إذا تصفحنا سويًا تاريخ السباحة المصرية، فمن الوارد أن نجد العديد من الإنجازات العربية، والأفريقية، قد يتخللها إنجاز عالمي كالذي حققته الفراشة المصرية، فريدة عثمان، صاحبة الميداليتين البرونزيتين في آخر بطولتي عالم.

لكن لو قمنا بالانتقال إلى المشاركات الأولمبية، فسنجد وجهًا مغايرًا تمامًا، حيث لن نرى سوى نقطة وحيدة مضيئة، سُجلت بتاريخ 21 أغسطس/آب من عام 2014 في سباق الـ 800 متر حرة في أولمبياد الشباب بالصين، وكانت هذه المرة الـأولى التي يعُزف فيها السلام الوطني المصري عبر هذه اللعبة.

أحمد أكرم حقق إنجازا لم يحدث منذ تأسيس الاتحاد.
ياسر إدريس، رئيس الاتحاد المصري للسباحة

كان ذلك عندما وقف شاب مصري في الـ 19 من عمره، متفوقًا على الجميع، ليس فقط على منافسيه في هذا السباق، ولكن أيضًا على كل من سبقه، وكل من أتى بعده في السباحة المصرية حتى الآن.

هذا الشاب هو «أحمد أكرم»، صاحب أول ميدالية أولمبية ذهبية في تاريخ السباحة المصرية، ولأن الذهب لا يصدأ أبدًا سنسرد فصول قصة البطل الذي ما زلنا ننتظر منه الكثير.

بطل منذ نعومة أظفاره

كما جرت العادة، إذا كنت تعرف نموذجًا ناجحًا في طفولتك، فلا شك أنك ستسعى لتكون مثله؛ أما إذا كان الجد للأم هو الممثل المشهور، محمد الدفراوي، والطفل هو أحمد أكرم، فالوضع مختلف تمامًا.

حيث يقول أكرم إن جده لم يرد دخوله مجال الفن والتمثيل، على الرغم من اصطحابه له إلى الإستديوهات خلال التصوير منذ الصغر. كان الجد يأمل في تحول حفيده إلى عالم الرياضة بدلاً من الفن؛ لما عانى منه طوال مشواره المهني.

وبالفعل لقد عمل الطفل الصغير بالنصيحة، واتجه إلى ممارسة السباحة بالنادي الأهلي وهو في الثامنة من عمره، وحصد أول بطولة له في عمر الحادية عشر، ليبدأ طريق احتراف اللعبة مبكرًا.

بدايتي كانت في النادي الأهلي مع المدرب «وليد سليمان»، وحصلت معه على أول بطولة في عمر الحادية عشر، وفي ذلك الوقت تنبأ الجميع أني سأكون بطلًا كبيرًا في اللعبة؛ حيث كنت أحصد العديد من الميداليات في المراحل العمرية المختلفة.

السباحة هي حلمي منذ الصغر، وعمري ما استغنيت عنها، حتى في المرحلة الثانوية وقبل بداية الامتحانات بأسبوع، ذهبت إلى بطولة أفريقيا في بتسوانا، وأخذت الكتب الدراسية، وكنت ألعب البطولة، وأذاكر في نفس الوقت، حتى أكون مستعدًا لخوض الامتحانات عقب العودة.
أحمد أكرم متحدثًا عن بدايته مع عالم السباحة لقناة النادي الأهلي

إنجاز أولمبي بالحلم لا الدعم

بداية أكرم مع اللعبة لم تعرف سباقات المسافات الطويلة إلا في 2013، على يد شريف حبيب، المدير الفني لمنتخب مصر للسباحة حاليًا، والذي عرض عليه تجربة سباقات المسافات، وبالفعل وقتها حقق اللاعب الواعد أرقامًا مميزة، دفعته إلى التركيز على سباقات الـ 400، و800، 1500 متر حرة فيما بعد.

ولم يكن يعلم حبيب وقتها أنه اكتشف إنجازًا تاريخيًا للسباحة المصرية، إلا حين رأى اكتشافه معتليًا منصة التتويج بعدها بعام واحد في دورة الألعاب الأولمبية للشباب في الصين.

إنجاز لم يصدقه أحد وقتها، ولا حتى أحمد نفسه، الذي ظل يحلم يوميًا باعتلاء تلك المنصة على مدار عام ونصف تقريبًا، وتحديدًا منذ أن علم بمشاركته في دورة الألعاب الأولمبية للشباب، والتي تزامنت مع السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية، والتي بالطبع تعد سنة مصيرية في حياة اللاعب الدراسية.

انتهيت من امتحانات المرحلة الثانوية في شهر يوليو/تموز، ثم كانت البطولة في شهر أغسطس/آب مباشرة، وطوال العام الدراسي، كنت أستعد لـ«اختبار القدرة الدراسية – Scholastic assessment tes» أو اختصارًا «SAT» -وهو امتحان أمريكي يقيس معدل الكفاءة للقبول في الجامعات هناك- من أجل التقديم لمنحة دراسية بالولايات المتحدة الأمريكية.

