محتوى مترجم
المصدر
the conversation
التاريخ
2018/04/27
الكاتب
إد جريفيث

من المؤكد أن اللقاء الذي جمع بين زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون ونظيره الكوري الجنوبي مون جاي هو أحد أكثر الأحداث إثارة وزخمًا في التاريخ الحديث بشرق آسيا. وبعيدًا عما تحمله رمزية المصافحات عبر الحدود وغرس الأشجار (ناهيك عن مانجو الموسي المثير للجدل والذي احتجت طوكيو على تقديمه في عشاء قمة الكوريتين)، فإن الإعلان المشترك بأن معاهدة سلام سيتم الاتفاق عليها خلال العام الحالي وتشارك البلدين مسألة نزع السلاح النووي، يمثل أهم تطور في العلاقات بين الكوريتين منذ الهدنة التي أنهت الحرب الكورية في عام 1953.

لقد بدا أن الفرصة الحقيقية الأولى لهذا الحوار قد أتت عندما استضافت كوريا الجنوبية دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية في بيونج تشانج خلال فبراير/ شباط الماضي. لكن من الناحية العملية، من غير المحتمل أن يكون حدثًا رياضيًا هو العامل الوحيد المحفِز لمثل هذا التحول الدراماتيكي في السياسة الخارجية لكوريا الشمالية. وفي ذلك الصدد، تبرز القليل من النظريات حول العوامل المحّفِزة فيما يتعلق بالشئون الكورية. يعتقد البعض أن حكومة كيم جونج أون قامت بمبادراتها لأنها تخشى فعليًا أن تصبح العقوبات الاقتصادية تهديدًا وجوديًا لها، فيما يرى آخرون أن برنامج نظام بيونج يانج لاختبار الأسلحة قد طمأنه بما فيه الكفاية لأن يستطيع أن يردع هجومًا خطيرًا. وتشير نظرية ثالثة إلى أن نهج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي لا يمكن التنبؤ به في العلاقات الدولية قد أعطى بيونج يانج شعورًا بالحاجة الملِحة للتحرِك.

اقرأ أيضًا:الحرب الكورية: الحرب المنسية التي غيرت مجرى التاريخ

لكن مهما كانت المثيرات أو الظروف، فقد اتضح أن كوريا الشمالية بدت أكثر تطورًا من الناحية الدبلوماسية بشكل أكبر مما يعتقده العديد من المراقبين. عندما تواصلت بيونج يانج للمرة الأولى مع سول حول إمكانية عقد لقاء عبر مبعوثيها لدورة الألعاب الأوليمبية الشتوية، لم يكن واضحًا كيف يمكن أن يتم تنظيم مثل تلك القمة التاريخية في وقت قصير. عادة ما تستغرق مثل هذه الأحداث شهورًا من التخطيط والتفاوض على أدق التفاصيل، لكن الجانبين أعطيا نفسيهما فقط بضعة أسابيع لترتيبها.

إن زيارة كيم جونج أون إلى بكين – وهي أولى رحلاته كزعيم لكوريا الشمالية – أثبتت أهميتها. لقد تمخض عن تلك الرحلة شعور كيم بالاطمئنان من دعم حليفه الأهم الصين، كما أن كيم نفسه أسهم في تهدئة المخاوف المتنامية لبكين من أن تتعرض للتهميش في تلك العملية. وقدمت هذه القمة المثال الأول على مهارات كيم الدبلوماسية التي لم تكن موضع تقدير من قبل، كما أنه لعب دور الشريك الأصغر للرئيس الصيني شي جين بينج. ومع ذلك، ومع تدفق العواطف لجميع الأطراف، يبرز أيضًا جانب من الواقعية في ذلك الصدد.


اللعبة الطويلة

على الرغم من إعلان كيم ومون أن النزع الكامل للأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية هو الهدف المنشود، فإنه ليس واضحًا حتى الآن ما إذا كان الجانبان يستغلان تلك المرحلة لتحقيق الشيء نفسه. وسواء كان لدى بيونج يانج أو لم يكن لديها استعداد للقبول بالحد من قدراتها النووية على أي مستوى، ليس أمرًا واضحًا، لكن حتى وإن انخرطت لأقصى حد في اتفاق لنزع السلاح النووي، فإنه يتعذر إلغاء برنامجها للأسلحة النووية في نهاية المطاف: بمعنى أن كوريا الشمالية تدرك في الوقت الحالي كيفية إنتاج تلك الأسلحة وستظل تسعى وراء تلك المعرفة حتى وإن تم تدمير ما تمتلكه من أسلحة.

اقرأ أيضًا:رئيس جديد لكوريا الجنوبية: حليف لكوريا الشمالية، عدو لواشنطن

كان هناك إعلان بارز خلال القمة وهو التزام زعيمي الكوريتين بالسعي بشكل فعال لعقد لقاءات سواء مع الولايات المتحدة وحدها أو الولايات المتحدة والصين معًا. يشير ذلك إلى حقيقة تثير الانزعاج، وهي أن النقاش حول العلاقات بين الكوريتين لا يمكن على الإطلاق أن يكون بينهما فقط. وبقدر تاريخية هذه القمة، فإن القضايا التي تستقر في صميم الانقسامات الكورية لا يمكن حلها دون تدخل مباشر من الولايات المتحدة والصين.

لن تتسامح الصين في أن يتم تهميشها من قبل الولايات المتحدة، وستفعل كل ما بوسعها لضمان أن تكون الخطوة التالية هي إجراء حوار رباعي. وبالمثل، فإن كوريا الشمالية ستكون في حاجة لدعم من حليفها الاقتصادي الأكثر أهمية إذا كانت تنوي إعادة بناء اقتصادها. في نهاية المطاف، فإن أفضل ما يخدم مصالح الصين هو التعايش السلمي بين الكوريتين بشكل أفضل من إعادة توحيدهما، الأمر الذي سيحرمها من وجود دولة عازلة بين حدودها وبين حدود الحليف العسكري لواشنطن (كوريا الجنوبية). على الأرجح سيستمر شي جين بينج في دعم كيم جونج أون، سيقدم له المساعدة في التنمية الاقتصادية بدلًا من التشجيع على الحل جذري للحدود مع كوريا الجنوبية.

اقرأ ايضًا:كوريا الشمالية: ورقة الصين الرابحة لعرقلة ترامب

بالمثل، وبغض النظر عن رغبات كوريا الجنوبية على الحدود فإنه لا يمكن تحقيق تقدم ملموس دون مساهمات الولايات المتحدة. وكما تبدو الأمور، فإن كوريا الجنوبية تحتاج لضمانات أمنية من واشنطن كما أن الأولويات المختلفة لكوريا الشمالية تتمحور حول حماية نفسها ضد العمل العسكري الأمريكي الافتراضي.

لذا، وبنفس القدر من الزخم الذي كان يحمله الاجتماع بين زعيمي الكوريتين، فإن الرجلين وحدهما لا يحملان المفتاح لمستقبل دولتيهما. لكن وعلى الرغم من تلك الحقيقة الجيوسياسية الواضحة جليًا، فسيكون من الخطأ عدم الاعتراف بأهمية هذه الخطوة الهائلة في المضي قدمًا. بمعنى أن لجوء الكوريتين للحوار مجددًا يُعد تقدمًا في حد ذاته، وكما يبدو فإنهما على الأرجح سيواصلان التشاور وبناء الثقة وهو أفضل ما يتمناه أي شخص من هذا الاجتماع غير المسبوق.

The Conversation
The Conversation