قبل أن تشرع في قراءة هذا المقال عليك أن تدرك أن كرة القدم رؤى، ولكل وجهة نظر فروضها، قد تعترض في بادئ الأمر على تلك الفروض التي سأقدمها إليك، لكن ربما بعد مرور الدور الأول من مسابقة الدوري القادم سيثبت الواقع صحة توقعي، ستعلم وقتذاك لماذا وصفت رحيل حسام البدري عن النادي الأهلي بأنه إعادة إنتاج للعبث الكروي، وستعود حينها لقراءة المقال، أو على الأقل تذكره، لكن على غير العادة أتمنى ألا يصدق كلامي هذه المرة.

حاول أن تسترجع معي فترة تعدد المدربين في النادي الأهلي قبل عودة البدري في ولايته الثالثة، بين فتحي مبروك وجاريدو وبيسيرو ومارتن يول، لم يكن ينقص الأهلي حينها مجرد مدرب لديه تكتيك يناسب طموحات الجمهور الأحمر فحسب، بل كان يحتاج رجلًا يصنع له شخصية في أرض الملعب أو في لفظٍ آخر شخصية قيادية.

في علم الإدارة بأنواعها المختلفة هناك فرق بين شخص يدير الفريق وشخص يقوده، وكان الأهلي حينها يبحث عن الشخص الذي يقود، الذي تتوفر فيه سمات شخصية محددة إلى جانب مهاراته التدريبية، ومن الصعب أن تجد هذه السمات في مدرب أجنبي بصورة سريعة ومناسبة ماديًا لإدارة النادي؛ لأنه ببساطة ليس كل المدربين الأجانب كمانويل جوزيه يا عزيزي. فكان الحل حينها هو المدرب المصري، وللأمانة يوجد بمصر مدربون قياديون كثيرون، لكن أغلبهم لا يصلح للأهلي في الوقت الحالي، إما لاعتبارات فنية، أو بسبب سياسة إدارة الأحمر في الاختيار، لكن هنا ستطرح سؤالًا محوريًا.. لماذا فشل البدري؟


البدري لم يفشل!

أن تصل إلى نهائي دوري أبطال أفريقيا وتخسر بأخطاء تحكيمية بعدما تجاوزت في مشوارك فريقًا كالترجي التونسي والنجم الساحلي بأداء مبهر ونتيجة غير متوقعة في مباراة النجم، وأن تعيد كأس مصر للجزيرة بعد غياب 10 سنوات كاملة، وأن تفوز بالدوري من دون خسارة في الموسم السابق، وتجمع الثلاثية في موسم واحد، كل ذلك يُعتبر فشلًا!

أن تطور من أداء لاعب مثل وليد أزارو وتساعده على الحصول على لقب هداف الدوري، وتقضي نصف الموسم أو يزيد بقلبي دفاع أحدهما ظهير أيسر في الأساس، والآخر ظهير أيمن، وتؤهل الأول للانضمام للمنتخب المصري، وتجعل من الثنائي عبدالله السعيد وأجاي الأروع في الدوري المصري، وتهتم باللعب الجمالي والنتيجة معًا، فتنهي مبارياتك بسهولة ويسر حتى تجعل جماهيرك إذا لم تشاهد إحدى مبارياتك لا تسأل «الأهلي كسب ولا لأ؟» ويصبح السؤال «الأهلي كسب كام؟».. هل كل ذلك يُعتبر فشلًا؟

صحيح أن الأهلي هُزم في 3 مباريات من ضمن آخر 4 قادها البدري، لكن هذا له أسباب عديدة يتحمل البدري جزءًا منها، والأجزاء الأخرى تتحملها الإدارة، وظروف تحكيمية متعلقة بالمباريات نفسها، والأهم هو هبوط المستوى الفني للأحمر، والذي كان متوقعًا منذ فترة بعد ما قدمه في الموسم الحالي بشكل أشاد به الجميع، فمن المنطقي أن يهبط المستوى، لكن من سوء حظ البدري أن هذا حدث في مباريات مهمة خلال الموسم، ولكن حتى لو حدث ذلك في مباريات مهمة، هل يتسبب ذلك الإخفاق في نسيان كل إنجازات البدري؟


إدارة الخطيب ليست على ما يُرام

بالرغم من تأييدي اللا مشكوك فيه لقائمة الكابتن محمود الخطيب في انتخابات النادي الأخيرة، لكن على مدى الأشهر القليلة الماضية كانت بعض قرارات المجلس محل جدل، خاصة فيما يتعلق بسياسة إعارة اللاعبين للسعودية وعدم تعويض النادي، أبرز هؤلاء المعارين مؤمن زكريا، الذي أظهر البدري في أكثر من موقف رفضه رحيله، لكن في النهاية نفذ أمر الإدارة، مما يوضح أن البدري كان يُجبر على بعض القرارات بمبررات ليس معلومة للجماهير، وما خفي بالكواليس ربما يكون أعظم.

