شاب نحيل يترك شعره الأشعث يتدلى فوق ظهره مشكلًا ما يعرف بقصة ذيل الفرس. يلعب كرة القدم بمحاذاة خط المنتصف. شاب قادر على المراوغة ونقل الكرة للأمام. يلدغ مصوبًا، فيحرز الهدف حين تأمن جانبه، ويترك الجميع معجبًا بما رأى، أصدقاءً وخصومًا.

هل ذهب عقلك لباجيو الإيطالي، حسنًا المواصفات متطابقة مع باجيو بالفعل، لكن إذا كنت من قاطني قارة أفريقيا فقد يختلط عليك الأمر قليلًا، فهناك نسخة أفريقية من باجيو، أما إذا كنت مصريًا يقارب عمرك الثلاثين أو يزيد فأول من يخطر في ذهنك لن يكون سواه، أسطورة المغرب مصطفى حَجي.

بعد الإسلام، كرة القدم هي ديننا الثاني في المغرب.
تصريح سابق لـ «مصطفى حجي» لصحيفة الجارديان

البداية: جنوب أفريقيا 1998

كان ملف الصعود لكأس العالم بفرنسا قد حسم بالفعل، النسخة المعروفة مصريًا باسم تصفيات جورج وايا، وفي وسط أجواء تتسم بالتشاؤم ذهب المنتخب المصري للمشاركة بفعاليات كأس الأمم الأفريقية بجنوب أفريقيا دون آمال تذكر. أوقعت القرعة مصر في مجموعة تضم زامبيا وموزمبيق والمغرب، المغرب التي حسمت وصولها لمونديال فرنسا على رأس مجموعتها دون خسارة أي مباراة، وللتفوق المغربي خلال مواجهات الفريقين ولحالة المنتخب المصري السيئة آنذاك كان المصريون يترقبون مباراتهم مع فريق المغرب بقلق معتاد.

17 فبراير/ شباط 1998

كانت المباراة هي الأخيرة في المجموعة الرابعة، مباراة لتحديد متصدر المجموعة، وهو الأمر الذي يسعي له كلا المنتخبين لتفادي مواجهة فريق كوت ديفوار الذي استطاع أن يترأس مجموعة بها المضيف جنوب أفريقيا. كانت المباراة هادئة حتى الدقيقة 90، عرضية من يمين الملعب في قلب دفاع المنتخب المصري، يقفز اللاعب رقم 7، ثم يحولها بمقصية مثالية رائعة تمامًا داخل شباك نادر السيد وسط دهشة وإعجاب المصريين أنفسهم، هكذا كان التعارف بين المصريين والمغربي مصطفى حجي.

لا يمكنني أن أنسى هذا الهدف ما حييت، فهو من الأشياء التي تحدث مرة واحدة في العمر ولا تتكرر كثيرًا، لقد رأيت فرحة عارمة في عيون زملائي ودهشة في أعين لاعبي منتخب مصر.
تصريح «مصطفى حجي» عن هدفه في منتخب مصر

التشجيع والتعاطف: كأس العالم 1998

بالرغم من المواجهات المثيرة بين فريقي مصر والمغرب، فإن المصريين دومًا يشعرون أن المغرب بلد قريب من قلوبهم. المصريون يلعنون الحظ أمام المغاربة، ومشجعو المغرب يردون بالضحك وبتأكيد التفوق المغربي، بلا مشاحنات أو أزمات كتلك المعروفة عادة بين بلدان الشمال الأفريقي العربي. أصبحت أسماء مثل نور الدين نايبت وبصير صلاح الدين ومصطفى حجي معروفة تمامًا لدى المصريين.

أوقعت القرعة فريق المغرب بالمجموعة الأولى بجوار البرازيل وفريقين من أوروبا، أسكتلندا والنرويج، بدأ المصريون في حساب فرص الوصول للدور التالي، وهو أمر يبرع فيه المصريون نتيجة لأداء فريقهم غير المتوقع دائمًا. الحسابات كانت بسيطة تلك المرة، نتيجتان إيجابيتان مع فريقي أوروبا تصعد بك جوار البرازيل، فالبرازيل ستتصدر بثلاثة انتصارات لا محالة.

