عقود طويلة مرت على من أُخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حق ليقضوا زهرة أعمارهم في بلاد غير بلادهم ويعيش كثير منهم وسط قوم يخالفونهم في اللسان وطريقة الحياة، هكذا هو حال اللاجئين الأفغان في الخارج الذين لم تبدأ محنتهم حديثاً بل منذ أكثر من أربعين سنة.

فقد بدأت موجات اللاجئين تتدفق إلى دول الجوار عقب الغزو السوفيتي للبلاد في نهاية السبعينيات ففر سكان الولايات الشرقية إلى باكستان والولايات الغربية إلى إيران، ولم تكن رحلة اللجوء سهلة بل كان الطيران الروسي يطاردهم بغاراته على طرق الهرب، فتسلقوا الجبال والطرق الوعرة مع عائلاتهم وأطفالهم واعتلى البعض منهم الشاحنات أو الخيول ليصلوا إلى مخيمات كانت أحيانًا في مناطق غير مأهولة تمتلئ بالعقارب وتفتقر للمياه وخدمات الصرف.

وبعد نهاية الحرب عاد بعضهم إلى بلادهم المدمرة فيما فضل الآخرون الاستمرار في باكستان حيث اندمجوا مع السكان المحليين لا سيما من قومية البشتون وعاشوا بلا وثائق هوية وتزوجوا وأنجبوا منهم ونشأت أسر مختلطة.

لكن إسلام آباد تغير موقفها بعد تصاعد المواجهات بين جيشها وحركة «طالبان باكستان» التي تنتشر في مناطق البشتون خلال السنوات الأخيرة وبدأت في ترحيلهم، ففي ديسمبر/كانون الأول عام 2015، أمهلت اللاجئين 6 أشهر للمغادرة النهائية بشكل مفاجئ، بالتزامن مع مطالبات شعبية بطردهم جميعاً ووصمهم بالإرهاب من قبل سكان محليين.

ومع أنه تم تمديد المهل بعد ذلك وتراخت السلطات الباكستانية في ترحيلهم لكن الحدود التي لم يكن لها وجود فعلي إلا على الخرائط أُغلقت ولم يعد يُسمح بالعبور دون وثائق سفر وعلق أفراد من الأسر على جانبي الحدود، وعبر كثيرون إلى أفغانستان بسبب عمليات الجيش الباكستاني ضد الجماعات المسلحة في منطقة وزيرستان الحدودية.

ورغم حديث رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بعد توليه السلطة في 18 أغسطس/آب 2018 عن احتمال منح اللاجئين الأفغان الجنسية وتقنين أوضاعهم لكن لم يتم تنفيذ هذه الخطة حتى اليوم.

أما في إيران فكان الوضع أسوأ إذ عانى اللاجئون من التعامل العنصري منذ لحظة عبورهم الحدود بسبب الاختلاف المذهبي وتم إرسال شبابهم الذين فروا من الحرب في بلادهم إلى جبهات القتال ضد العراق خلال حرب الثماني سنوات التي انتهت عام 1988، وخلال العقد الماضي أُرسل الآلاف منهم إلى سوريا للقتال في ميليشيات تابعة للحرس الثوري مع وعود بتوفيق أوضاع إقامة عائلاتهم في إيران.

ورغم سوء الأوضاع في الشتات ورجوع الملايين إلى بلادهم فإن الحرب لم تهدأ في أفغانستان مما أسهم في تدفقات لجوء جديدة فبعد خروج السوفيت اشتعلت حرب أهلية لم يوقفها إلا الاحتلال الأمريكي عام 2001 الذي استمر عشرين عاماً، ففي العام الماضي استقبلت باكستان 1.5 مليون لاجئ ودخل إلى إيران 780 ألفاً مع وجود أكثر من مليون نسمة من النازحين داخلياً.

وأكد المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة للاجئين أندريه ماهيسيتش العام الماضي أن نحو ربع سكان أفغانستان لاجئون سابقون كاشفاً عن وجود ما يقارب 4.6 مليون لاجئ أكثرهم في باكستان، وأن الأفغان أصبحوا أكبر مجموعة طالبي لجوء في قارة أوروبا، كما كشفت الإحصائيات أن 550 ألف أفغاني غادروا البلاد منذ بداية العام الحالي وحتى أغسطس/آب عندما سيطرت حركة طالبان على السلطة.

