اذكُر يوم السبت لتقدّسه.
سفر الخروج: 20

وفقًا للمعتقدات اليهودية، فإن يوم السبت من الأيام المقدسة، نظرًا لما ذُكر في التوارة عن قداسة ذلك اليوم، ولكن تلك القدسية لم تكن محمودة في مجتمع اليهود لما أثارته من جدل واسع حول طقوس ذلك اليوم. فالمجتمع اليهودي الذي تصل نسبة غير المتدينين فيه إلى 43%، أُثير بداخله جدل سياسي محتدم بين العلمانيين والدينيين حول قدسية يوم السبت، وما ينبغي اتباعه وتركه في ذلك اليوم المقدس.


«شابات»: يوم اليهود المقدس

يعتبر يوم السبت، أو «شابات» في اللغة العبرية، من الأيام المقدسة عند اليهود، وترجع أسباب تقديسه عندهم إلى عوامل عدة؛ منها أن الوصية الرابعة من الوصايا العشر دعت إلى تقديس يوم السبت واتخاذه يومًا للراحة والعبادة وعدم ممارسة أي عمل فيه، فيعتقد اليهود أن الله خلق الدنيا في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع، وهو يوم السبت.

لأن الرب في ستة أيام خلق السماوات والأرض والبحر وجميع ما فيها، وفي اليوم السابع استراح، ولذلك بارك الرب يوم السبت وقدسه.
سفر الخروج: 11

واحدة من أسباب تقديس يوم السبت أيضًا، أنه نفس يوم خروج اليهود من مصر.

واذكر أنك كنت عبدًا في أرض مصر فأخرجك الرب إلهك من هناك بيد قديرة وذراع مبسوطة، ولذلك أمرك إلهك أن تحفظ يوم السبت.
سفر التثنية

كما يعتقدون أن الله حينما تعطَّف على اليهود أثناء رحلة «التيه» في صحراء سيناء، وأنزل عليهم الطعام يومًا بيوم، كان الرب يمنحهم يوم الجمعة طعام يومين، أي الجمعة والسبت، لأنه في اليوم التالي لن ينزل عليهم طعامه، لأن الرب سيكون في يوم الراحة المقدسة.

ويعتقدون أن الله أنزل الوصايا العشر على موسى يوم السبت، ولهذا جعلوه يوم راحتهم المقدسة، فممنوع فيه استخدام الكهرباء أو إشعال النار أو كتابة الرسائل أو الاستماع للراديو أو مشاهدة التلفزيون أو الخروج من البيت أو حمل الأشياء في الطريق والميادين العامة أو تدخين السجائر.

ويبدأ يوم السبت في الديانة اليهودية من غروب شمس الجمعة إلى غروب شمس السبت، وما بين الغروبين تتحول دولة اليهود إلى دولة خاصة، وفي يوم السبت تخلو الشوارع من المارة.


طقوس السبت

مع غروب شمس الجمعة، تبدأ الطقوس الدينية حيث تجتمع الأسرة على مائدة العشاء معًا بعد إشعال شمعتين من وقت سابق على الغروب، وفي بيوت المتدينين تقوم ربة المنزل بإعداد طعام السبت الشهير قبل غروب شمس الجمعة أيضًا، وفي اليوم التالي لا مجال لإشعال بوتاجاز أو استخدام كهرباء لطهي الطعام أو تسخينه.

ومن أشهر الأكلات الموروثة عن الأجداد اليهود، ويتم إعدادها يوم الجمعة لتناولها في غداء السبت، طعام يسمونه «شولنت»، ومعظم المتدينين يمتنعون أيضًا عن شرب المياه يوم السبت لأنها تُضخ بموتورات تستخدم الطاقة في تشغيلها، ولهذا يجهزون أوانٍ تُملأ بالمياه طوال يوم الجمعة حتى يبتعدوا عن أية شبهة.

ويحلو لبعض المتدينين ارتداء الملابس الخاصة بهذا اليوم التي تتكون من قبعة فرو للرأس وقفطان أسود فضفاض، ثم يقومون بتلاوة التوراة أو أداء ترانيم دينية ذات ألحان حزينة وهم يتناولون طعام السبت، ولا مانع من الخروج من البيت إلى المعبد أو البقاء في البيت بشرط الاسترخاء الوقور أو قراءة التوراة.

ويؤكد الحاخام «سلمون ملكا» قداسة السبت في الشعور الظريف بالسعادة وراحة الضمير، وهذا الشعور يُدعى قداسة لأنها تقرب الإنسان إلى الله، والروح شعاع من روح الله، كما جاء في (المزمور 119).

وقد عدّد حكماء التلمود تسعة وثلاثين عملا من الأعمال المحرمة يوم السبت، ويُحكم على من يمارسها بالموت، ومنها إيقاد النار والسفر وركوب أي وسيلة من وسائل المواصلات وكذلك إنفاق النقود أو تسلمها، أي بيع أو شراء أو اكتساب فيه أخذ وعطاء بين الناس.