كانت النتيجة الإيجابية الأولى هي التعادل في مواجهة النرويج الخصم الأصعب بين خصمي أوروبا، هدف بقرارات مثالية للمغربي حجي وآخر لعبد الجليل حدا، أو كماتشو كما يطلق عليه، وهو اسم سيكنى به الكثير من المصريين فيما بعد، بداية موفقة نوعًا ما للمنتخب المغربي، تلا ذلك خسارة متوقعة من البرازيل، لكن النبأ السار هو تعادل منتخبي أسكتلندا والنرويج، أصبح الأمر واضحًا إذن، تتغلب المغرب على أسكتلندا لترافق البرازيل التي ستفوز حتمًا على النرويج الضعيفة.

23 يونيو/ حزيران 1998

المباراتان في نفس التوقيت لتلافي الاتفاقات المسبقة، ولكن من قال إن تلك الاتفاقات تبرم أثناء المباريات؟ المغرب يواجه أسكتلندا في ليلة تألق فيها بصير كثيرًا. الدقيقة 78 في كلا المباراتين، المغرب يكتسح أسكتلندا بهدفين والبرازيل يحرز هدف التقدم أخيرًا. 12 دقيقة لتعبر المغرب إلى دور الستة عشر، 12 دقيقة من أغرب الدقائق لمنتخب البرازيل على الإطلاق. تراخٍ غير مبرر ودفاعات مفتوحة تمامًا، استطاع النرويجي «أندري فلو» أن يحرز التعادل في الدقيقة 85، لكن التفوق مازال مغربيًا، فبعد دقيقتين من هدف فلو استطاع بصير صلاح الدين أن يحرز الهدف الثالث للمغرب في مرمى أسكتلندا ليؤمّن الفوز وتزيد فرص الصعود، إلا أن الهدف النرويجي القاتل انتظر للدقيقة 90، في آخر دقيقة في المباراة تم إقصاء المغرب بعد فوز النرويج المفاجئ على البرازيل.

استطاع أن يحوز المنتخب المغربي على إعجاب الجميع بعد الأداء الراقي في تلك البطولة، بينما شعر بما هو أكثر من الإعجاب لدى المصريين، التعاطف ربما هو الشعور الغالب لدى المصريين آنذاك، تعاطف وصل للحد الذي جعل المصريين يتشفون في خسارة المنتخب البرازيلي في المباراة النهائية ضد فرنسا عقابًا على التواطؤ المفترض وإن لم يكن مؤكدًا بالطبع ضد المنتخب المغربي، أما مصطفى حجي فأصبح اسمه يتردد بالكثير من الإعجاب داخل مصر، أصبح نجمًا مغربيًا يعشقه المصريون.

تصريح «مصطفى حجي» عن خروج المغرب من مونديال 1998.


وينينج اليفين 3: حجي الأفضل من ريفالدو بشهادة اليابانيين

الضغط على السهم العلوي مرتان، الضغط على السهم السفلي مرتان، الضغط على السهم الأيمن، ثم الأيسر مرتان، ثم الضغط على زر التمرير، ثم زر رفع الكرة، حسنًا لقد حصلت على منتخبي العالم وأوروبا. إذا كنت من جيل البلاي ستيشن 1، فمن المؤكد أنك مازلت تحفظ تلك الخطوات عن ظهر قلب.

كان أغلب المصريين يفضلون اللعب بمنتخب العالم، وهو منتخب نجوم العالم، فيما عدا قارة أوروبا بالطبع. كان حجي هو اللاعب رقم 7 في التشكيل، يحفظ ذلك المصريون، سواء كانت النسخة بالإنجليزية أو حتى باليابانية، كان حجي يجاور أورتيجا ودونجا في خط الوسط، طاردًا البرازيلي ريفالدو إلى تشكيلة الاحتياط.

كان الأمر وكأنه اعتراف ضمني أن العرب يملكون نجمًا عربيًا من ضمن نجوم العالم. ربما تقرر أن تلعب بروبيرتو كارلوس كجناح أيسر، ربما تفاضل بين باتيستوتا وباتريك مبوما، ربما تستدعي هيرنانديز من الاحتياط، لكن حجي لن يتغير مكانه أبدًا. فلتراوغ بحجي رغم أن إمكانيات المراوغة لديه أقل من أورتيجا، فلتسدد بحجي بدلًا من رونالدو رغم أنه لا يجيد إحراز الأهداف طبقًا للعبة، لكنه حجي النجم العربي المفضل في مصر على الإطلاق.


