انتشر الحديث الإعلامي عن التطبيع بين السعودية وإسرائيل بقوة في عام 2023، ولكن تلك المرة كانت مختلفة، حيث تسيطر على إسرائيل حكومة يمينية متطرفة تسعى للقضاء على الفلسطينيين، وتُشكِّل عائقاً للإدارة الأمريكية بسبب سياستها المتطرفة. وعلى الصعيد الآخر استعادت المملكة العربية السعودية علاقاتها مع إيران في مارس من نفس العام، برعاية صينية، مما يشكل تهديداً على أمن إسرائيل، وإشارة واضحة لتنامي النفوذ الصيني في المنطقة.

ولكن في الوقت نفسه، اتجهت المملكة السعودية إلى تغيير سياستها ببطء، فعلى سبيل المثال لم تهاجم الرياض الدول التي طبّعت مع إسرائيل خلال الأعوام الماضية، كما سمحت بفتح المجال الجوي أمام الرحلات القادمة من وإلى إسرائيل، وأيضاً صرّح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في مقابلته مع قناة «فوكس نيوز»، إن بلاده «لا تنظر إلى إسرائيل كعدو بل كحليف محتمل في عديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معاً، لكن يجب أن تحل بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك».

وعلى الرغم من أن التطبيع الإسرائيلي مع بعض الدول العربية خلق لها مُتنّفسًا، فإنها تصر على الوصول لاتفاق سلام جديد يضم المملكة العربية السعودية، كونها أكبر دولة إسلامية في المنطقة، وقبلة المسلمين في العالم، فإذا نجحت في تحقيق غايتها، ستنجح إسرائيل في تطبيع العلاقات مع دول عربية أخرى بشكل أكبر، وبالتالي تتلاشي الدائرة المغلقة التي تعيش فيها إسرائيل، وتنفتح على العالم بسهولة أكبر.

محددات نجاح عملية التطبيع

إن السياسة في الشرق الأوسط، مؤخراً، باتت تتشكّل من جديد، وذلك بسبب اختلاف موازين القوى في العالم، فالولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تؤثر في المنطقة بثقلها المعتاد، وإنما بدأت في الانسحاب بصورة تدريجية منها. وفي سياق متصل، تنامي النفوذ الصيني ليصل إلى المملكة، التي تعتبر حليفًا مهمًا للولايات المتحدة الأمريكية، ولكن نظراً للتوترات الأخيرة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة، استطاعت إيران وبرعاية صينية أن تحرز تقدمًا في علاقاتها مع المملكة، لتعود العلاقات التي انقطعت لسنوات، استطاعت إسرائيل خلالها أن تنعم بالاستقرار الأمني المؤقت.

على غرار ذلك، رأت إدارة بايدن ضرورة استعادة مكانتها في المنطقة، والحفاظ على أمن إسرائيل، من خلال سرعة إتمام تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وهو ما قد يُفيد الرئيس الأمريكي في حملة إعادة انتخابه في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.

أجرت الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية محادثات تتعلق بشروط الرياض لإحراز تقدم نحو التطبيع في الأشهر الأخيرة، حيث سعت المملكة لتحقيق عدة مطالب لعل أهمها: تعزيز التحالف الأمني مع الولايات المتحدة، عن طريق توقيع اتفاقية دفاع رسمية بين البلدين، بجانب توريد أنظمة أسلحة متطورة مثل طائرات F35، وأنظمة دفاع جوي متطورة، وأيضاً تطوير برنامج نووي مدني كامل في المملكة بما في ذلك تخصيب اليورانيوم. كذلك وضعت المملكة شرطاً أساسياً لنجاح الاتفاق، وهو ضرورة إيجاد حل للقضية الفلسطينية، في إشارة لحل الدولتين.

وفى إطار الجهود للتوصل إلى اتفاق التطبيع، ذهب وفد من السلطة الفلسطينية للرياض لتوضيح مطالبهم لحل القضية، وقد كانت مطالبهم كآلاتي: وقف الاستيطان في الضفة الغربية، وعودة الدعم المالي السعودي للسلطة الفلسطينية بقيمة تُقدَّر بـ 200 مليون دولار، ونقل إدارة المنطقة (ج) في الضفة الغربية إلى السلطة الفلسطينية بموجب اتفاقية أوسلو، واستئناف المفاوضات بشأن إقامة دولة فلسطينية، وفتح قنصلية سعودية في القدس الشرقية. وتجدر الإشارة إلى قيام السعودية بتعيين سفير غير مقيم في الأراضي الفلسطينية ويتولى منصب القنصل العام في القدس.

سيناريوهات المستقبل

السيناريو الأول: نجاح التطبيع

التقى جو بايدن برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في سبتمبر/أيلول 2023، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأثناء اللقاء أبلغ نتنياهو بايدن بأن التوصل لاتفاق سلام تاريخي ممكن مع السعودية، بينما قال ولي العهد محمد بن سلمان إن المملكة تقترب من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكن القضية الفلسطينية تظل مهمة للمفاوضات، في إشارة واضحة من كلا الطرفين بإحراز تقدم في المفاوضات الرامية للتطبيع.

وعلى الرغم من رفض إسرائيل امتلاك السعودية لبرنامج نووي مدني، فإنه تم تقديم اقتراحات من شأنها منح السعودية برنامجًا نوويًا تحت إشراف أمريكي كامل. وفي ما يتعلق باتفاق الدفاع الرسمي الذي ترغب به المملكة، فقد كشفت تقارير عن مبادرة أمريكية لإقامة اتفاقيات دفاع مع السعودية وإسرائيل بهدف نجاح عملية التطبيع بينهما.

السيناريو الثاني: إجهاض التطبيع

هناك عقبات عديدة تحول دون التوصل لاتفاق التطبيع بين الطرفين السعودي والإسرائيلي، وأهمها انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة وإقامة دولة للفلسطينيين على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، فالتيار اليميني الإسرائيلي المتشدد لم يرغب في تمرير هذا المطلب للسعوديين، كونه في الأصل صهيونيًا دينيًا ذا أجندة استيطانية عنيفة تجاه الفلسطينيين.

كذلك حذّرت إيران من تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، حيث ذكرت أنه يمس أمنها القومي بشكل مباشر، ويؤثر على الاستقرار الإقليمي بالمنطقة، كما أنه لا يخدم مصلحة القضية الفلسطينية.

في سياق متصل، أكّد ولي العهد السعودي أنه إذا حصلت إيران على سلاح نووي، ستحصل المملكة عليه أيضاً، وهو الأمر الذي تخشاه إسرائيل، فهي لا تريد التفوق النووي لأي دولة في المنطقة سواها، وبهذا هي أمام تحد جديد، ويمكن اعتبار أن الانتخابات الأمريكية تمثل عائقًا لاستمرار عملية التفاوض، فلا يمكن تحديد ما إذا ستلتزم الأطراف الموقعة على الاتفاق بتنفيذه.

أخيراً، جاءت تطورات الأحداث في غزة بعد عملية «طوفان الأقصى»، لتجعل اتفاق التطبيع غير محتمل في المنظور القريب، فلن تُقدِم المملكة العربية السعودية على هذه الخطوة إلا في وجود حل حقيقي يُعيد للمنطقة الهدوء والسلام، وبما أن العملية متواصلة حتى هذه اللحظة، فمن المُرجَّح تعليق المحادثات بين الطرفين.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.