لجنة الكرة في النادي الأهلي هي سيدة قرارها، وحسام البدري يتحمل جزء أنه قبل أن يقوم بدور الموظف.

الصحفي إيهاب الفولي متحدثًا عن مسئولية البدري عن إعارات نجوم الفريق.


السعيد لا يؤثر على الأهلي.. حقًا؟!

لا شك أن قرار الإدارة إعارة السعيد كعقاب له على توقيعه للزمالك كان من أهم قرارات الأحمر في الشهور الأخيرة؛ للحفاظ على مبادئ النادي، لكن للالتزام بالمبادئ ثمن باهظ، وعليك أن تعترف أنه برغم ارتفاع هذا الثمن فإنك ستتحمله، لكن أن تُصدِّر وهم أن السعيد لا يؤثر على الأهلي غيابه من عدمه، وأن هناك من يمكن أن يعوضه، فهذا تقليل من شأن لاعب اتفق الكثيرون على أنه لا بديل له في مصر، وتلك حقيقة تزعج الكثيرين، لكنها تبقى الحقيقة.

حسام البدري في لقاء مع قناة On Live


المصائب لا تأتي فرادى

حينما حاول البدري تدارك تأثير غياب السعيد، لاحقه الحظ بإصابات أخرى قادرة على تعطيل مسيرة أي فريق، سواء هداف الفريق أزارو أو جناحه الذي كان سيعوض غياب السعيد النيجيري أجاي، وأسرع دليفيري في مصر علي معلول، ناهيك عن إجهاد أغلب لاعبي الفريق، كل هذا كفيل بسقوط الفريق.


لماذا سيُفتح باب العبث بالنادي؟

عبدالله السعيد يحدث فارقًا كبيرًا جدًا، وله عامل كبير في مستوى الفريق.

من أبرز أسباب تعيين البدري كمدير فني في الأهلي هو شخصيته القوية وقدرته على السيطرة على نجوم الفريق، وهذا لن تجده في مدربين كُثر، وبعد صفقة شراء صلاح محسن بما يقارب 40 مليون جنيه مصري، وتجديد عقد السعيد وفتحي بمبالغ كبيرة، انتشرت أخبار عن أن هناك لاعبين غير راضين عن قيمة عقودهم داخل النادي، وهذا الأمر قد يزداد اشتعالًا في الأيام القادمة.

بالإضافة إلى ما ذكرته، فالاتجاه نحو تعيين مدير فني أجنبي جديد للنادي سيخلق حالة من عدم الاستقرار خلال الموسم المقبل، في الوقت الذي يحاول فيه غريم الأهلي التقليدي الزمالك الاستقرار والعودة للبطولات عن طريق تثبيت مدربه خالد جلال، سيزيد من مهمة الأهلي صعوبة خلال الفترة المقبلة، سيستهلك المدرب الأجنبي وقتًا لتعليم اللاعبين أسلوبه، والتأقلم مع الفريق، وغيرها من الأمور؛ مما قد يضيع بطولة أفريقيا بشكل كبير، وفي رأيي تعيين مدرب مصري مثل مختار مختار أو طارق العشري أو علي ماهر قد يكون الأنسب في هذه الفترة.

على كلٍ سنرى ما ستبوح به أسرار الأيام القادمة، وسنعلم إن كان قرار رحيل البدري كان متسرعًا أم لا، لكن ربما نتفق على أن وجهة البدري المقبلة قد تكون خلافة كوبر بعد كأس العالم، حتى لو اختلفت مع شخصية البدري لكنه يبقى واحدًا من المدربين المصريين الأحق بذلك.

وتبقى كرة القدم تعلمنا درسًا هو أن إنجازات الإنسان السابقة لا تنفع في كل وقت، وأن اعتراض مجموعة كبيرة من المحيطين أو الجماهير على وجودك سيزيد الحمل عليك أضعافًا مضاعفة، وأن كل حلقات العمل بالمجال الكروي قد يُغفر لها أخطاؤها، وسيكون المدرب هو أول كبش فداء، ولكن نرجو ألا يترتب على ذلك أن يقرر التاريخ تكرار موسم الأهلي بلا هوية.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.