تصفيات كأس العالم 2002: ليس مرة ثانية يا حجي

عاشت الجماهير المصرية سلسلة من العذابات المتكررة في التصفيات المؤهلة لكأس العالم على مدى النسخ المختلفة. ربما يبرر هذا فرحة المصريين بالوصول لكأس العالم المقام العام الحالي بروسيا ومدى الاحتفاء بمحمد صلاح، إلا أن تصفيات نسخة عام 2002 كانت درامية بمجرد انتهاء القرعة المحددة للمجموعات المؤهلة لكأس العالم.

لا سيناريو أشق على المصريين من مواجهة المغرب والجزائر دفعة واحدة، بالإضافة إلى السنغال التي لم يكن يتوقع أحد أن تكون بهذا البأس. أصبح لدى المصريين ميدو الآن. فكرة اللاعب المحترف في أوروبا التي كانت تميز منتخبًا مثل المغرب أصبحت غير بعيدة إذن، إلا أنه لا أحد كان يعرف أن هناك أرنبًا سنغاليًا يسمى ضيوف.

المباراة الأولى بين مصر والمغرب كانت أكثر درامية من القرعة نفسها، العقدة تتجدد فمصر لا تفوز على المغرب رغم كم من الأهداف المهدرة والفرص المحققة التي ضاعت تباعًا، لتخرج النتيجة دون أهداف للجانبين. وبالرغم من تحقيق المنتخب المصري الفوز أمام منتخبي السنغال والجزائر، فإن نتيجة المباراة أمام ناميبيا أضعف فرق المجموعة جاءت كما هي العادة مغايرة للمنطق وانتهت بالتعادل ليتعقد الموقف المصري مجددًا.

30 يونيو/ حزيران 2011

ما حدث كان ضمن قانون كرة القدم، لا تملك سوى قبوله

مصر تلاقي المغرب قبل نهاية التصفيات بثلاث جولات، لا فرصة لدى المصريين سوى الخروج بنتيجة إيجابية من الرباط، المباراة كباقي مباريات الفريقين معقدة تمامًا، ثم كرة ترتد من المهاجم المغربي كماتشو لتتهادى خارج منطقة الجزاء منتظرة من يسددها نحو الشباك، ومن غيره على موعده مع المصريين ليسدد الكرة. صوب حجي الكرة بقوه فلم يرها أحد إلا بعد أن ارتدت من داخل الشباك.

ربما شعر المصريون بالحنق بعد قرب ضياع الحلم للمرة الثالثة، ربما تذكروا كل الفرص المهدرة في هذه اللحظة، ربما شعروا بالسخط حيال حجي هذا الداهية الذي لا يهدأ، إلا أنه لا أحد قلل من احترامه للأسطورة المغربية.

نحن إخوة، فلا تلوموني على هذا الهدف، الجمهور كان غفيرًا في هذه المباراة، ارتدت الكرة من كماتشو فكنت في الموعد بتصويبة قوية وجدتها داخل الشباك.

تصريح «مصطفى حجي» عن هدفه في منتخب مصر في تصفيات كأس العالم عام 2002.

https://www.youtube.com/watch?v=N5HbCMr2uaM

يبقى مصطفى حجي قريبًا من قلوب المصريين رغم ما ذاقوه من مرار على يديه، فالمغربي الذي اختار أن يلعب لمنتخب بلده بدلًا من فرنسا، يمتاز بشيء مهم، أنه عربي خالص، تشعر معه بالألفة المعتادة من الشعب المغربي، رغم أنه من المهاجرين في فرنسا، حيث بدأ حياته الكروية مع نادي نانسي، ثم انتقل إلى سبورتينج لشبونة وديبورتيفو لاكورونيا كوفينتري سيتي وأستون فيلا، ثم أعاره إلى إسبانيول في مشوار طويل لمحترف عربي في أوروبا.

ربما اتضحت تلك المحبة المتبادلة أثناء كأس الأمم الأفريقية الماضية عام 2017، حيث استطاعت مصر أخيرًا أن تفك العقدة المغربية، فحجي الذي يشغل منصب مساعد المدير الفني هيرفي رينار كانت له تصريحات قبل المباراة بأن المغرب هي عقدة مصر، وحتمًا ستفوز، ثم تصريحات باسمه بعد اللقاء بأنه أخيرًا استطاعوا الفوز، تصريحات فيها محبة وتقدير، ولا تخلو من مناوشات يتفهمها المصريون والمغاربة على حد سواء.