ولا يخرج اليهودي المتمسك بتعاليم السبت من بيته قبل أن يتأكد من خلو جيبه من الأوراق والأقلام والنقود والكبريت، ولا يذهب إلى المعبد إلا ومعه كتاب التوراة فقط.

كما يحرم عقد الزواج يوم السبت، حيث يستلزم ذلك الكتابة ودفع الأموال وقبضها والإعداد للزفاف، وكذلك الحرب الهجومية في يوم السبت، لذلك فهم يسمون جميع حروبهم حربًا دفاعية، وجيشهم جيش الدفاع.

وهناك بعض أيام السبت لها قدسية خاصة عند اليهود مثل: السبت الكبير، السابق لعيد الفصح، وكذلك السابق لرأس السنة وعيد المظال وعيد الأسابيع.

سبت النبوءة، وهو السابق للتاسع من أغسطس/آب، وفيه يقرأون «نبوءة أشعيا» ولا يلبسون سوى الملابس الداخلية القطنية فقط.

سبت التعزية، وهو السبت التالي للتاسع من أغسطس/آب ويقرأون فيه الإصحاح الأربعين وسفر أشعيا.

سبت التوبة، وهو السبت الذي يبدأ بأيام التوبة العشرة.

سبت البركة، وهو الذي يسبق الشهر الجديد، وتشارك المرأة في طقوس هذا السبت.

وغيرها مثل سبت بداية الشهر، وسبت الغناء، وسبت الشواقل الضريبية، وسبت الذكرى، وسبت البقرة الذي يتحدث عن قصة البقرة الحمراء، وسبت العروس على أساس أن التوراة عندهم كالعروس.

ويقدس اليهود أيضًا ما يسمونه بالسنة السبتية، وهي التي تأتي بعد كل ست سنوات، وتُسمى أيضًا سنة التبوير، حيث تُترك الأرض من دون زراعة، ولا يُقطف الثمر من الأشجار، ويُترك للفقراء والحيوانات.

ويؤكد بعض المؤرخين أن الاحتفال بيوم السبت أخذه الإسرائيليون بعد نزوحهم إلى أرض كنعان عن البابليين عن طريق الكنعانيين، ففي بابل وآشور كانوا يقدسون اليوم الأول من الشهر القمري، ثم اليوم السابع (ربع القمر)، ثم الخامس عشر. وكان البابليون يسمون احتفالهم بالهلال باسم «شيتو» وهي تسمية مطابقة تمامًا للفظة «شابات».


«الحريديم» والهيمنة على القرار السياسي

منذ إقامة ما يعرف بدولة إسرائيل عام 1948، وضع الحريديم (المتدينون اليهود) قواعد وضوابط يتم من خلالها الحفاظ على يوم السبت في جميع المؤسسات الوطنية، فقد تم فيه إيقاف حركة المواصلات العامة في جميع البلدات، وتم أيضًا سن لوائح ضمنت تعطيل التجارة والحرف اليدوية، وفي وقت لاحق، تم سن قانون يحظر تشغيل اليهود يوم السبت.

فالحريديم يعتبرون أنفسهم حماة التوراة وحراس التلمود، ويؤكدون دائمًا على رغبتهم في الحفاظ على جميع القوانين القائمة على قواعد دينية يهودية، ويريدون ترسيخها في كافة جوانب الحياة، وهذا ما يقلق جمهور العلمانيين الإسرائيليين، ومعهم قادة الاقتصاد الخاص والعام، لما لذلك من انعكاسات، تُعدّ بنظرهم خطيرة على مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي والوجه العلماني لكيانهم.

غالبًا ما تتحرك كتل الحريديم الدينية بخطوات استباقية وتحذيرية لأي محاولة حكومية لتغيير الوضع القائم بالنسبة ليوم السبت، فقد أُدرج على جدول أعمال الكنيست بمبادرة من عشرات النواب ما لا يقل عن 100 مشروع قانون كلها تتعلق بالجانب الديني، مثل قوانين تدعو إلى تحرير حركة المواصلات والحركة التجارية أيام السبت، ولكن دائمًا ما كانت تقابلها قوانين من الحريديم تدعو للتشدد في ما هو قائم.

كذلك من أبرز مشاريع القوانين التي تقلق الحريديم، تلك التي تطالب بوقف احتكار إصدار شهادات الحلال على السلع الغذائية، حيث تحتكرها الجماعات الدينية وتحقق من ورائها عائدًا ماديًا كبيرًا، وهذه المسألة ليست فقط دينية بقدر ما هي اقتصادية مالية لجمهور الحريديم.

وكان الحزب الديني الأصولي «المفدال» سابقًا، و«البيت اليهودي» حاليًا، قد تسبب في ديسمبر/كانون الأول 1976، في إسقاط حكومة حزب العمل التي كان يرأسها في ذلك الوقت إسحاق رابين، عندما امتنع الحزب عن التصويت لصالح الحكومة، بناء على اقتراح حزبي ديني بحجب الثقة عنها، بسبب قيامها بانتهاك حرمة السبت، من خلال إقامتها حفل استقبال لأربع طائرات حربية إف-16 جديدة، كانت وصلت إلى إسرائيل ضمن صفقة مساعدات عسكرية أمريكية.

