أنا لا أمتلك مسيرة، أنا أمتلك نصف واحدة فقط!
أحمد حسام «ميدو» عن حياته الكروية في لقاء تلفزيوني

نحن هنا لا نتحدث عن مجرد لاعب مصري لعب معظم مسيرته بالخارج، ولكننا نتحدث عن أحد أكثر الشخصيات الكروية في مصر إثارة للجدل في مصر، أو عن «العالمي» كما يحلو لكثيرين تسميته. معظم الأحاديث التي تدور مع أو عن ميدو لم تتطرق إلى مشواره الكروي بالتفصيل وكيفية اعتزاله مُبكرًا وأحلى أهدافه، كما تدور الأحاديث مع النجوم المُعتزلين.

في حالة ميدو، تجد الأحاديث تأخذ منحى مختلفًا تمامًا. معظم الحوارات تكون عن خلافاته خارج الملعب مع اللاعبين والمدربين، وشجاره مع هذا أو ذاك، الأشياء التي يُبدي ميدو خجلًا مُتكلفًا بعض الشيء في الحديث عنها بسبب رغبة دفينة في إظهارها وكأنها كُل ما يمتلك. ميدو يشعر أن هذا جزء من تاريخه الذي اعترف هو شخصيًا أنه لم يُكمله كلاعب موهوب انتظر منه كثيرون أن يُصبح «العالمي» حقًا.


حلم البدايات وألم النهايات

مسيرة ميدو الكروية كانت عجيبة بسبب السيمترية الغريبة التي تميزت بها. كل قصة مع كل ناد وطأت قدماه ملاعبه، حتى التطابق المُبهر في كل سيناريو رغم اختلاف الظروف كان عجيبًا، والأعجب هو عدد الأندية التي لعب لها ميدو في مدة 10 سنوات فقط تقريبًا.

المسيرة بأكملها حتى تُشبه مسيرته مع كل ناد: بداية جميلة ونهاية مأساوية، ليس لنفسه فقط بل الحلم والمأساة كانت لجموع الشباب المصري المُتيم بالكرة الذي انبهر لرؤية أحد أبناء جلدته يرتدي قمصان أندية أوروبية مرموقة. فأحدهم ما زال يتذكر كيف كان سعيدًا باقتناء قميصه عندما لعب بمارسيليا، والآخر كيف كان يتباهى أمام أصدقائه بتمكنه من مشاهدة مُباريات مُباشرة لميدو بالدوري الإسباني وكيف وكيف؟

أحلام كثيرة وضعها أطفال وشباب على ميدو، كانوا يرون فيه بطلًا مثل شخصيات الرسوم المُتحركة ولكنه كان كل مرة يضيع الحلم على نفسه وعليهم. البداية كانت مع جنت البلجيكي فور خروجه من نادي الزمالك وحصوله على جائزة أفضل لاعب أفريقي في الدوري البلجيكي فقط بعمر 18 عامًا بعد تسجيله 11 هدفًا في موسمه الأول والوحيد في بلجيكا، لتبدأ قصة أُخرى في هولندا.

أياكس أمستردام يطلب التعاقد معك بعمر 19 عامًا، وتحت قيادة كومان، لتنفذ موسمين ممتازين تتخللهما بعض المناوشات مع رونالد كومان ليصل الأمر لانتقاد كومان له بصراحة في أكثر من مناسبة، ويُعاقبه بنزوله للفريق الرديف بسبب عدم الانضباط على حد وصفه! مشاكل مع المُدرب أنهت المسيرة مع بطل هولندا مُبكرًا ليُعار إلى سيلتا فيجو الإسباني.

عندما ننظر لمسيرة ميدو مُجمعة من أعلى سنجد أن محطة سيلتا فيجو هذه كانت بداية كُل مشاكله كلاعب. فعلى النقيض، استمر إبراهيموفيتش في أياكس موسمين آخرين لينتقل إلى يوفينتوس بعدها، ويظل يلعب في نفس المستوى من الأندية حتى نهاية مسيرته.

ميدو كان متهورًا بما يكفي لاتخاذه قرار اللعب في فيجو، تشعر أنه قد تدنى بنفسه كلاعب للنزول أربع أو خمس درجات عما كان من المُفترض أن يصير، ولكنه التزم بالسيناريو وكأنه ينفذ شيئًا ما لا نفهمه، بداية جميلة وهدف على بيلباو في فوز 2-1 في أولى مُبارياته، ثم إصابة طويلة ثم عودة فطرد ثم، لا شيء جديد. تشعر أن ميدو يفقد شيئًا ما يُشبه شحن البطارية، شيء ما لا نعلمه.


