يعد التصنيع أحد أهم الدعائم الأساسية والرئيسة لاقتصاد أي دولة في العالم، ومما لا شك فيه أن مجال التصنيع في مصر يتعرض لصعوبات كثيرة، يستشعرها المواطن العادي، فضلًا عن العاملين بهذا المجال على اختلاف اتجاهاته، من أول صناعة المواد البسيطة مثل البلاستيك والكارتون وغيرها، وحتى صناعة الدواء مرورًا بصناعة السيارات والأجهزة الكهربائية والصناعات المغذية لها من صناعات معدنية وغيرها، فما هي هذه الصعوبات والأسباب المؤدية لها؟ إليكم 9 أسباب تُعد هي الأساس وراء ذلك.


1. تحرير سعر صرف الجنيه المصري

بالطبع كان لقرار البنك المركزي بتعويم الجنيه المصري الذي صدر في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني لعام 2016، وما ترتب عليه من زيادة سعر الدولار وتغير سعر الدولار الجمركي؛ دور بارز في عرقلة سير الكثير من المصانع في مصر، فهي تعتمد بالأساس على استيراد أجزاء أو مواد أولية، ثم إعادة تجميعها أو إعادة إنتاجها في شكل منتج نهائي للسوق المحلي، بالإضافة إلى زيادة سعر المواد المغذية – المواد المحلية التي تغذي الصناعات الكبيرة – التي تدخل في نسبة 30% من أي منتج محلي.

بحسب الإيكونوميست، فإن قرار تعويم الجنيه المصري قد يؤدي إلى ارتفاع التنافسية بين شركات الإنتاج المصرية لاعتماد السوق الاستهلاكية على السلع المحلية، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة الإنتاجية، ولكن الواقع الحالي لا يعضد وجهة النظر تلك، على الأقل على المدى القريب. ولكن أيضًا هناك الكثير من الأسباب الأخرى التي تجعل من فكرة التصنيع داخل مصر مخاطرة تحتاج إلى إطالة تفكير.


2. رأس المال جبان

يعد هروب رؤوس الأموال الكبيرة إلى خارج مصر، للاستثمار أو حتى لتجميد رؤوس الأموال على هيئة دولار أمريكي في البنوك الخارجية، أدى ذلك إلى ضعف العملية الإنتاجية للمصانع داخل مصر، بل وغلق بعضها، حيث تقوم فلسفة كثير من رجال الأعمال على القروض، وعدم استهلاك رؤوس الأموال الخاصة في مشاريع غير مضمونة العائد في ظل الأوضاع الراهنة.


3. ضعف الإمكانيات الإدارية

الكثير من الشركات المصرية المحلية تقوم على أسلوب إدارة واحد، ولا تتبع بعض الأساليب الإدراية الحديثة أو القائمة على دراسات، حتى إن بعض المصطلحات الإدارية مثل «Risk Management – إدارة المخاطر» تعتبر مصطلحات غير ذات قيمة، من وجهة نظر صانعي القرار في كثير من الشركات المحلية، مما يترتب عليه مشاكل في عدم استيعاب التغيرات الفجائية أو المشاكل الاقتصادية في المرحلة الحالية، وعدم القدرة على اتخاذ قرارات في الوقت المناسب أو اتخاذ إجراءات استباقية لتلافي المشكلة قبل وقوعها، مما يؤدي لكثير من الخسائر المادية والمعنوية، لذا فيعتبر تأخر علم الإدراة من أحد أهم مسببات تأخر التصنيع داخليًا.

كما تتأثر المصانع الكبيرة بمثل تلك العوامل، فإن أيضًا المشاريع الصغيرة ليست بمنأى عن الكثير من العقبات التي تقف حائلًا دون تطور الصناعات الصغيرة.


4. عدم اتباع الأسلوب العلمي في إقامة المشاريع التصنيعية

نجد دراسات الجدوى الواقعية القائمة على الدراسات الحديثة، ودراسة السوق واحتياجاته، والتي لا يتقنها للأسف الكثير من أبناء الشعب المصري خريجي المؤهلات العليا، من الممكن أن تكون مهمة جدًا لقرار بدء المشروع من الأساس، وأيضًا لاستمراره فيما بعد، وتخطي حاجز المكسب في دورة رأس المال، ليكون للمشروع المردود المرجو على القائمين عليه، لذا فإن الفشل في مثل هذه الدراسات قبل بداية مشروع مصنع صغير، أو عدم وضعها في الاعتبار من الأساس، قد يتسبب في خسارة محققة لكثير من تلك المشروعات.


