الوسيلة الوحيدة لتحرير كامل فلسطين هي المقاومة بكافة أشكالها، هذه الجملة كانت أكثر ما يردده أبو علي مصطفى، لهذا نراه يخلط في سيرته بين العمل السياسي والمقاومة المسلحة، لهذا كان الرجل على رأس قائمة الاغتيالات الإسرائيلية، فهو الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهو رمز من رموز المقاومة بجانب ذلك المنصب.

في أحد تصريحاته قال إن من حق الشعب الفلسطيني المُشرد والمُحتل أن يدافع عن نفسه بكل الأشكال حتى بالكفاح المسلح، أردف مصطفى أن الثابت في التعامل مع الكيان الإسرائيلي هو حالة الصراع، أما المتغيّر فهو التكتيكات والوسائل التي يخوضون بها هذا الصراع، لذلك أوضح مصطفى أن المقاومة المسلحة يجب أن تكون في معزل تمامًا عن الخطاب السياسي، فقد يتحدث السياسيون عن تسوية أو سلام مؤقت، لكن هذا السلام لا يُجيز التخلي عن السلاح، لأن السلام جزء من أدوات المقاومة المسلحة ليس إلا.

مصطفى علي العليّ، واسمه الحركي أبو علي مصطفى، من مواليد بلدة عرابة عام 1938. كانت دراسته في جنين، ثم انتقل مع والده إلى عمان لإكمال دراسته فيها، وفيها بدأ الخطوات الأولى لحياته العملية، ففي عام 1955 انضم إلى حركة القوميين العرب، ومن خلالها بدأ في مجابهة السلطة أثناء معارك الحركة الوطنية الأردنية ضد الأحلاف، كذلك شارك مع الحركة في نضالها لإلغاء المعاهدة البريطانية الأردنية، وما سيتبع ذلك من تعريب قيادة الجيش والتخلص من الضباط الإنجليز.

بعد عامين من انضمامه للحركة اعتقل، واستمر الاعتقال بضعة شهور بسبب إعلان الأحكام العرفية في البلاد، وما تلاه من منع الأحزاب من ممارسة نشاطها. لكن أُطلق سراحه رفقة بعض زملائه، لم يكن إطلاق السراح نهائيًا، فعاودت السلطات اعتقاله بعد عدة أيام، لكن هذه المرة قدموا لمحاكمة عسكرية بتهمة معارضة النظام والقيام بأنشطة محظورة، بجانب الدعوة للعصيان المدني وإصدار المنشورات التحريضية.

النكسة تلد مقاومة جديدة

كان التملص من تلك التهم مستحيلًا، وانتهى الأمر بحكم عسكري بسجنه لمدة 5 سنوات في معتقل الجفر الصحراوي، عام 1961 أخلي سبيله، لكنه عاد فورًا لممارسة أنشطته، فأصبح مسؤول الحركة في شمال الضفة، بعد أن صار المسؤول أسس منظمتين داخل نفس الحركة، الأولى تُعنى بالعمل السياسي، أما الثانية فعسكرية سرية، العلوم العسكرية التي تلقاها كانت في مصر، ففي عام 1965 تلقى الرجل تدريبات عسكرية في قاعدة إنشاص المصرية.

كان هدف الدورة الأساسي تخريج ضباط فدائيين. وعاد منها أبو علي وبدأ في تشكيل مجموعات الفدائيين، وبات الرجل علامة بارزة في إدارة العمل السري داخل الحركة، تلك الأهمية لفتت نظر المخابرات الأردنية، فاعتقلته مع العديد من زملائه، خضع حينها للتوقيف الإداري لبضعة شهور في سجن الزرقاء العسكري، ثم نُقل لمقر المخابرات في عمان، لكن لاحقًا أُطلق سراحه مع زملائه دون الخضوع لأية محاكمة.

كان الإفراج في أواخر عام 1966 فعاود أبو علي نشاطاته، غير مدرك النكسة التي تنتظر العرب على بعد شهور، بعد وقوعها عام 1967 تواصل أبو علي مع جورج حبش، من مؤسسي حركة القوميين العرب، كان تواصلهما للاتفاق على بداية الكفاح المسلح المُنظم، وفي تلك اللحظة انطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

الجبهة تنتهج مذهبًا يساريًا، متأثرة في ذلك بحركة القوميين العرب، لكن بعد عام واحد من تأسيس الجبهة انشق أحمد جبريل، ضابط فلسطيني كان يخدم في الجيش السوري، جبريل كوّن الجبهة الشعبية للقيادة العامة، كانت الجبهة مغرية بالانشقاقات بسبب تبنيها الفكر اليساري والاشتراكية العلمية، التي عرّفتها الحركة باعتبارها الأساس النظري لها، لذا انشق فريق بقيادة نايف حواتمة في 1969 وكوّن الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين.

