملة محدثه، حتى لو كان المتحدثان لا يربطهما رابط لكنها كرة القدم التي تربط الجميع بسحرها الذي لا يزول.

وبنهاية كأس العالم في نسخته الأخيرة بروسيا والتي اتفق الجميع أنها نسخة مميزة تناطح في جمالها نسخًا ظلت محببة للأجيال مثل نسخ أمريكا 1994 وفرنسا 1998، ترى ماذا ستتذكر الأجيال القادمة عندما يدور الحديث عن مونديال روسيا 2018؟


1. أسطورة الماكينات الألمانية في مهب الريح

لا يوجد أشهر من مقولة جاري لينكر والتي تشير ببساطة إلى أنه مهما كانت ظروف اللقاء فالفوز سيكون حليف الألمان في النهاية. مقولة يرددها الجميع للدلالة على فاعلية الماكينات الألمانية، إلا أن تلك الأسطورة أصبحت في مهب الريح لتحل محلها أسطورة أكثر صدقًا وهي أن الألمان لا يفوزون في روسيا.

المنتخب الألماني تأهل لكأس العالم على رأس مجموعته بالعلامة الكاملة من النقاط، دون أن يتعادل أو يخسر أي مباراة. عشر مباريات متتالية فاز بها جميعًا.

ثم انقلب الأمر بين ليلة وضحاها حيث تذيل المنتخب الألماني مجموعته في كأس العالم بثلاث نقاط فقط من فوز وحيد تحقق في الثواني الأخيرة أمام المنتخب السويدي وخسارتين أمام منتخبي المكسيك وكوريا الجنوبية ليودع العملاق الألماني بطولة كأس العالم من دور المجموعات.

ربما لا أحد من الأجيال القدمة سيومئ برأسه موافقًا عندما يدور الحديث عن الماكينات الألمانية التي تفوز دائمًا مثلما نفعل نحن.


2. خريطة كرة القدم تتغير

دومًا ما تتعلق القلوب بالمنتخبات الصغيرة التي تقدم أداءً جيدًا، لكن في كأس العالم 2018 كان كفاح الفرق الصغيرة وخروج الكبار من سباق الفوز بالكأس هو العلامة المميزة لهذه النسخة.

منذ انطلاق النسخة الأولى لكأس العالم ولا يخلو دور النصف نهائي من واحد من تلك المنتخبات «البرازيل – ألمانيا – إيطاليا – الأرجنتين». الأمر كان له علاماته المبكرة قبل حتى انطلاق فعاليات البطولة وذلك بغياب واحد من المنتخبات الأربع الكبرى وهو المنتخب الإيطالي.

تحدثنا بالتفصيل عن الخروج الألماني المفاجئ أمام المنتخب البرازيلي، فقد سقط في دور ربع النهائي أمام المنتخب البلجيكي الذي اكتسب شعبية وجماهيرية كبيرة بعد أن أقنع الكثيرين، المنتخب الأرجنتيني كان حظه أكثر سوءًا بعد ان اصطدم بالمنتخب الفرنسي في دور الستة العشر والذي أطاح به خارج المنافسة وتوج باللقب فيما بعد.

قوى جديدة فرضت نفسها على خريطة كرة القدم خلال تلك البطولة، إلا أن أكثر المنتخبات التي جذبت أنظار متابعي كرة القدم كان المنتخب الكرواتي.


3. منتخب كرواتيا: الكثير من المشاعر المتضاربة

ربما بدأ الأمر بالحزن على الفريق الأرجنتيني وقائده ميسي بعد الهزيمة من المنتخب الكرواتي، إلا أنه وبمرور مباريات البطولة وصولًا للمباراة النصف النهائية أمام المنتخب الإنجليزي كان المنتخب الكرواتي قد اكتسب شعبية جارفة حول العالم اتضحت تمامًا في تلك المباراة.

لن ينسى أحد بسهولة تلك المباراة خاصة احتفال المنتخب الكرواتي بهدفه الثاني واللقطة العظيمة التي استطاع المصور أن يلتقطها قبل أن تدوسه أقدام لاعبي كرواتيا أثناء احتفالهم، لكن الأفضل من احتفال لاعبي منتخب كرواتيا كان احتفال أطفالهم.

فما إن انطلقت صافرة حكم المباراة معلنًا تأهل المنتخب الكرواتي على حساب المنتخب الإنجليزي للمباراة النهائية حتى تحول ملعب المباراة إلى ساحة لعب للأطفال من أبناء لاعبي المنتخب الكرواتي، كانت أكثر فرحة صادقة خلال البطولة.


4. مبابي: الملك الفرنسي الجديد

دومًا ما يشهد كأس العالم ميلاد نجوم جدد في عالم كره القدم، وبينما كان يسأل الجميع ماذا بعد عصر رونالدو وميسى قدم لنا كأس العالم روسيا الإجابة بشكل واضح ومفاجئ، والإجابة هي كيليان مبابي بالطبع.