5. صراع السوق

الصراعات التنافسية في السوق المحلي تؤثر بشدة على ظهور مصانع جديدة ومشاريع صغيرة ومتوسطة، تؤدي إلى الفشل وربما إلى إفلاس الكثير من المستثمرين الصغار، مما يكون له كبير الأثر في اندثار مشاريع أو عدم إقدام الشباب على هذه الخطوة من الأساس، توفيرًا للوقت و المجهود، وخوفًا من خطر خسارة رأس المال في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية.


6. الحالة التشاؤمية

يشير تقرير الأمم المتحدة حول مؤشر السعادة لعام 2016، التقرير الذي أعدته شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، إلى مجيء مصر في المركز الخامس عشر عربيًا، والمائة والعشرين عالميًا، من بين مائة وسبع وخمسين دولة، لذا فإن الحالة التشاؤمية السائدة والمسيطرة على كثير من الشباب في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية الراهنة واتجاه الدولة المركزي، أدت إلى ركون معظم أصحاب رؤوس الأموال الصغيرة إلى عدم المخاطرة برأس المال في مخاطرة غير مضمونة العواقب، والاكتفاء بوضعه في البنك بدلًا من ذلك، حيث العائد البنكي الذي يتخطى في الغالب الربح من المشروع المتوسط أو الصغير، دون جهد أو مخاطرة.


7. المشكلات النوعية

من ضمن أسباب تأخر بعض الصناعات محليًا، والمقصود بها مشاكل خاصة بصناعات بعينها، وكمثال على ذلك صناعة الأسماك مثلًا، حيث يؤدي عدم توفر إمكانيات تبريد الأسماك لنقلها لمسافات أبعد، وبالتالي يتم تسويقها في المناطق القريبة فقط، وبشكل يومي، مما يضغط ويؤثر بشكل مباشر على الأسعار، وهي مشكلة خاصة بتلك الصناعة فقط. أيضًا تؤثر بعض المشاكل النوعية الأخرى مثل مشاكل التعبئة والتغليف، وما يترتب عليها من مشاكل بيئية واقتصادية، في صناعات محلية أخرى، لذا فإنه من الواجب عمل دراسة مفصلة لمثل تلك المشاريع كل مشروع على حدة، لوضع الحلول المناسبة للمشاكل التي من الممكن أن تعيق استمراها.


8. غياب دور الجهات الرسمية

عدم تفعيل الجهات الحكومية المسؤولة عن المصانع الصغيرة والمشروعات الناشئة وعدم توافر الثقة بها، أدى إلى إحجام الشباب ذوي رؤوس الأموال الصغيرة عن بدء مشروعات في اتجاه التصنيع؛ لعدم توافر الأفكار أو الجهات الداعمة.


9. مشاكل العمالة وتدني المرتبات

يعتبر تدني المرتبات في مصر حلقة في سلسلة تؤثر على مجال التصنيع ككل، تبدأ بضعف مهارة وتدريب العمالة، ثم يترتب عليها بعد ذلك المطالب الفئوية والإضرابات التي تؤدي لتوقف العملية الإنتاجية وعدم انتظامها في النهاية، كذلك زيادة معدل تسرب العمالة المدربة من المصانع إلى أخرى خارجية يؤدي إلى قلة الجودة، وانهيار سمعة المنتج المحلي في السوق، وبالتالي عدم إقبال المشترين وتفضيلهم المنتج المستورد.

في النهاية، أرجو أن يكون هذا المقال على قصره سببًا في وضع أيدينا على الأسباب الحقيقية وراء صعوبات التصنيع في مصر، وبداية البحث عن حل لها ومحاولة للخروج من الأزمة الراهنة بأساليب علمية، تضمن بإذن الله استمرار التقدم في المستقبل.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.