قيادة المقاومة في الداخل

بدأت مسيرة جبهة أبي علي بإعادة تنظيم الكيانات المسلحة ونشر الخلايا العسكرية في مختلف فلسطين، وتنسيق النشاط ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، كان الاحتلال الإسرائيلي قد رصد هذه التحركات فوضع اسمه على قوائم المطلوبين، لكن اختفى أبو علي مصطفى لبضعة شهور في الضفة الغربية ثم ظهر بعد أن هدأت دوريات البحث عنه.

بعد أن عاود الظهور أصبح مسؤولًا عن الداخل الفلسطيني في الجبهة الشعبية. ثم تولى مسؤولية قوات الجبهة في الأردن حتى عام 1971. وكان هو القائد في أحداث أيلول الأسود، لكنه غادر من الأردن إلى لبنان، بعد أن بدأت منابع المقاومة المسلحة تجف في الأردن، وفي عام 1972 في المؤتمر العام للجبهة اُنتخب نائبًا للأمين العام.

عاد لفلسطين أخيرًا عام 1999، واستمر في تولي مهامه كنائب للأمين العام. العودة كانت بناءً على اتفاق جرى في القاهرة مع ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وقد وافقت إسرائيل على عودته إلى بلدته بعد أن استمر رفضها لمدة 3 سنوات، في العام التالي لعودته، في المؤتمر العام السادس، انتخب أمينًا عامًا للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

كان أبو علي يدرك أن عودته لفلسطين تقرّبه من دائرة الاغتيالات، لكنه لم يبال كثيرًا، لأنه لم يكن بعيدًا عنها في أي مكان.

الاغتيال

 فقد تعرض لعدة محاولات للاغتيال في بيروت والأغوار الأردنية، وقد قبض رجال أبي علي على شاب من المنضمين حديثًا للمقاومة في بيروت بعد أن أدخل سيارته لمكان ركن السيارات أسفل بناية مكوّنة من 12 طابقًا يسكنها أبو علي، ثم أخرج السيارة وعاد بها مرة أخرى، بعد عودتها كانت السيارة قد فُخخت، واعترف الشاب بتعاونه مع ضابط تابع للاحتلال يُلقب بأبي جعفر.

كذلك تعرض لمحاولة أثناء قيادته سيارته، وسقطت عدة قذائف مدفعية حوله لكنه نجا منها بالهروب لحقل موز مجاور، لكنه ظل يصارع العدو حتى أغسطس/ آب عام 2001، إذ قررت إسرائيل أن الوقت صار مناسبًا لتمارس طريقتها المفضلة في التخلص من المقاومة الموجودة في فلسطين عبر الاغتيال الغادر.

 فقصفت إسرائيل مكتبه في مدينة البيرة بصاروخين، وقد أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي بيانًا يعترف فيه بهذه العملية، وقال البيان إن الرجل وجماعته وراء العديد من التفجيرات بالسيارات المفخخة، وصرّح آفي بازنر، المتحدث باسم آرئييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، بأن إسرائيل لم تعتبر أبا علي زعيمًا سياسيًا، بل هو في نظرها إرهابي خطير، وتصفيته ضمن خطة إسرائيل ضد الأشخاص الذين يخططون لعمليات ضدها.

 خسرت الجبهة الشعبية بفقده قائدها ومؤسسها، لكنها سرعان ما استعادت توازنها وقررت ألا يمضي موته هباءً، لذا بعد شهرين فقط نجحت الجبهة في قتل وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي، لتُلقن الكيان الإسرائيلي درسًا قاسيًا، بأن الأفراد في المقاومة يرحلون، لكن المقاومة باقية، وقد ينجح الاحتلال في اغتيال الرموز، لكن سرعان ما تُولد رموز أخرى من أرحام لا تعقم أبدًا أن تلد فدائيين ومقاومين.