في عصر السوق تبدأ لحظات الصراع الحقيقية عندما تلد الأم أطفالها، ليبدأ صراع طويل مع نفسها ومجتمعها، صراع يحكمه الاغتراب عما يجب عليها أن تكونه وما هي عليه حقًا وما قد يحتاجه أطفالها، وقدرتها على إدارة ذلك كله في عصر جوهره هو الفرد، فالحياة في هذا العصر بالنسبة للأمهات قد تمثل صعوبة حقيقية واغترابًا إضافيًا في عالم لا يرى الأمومة كضرورة اجتماعية، بل يراها كمعيق وعبء إضافي تتحمله الأيدي العاملة.

تحدثت سابقًا عن اغتراب الأمومة في عصر السوق، وعن التحولات التي تصيب المرأة على المستوى الجسدي وفقدانها للمعايير السوقية المتعارف عليها المتعلقة بجسد المرأة، ثم اغترابها عن الثقافة المجتمعية السائدة والتي تحدد معايير اقتصادية معينة للنجاح – حيث لا تنجح المرأة إلا إن انغمست في إطار السوق وحققت نجاحًا ماديًا بتوصيف وظيفي عملي – ويلي ذلك اغترابها عن المجتمع المحيط وإحساسها بالوحدة، خاصة مع تغير الوسط الاجتماعي فجأة، وخاصة مع عدم القدرة على الاندماج في سرديات المرأة المضحية المتفانية، والتي لا تشتكي أبدًا مهما حل بها، وفي النهاية تحدثت عن ارتباط المصائر وكيف يؤثر ذلك على إحساس الأمهات بعدم اليقينية والعجز وعدم السيطرة على واقعهن ولا مستقبلهن؛ مما يساهم في جعل الأمومة وحشًا مخيفًا يصعب على النساء تقبل مواجهته.

في هذا الجزء من المقال سنستعرض الحلول التي تلجأ إليها الأمهات للتكيف والتأقلم مع الصعوبات وحالة الاغتراب، وذلك عبر مقاربة اجتماعية مع نظريات عالمي الاجتماع الفرنسي «إميل دوركايم» (1858- 1917) والأمريكي «روبرت ميرتون» (1910- 2003)، ويرجى ملاحظة أن هذه المقاربة تتم في إطار نظريات غربية، فنظريات ميرتون قُدمت وطبقت أساسًا على المجتمع الأمريكي، إلا أن الظواهر الاجتماعية تتشابه، ويمكننا الاستفادة دائمًا من الأطروحات التي تم تقديمها، لتحليل بعض الظواهر الاجتماعية في مجتمعاتنا.

في العام 1893 بدأ عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم استخدام كلمة «Anomie»، وكلمة Anomie :ἀνομία هي كلمة ذات أصل لاتيني وتعني «lawlessness – انعدام القانون»، أو حالة البلبلة والقلق والشك والتي تثيرها حالة من غياب القيم أو القانون أو النظم المعيارية التي تحكم البناءات الاجتماعية المختلفة.

إذن وجود مجتمع مستقر ما يلزمه حد أدنى من التوافق على القيم المشتركة، وهو ما يتحقق من خلال وجود عقد اجتماعي ما، يرعى هذه القيم ويقوم على أساس الثقة، إذن ما الذي يحدث عند غياب هذه القيم؟ أو تخلخل العقد الاجتماعي، أو حدوث تحولات ضخمة في المجتمعات؟ يؤدي هذا وبشكل مباشر إلى حالة الأنومي، ففشل النظم الاجتماعية في إيجاد نموذج متوسط لنشاط الأفراد فيه تؤدي لعدم رضاهم عن أدوارهم الاجتماعية، وهو ما يخلق حراكًا جديدًا في محاولة لإيجاد حالة من الرضا والاستقرار، يتخذ هذا الحراك أشكالًا عدة من الامتثال وحتى التمرد والصراع.


