لا يفصل عبد الله السعيد لاعب الأهلي السابق وبيراميدز الحالي عن نادي المائة سوى خمسة أهداف فقط. هل ترى هذا الأمر إنجازًا يستوجب الاحتفاء؟

الإجابة قد تحمل في كل الحالات شيئًا من الانتماء. عبد الله السعيد تحديدًا يقف خارج مربع الانتماءات متحديًا الجميع، فهو المغضوب عليه في الأهلي وهو الذي تلاعب بالزمالك، ثم هو الرجل الذي يحرز في كلا الناديين بألوان فريق يتحدى الجميع.

لنكن منصفين، دعنا في البداية نتناول قيمة هذا الإنجاز قبل أن نربط تفاصيله بعبد الله السعيد تحديدًا.

نادي المائة والكوميديا السوداء

منذ قرابة العشرة أشهر، استطاع ميسي أن يحرز الهدف رقم 400 في بطولة الدوري الإسباني، حدث تاريخي متفرد دون شك يستوجب الاحتفاء. بينما المصري محمد صلاح تجاوزت أهدافه الخمسين هدفًا في الدوري الإنجليزي خلال موسمين فقط رفقة فريق ليفربول، وهذا حدث يستوجب الاحتفاء أيضًا؛ نظرًا لقلة عدد المواسم مقارنة بعدد الأهداف.

لكن هل صادفت من قبل لاعبًا أوروبيًا يحتفل بتسجيله مائة هدف بعد أن لعب خمسة عشر موسمًا متتاليًا في نفس الدوري؟ لا أعتقد ذلك، لكن في مصر الأمر مختلف تمامًا.

هناك المئات من التفاصيل التي تدل ببساطة على وجود فارق شاسع بين كرة القدم التي تلعب في مصر وفي أوروبا، واحدة من تلك التفاصيل هي المعدل التهديفي للاعبين. لكن ما يجعل الأمر أشبه بالكوميديا السوداء هو الاحتفاء بهذا المعدل التهديفي البسيط فيما يعرف بالقائمة التاريخية لنادي المائة المصري، والتي تحتوي على ثمانية لاعبين فقط استطاعوا أن يحرزوا أكثر من مئة هدف خلال مباريات الدوري المصري.

قبل أن تخبرني أننا وقعنا في فخ المقارنة الذي لا يقع به مصري شغوف بالكرة الأوروبية، دعنا نتفق أننا لا نقارن لاعبي مصر بميسي ورونالدو. الحديث هنا ليس عن اللاعبين، بل عن الاحتفاء بهذا الإنجاز الذي اقترب منه لاعب ربما يعيد تعريف هذا الإنجاز والاحتفاء به مرة أخرى.

هنا تحديدًا مفترق الطرق في تلك المسألة، هل سيتم الاحتفاء بإنجاز عبد الله السعيد رغم اعترافنا بغرابته أم سيتم ترديد السطور السابقة على أنها الحقيقة الثابتة التي يجب أن يعلمها الجميع، وأن المعدل التهديفي في مصر سيئ وأنه إنجاز غير مهم؟ لكن لماذا عبد الله السعيد تحديدًا؟ دعنا نتناول الأمر.

الأهلي والإعلام

في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1998، استطاع مهاجم النادي الأهلي حينئذ حسام حسن أن يحرز هدفه المئة في بطولة الدوري. كان هدف الفوز قبل نهاية المباراة بدقيقة واحدة أمام نادي المقاولين العرب، لكن مخرج المباراة قرر أن أحداث المباراة الدرامية تلك لا ترتقي لمستوى أهمية إحراز حسام حسن هدفه المئوي.

قرر المخرج أن يقدم للمشاهدين أول هدف أحرزه حسام حسن بقميص الأهلي في الدوري المصري ثم إعادة للهدف رقم مائة، ثم قسم الشاشة نصفين كل نصف يعرض خلاله هدفًا من الهدفين، كل هذا وما زالت المباراة تلعب في دقائقها الأخيرة.

هذا الاهتمام التاريخي استمر بعد ذلك لتفرد له برامج الرياضة حينئذ مساحة ليست بالصغيرة، مساحة لوصف إنجاز حسام حسن الهام، بينما لم يتلقَّ أحمد الكاس مثلًا هذا الاهتمام رغم تحقيقه نفس الإنجاز.

 يملك الأهلي قوة إعلامية لا يستهان بها، يستطيع من خلالها أن يضع لاعبًا ما وحده في البرواز أو يلقي به خارج المشهد قدر ما استطاع.

دون أن نعيد ذكر الأحداث قرر عبد الله السعيد أن يخرج من برواز الأهلي وهالته الإعلامية مفضلًا طريقًا يؤمّن له مقابلاً ماليًا أفضل، وعلى الفور تحول عبد الله السعيد من لاعب دون بديل في مصر إلى اللاعب رقم 19 دون ذكر اسمه. 

رحل عبد الله عن الأهلي متجهًا لفنلندا ثم السعودية، ثم بدأ الحديث عن مدى عبقرية صالح جمعة، ومدى جودة ناصر ماهر، وعن مواسم عبد الله التي لم يتطور خلالها وكيف أنه استفاد من الأهلي أكثر ما أفاده. وصل الأمر لدرجة أن مدح عبد الله في البرامج الرياضية أصبح دلالة واضحة على معاداة الأهلي وجماهيره.