الفرصة الأخيرة، سيمترية أخرى وخطأ قاتل

ناد كبير آخر قرّر أن يُعيدك إلى الحياة. مارسيليا عظيم الجنوب الفرنسي قرّر جعل ميدو اللاعب المصري الأغلى حينها عندما دفع لأياكس 12 مليون نظير انتقاله. كل شيء هُنا يُشبه أياكس، ناد كبير وشعبية طاغية ومهاجم آخر رائع سأتشارك معه في خط الهجوم، ربما فكّر ميدو هكذا، لذلك قرّر لعب موسم جيد بتسجيله 9 أهداف منها هدف في ريال مدريد بدوري الأبطال، ثم إكمال السنياريو بالرحيل عن مارسيليا نهاية الموسم بسبب «افتقار مارسيليا للطموح»على حد تعبير أبيه!

وما الذي يُميز روما وتوتنهام بعد ذلك في طموحهما عن مارسيليا؟ لم يرد أحد سوى تاريخ ميدو نفسه بـ6 أشهر فقط مع روما دون أي هدف، ليرحل على سبيل الإعارة إلى توتنهام. لعب ميدو في توتنهام، رُبما آخر موسم ونص جيدين في مسيرته، بتسجيله 15 هدفًا مع الأبيض اللندني مُحافظًا على تقاليده بتسجيله في أولى مبارياته أمام بورتسموث.

بداية موسم 2006-2007 قرّر توتنهام شراء عقد ميدو كاملًا ليُقرر ميدو بدء المشاكل لهدف لا يعلمه إلا هو! تصريح حاد ضد سول كامبل مُدافع توتنهام السابق بأنه أحد أسهل المُدافعين الذي لعب ضدهم ليصنع أزمة كبيرة، فيُصرح ريدناب بأنه لن يقول للاعبيه شيئًا بل سيضع لهم تصريحات ميدو أمام أعينهم، ثم عقّب عليه بأنه تصريح مغرور وغير محترم، حتى مارتن يول نفسه قال إنه تصرف غير مسئول وغير مُحترم من الدولي المصري!

لم تكُن مفاجأة بعد ذلك عدم قدرته على التسجيل لـ5 مُباريات مُتتالية وبيعه لميدليزبروه في نهاية الموسم. بعد ذلك ولمدة 3 سنوات تنُقلات بين الإعارة والبيع لأندية وسط أو أقل، حتى في ويجان وويستهام، يتخللها إعارة لأياكس والزمالك! ثم النهاية في نادٍ بالقسم الثاني يُدعى بارنسلي.

لم يتخلَّ ميدو عن عاداته مع البدايات السعيدة، تسجيل في البدايات مع البورو ضد فولهام، ثم وزن زائد وعقد بـ1000 إسترليني في الأسبوع لا يليق بميدو في النهاية. ميدو الذي صرح بأنه يُضحي بالمال ليلعب في نفس المستوى العالي، ولكنه لم يُطل اللعب ولم يسلم من سُخرية الصحافة الإنجليزية.


العالمي، حقيقة أم خيال؟

انتهت مسيرة ميدو الكروية التي وصفها هو نفسه بالتهور والقرارات الخاطئة، حتى أنه نصح محمد صلاح بعدم التنقل كثيرًا بين الأندية حتى لا يصُبح مثله، ثم نجده يُنعت بـ«العالمي» وسط جموع مُعجبيه! هل حقًا ميدو عالمي؟

الأمر لا يتعلق بميدو بل يتعلق بعدة أشياء، أولها تعريفك الشخصي لكلمة «عالمي». هل «عالمي» بمعنى أنه لعب في أندية من المستوى الأول؟ حينها لن يصبح عالميًا، أم «عالمي» لأنه لعب في أندية أوروبية كثيرة؟ حينها يصبح محمد زيدان عالميًا أيضًا، بل إن زيدان قد سجّل أهدافًاأوروبية أكثر وحصل على دوري ذي قيمة أعلى مثل البوندسليجا. لاعبون أقل من زيدان سيحصلون على اللقب إذًا، إيميل هيسكي مثلًا. أم عالمي لموهبته؟ حينها ماذا نقول على بالوتيللي وحاتم بن عرفة؟

الجواب هو أن الندم هو ما جعل الجدل مثارًا حول ميدو. الندم منه على مسيرة ضائعة وموهبة لم تُستغل وبالتالي التعلق بالحكايات التي تبدو مُسلية وقت التندر، بها مثل خلافه على خط تماس ستاد القاهرة مع مُدربه حسن شحاته، وضربه لإبراهيموفيتش بالمقص. وكأن ميدو حزين من داخله على أهداف لم تسكن الشباك ومُباريات لم تُلعب، فقرر أن يستبدلها بقصص يرويها للناس ويتفاخر بأنه لعب مع ديديه وزلاتان وسواريز، وتدرّب على يد يول وكومان، وتعامل مع الوكيل الأشهر رايولا.