ما علاقة هذا بالأمومة إذن موضوعنا الأساسي؟

خلال عشرات الأعوام السابقة كانت الأمومة مطمحًا للفتيات الصغيرات، وهدفًا أساسيًا، كان الشذوذ هو ألا تكون الفتاة أمًّا، ألا تتزوج أو ألا تنجب، كان الإنجاب والأمومة هو أحد أهم أهداف الزواج، لم يكن من المألوف أن يعلن أحد الأشخاص عن قراره بتأجيل الإنجاب لعام أو عامين، الآن ومع التغير التدريجي في القيم الاجتماعية الحاكمة أصبح من الطبيعي، بل البديهي أحيانًا، ألا ينجب الأزواج، وأصبح هناك تغيير واضح في النظرة للأمومة وما تعنيه بالنسبة للمجتمع والآباء، ولا يمكننا أن نغض النظر أن هذا التغير حدث في إطار أحد فروض ميرتون، والذي يقتضي أن العناصر الاجتماعية قد تكون وظيفية بالنسبة لبعض المجموعات، وقد تكون ضارة وظيفيًّا لمجموعات أخرى، فالأمومة مهمة جدًا للمجتمع، إلا أنها في نفس الوقت ضارة وظيفيًّا بالنسبة لمجتمع السوق ونمو رأس المال، كما شرحنا سابقًا.

هنا في هذا المقال سنشرح كيف خلق شعور «عدم الارتياح مع الأمومة» توجهات مختلفة تحاول التأقلم والتكيف مع المشاعر السلبية المختلفة الناتجة عن هذا الشعور بعدم الارتياح، والذي شرحنا أسبابه في الجزء الأول من هذا المقال.

في العام 1957، قدم روبرت ميرتون نظريته حول التكيف، وهي نظرية اجتماعية لبحث تأقلم الإنسان في ظل التناقضات المحيطة به، وفي ظل نقص أو تخبط المعايير الاجتماعية والأخلاقية، هذا التأقلم هو استجابة تلقائية غير واعية، يقوم بها الأفراد من أجل جبر الهوة الحادثة بين الأهداف المرغوب في تحقيقها – أي تحقيق حالة نجاح تخلق حالة من الرضا عن الذات – والأساليب المتاحة داخل إطار اجتماعي معين، قدم ميرتون أنماطًا للتكيف كنتيجة حتمية للاغتراب، وعدها في خمسة أنماط أساسية، وهي كالآتي: نمط الامتثال والطاعة، نمط الإبداع والابتكار، نمط العادات الطقوسية، نمط الانعزال والانسحاب، وأخيرًا نمط التمرد، ويمكننا ملاحظة أنماط ميرتون في طريقة تعامل كل أم مع اغترابها – حال وجوده – هذه الأنماط وتفاعلاتها في الحيز العام والحيز الخاص هي ما يخلق أنماطًا وسرديات جديدة للأمومة والأمهات، يمكننا رؤية بوادرها في مجتمعنا، ومن الجدير أن نأخذ في حسباننا ملاحظتين: الملاحظة الأولى أن الأنماط التي سنستعرضها ليست حدية تمامًا كما يظهر هنا، بل هي مختلطة ومتشابكة ويمكن أن يحمل الفرد الواحد – في حالتنا هذه – أكثر من نمط.

الملاحظة الثانية أن هذه الأنماط في الأغلب هي ردود أفعال غير متعمدة ولا متقصدة ولا يسبقها نية، لا يحتاج هذا النمط، ولكنه تكيف اجتماعي تقوم به الأمهات بشكل تلقائي من أجل الوصول لحالة الاستقرار والراحة المطلوبة في إطارها الاجتماعي.

1. نمط الأمومة الساكنة: الامتثال والطاعة

في المجتمعات المستقرة، والتي تحمل بداخلها أهدافًا واضحة، ومحددات نجاح واضحة ومعروفة، تزداد قدرة الأفراد على تحقيق رضاهم الشخصي وشعورهم بالنجاح، مما يزيد من قدرتهم على الامتثال للنظام الاجتماعي، وبالتالي المساهمة في استقرار النسق الاجتماعي على شكله وعدم تغييره.

إذن فالنساء اللواتي نشأن في مجتمعات وأنساق اجتماعية (قرى أو مدن صغيرة مثلًا) تحمل قيمًا متعارفًا عليها، وتمثل الأمومة حالة نجاح كافية للأنثى، يكنّ أكثر قدرة على الامتثال لهذه القيم الاجتماعية، وبالتالي يكون لديهن القدرة على أن يكن أمهات مستقرات داخل النسق، تصبح الأمومة فعلًا اعتياديًّا لا يمثل عبئًا ولا ضغطًا اجتماعيًّا، لأنه يحقق بذاته حالة من الرضا والنجاح بالإضافة للمركز الاجتماعي الذي تمثله الأم.

