إن قرار (تخفيف العقوبات) جاء بعد نحو 16 شهرًا من الجهود الدبلوماسية المكثفة للتوصل إلى انفراجة مع السودان.
هيدز نويرت، المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية

لنحو قرابة العشرين عامًا، عانت دولة السودان من سلسلة عقوبات اقتصادية فرضتها عليها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، التي هدفت إلى الضغط على السودان باعتبارها متهمة برعاية «الإرهاب»، فقد استطاعت تلك العقوبات عرقلة مسيرة الاقتصاد السوداني وتكبيل طريقه نحو النهوض، والقضاء على كل خطط وسبل الإصلاح الاقتصادي في السودان.

وفي السادس من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانًا ألغت فيه العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي فرضت على السودان في عامي 1997 و2006، ومن المقرر أن يدخل هذا القرار حيز التنفيذ في الثاني عشر من أكتوبر/تشرين الأول. ولكن رغم هذا القرار،لا تزال السودان مدرجة على القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب.


السعودية والإمارات: البوابة إلى الرضا الأمريكي

كان للمملكة العربية السعودية دور بارز في إقناع الإدارة الأمريكية برفع العقوبات عن السودان، وربما أصبح القرار قيد التنفيذ نظرًا للتقارب الذي حدث مؤخرًا بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.

فقد عبر وزير الدولة بالرئاسة السودانية الفريق طه عثمان الحسين، في لقاء سابق مع صحيفة «الشرق الاوسط» السعودية، أن المملكة مارست ضغوطًا متواصلة على الإدارة الامريكية من أجل تحقيق هذا الهدف، وأن الدور السعودي المتعاظم كان وراء الانفراجة التي تحققت. وأضاف: «بدأنا المفاوضات مع الجانب الأمريكي قبل زهاء خمس سنوات على عهد وزير الخارجية السابق علي كرتي، الذي أحدث اختراقاً مميزاً، يُشاد به، لكن الأمور لم تتحرك، إلا بعد تحسن علاقتنا مع السعودية والإمارات العربية المتحدة». وأشار الحسين إلى أنه تم استدعاؤه فورًا بأمر من الأمير محمد بن سلمان الذي أبلغه بنتائج لقاءاته بالمسؤولين الأمريكيين.

ووفق بيان نقلته وكالة الأنباء السودانية، فإن «كثيرًا من الدول الصديقة والشقيقة كان لها دور فاعل في رفع العقوبات، ويأتي على رأس كل أولئك المملكة العربية السعودية وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ووزارة الخارجية السعودية، الذين كان لهم دور ملازم دومًا للسودان في رفع العقوبات، ودولة الإمارات العربية المتحدة كان لها دور كبير كذلك».

كما توجه وزير الخارجية السودانية السيد إبراهيم غندور عقب القرار بالشكر الجزيل لدول الخليج، وخصوصًا المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، لما كان لهما من دور كبير – على حد وصفه – في تقريب وجهات النطر بين الحكومة السودانية وإدارتي أوباما وترامب.


المقابل دُفع أولا!

في ظل عدم تحمس دول التحالف العربي للمشاركة البرية في اليمن، وجدت السعودية في الجيش السوداني البديل لدخول الحرب، إذ لم تقدم أي دولة من دول التحالف أية قوات برية للسعودية لمساعدتها في قتالها ضد الحوثيين سوى الإمارات والسودان، فكان الجيش السوداني بالنسبة لها الجيش العربي الوحيد الذي سيعمل دون أجندة خاصة، ومن ثم سيكون اللجوء إليه مفيدًا للمملكة، فالسودان ليس لديها مشروع خاص في اليمن، وقد جاءت فقط من أجل «حماية الحرمين والسعودية من عدوان إيران ودعم الشرعية اليمنية»، على حد قول المتحدث العسكري السوداني العميد الصوارمي خالد.

فدور الجيش السوداني مقتصر على الالتزام بقرارات قيادة التحالف فحسب. وقد كانت المشاركة الأولى للجيش السوداني على أرض اليمن في مواجهات مع الحوثيين في منتصف عام 2016، وذلك على محور «كرش الراهدة»، ومنذ تلك المشاركة تمكنت قوات «الشرعية» من إحراز تقدم جديد باستعادة جبل النار، وأربعة مواقع جبلية أخرى تطل على الشريط الساحلي الخاضع لسيطرة القوات الحكومية. وهو ما جعل قيادة التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن تشيد بالدور الذي تمارسه القوات السودانية.

وربما يعود السبب الرئيسي لمشاركة السودان في اليمن إلى الظروف الاقتصادية التي مر بها السودان منذ انفصال جنوبه الغني بالنفط قبل ست سنوات، فضلاً عن تيقن السودان من أن الحصول على رضا السعودية وإحداث تقارب معها – وهو التقارب الذي سيعود بالنفع طبعا على السودان – لن يكون إلا بإبداء كل فروض الطاعة والولاء للمملكة.