لم يتم دعمي بالشكل الذي يجعلني أحصل على ميدالية، ولكني كنت أحلم بتحقيق ميدالية أولمبية، والذهب كان مفأجاة كبيرة لي ولكل من حولي.
حديث أكرم لإضاءات عن تلك الفترة

السفر إلى أمريكا

في ديسمبر/ كانون الأول 2014، تم قبول أكرم رسميًا في منحة للدراسة بجامعة ساوث كارولينا بالولايات المتحدة الأمريكية، ليبدأ فصل جديد من فصول القصة، ليس على المستوى الدراسي فقط، ولكن أيضًا على المستوى الرياضي، إذ بات في استطاعة أحمد تمثيل الجامعة في البطولات المختلفة.

ولم يتوانَ السباح الشاب عن استغلال الفرصة، وواصل العمل للاستفادة من نظام الدراسة الذي يسمح له بممارسة اللعبة، والمشاركة، والاحتكاك مع مستويات مختلفة من السباحين، ونظم التدريب، والإمكانيات التي توفرها الجامعة لطلابها.

بدأت دراسة بالجامعة في يناير/ كانون الثاني 2015، وشاركت في بطولة الجامعة في أمريكا، وحصلت على المركز السادس في سباق الـ 1650 ياردة – بما يوازي 1500م حرة – كما تم اختياري الرياضي المثالي في الجامعة في ذلك العام.
السباح الأولمبي متحدثًا لإضاءات عن تلك المرحلة.

جدير بالذكر أنه قد تم اختياره الرياضي المثالي على مستوى الجامعة ثلاث مرات، خلال السنوات الأربعة التي قضاها هناك، وكان الاختيار يعتمد على معيار الإنجازات الرياضية، بالإضافة إلى المستوى الدراسي.

الطريق إلى ريو دي جانيرو

في الفترة التي تلت أولمبياد الشباب مباشرة، بدأت الألقاب تنهال عليه من «التمساح الذهبي» إلى «أبو هيف الجديد»، لكن الأهم أن الجميع اعتبره مشروع ميدالية أولمبية قادمة في أولمبياد ريو دي جانيرو 2016، وتناثرت الوعود عن الدعم الذي سيحظى به أكرم من المنظومة الرياضية بمصر.

ارتفعت تلك النغمة أكثر بعدما حقق أكرم المركز الرابع في بطولة العالم بكازان 2015، في سباق الـ 1500 متر حرة بزمن قدره، 14:53.66 ثانية، وبفارق 2.58 ثانية عن صاحب المركز الثالث، واُعتبر ذلك إنجازًا تاريخيًا للسباحة المصرية.

ورغم حلوله في المركز التاسع في سباق الـ 800م حرة، إلا أنه حقق زمنًا قدره 7:49:83 دقيقة، وبفارق 0.13 ثانية، عن آخر المتأهلين لنهائي السباق، كاسرًا رقمه السابق في أولمبياد الشباب 2014، بأكثر من 6 ثوانٍ، كما احتل المركز الـ 10 في سباق الـ 400م حرة، بزمن قدره 3:48.07 دقيقة، وبفارق مركزين فقط عن الـ 8 الأوائل، والذين تأهلوا لنهائي السباق في البطولة.

أحمد أكرم رفع سقف طموحات مصر في أولمبياد 2016.
محمود سامي، رئيس جهاز السباحة بالنادي الأهلي

إنجازات عام 2015، امتدت لتشمل القارة الأفريقية، حيث حصل على 4 ذهبيات في سباقات المسافات المفضلة له: 400، 800، 1500 متر حرة، بالإضافة إلى 200 متر فراشة، وميدالية فضية وحيدة في سباق التتابع 4X200 مع المنتخب المصري، ليفرض نفسه مرشحًا فوق العادة لميدالية أولمبية تاريخية قبل عام واحد من دورة الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو.

ضياع الحلم

كل ما ذكرناه سلفًا يُثبت بما لا يدع مجالًا للشك، أننا أمام موهبة استثنائية في السباحة المصرية، وبطل أولمبي واعد يطور من أرقامه بشكل مستمر، ويناطح الكبار في سباقات المسافات، وبالتبعية باتت فرصة الحصول على ميدالية أولمبية تاريخية في السباحة في ريو دي جانيرو أقرب من أي وقت مضى، شريطة توافر الدعم اللازم، ولكن هل توفر الدعم كما أُشيع سابقًا؟

بدأ الدعم للأولمبياد عقب دورة الألعاب الأفريقية، وكان عبارة عن «Pocket Money» يصرف لنا من الوزارة شهريًا، حتى نستطيع العيش في أمريكا، ومواصلة التدريب بشكل طبيعي هناك.
أحمد متحدثًا عن توفير الدعم له قبل أولمبياد ريو

أوضح أكرم أنه لم يحظَ بذلك الاهتمام المزعوم، ولم يكن هناك على أرض الواقع أي خطوات حقيقية لإعداده، سواء بالاشتراك ببطولات خارجية، أو معسكرات وغيرها من الوعود التي سمعها خلال العامين السابقين.