في هذه المجتمعات لا يطلب من الأنثى أي شيء سوى أن تكون أمًّا، أدوارها الوظيفية معروفة، وربما يكون مستهجنًا ومستغربًا قيامها بأدوار وظيفية أخرى، فهي ستصبح أمًّا لأنها سنة الحياة، وستمارس أمومتها بنفس الطريقة المجتمعية السائدة.

يمكننا أيضًا رؤية هذا النمط في الأمهات العاملات في وظائف حكومية – ثابتة- هناك حالة نجاح واضحة وثابتة، ترقٍ وظيفي ثابت، دوام معين – قصير غالبًا – لا يتعارض بشكل حاد مع أدوار الأمومة وهو مرضي عنه اجتماعيًّا بشكل كبير.

هذا النمط حسب ميرتون يحقق استقرارًا للمجتمع، وهم الأغلبية في أي مجتمع مستقر.

2. الماميز وأمهات النوادي: أمومة العادات والطقوسية

في هذه الحالة وكشكل من أشكال التكيف ينخفض شكل التوقعات والأحلام الفردية والشخصية بشكل قهري، أو حتى يتخلى عنها نهائيًّا، والانغماس في مجموعة من الوسائل التي تعوض الإحساس بالنجاح والإنجاز.

يمكنننا رؤية هذا النمط من التكيف في ظاهرة «الماميز» وما شابهها في البلدان العربية: وهن الأمهات المنشغلات بشكل هوسيّ بالتدريبات الرياضية والمدارس الإنترناشيونال واصطحاب الأطفال من وإلى التمرينات والتدريبات المختلفة، بالإضافة للإشراف على اللانش بوكس أو أي موضات أخرى قد تخرج في أى وقت في أوساط الأمهات، وضمان التزام الأطفال بالمعايير الاجتماعية المتعلقة بطبقتهم الاجتماعية، ويمكن ملاحظتها على مجموعات الفيس بوك أو الواتس آب، تتحول هذه الانشغالات إلى ما يشبه العادات الطقوسية اليومية والتي تؤمن حدًّا أدنى من الإحساس بالنجاح ولا يمكن التخلي عنها، ففي حال التخلي عنها أو اختلالها تؤدي لإحساس عارم بالفشل، فيصبح غياب الطفل عن التمرين تقصيرًا لا يمكن تجاوزه.

يربط ميرتون وجود هذا النمط من التكيف بوجود نمط صارم في التربية والتنشئة الاجتماعية، أي أن هذه العادات الطقوسية ما هي إلا امتثال قهري للأساليب المشروعة اجتماعيًّا لتحقيق الأهداف الاجتماعية المحددة سلفًا (النجاح في الأمومة)، إلا أنها تخفي سخطًا على الوضع الاجتماعي القائم، فهذه الأهداف لا تحقق شيئًا يذكر على الصعيد الشخصي، وهو ما نراه عندما تنتهي مسئوليات الأمومة – جزئيًّا- يبرز على السطح الفراغ والإحساس العارم بضياع الوقت وعدم تحقيق إنجاز حقيقي، في هذه الحالة يتم الاستبدال بالعادات الطقوسية عادات أخرى تعوض الشعور بالفراغ.

3. أمومة قفز الحواجز: أمومة الابتكار

هذا النمط هو نمط القبول للأهداف النهائية، أن تكون أمًّا كما يقول الكتاب أو المجتمع، ولكنها ترفض الأسلوب والطريقة التي يتم فرضها، فتبدأ في الهرب عبر وسائل جديدة تحقق لها نوعًا من الرضا عن الذات والاستقرار والشعور بالنجاح والإنجاز. بالنسبة للمجتمع هذه الوسائل تمثل خروجًا عن الشرعية المفروضة والمتعارف عليها.