كانت النتيجة الطبيعية لتلك الأحداث أن ينتهي عبد الله السعيد ويبدأ في الانهيار، إلا أن الإعلام لم يستطع أن يميل لكفة الأهلي كالمعتاد لأنه وببساطة كانت توجد حينئذ كفة مقابلة لا تقل وزنًا، وهي كفة تركي آل الشيخ.

تركي آل الشيخ قبل وبعد

دعم تركي آل الشيخ عبد الله السعيد معتبرًا إياه جزءًا من خلافه ضد النادي الأهلي وإدارته. عاد عبد الله السعيد من السعودية لمصر صباحًا عبر نادي بيراميدز المملوك لتركي آل الشيخ، وشارك مساءً ضد النادي الأهلي وأحرز هدفًا ليبدأ الجميع في الحديث عن خبرة عبد الله التي لا يستهان بها.

بدأ الحديث عن أهمية عبد الله يزداد مرة أخرى من كفة إعلاميي تركي، بالإضافة لعدم وجود لاعب مميز في نفس المركز. أصبح وجود عبد الله مرة أخرى بين الكبار أمرًا حتميًا لا جدال فيه.

دارت الدائرة مرة أخرى وعادت علاقة تركي بالأهلي إلى وفاق حذر. يهتم تركي كثيرًا أن يكسب رضى جماهير الأهلي خلال الفترة الحالية بالمزيد من المصالحات والوعود والتبريرات، ربما دخول عبد الله السعيد نادي المئة هو أول اختبار لعودة العلاقة بين جماهير الأهلي وتركي آل الشيخ. فإلى أي جانب سيقف تركي؟ جماهير النادي الأهلي أم اللاعب الذي لعب في فريق بيراميدز من أجل تركي نفسه؟

لكن ماذا عن عبد الله نفسه، كيف وصل للمائة؟

عبد الله الذي استفاد من كل شيء

عبد الله السعيد هو خريج مدرسة الموهوبين بالإسماعيلية، وهو لم ينكر كونه مشجعًا للإسماعيلي في الصغر حتى بعد الرحيل للنادي الأهلي. قضى عبد الله السعيد أفضل فتراته مع كرة القدم رفقة النادي الإسماعيلي، هنا نجد عبد الله المتحرك خفيف الحركة الذي يجيد ربط الخطوط بعضها ببعض، يجيد التسديد بشكل ملحوظ وتنفيذ الركلات الحرة ولا خلاف أنه لاعب يمتلك ما يجعله من أفضل لاعبي مصر.

استفاد عبد الله بشكل مثالي من وجوده داخل جدران النادي الإسماعيلي حيث صقل موهبته وتم الاعتماد عليه بشكل كبير في سن صغيرة، وهو ما أتاح له أن يتطور كثيرًا بتوالي المواسم دون ضغوط البطولة واستقرار الأداء الذي ربما كان سيلاحقه رفقة فريق أكبر مثل الأهلي والزمالك.

قرر السعيد أنه آن الآوان ليرحل عن النادي الإسماعيلي نحو وضع مادي أفضل وبطولات لن تحقق رفقة القلعة الصفراء، ضغط عبد الله على الجميع وافتعل المشاكل مع الجماهير ليرحل صوب النادي الأهلي ويزامل أسماء بحجم تريكة وبركات.

وجد عبد الله نفسه محاطًا بالعديد من النجوم في الأهلي، تارة يجلس على دكة الاحتياط ثم تارة يجد نفسه مجاورًا لخط التماس الأيمن على غير عادته، وبدأ يفقد عبد الله كثيرًا من شكله القديم رفقة نادي الإسماعيلي.

مع مرور الوقت، نستطيع أن نرى نسخة مختلفة من عبد الله، عبد الله الذي استفاد من مجاورة لاعبين بحجم تريكة وبركات وعرف ماهية هيبة الأهلي التي تجعل المنافسين مستعدين للخسارة قبل المباريات. هنا نرى عبد الله الأثقل وزنًا لكنه الأذكى على مستوى التحرك ورؤية الملعب وتوزيع المجهود، وهي مرحلة تشبه كثيرًا أداء مدربه المفضل في الأهلي حسام البدري التدريبي، شكل ملتزم دون إبداع حقيقي.

بدأ عبد الله يلعب خلال الوقت الحالي مع فريق بيراميدز في ظروف مثالية، فلا هو تحت ضغط البطولة في الأهلي ولا هو رفقة فريق صغير يجاهد حتى يحرز الهدف. خدمته الأحداث كثيرًا، لكنه استفاد منها بشكل مثالي في كل مرة.

ربما يدخل عبد الله نادي المائة خلال الموسم الحالي. فهل يدخل متخفيًا محاطًا بالكثير من الآراء المتباينة كما اعتاد خلال مسيرته، أم يتم الاحتفاء به كغيره بشكل طبيعي دون التطرق لمسألة الانتماءات تلك؟