بعد الهجوم على «بشير صالح»: أين ذهب نظام القذافي؟
لم يكن «بشير صالح»، مساعد الرئيس الليبي الراحل «معمر القذافي» ومدير مكتبه السابق، يتوقع وهو في طريقه إلى مقر إقامته بمدينة جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا، أواخر فبراير/ شباط الماضي، أن يظهر له مسلحان من العدم، يطلقان عليه وابلًا من الرصاص. ربما كان يتوقع أن يحدث هذا عام 2011 أو 2012، عندما كانت جذوة الثأر من نظام القذافي ملتهبة في صدور الليبين، أما أن يحدث هذا بعد سبع سنوات من الثورة وبعد أن حدث ما حدث في ليبيا!
تركت محاولة الاغتيال ندبتين في جسد صالح لكنه نجا، وجعلنا نتذكر نظام القذافي ونتساءل عن مصير رموزه ورجاله في سياق التقرير.
عائلة القذافي
سيف الإسلام القذافي:
نجل معمر القذافي، الذي كان يتم تجهيزه ليصبح خليفة والده. ألقي القبض عليه في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، خلال محاولته الهرب إلى النيجر. أُودع منذ ذلك الحين في سجن بمدينة الزنتان الواقعة على بعد 136 كيلو مترًا من الجنوب الغربي لمدينة طرابلس.
طلبت المحكمة الجنائية الدولية من الحكومة الليبية تسليم «سيف الإسلام» لها لمحاكمته بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، لكن ليبيا رفضت وأصرت على محاكمته داخل أراضيها.حكم على «سيف الإسلام»، في يوليو/ تموز 2015، بالإعدام برميًا الرصاص، بعدما أدين بقتل المتظاهرين العزل وإشعال الحرب الأهلية والقبلية واستجلاب المرتزقة وارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.
لم يُنفذ حكم الإعدام، واستمر «سيف الإسلام» محبوسًا في سجنه بالزنتان عامين آخرين، جرت فيهما مياه كثيرة بليبيا، فانقلبت الآية. أطلقت قوات موالية للجنرال «خليفة حفتر»، أحد المتصارعين على الحكم في ليبيا، سراح نجل «القذافي» في يونيو/حزيران 2017، تحت مظلة «قانون العفو» الذي أصدره «برلمان طبرق» الموالي للجنرال «حفتر».
اختفى «سيف الإسلام» منذ إطلاق سراحه خوفًا من استهدافه على يد القوات الموالية لحكومة طرابلس الرافضة للإفراج عنه، أو القبض عليه وتسليمه إلى «المحكمة الجنائية الدولية»، لكنه يطل إعلاميًا – بشكل غير مباشر – من وقت لآخر.كان آخر هذه الإطلالات في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عندما أرسل مذكرة إلى صحيفة «تليغراف» البريطانية، يطلب فيها حذف قصتين نشرتهما عنه في عام 2011، بدعوى أنهما غير صحيحتين.
انتشرت شائعات كثيرة حول مكان تواجد «سيف الإسلام»، منها أنه لم يغادر مدينة الزنتان إلى الآن ويعيش تحت حماية الكتائب الموالية لـ«حفتر»، وأنه يعيش لدى أخواله في مدينة البيضاء شرق ليبيا، وأنه يعيش في واحة أوباري بين الطوارق. و اكتفى «حفتر» بالقول: «سيف الإسلام القذافي في مكان آمن. أتابع تحركاته منذ الإفراج عنه وهو في مكان محدد».
الساعدي القذافي:
النجل الثالث لـ «معمر القذافي»، شغل خلال حكم والده، منصب معاون آمر ركن الوحدات الأمنية. هرب إلى النيجر بعد سقوط النظام أواخر عام 2011، وعاش بها لاجئًا حتى عام 2014، عندما قامت حكومة نيامي بتسليمه إلى السلطات الليبية. يعيش «الساعدي» حاليًا في سجن بطرابلس، ويخضع للمحاكمة بتهمة المشاركة في إخماد «ثورة 17 فبراير» التي أطاحت بحكم والده.
هانيبال القذافي:
الابن الخامس لـ «معمر القذافي». شغل، خلال حكم والده، منصب المستشار الأول للجنة إدارة الشركة الوطنية العامة للنقل البحري، كما ترأس وحدات الدفاع عن مدينة غريان جنوبي طرابلس قبل أن يسيطر مقاتلو المعارضة على العاصمة. هرب إلى الجزائر بعد سقوط نظام والده، وظل بها حتى عام 2013، ثم انتقل إلى سلطنة عمان حيث منح لجوءًا إنسانيًا. سافر إلى سوريا عام 2015، ومنها تم استدراجه للسفر إلى لبنان حيث اختطفته جماعة مسلحة ثم سلمته لأجهزة الأمن. يخضع «هانيبال» حاليًا للمحاكمة في لبنان بتهمة «كتم معلومات» بشأن قضية اختفاء الإمام «موسى الصدر» في ليبيا خلال حكم والده.