لهذا النمط أشكال عديدة ومتنوعة: كأمهات التربية الإيجابية، أو أمهات التعليم المنزلي، أو أمهات التغذية الصحية المنمقة أو حتى أمهات السوشيال ميديا اللواتي يقمن بعرض الأنشطة والنماذج التربوية الحديثة، هذا التزام بالهدف النهائي متعدد الأسباب، فالبعض قد يلتزم إيمانًا منه بعظم المهمة مع اعتراض موضوعي على الوسيلة، والبعض قد يلتزم بالهدف النهائي بسبب عدم القدرة على الخروج عنه وعدم وجود خيارات كثيرة، فتكون وسيلة الاعتراض هي تغيير الوسائل، وهكذا طرق مختلفة للتكيف قائمة كلها على قفز حواجز الأسلوب.

4. الهروب من الأمومة: نمط الانسحابية

يضع المجتمع قواعد وأهدافًا للنجاح ويطلب من أعضائه تحقيقها، بعض الأفراد في هذا المجتمع غير قادرين على تحقيقها بالطرق والوسائل التي يطرحها المجتمع – في حالتنا هذه حالة النجاح هي الأمومة إلا أنها تسبب أعباء هائلة في ظل الصراع بين الفرد والقيم السائدة التي لا يستطيع الاندماج فيها – فيكون حل هذا الصراع بالهروب الكامل من هذا المجتمع والانسحاب، وعدم الالتزام بالأهداف المعلنة في السياق الاجتماعي، ولا حتى بوسائله.

يمكننا أن نرى ذلك في الإعراض عن الأمومة، مطلقًا، أو حتى الإعراض عن الزواج نفسه بصفته يفتح باب الاحتمالية، والهروب من الأمومة لا يعني فقط عدم القيام بالفعل نفسه – أي أن تنجب وتصير أمًّا- بل أيضًا الانسحاب من أدوار الأمومة إذا كانت الأنثى قد قامت بدور الأمومة بشكل فعلي، ففي بعض المجتمعات قد نرى التخلي عن أدوار الأمومة وإسنادها للخدم والمربيات، هذا الانسحاب قد يتمثل في الإعلان عن عدم الرغبة في أن تصير الفتاة أمًّا على الإطلاق، هو إعلان سلبي، وراية اعتراض أن الصفقة التي يقدمها النسق الاجتماعي صفقة خاسرة، ولكنه إعلان منسحب ومختبئ وغير فعال أو ديناميكي.

5. سينجل ماذرز، فيمنيزم، وأشياء أخرى

كان التمرد هو أحد أهم وأبرز أنماط ميرتون للتكيف. هذا النمط يعمل على الإدانة الدائمة واستنكار أشكال النجاح التي يفرضها النسق الاجتماعي، وهو رفض إيجابي – أي يقدم بديلًا وهو ديناميكي في بنائه – يسعى للاستبدال بالنمط والنسق الاجتماعي القديم بناء آخر جديدًا يحمل قيمًا وأهدافًا جديدة، وذلك عن طريق الحشد الأيديولوجي القادر على تعبئة مشاعر الحرمان والغضب.

هذا النمط – حسب ميرتون – لا يظهر بشكل فج إلا بعد الشعور العميق بالإحباط والفشل وعدم القدرة على التحقُّق أو الإنجاز، يمكننا رؤية هذا النمط بشكل شديد الوضوح في حركات انتشرت في جيل التسعينيات وما بعدها، وقامت هذه الحركات، لأسباب ذكرناها في الجزء الأول من هذا المقال، باستقدام أنماط غربية خارجة من سياقها الغربي وتركيبها قسرًا على مجتمع مختلف تمامًا. فمثلًا ظاهرة الـ«سينجل ماذرز» والإشادة بها ومدحها بوصفها بطولة تخفي أن الـ«سينجل ماذرز» كمعنى وسياق هو مفهوم مختلف تمامًا عما يقصد به هنا، فالسينجل ماذرز في الغرب قد تعرف والد طفلها أو لا تعرفه، وعلى الأغلب تكون تلك الحالة نتاج علاقة غير شرعية بخلاف ما نعرفه نحن من علاقات شرعية يترتب عليها حقوق وواجبات والتزامات، وبالتالي ليس لها حقوق اجتماعية – بمعنى أن المجتمع لا يكفل لها حقوقها بشكل عرفيّ – هل هنا الوضع كذلك فعلًا؟ هنا يتم الإشارة بالسينجل ماذرز إلى الأمهات المعيلات أو المطلقات أو الأرامل. هؤلاء الأمهات لهن حقوق شرعية ودينية واضحة قانونًا وضمن السياق الاجتماعي والعرفيّ؛ صحيح أنهن على الأغلب مظلومات، ولكن هل تطابق التسمية المسمى؟ وهل يشبه التعريف المُعرّف؟ لا.. أبدًا!