وبمرور الوقت ازداد التوغل الديني في المجتمع الإسرائيلي، وفرض هيمنته على القرار السياسي فشكَّل قوة ضاغطة تتجه بالمجتمع إلى عنف محتمل وصراع بين العلمانيين والمتدينين، ربما ظهرت بوادره مؤخرًا في معركة «السبت المقدس».


معركة «السبت المقدس»

في يوم السبت، يتم إيقاف حركة المواصلات العامة، وتعطيل التجارة والحرف اليدوية، كما يحظر تشغيل اليهود.

مثَّل الوضع الراهن بخصوص السبت – في أكثر من مناسبة – مصدرًا للخلاف السياسي الشديد بين ممثّلي الحريديم في الكنيست وبين سائر الأحزاب. فعلى مدار سنوات، اشتملت الاتفاقات الائتلافية مع الأحزاب الدينية على الحفاظ على الوضع الراهن في شئون الدين والدولة، أو على الأقل إعطاء حق النقض للحزب الديني على أي تغيير فيه.

مرة كل عدة سنوات يُطالب الجمهور والأحزاب العلمانية بتشغيل المواصلات العامة يوم السبت، ولكن في كل مرة تُلغى هذه المطالبة من جديد بسبب ذلك الوضع الراهن. ففي كل مرة يمس فيها مسئول عام أو حكومي يوم السبت تثور ضجة، وتُكثر الأحزاب الحاريدية من التهديد بالانسحاب من الائتلاف إذا تم انتهاك الوضع الراهن الخاص بيوم السبت.

أيقن اليمين المتشدد، أنه لا ثبات لحكوماته إلا باحتواء الحريديم، خاصة بعد تجربة حكومة نتنياهو الثالثة.

وقد ثارت ضجة مؤخرًا عندما وافق وزير المواصلات الإسرائيلي يسرائيل كاتس على القيام بأعمال البنى التحتية للقطارات يوم السبت من أجل تجنب الازدحامات المرورية في أيام الأسبوع الأخرى، فطالبت الأحزاب الحاريدية رئيس الحكومة بإقالة هذا الوزير.

فاضطر كاتس إلى تجميد القرار بعد تهديد نتنياهو له بالإقالة من الحكومة، واتهم نتنياهو الوزير كاتس في بيان صادر عن مكتبه، بالعمل على إحداث قلاقل فى الحكومة، من خلال إغضاب كتلة الحريديم.

ولذلك فقد أيقن اليمين المتشدد، من حزب الليكود وتحالف أحزاب المستوطنين، وأيضًا يسرائيل بيتينو (إسرائيل بيتنا) بزعامة أفيجدور ليبرمان، أنه لا ثبات لحكوماته إلا باحتواء الحريديم، خاصة بعد تجربة حكومة نتنياهو الثالثة، وهذا يعرفه ويستثمره الحريديم في هذه الحكومة.

فقد نجحوا في إلغاء جميع القوانين والإجراءات التي غيرت الوضع القائم الذي عايشوه منذ العام 1948، بدءًا من إعفاء شبانهم من الخدمة العسكرية الإلزامية، وصولاً إلى الميزانيات الضخمة التي تتلقاها مؤسساتهم الدينية والتعليمية، بما فيها مخصصات اجتماعية، لمن يمضون معظم أيامهم وحتى حياتهم في معاهد دراسة التوراة.

ويرى العلمانيون في مسألة المواصلات العامة إنه لا توجد دولة في العالم لا تعمل فيها المواصلات العامة في حوالي 20% من أيام السنة، في إشارة إلى أيام السبت والأعياد اليهودية، وأن هذه الأنظمة هي ضربة موجهة إلى الشرائح الفقيرة.

وتعد قضية السبت اليهودي والقوانين المتعلقة بها واحدة من القضايا الخلافية الحادة بين جمهوري العلمانيين والمتدينين في إسرائيل، ومنذ عشرات السنين لم يتوقف الجدل حول المسموح والممنوع دينيًا في أيام السبت، ومازالت الصراعات جارية.

المراجع
  1. محمد طنطاوي، "معنى يوم السبت في الفكر اليهودي القديم والمعاصر"، موقع صحيفة الحياة، 27 نوفمبر 1998.
  2. "اعرف عدوك: يوم السبت عند اليهود"، موقع شبكة فلسطين للحوار.
  3. عادل محمد عايش الأسطل، "قدسيّة السبت وأثرها على الائتلاف الحكومي في إسرائيل"، موقع ميدل إيست أون لاين، 29 أغسطس 2016.
  4. "الأحزاب الدينية تلوي ذراع نتنياهو بشأن حرمة السبت"، موقع المصدر، 2 سبتمبر 2016.
  5. خالد الأصمعي، "السبت المقدس: ونذر انفجار وشيك داخل إسرائيل"، موقع جريدة الأهرام اليومي، 26 سبتمبر 2016.