مبابي الذي لم يكمل عامه العشرين بعد كان أحد أهم عناصر فريقه تأثيرًا في الفوز بكأس العالم، الفرنسي هو مزيج من سرعة هنري ومهارة ودقة قرارات رونالدو البرازيلي، من المؤكد أن مبابي ستتذكره الأجيال القادمة كنجم توهج كثيرًا في كأس العالم وستتابع توهجه فيما هو قادم.


5. نيمار: بين قصة الشعر والبكاء من أجل البرازيل

ربما أهم تحدي سيعيشه مبابي في المستقبل القريب هو ما يعيشه الآن النجم البرازيلي نيمار. موهبة لاتينية خالصة، الكثير من المهارة والأهداف الاستثنائية جعلت الجميع يعتبره نجم الكرة الأوحد القادم بعد عصر الغريمين ميسي ورونالدو. كان الجميع في انتظار برازيل نيمار التي ستفوز بكأس العالم وترشحه للبالون دور، إلا أن تعامل نيمار مع كل ذلك أدى إلى الكثير من الضغط والذي ربما حاول نيمار إخفاءه أولاً من خلال قصة شعر أثارت عاصفة من الانتقادات ثم اتضح للجميع ثقل ما يحمله نيمار بعد هدفه أمام كوستاريكا والذي انخرط بعده في نوبة بكاء.


6. السياسة التي لا تغيب عن كرة القدم

رحلة السياسة مع كرة القدم هي رحلة قديمة قِدم كرة القدم نفسها، فالسياسة التي كانت تتنصل من كرة القدم قديمًا رأت فيها الآن مظلة محببة يستطيع من خلالها السياسيون مغازلة شعوبهم وتقديم أنفسهم للعالم أجمع، وهو ما استمر خلال مونديال روسيا بالطبع، فحديث الجميع خلال المونديال كان عن الرئيسة الكرواتية كوليندا غرابار والتي تصدرت المشهد خلال الأيام الأخيرة للبطولة كمُحبة وداعمة لمنتخب بلدها قبل كونها رئيسة للبلاد وهو ما لاقى استحسان الكثيرين بالطبع.

النسر الألباني كان حديث الجميع أيضًا بعد أن أشار به لاعبا منتخب سويسرا شاكيري و تشاكا احتفالاً بهدفيهما في المرمى الصربي ليبحث الجميع عن سر هذا الاحتفال، فتُلقي السياسة بظلها مرة أخرى على المشهد ويدور الحديث عن حروب الألبان والصرب.

شهدت المباراة النهائية أيضًا حدثًا فريدًا من نوعه حيث اقتحم ملعب المباراة مجموعة من الأشخاص ثم تم السيطرة على الموقف بعد لحظات معدودة، إلا أن المشهد لم ينتهِ بهذه البساطة حيث أعلن فريق غنائي روسي مناهض لسياسات الرئيس بوتين مسئوليته عن الاقتحام.


7. أشياء تراها للمرة الأولى

بالطبع أكثر شيء سيرتبط بذاكرة متابعي كرة القدم خلال كأس العالم روسيا هو تطبيق نظام الاحتكام للفيديو من قبل الحكم وهو ما ساعد الحكام على إدارة الكثير من المواقف بشكل يبدد الشكوك، ربما ما زال الحكم يتأثر باسم الفريق في مسألة الاحتكام لنظام الفيديو من الأساس إلا أنه نجح في تحسين دقة التحكيم كثيرًا، ويكفي المقارنة بين أخطاء التحكيم في دوري أبطال أوروبا والذي سبق كأس العالم بفترة قصيرة وبين كأس العالم نفسه لملاحظة الفرق.

أيضًا قررت الفيفا تطبيق نظام جوهري جديد وهو التغيير الرابع في الأشواط الإضافية، فللمرة الأولى يتم تغيير أربعة لاعبين خلال مباراة واحدة.


8. ليس من أجلك ولكن من أجلي

هكذا كان لسان حال جماهير الأرجنتين، فبعد انقضاء مباراتين من مرحلة المجموعات لم يستطع المنتخب الأرجنتيني سوى تحقيق نقطة وحيدة، وقبل مباراة المنتخب النيجيري ونظيره الأيسلندي التقطت الكاميرات عددًا من جماهير المنتخب الأرجنتيني ترفع لافتات تتوسل فيها المنتخب النيجيري أن يفوز اليوم فخسارته تعني توديع الأرجنتين المونديال مبكرًا.

تكرر الأمر ولكن عن طريق مدرب منتخب بنكا والذي قرر أن يتحدث مباشرة للمدير الفني للمنتخب الإنجليزي طالبًا منه أن يتوقف فريقه عن تسجيل الأهداف وذلك بعد انتهاء الشوط الأول بخمسة أهداف نظيفة للمنتخب الإنجليزي، من أجل ألا يحبط لاعبيه في ظهورهم الأول في كأس العالم.