أيضًا مما يمكننا رؤيته كظاهرة واضحة ضمن هذا النمط هو النظرة النسوية التي بدأت تسود العالم والمحيط، وهي نظرة لا تنشأ فقط عن إحباط، ولكنها تؤسس لانفصال حاد عما لا يمكننا الانفصال عنه، وهي نظرة نزاع وشجار وليست نظرة تفاهم أو تراحم أو تكامل، وفوق هذا فإن كل ما تقدمه النسوية هو بعيد شديد البعد عما تحتاجه مجتمعاتها بشكل حقيقي.

أتذكر بشكل غير إحصائي أهم القضايا التي طرحتها رائدات النسوية الشابات في مصر خلال هذا العام مثلًا، فأتذكر مثلًا أحاديث عن الحق في الحفاظ على شعر الجسد، أو الحق في الإجهاض، أو صراعات بين الجبهات النسوية عن حادثة تحرش شهيرة، هل هذه القضايا هي حقًّا ما يشغل النساء المصريات؟ السيدة المصرية في إحدى مدن الدلتا التي تعمل بوضع غير آدمي، وتتعرض لانتهاكات يومية ولحظية، وتعول أبناءها، لن تفكر بالتأكيد إن كانت ستحافظ على شعر جسدها أم لا، لكنها ستفكر بالتأكيد في رغبتها العارمة في الحصول على عمل يكفل لها كرامتها وماء وجهها، وستفكر برعاية صحية لائقة، وربما تحتاج حماية مؤسسية من العنف الأسري والاجتماعي، هذا المجتمع المحروم من أبسط حقوقه، يصبح الحديث عن قضايا مثل شعر الجسد أشبه بنكتة سمجة، هو تمرد فعلي ولكنه في الاتجاه الخاطئ، هو نضال لصالح نخبة طبقية ضئيلة، وما دام محصورًا في النخبة فلن يحدث حوار مجتمعي، وبالتالي فلن يحدث ذلك التغيير المنشود.

لكل نمط من هذه الأنماط الموجودة أسباب للظهور، وشروط للتحقق ومشكلات، أي لكل نمط إيجابيات وسلبيات، ولكننا هنا لا نهدف للتعليق عليها سلبًا أو إيجابًا، بل الهدف هو الوعي بها، فالوعي الكلي بالأمومة وما تعنيه وضرورتها الوجودية والاجتماعية، والانتباه اليومي للتفاصيل الدقيقة والأفعال وردود الأفعال، بحيث لا تكون حركة النساء حركة عمياء تحركها دوافع سيكولوجية تكيفية غير واعية، الوعي بالأنماط يتيح لنا كنساء حركة أفضل ومدى أوسع من الرؤية تسمح بتشكيل بناءات اجتماعية جديدة عادلة ومتكاملة ومختلفة عما قد تكون لو كانت الحركة عمياء مدفوعة بدوافع نفسية عاطفية بسبب الغضب والإحباط والشعور بالظلم وعدم التحقق، وفهمها في الوعي الجمعي قد يجنبنا -كمجتمع- المزيد من الغضب والعنف والجموح والتمرد، بسبب غياب العدالة.

الوعي بهذه الأنماط، يفتح مساحات أوسع للاختيار عن بينة، بحيث يكون هناك مدى أفضل للتفاوض حول الحقوق والاحتياجات حسب السياقات المتغيرة في كل أسرة ومجتمع صغير، هذه الأنماط ومحاولات التكيف والتأقلم عند الوعي بها والانتباه لها قد تصنع تجربة تحقق للأمهات الرضا عن ذواتهن، والرضا عن أمومتهن، والارتياح فيها، أي أطفالًا سعداء مرتاحين.