الاقتصاد السوداني: بداية جديدة

رغم استمرار بعض العقوبات المفروضة على السودان بموجب «قانون سلام دارفور» و«قائمة الدول الراعية للإرهاب»، التي بموجبها يحرَم السودان من الاستفادة من المساعدات التنموية ومبادرات خفض الديون الأمريكية، والاستثمارات طويلة المدى، فإن هذا القرار في الجانب الإيجابي منه، يستهدف تعليق الحصار الاقتصادي والتجاري وإلغاء الأصول المجمدة.

ويستهدف كذلك إزالة القيود المالية التي قيدت الاقتصاد السوداني وعرقلت طريقه نحو النهوض، أيضا رفع أي قيود مفروضة على المعاملات الاستثمارية، والتجارية والمالية والبنكية. الأمر الذي سيسمح بالعمل مع صناعات النفط والغاز في السودان، مثل خطوط الأنابيب وخدمات حقوق النفط، باستثناء الأسلحة والأجهزة المتقدمة، والأجهزة ذات الاستعمال المزدوج.

وفي خلال منتدى اقتصادي عُقد في الخرطوم، نافش عدد من المسؤولين السودانيين مآلات رفع العقوبات الأمريكية الاقتصادية، وعبروا عن تفاؤلهم من الأثر الذي سيتركه هذا القرار، إذ بموجبه ستتمكن السودان من الدخول مجدداً إلى منظومة الاقتصاد العالمي، إلا أنهم حذروا في الوقت نفسه من الإفراط في التوقعات، أخذًا في الحسبان عقبة الديون الكبيرة المستحقة على السودان.

كما أشادت الخارجية السودانية، في بيان لها، بالقرار الأمريكي ووصفته بأنه «إيجابي»، وعبّرت عن ترحيب السودان به، إذ إنه «تطور مهم في تاريخ العلاقات السودانية الأمريكية، ومحصلة طبيعية لحوار صريح وشفاف وبناء تناول كل الشواغل بين البلدين». كما تعهدت بالمضي قدمًا في سبيل التعاون مع واشنطن في قضايا «حفظ السلام والأمن الدوليين ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله والهجرة غير المشروعة والاتجار بالبشر».

لكنها لفتت النظر إلى حتمية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والعمل على تمكين السودان عبر قرارات إيجابية من الاستفادة من إعفاء الديون وفقًا لحالات دول أخرى ذات أوضاع تنموية مشابهة.


ماذا عن الجار المصري؟

إن السودان يوجد على أرضها العديد من الخيرات، والاستثمار فيها هو مكسب كبير للدولتين، نظرًا لتوافر المياه والمساحات الزراعية، والإنتاج الحيواني وغيرها.

النائب عمرو الجوهري، وكيل اللجنة الاقتصادية بالبرلمان المصري

من المرجح أن تمر العلاقات المصرية السودانية بتقاربات مستقبلية، قد يكون للوساطة السعودية والإماراتية دور كبير فيها، ففي هذه الفترة تشهد كل من مصر والسودان علاقات قوية تربطهما بالسعودية والإمارات. وهو ما يرشح بقوة دخول مصر والسودان في مشاريع واستثمارات مشتركة بعد قرار رفع العقوبات الأمريكية، خاصة في ظل ترحيب جامعة الدول العربية بقرار رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عن السودان، وترحيب القاهرة بالقرار الأمريكي، إذ أكد وزير الخارجية المصرية أن قرار رفع العقوبات الأمريكية «سيسهم في دعم واستقرار السودان»، وأن هذا القرار «يتسق مع الموقف المصري المطالب دومًا بضرورة رفع تلك العقوبات وما قامت به من جهود خلال اتصالاتها مع الجانب الأمريكي في هذا الصدد تضامنًا مع دولة السودان الشقيقة».

وقد لاقى القرار صدى واسعًا وسط أعضاء البرلمان المصري. فعقب القرار أكد نواب اللجنة الاقتصادية في البرلمان أنه من شأن هذا القرار أن يدعم النهوض بالاقتصاد السوداني، مطالبين بتدشين مشاريع استثمارية بين مصر والسودان في المستقبل القريب لتعم الفائدة على البلدين، إذ أشار النائب بالبرلمان المصري عمرو الجوهري أنه تم اقتراح مشروع تجاري على الحدود بين مصر والسودان في حلايب وشلاتين من أجل تنشيط العلاقات التجارية، مضيفًا أنه في سبيل تنفيذ المشروع، من الممكن الربط بين الدولتين عبر سكة حديد نظرًا لقرب المسافة بين البلدين.