ذهبت لريو دي جانيرو، وأنا أهدف للوصول للنهائي، ولكني حصلت على المركز التاسع في 1500 متر حرة ولم أتأهل، مجملًا لم تكن بطولة موفقة لي.
أكرم عن خيبة أولمبياد ريو

الدراسة أولًا

في الفترة التي أعقبت أولمبياد ريو دي جانيرو، حرص «أبو هيف الجديد» على التركيز في الجامعة؛ حتى يستطيع الحفاظ على المنحة الدراسية، ومن ثم الحصول على شهادة التخرج، لكن لم يمنعه الأمر من المشاركة مع المنتخب المصري في بطولة العالم في المجر 2017، محققًا المركز التاسع في سباقي 800، 1500 متر حرة، وبفارق مركز واحد عن الثمانية المتأهلين للنهائي في السباقين.

بعد كسره للرقم الأمريكي في أولمبياد السباحة للجامعات في الولايات المتحدة، وحصوله على المركز الثالث في سباق الـ 1650 يارة (بما يوازي 1500 متر حرة)، قبل البطولة بأشهر قليلة.

في تلك الفترة، لم أتمكن من المشاركة في بطولات كثيرة؛ لأني كنت في سنة التخرج، وكثرت الشائعات حول اعتزالي اللعبة، وغيرها من الأشياء التي أثرت عليّ بالطبع.
أحمد أكرم في حواره مع إضاءات

وأنهى أكرم دراسته في الجامعة في شهر مايو/آيار الماضي، وحصل على الشهادة الدراسية في مجال البزنس من جامعة ساوث كارولينا في الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبح متفرغًا للسباحة بشكل كامل، ليبدأ رحلة أخرى وحلمًا جديدًا في أولمبياد طوكيو 2020.

طوكيو: لأن القصة لم تنتهِ بعد

لم ينتظر «التمساح الذهبي» طويلًا عقب تخرجه، إذ شارك في بطولة كاليفورنيا، وبعد 48 ساعة فقط، فاز بفضية سباق 400 متر حرة في بطولة «Pro swim series» بأمريكا، رغم فترة التأهيل التي لم تستغرق سوى 4 أسابيع، واستطاع من خلالهما التأهل لبطولة العالم في كوريا الجنوبية هذا العام، والذي حصل فيها على المركز الـ 19.

بعد تخرجي، لم يكن متبقيًا إلا 6 أسابيع فقط على بطولة العالم القادمة. بالطبع تحقيقي للمركز الـ 19، مقارنة بالمركز الرابع في 2015، لم يكن أمرًا جيدًا، ولكن مجملًا بالنظر إلى الظروف، فهو أمر ليس سيئًا.
أحمد أكرم في حواره مع إضاءات عن مرحلة ما بعد التخرج.

بعد ثلاثة أسابيع، أصبح أكرم أكثر جاهزية، فحقق ذهبيتي سباقي 800، 1500 متر حرة، وبرونزية سباق 400 متر حرة، بالإضافة إلى ذهبية سباق تتابع 4×200 حرة مع المنتخب المصري، في دورة الألعاب الأفريقية بالمغرب.

حتى الآن لم يتأهل أحمد أكرم رسميًا لأولمبياد طوكيو، لكن الاتحاد المصري للسباحة يؤمن بقدرته على حصد ميدالية في طوكيو وليس فقط مجرد التأهل، إذ أدرج اسمه ضمن أسماء المرشحين لميدالية أولمبية في هذه الدورة، والتي أُرسلت إلى وزارة الشباب والرياضة المصرية في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي.

التأهل إلى دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو مسألة وقت بالنسبة لي، لدي أرقام أفضل كثيرًا من الأرقام المؤهلة للدورة، ولدينا بطولات كثيرة قادمة نستطيع تحقيق تلك الأرقام، وحسم التأهل، ما يشغلني الآن هو الاستعداد والتجهيز لتحقيق الحلم في طوكيو.

في السابق، لم يكن يسمح لي بوجود راعٍ (Sponsor)؛ لأنني طالب في منحة دراسية في الجامعة في أمريكا، الوضع الآن مختلف، وأستطيع التعاقد مع الرعاة بشكل طبيعي.

لم يتبق سوى 11 شهرًا، ولدي خطة كاملة حتى الوصول لطوكيو، أرقامي ليست بعيدة عن أبطال العالم في السباقات التي أتميز بها، نحن نتحدث عن فارق بضع ثوانٍ قليلة، وهذه الفوارق لا تعني شيئًا في سباقات المسافات الطويلة، ويمكن تعويضها بالإعداد الجيد، والتدريب السليم.
أحمد أكرم مختتمًا حواره مع إضاءات