الندم من الطرف الآخر هو من جمهور نادي الزمالك، جمهور النادي الذي نشأ فيه وشجعه ميدو صغيرًا ولعب فيه ودربه بعد ذلك. الزمالك مر بظروف قاسية جدًا على المستوى الكُروي في الأعوام الخمسة عشر الأخيرة ولم يجد جمهوره أي مظهر من مظاهر البطولة في لاعبيه للفخر بهم أمام المُنافسين ولا حتى لإرضاء أنفسهم فكان ميدو هو الفارس الزمالكاوي الذي لم يستفد منه جمهور الزمالك إلا بانتمائه الذي سيحكي عنه الجمهور الأساطير التي سيُحققها لو كان لعب عندهم، وسيتفاخرون بغزواته في الخارج ويطلقون عليه الألقاب.

الأمر إذًا أصبح أشبه بدائرة مُفرغة، ميدو يحس بشعور ما يُغذيه جمهوره له فيزداد الشعور و يسعى ميدو دائمًا للظهور بصفة العالمي في الإعلام. الرجل الذي يعرف فلانًا وفلانًا ولعب مع هؤلاء وله ذكريات مع هؤلاء، يسعد بتصدر المشاهد وأحيانًا يختلق اختلافات وجدلًا على مواقع التواصل الاجتماعي.


الميديا و الـ«لو»

أطلق الإعلام المصري على ميدو «العالمي» وأصبحوا يتاجرون بقصصه وذكرياته وهو يستمتع بحكايات سب الجوهري له يومًا بسبب تصرف غير لائق منه صدر في إحدى مُباريات المُنتخب. أصبح ميدو رمزًا للكرة المصرية دون أن يفعل ما يجعله يستحق هذا. بالطبع، المسئولون والإعلاميون في مصر لا يعلمون شيئًا، وبالتالي ذُكر أنه تم استشارة ميدو من هاني أبو ريدة عن أجيري مدرب المنتخب الجديد، لا مانع في ذلك بالتأكيد، ولكن هذا يدل أن اتحاد الكُرة لا يجيد سوى الظهور على الفضائيات، مجلس إدارة قنوات اتحاد الكرة.

تغذية الشائعات في عقول الجمهور بأن ميدو كان يُجلس إبرا وديديه على الدكة بنبرة عظمة كاذبة مصحوبة بالتحسر على رونالدو دا ليما الذي فقدناه، ولكن هذا إحصائيًا غير ممكن حيث لعب إبرا 75 مباراة في موسمين مقابل 50 لميدو، وفي مارسيليا لعب دروجبا 55 مُباراة مقابل 33 لميدو!

العجيب أيضًا في مسيرة ميدو أن سردها بشكل مجرد يعتبره البعض هجومًا عليه أو تقليلًا منه، لكن المُراد إيصاله هو الحزن على موهبة أهدرها صاحبها وأصبح مثالًا للسخرية بسبب وزنه الزائد وتصريحاته على تويتر. كذلك مسيرته كمُدرب لا تحظى بأي محطة ناجحة سوى الفوز بكأس مصر مع الزمالك، ورغم ذلك يتم ترشيحه للعمل في الجهاز الفني للمنتخب القومي. يستفيد ميدو الآن من التسويق لنفسه دون مسيرة نابغة حقيقية، فالإدارة الكروية في مصر تكتفي بأن تكون زاملْت إبراهيموفيتش وجلست بجوار جيمي ريدناب في سكاي سبورتس لتصبح مُدربًا ناجحًا.

كل عيوب الجدل المثار حول ميدو هي عيوب في الشخصية المصرية، آخرها نظرية «لو» الشهيرة:

«لو» لم يلقِ حسام غالي القميص في وجه يول، «لو» لم يكن شيكابالا عصبيًا، «لو» لم يستهتر متعب بموهبته، ماذا يحدث «لو» التزم عمرو زكي؟ بالتأكيد أشهر «لو» هي «لو» ميدو لأن هناك 100 «لو» ترتبط به.