«موت وخراب ديار» ربما ينطبق هذا المثل بشكل كبير علي حال إسرائيل الآن بعد حوالي ثلاثة أيام فقط من قيام فصائل المقاومة في غزة بحربها غير المسبوقة والمفاجئة على الأراضي المحتلة فجر السبت الموافق 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

الاقتصاد الاسرائيلي الذي كان يعاني بالفعل قبل بدء الحرب بفضل التوترات السياسية غير المسبوقة داخلياً بسبب أزمة قانون التعديلات القضائية برعاية رئيس الوزارء الحالي (بنيامين نتنياهو ) علاوة علي التباطؤ الاقتصادي عالمياً وسياسة التشديد التي يتبعها الفيدرالي، أصبح الآن على أعتاب انهيار وخسائر اقتصادية تاريخية بسبب (طوفان الأقصى).

في البداية نتعرف علي بعض مظاهر الأزمة الاقتصادية في إسرائيل قبل الحرب:

  1. «التوترات السياسية ستستمر، وسيكون لها على الأرجح عواقب سلبية على الوضعين الاقتصادي والأمني» كان هذا العنوان الرئيسي لتقرير وكالة موديز للتصنيف الائتماني عن الاقتصاد الإسرائيلي قبل شهرين ونصف تقريباً من الآن، كما أشارت الوكالة في نفس التقرير إلى أن نحو 80% من الشركات الناشئة الإسرائيلية الجديدة اختارت نقل أعمالها خارج إسرائيل هذا العام، ارتفاعاً من 20% في 2022.
  2. بعد أسبوعين من تقرير موديز، أعلنت وكالة ستاندرد أند بورز للتصنيف الائتماني أن النمو في إسرائيل سيتباطأ إلى 1.5% في عام 2023 من 6.5% في عام 2022.
  3. على جانب آخر، تعاني البلاد من تضخم مرتفع وصل إلى 5% اضطر معه «بنك إسرائيل» – البنك المركزي للبلاد – إلى رفع سعر الفائدة بشكل مطرد من مستوى قياسي منخفض بلغ 0.1% في أبريل الماضي إلى 4.75% هذا العام في محاولة لكبح جماح التضخم. ورغم ذلك، لم ينجح رفع سعر الفائدة في خفض التضخم إلى المستوى المستهدف الذي يتراوح بين 1 و3%. وفي الوقت نفسه، يؤدي ضعف الشيكل (العملة المحلية) إلى زيادة تكلفة السلع المستوردة، مما يؤدي بدوره إلى زيادة أسعار المستهلك، مثل تكلفة الوقود إلى جانب الضغط على الميزان التجاري وميزان المدفوعات.
  4. وفقاً لوكالة بلومبيرج، فإن الاستثمار الأجنبي المباشر في إسرائيل انخفض بنسبة 60% في الربع الأول من عام 2023 مقارنةً بالمتوسط الفصلي للسنوات الأخيرة، ووفقاً لوزارة المالية الإسرائيلية فقد انخفض عدد الصفقات والمُستثمرين بمقدار الثلث.

ولربما كان محمد الضيف، قائد الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وهو يخطط مع رفاقه للمعارك على دراية بهذه الأوضاع الاقتصادية الحرجة داخل إسرائيل. إن اختيار توقيت بدء الحرب كان موفقاً جداً من الناحية الاقتصادية وهو ما تظهره التداعيات الكارثية (الأولية) على الاقتصاد الإسرائيلي بعد مرور ثلاثة أيام فقط من القتال، حيث اضطر البنك المركزي الإسرائيلي ولأول مرة في تاريخه إلى أن يتدخل ببيع 30 مليار دولار من الاحتياطي الأجنبي ضمن خطة عاجلة لإنقاذ الشيكل من الانهيار.

بالتزامن مع ذلك، وصل سعر الشيكل إلى أدنى مستوى له أمام الدولار في 8 سنوات، واضطر البنك المركزي الإسرائيلي للدفع بحزمة تتجاوز 45 مليار دولار في خطة طارئة لمحاولة إنقاذ الموقف الاقتصادي. كما خسرت بورصة تل أبيب ما يزيد على 20 مليار دولار في أول جلسة تداول بعد الحرب مباشرة، بينما تراوحت الخسائر بين 6% و9% في كل مؤشرات بورصة تل أبيب في ثاني أيام التداول. وتهاوت أسعار السندات السيادية بأكثر من 3%، وتم إلغاء أكثر من 300 رحلة سياحية كانت مخططة إلى الأراضي المحتلة.

وقدرت الخسائر الاقتصادية المباشرة حتى الآن بما يزيد على 10 مليارات دولار، إضافة إلى نقص كبير في المواد التموينية والخضروات والفاكهة الطازجة والسلع الاستهلاكية بشكل عام في الأسواق.

قد تمثل الحرب أيضاً ضربة موجعة لطموحات تل أبيب أن تصبح مركزاً لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا وأماكن أخرى، حيث تمثل حقول الغاز الطبيعي قبالة الساحل الإسرائيلي الآن نحو 70% من توليد الطاقة الكهربائية في البلاد، مما يقلل من استخدام الفحم الملوث، وساعد الغاز إسرائيل على تخفيف اعتمادها الكبير على واردات الطاقة، مما كان له أثر إيجابي على ميزان المدفوعات لديها إذ قد تضطر إلى إغلاق تلك الحقول خوفاً من تعرضها للهجمات مثلما فعلت في مواجهات عام 2021.

ختاماً، يمكن القول إن موعد عملية «طوفان الأقصى» كان مثالياً من الناحية الاقتصادية، وحتى الآن تمثل تداعياته «الأولية» هزة عنيفة لإسرائيل مع شلل اقتصادي شبة كامل، وإغلاق مئات المصانع والشركات مع ضرر متوقع على الاستثمارات على جميع المستويات، وفي مجال الطاقة بشكل أكبر، بخاصة إذا طال أمد القتال وتوسع ميدانياً.