موجات الهجرة الجديدة

وبعد الانسحاب الأميركي، مؤخرا، صُدم العالم بمشاهد العائلات الأفغانية في مطار حامد كرزاي الدولي في كابول، ومحاولاتهم اليائسة للحصول على فرصة هجرة إلى إحدى الدول الغربية، والمشاهد المروعة لمن تعلقوا بالطائرات المغادرة بشكل جنوني وتناثرت أجسادهم في الهواء بعد ذلك.

كما توصلت المفوضية العُليا لشؤون اللاجئين إلى أن أعداد الذين سيغادرون أفغانستان خلال الاثني عشر شهراً المقبلة وفقاً للتوقعات الأولية تتراوح ما بين مليونين وخمسة ملايين، بينما أعلنت باكستان أنها لن تقبل المزيد من اللاجئين وهي تستضيف أكثر من ثلاثة ملايين بالفعل منهم، وكذلك تركيا التي أعلنت اكتفاءها بأكثر من 300 ألف أفغاني موجودين بالفعل على أراضيها، وأغلقت إيران الملاجئ التي افتتحتها للتو بعدما خشيت أن تستقبل ما يفوق توقعاتها، إذ توجه عشرات الآلاف إلى معابرها الحدودية خلال أيام معدودات.

أما الاتحاد الأوروبي، فلا يريد تكرار أزمة 2015 حين فتح أبوابه أمام اللاجئين السوريين فصعدت حركات اليمين المتطرف المناهضة للأجانب وهددت بقاء الحكومات الأوروبية في السلطة، وصرحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأنه «لا يجب تكرار الأخطاء الماضية»، فقد أصبحت قضية الهجرة نقطة ضعف الاتحاد حتى أن الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، أصبح يجلب اللاجئين الأفغان وغيرهم ويدفع بهم على حدود الدول الأوروبية رداً على العقوبات التي فرضها عليه الاتحاد بسبب اتهامه بتزوير الانتخابات.

ورغم تخصيص واشنطن نصف مليار لهؤلاء اللاجئين فإنه من غير الواضح كيف ستتفق وكم ستستقبل منهم، بعدما قرر الآلاف من عملاء المخابرات الهجرة عقب حل شبكات التجسس والمؤسسات التي يعملون بها المرتبطة بالتحالف الدولي، فتكدست الأماكن المؤقتة التي خصصتها دول التحالف رغم نقل عشرات الآلاف واستقبلت بعض الدول عددا منهم بشكل مؤقت فقدمت ألمانيا 33 ألف وثيقة لمدة عام واحد، وأعلنت اليونان منحت أكثر من 20 ألف.

كما لجأت أعداد كبيرة من قوات الأمن الأفغاني وعائلاتهم إلى الفرار خوفاً من أي أعمال انتقامية، ففر نحو 100 ألف إلى طاجيكستان، و 1500 إلى أوزبكستان، استُقبلوا في مخيمات وما زال المستقر النهائي لهم مجهولاً.

أما بالنسبة للإقامة الدائمة، فقد لا تحظى بها إلا نسبة قليلة من اللاجئين إذ أعلنت بريطانيا أنها ستستضيف نحو 20 ألفاً منهم على مدار أربع سنوات على دفعات متساوية، وأن الأولوية ستكون للنساء والأطفال ونفس العدد تعهدت به كندا خلال السنوات القادمة، مع منح الأولوية للموظفين والقيادات من النساء، ووعدت أستراليا بثلاثة آلاف وأوغندا بألفين فقط.

وما بين موجات اللجوء للخارج وموجات الهجرة العكسية تهرب الكفاءات من أفغانستان وتبحث عن بناء مستقبلها في بلدان المهجر وتبقى بلادهم محرومة من علمهم وعطائهم كما يتسرب الأطفال من التعليم- أو على الأقل يتأخرون دراسياً- وتثور المشاكل والخلافات حين يرغب الآباء في العودة إلى وطنهم وأقاربهم بعد سنوات الغربة الطويلة لكن أبناءهم يجدون أنفسهم في رحلة نزوح إلى بلد لم يروه بأعينهم من قبل، تاركين وراءهم الحياة التي ألفوها والأشخاص الذين عرفوهم مع ما يلاقيهم حين عودتهم من اختلاف في الظروف والعادات.