أرملة القذافي وابناه محمد عائشة:
هربت صفية فركاش، أرملة «القذافي» وأم 7 من أبنائه الـ8، مع ابنتها عائشة وابن زوجها «محمد» من ليبيا عام 2011 إلى الجزائر حيث منحوا لجوءًا لـ«أسباب إنسانية». عاش الثلاثة مع بعض أحفادهم في ضيافة الحكومة الجزائرية حتى عام 2013، ثم غادروا إلى سلطنة عمان، التي أعطتهم لجوءًا إنسانيًا بموافقة الحكومة الليبية، شريطة الامتناع عن ممارسة أي نشاط سياسي. لم توجه لهم أي اتهامات إلى الآن.
أعوان القذافي
عبد الله السنوسي:
رئيس المخابرات الليبية السابق، وزوج شقيقة العقيد «معمر القذافي» وأحد أكثر المقربين منه ومن نجله «سيف الإسلام». هرب من ليبيا بعد سقوط نظام «القذافي»، وأُلقي القبض عليه عام 2012، بعد وصوله من المغرب إلى موريتانيا بجواز سفر مزور. سلمته نواكشوط إلى طرابلس في نفس العام. خضع للمحاكمة في ليبيا رغم مطالبة «المحكمة الجنائية الدولية» بتسليمه لها لمحاكمته بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. حُكم عليه في يوليو/ تموز 2015 بالإعدام رميًا بالرصاص، بعدما أُدين بقتل المتظاهرين العزل وإشعال الحرب الأهلية والقبلية، لكن الحكم لم ينفذ إلى الآن. ما زال «السنوسي» إلى الآن حبيسًا في أحد سجون مدينة طرابلس الخاضعة لحكومة الوفاق. ويعتقد أن سبب عدم إعدامه إلى الآن هو الرغبة في استخدامه كورقة ضغط سياسية.
البغدادي المحمودي:
آخر رئيس للوزراء في عهد «القذافي». يوصف بأنه «حامل أسرار الدولة الليبية» بحكم تقلده مناصب مهمة عدة، كان آخرها أمين اللجنة الشعبية العامة (رئيس الوزراء) منذ الخامس من مارس/ آذار 2006 إلى 20 أغسطس/ آب 2011. وقبلها كان يتولى منصب أمين مساعد للجنة الشعبية العامة منذ 2003.
قبضت عليه السلطات التونسية في سبتمبر/ أيلول 2011، خلال محاولته الدخول إلى تونس بطريقة غير شرعية. سلم إلى ليبيا عام 2012، حيث خضع للمحاكمة بتهمة «التحريض والقيام بأفعال القتل وتحويل مبالغ مالية في حسابات خاصة، كدعم لوجيستي للنظام السابق، بهدف إجهاض ثورة 17 فبراير، بالإضافة إلى تهم بالفساد المالي». حكم عليه بالإعدام في يوليو/ تموز 2015، لكن الحكم لم ينفذ إلى الآن. ما زال «المحمودي» محبوسًا إلى الآن في سجن يخضع لحكومة الوفاق بمدينة طرابلس، رفقة «الساعدي القذافي» و«عبد الله السنوسي».
أحمد قذاف الدم:
ابن عم العقيد «معمر القذافي». شغل لسنوات منصب مبعوث «القذافي» الشخصي، وتولى مسؤولية تنسيق العلاقة بين طرابلس والقاهرة. قفز من مركب نظام «القذافي» الغارقة بعد أيام قليلة من انطلاق ثورة 17 فبراير/شباط 2011، واستقر في مصر. اعتقلته القاهرة في مارس/ آذار 2013 بأمر من الشرطة الدولية (الإنتربول)، ثم أفرجت عنه بعدها بعدة أشهر. رفع الاتحاد الأوروبي، في مارس/ آذار 2015، اسم «قذاف الدم» من قائمة العقوبات المفروضة على رموز نظام «القذافي».
سعى «قذاف الدم»، خلال السنوات الماضية، لإيجاد موطئ قدم لقبيلته وفلول نظام «القذافي» في المعادلة الليبية، ونجح في ذلك إلى حد كبير، إذ يتمتع بعلاقات جيدة مع الجنرال «خليفة حفتر». يروج «قذاف الدم» أيضًا لـ«سيف الإسلام القذافي» باعتباره القادر على إنهاء الفوضى في ليبيا، ويدافع عن «حقه» في أن يكون له دور في مستقبل ليبيا.
بشير صالح:
أحد أبرز مساعدي «القذافي». عمل معه 35 عامًا، وشغل منصب مدير مكتب العقيد الخاص منذ 1998 وحتى قيام الثورة. أنشأ وأدار الصندوق السيادي الليبي، الذي يضم استثمارات ليبيا في الخارج. له علاقات واسعة مع الزعماء الأفارقة حمته من مصير القتل أو السجن كغيره.
ألقي القبض عليه في أغسطس/ آب 2011. أعتقل لثلاثة أشهر ثم أفرج عنه بعد تدخّل فرنسي، وتدخُّل من طرف رئيس جنوب أفريقيا «جاكوب زوما». سافر إلى فرنسا بعد ذلك ثم انتقل للعيش في جنوب أفريقيا، بعد أحاديث عن مشاركته في تمويل الحملة الانتخابية للرئيس الفرنسي «نيكولا ساركوزي» بإيعاز من «القذافي». التزم الصمت 6 سنوات، ثم عاد للظهور أواخر عام 2017.
يطرح «صالح» نفسه كداع لعودة الأمن والاستقرار إلى ليبيا، وبحسب قوله فإنه يعمل مع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني «فائز السراج» والجنرال «خليفة حفتر»، من أجل تحقيق هذا الغرض. وبحسب تقارير صحفية فإن «حفتر» طلب من «بشير» التوسط لتفعيل اتفاقيات توريد سلاح سابقة بين نظام القذافي وروسيا. من غير الواضح إلى الآن السبب الحقيقي وراء سعي «صالح» للعب دور فاعل في ليبيا، وما إن كان يطمح لدور سياسي في مستقبل ليبيا أم لا؟
تعرض «بشير» لمحاولة اغتيال أواخر فبراير/ شباط الماضي، على يد مسلحين أطلقا النار عليه بالقرب من مقر إقامته في جنوب أفريقيا. أصيب بطلقتين لكنه نجا. ولم تعلن أي جهة إلى الآن مسؤوليتها عن الحادث حتى تتضح أهدافه.
فلول نظام القذافي كورقة في الصراع الليبي
سعى الجنرال «خليفة حفتر» إلى استخدام فلول نظام «القذافي» والقبائل التي كانت تواليه، خاصة في منطقة غرب البلاد التي لم يستطع السيطرة عليها عسكريًا، لتحقيق مكسب سياسي يدعمه أمام الإسلاميين وحكومة الوفاق. خطا «حفتر» العديد من الخطوات من أجل تحقيق هذا الهدف، مثل إصدار «قانون العفو»، الذي إن طبق كاملًا فسيفرج عن كل رموز نظام «القذافي»، والذي تم بموجبه إطلاق سراح «سيف الإسلام». كما حاول أتباع «حفتر» إطلاق سراح «الساعدي» و«السنوسي» وغيرهما من رموز نظام السابق من محل حبسهما في طرابلس لكنهم فشلوا.
يتواصل «حفتر» بشكل جيد مع قبيلة القذاذفة، وتؤيده بقايا أسرة «القذافي»، و يقاتل في صفوفه «الآلاف من جنود النظام السابق»، بحسب «قذاف الدم». كما استعان الجنرال ببعض القيادات العسكرية في نظام «القذافي»، مثل قائد لواء المغاوير «علي كنه»، أقوى أذرع «القذافي» العسكرية في الجنوب الليبي، من أجل السيطرة على الجنوب.
سيف الإسلام يتمرد على حفتر!
عندما أُطلق سراح «سيف الإسلام القذافي» منتصف العام الماضي، عبر «حفتر» عن ترحيبه بأي دور سياسي لنجل «القذافي» إذا أراد،قائلًا بالحرف: «سيف الإسلام مواطن ليبي عادي وأنا لم أره بل أتابع تحركاته منذ الإفراج عنه وهو في مكان محدد، وليس لدينا مأخذ شخصي ضده، بل بالعكس أهلًا وسهلًا به. لم لا؟ إذا كان يريد لعب دور سياسي فلا مشكلة». بعد نحو 6 أشهر من هذه التصريحات، وصف الجنرال «حفتر» نجل العقيد بأنه «رجل مسكين»، وقال إن «السذج هم الذين يؤمنون به ويحاولون مساومته مقابل المال». فما الذي تغير خلال هذه الفترة القصيرة؟
طمع «سيف الإسلام» في أن يكون لاعبًا أساسيًا في ليبيا وليس مجرد تابع أو حليف لـ«حفتر»، وبرزت العديد من الشواهد على أن نجل العقيد يرغب في الترشح للانتخابات الرئاسية الليبية المقبلة، أي يرغب في منافسة «حفتر» بشكل أساسي. وبحسب تصريحات مسؤول أميركي يوصف بأنه «صديق قديم لسيف الإسلام»، فإن نجل «القذافي» يعمل على تشكيل قوة مسلحة من أجل خوض حملة عسكرية للوصول إلى طرابلس.
